مقابلة مع: رائد عبد الله العجاجي الرئيس التنفيذي للشركة العالمية لطلاء المعادن (يونيكويل).
قررت الشركة بدء عملها في وقت لم تحظ فيه صناعة الحديد والصلب بالاهتمام المنشود، هل يمكن أن تروي لنا كواليس قرار وضع أساسات الشركة ونموذج عملها في ذلك الوقت وشكل المشهد الصناعي السعودي حينها؟
حينما أسسنا شركة يونيكويل عام 1997، بالشراكة مع مستثمرين سعوديين وشركة أسترالية رائدة في مجال طلاء المعادن، كان المشهد الصناعي السعودي ضبابياً بعض الشيء، خاصة مع عدم وجود وزارة مستقلة للصناعة من الأساس. وقد كانت الصناعة تتبع آنذاك لوزارة التجارة، رغم أن مصالح القطاعين قد تكون متضاربة أحياناً، ففي حين ستركز التجارة على استيراد المنتجات من الخارج، تهتم الصناعة بالتوطين وتوفير المنتجات محلياً بدلاً من استيرادها.
كان هدف الشركة تصنيع منتجات الحديد والصلب محلياً لتوفيرها بجودة عالية للسوق السعودية التي تم إغراقها بالمنتجات المستوردة من دول شرق آسيا. لكن بعد سنوات من التأسيس، لم تستطع الشركة تحقيق هدفها بسبب استمرار الاستيراد من الصين بوتيرة كبيرة، إذ كانت السوق السعودية مفتوحةً للاستيراد، إضافة إلى عدم وجود أي نوع من التحفيزات لتفضيل المنتج الوطني على المنتج المستورد كما يحدث الآن، ولا حتى تفضيل للجودة إذ كانت اعتبارات معايير الجودة شبه غائبة من الأساس.
منذ عام 2002 تقريباً، تغيرت أحوال صناعة الحديد والصلب العالمية لصالح الصين، حيث بدأت جمهورية الصين الشعبية بزيادة طاقاتها الإنتاجية، فبعدما كانت تشكل أقل من 15% من الإنتاج العالمي، أصبحت تشكل أكثر من 50% مع حلول عام 2014، ما أدى إلى توفر فوائض إنتاج هائلة نجم عنها زيادة التصدير بشكل لافت، واستقبلت السوق السعودية نصيباً وافراً من الواردات الأجنبية أثرت بشكل كبير على حصة الشركة في السوق المحلية، وأضعف تنافسيتها وتسبب في ضغط أسعار البيع إلى أقل من حدود التكلفة.
عانت الشركة لسنوات طويلة، تكبدت خلالها خسائر كبيرة، إذ ظل المنتج المستورد مسيطراً على السوق السعودية، وكان أمراً مربكاً لنا، خاصة أن يونيكويل استخدمت أفضل التقنيات والمواد الخام، واعتمدت أفضل معايير للجودة، واعتمدنا أفكاراً تقدمية لنصبح أكثر تنافسية من المستورد الخارجي، ومع ذلك لم تنجح المعادلة، فقد كان الإغراق مستمراً.
إذن التحدي الأكبر أمامكم كان إغراق السوق السعودية بواردات الحديد الملونة من دول شرق آسيا. كيف واجهتم ذلك التحدي لتصل يونيكويل إلى قيادة الصناعة كما نراها الآن؟
وصلنا إلى نقطة لم يكن عندها الاستمرار بهذه الخسائر ممكناً، ما دفع القادة إلى التوقف لحظة، لإعادة هيكلة الشركة في عام 2013، حيث قضت بإحداث تغييرات هيكلية في قيادة الشركة، ووضع أسس واستراتيجية جديدة للنجاة. وتساءلنا إذا كان يجب علينا الاستمرار كمنتِج وطني أم أن الإغلاق هو القرار الأصوب. ولكن وصلنا جميعاً إلى قناعة أن الشركة على وشك الخروج من السوق، فإما أن ندعها تموت في صمت، أو نكافح لإعادتها إلى الطريق الصحيح، وفي حال لم نستطع نكون قد خرجنا بـ "شرف".
حللنا كل ظروف عمل الشركة والمنافسة، واتّبعنا المقولة الشائعة التي تقول إن "طرح الأسئلة أول طرق التغيير"، لذا، كان طوق النجاة بالنسبة لـ يونيكويل هو معرفة الإجابة عن سؤال: "لماذا المنتج المستورد أقل تكلفة من منتجنا الوطني؟".
لم يكن أحد منا حقاً يعرف الإجابة، فبدأنا الطريق بالبحث في معايير جودة كل عنصر من المدخلات التي تدخل في صناعة منتجاتنا، ونِسب كل منها في المنتج. قدت أنا في الشركة ثقافة أطلق عليها "ابحث بنفسك"، فلم نخصص فريقاً للأبحاث، وإنما كلفنا كل شخص بدايةً من العامل البسيط للرئيس التنفيذي بإجراء بحوث مستمرة.
كانت النتائج مفاجئة ومخيفة في آن واحد، إذ رصدنا في مادة الزنك وفي مادة الدهان المستخدمتين في طلاء المنتجات المستوردة نسباً عالية جداً من عنصر الرصاص الذي يستخدم لجعل الطلاء لامعاً، ونِسب سماكة أقل من الحد الأدنى لمادة الزنك، بل ووجدنا تلاعباً في سماكات صاج الحديد. عندئذ عرفنا السر في التكلفة الأقل للمستورد، ففي حين نضع نحن، على سبيل المثال 90-100 جرام لكل متر مربع كحد أدنى من طلاء الزنك الذي هو الحد الأدنى المتعارف عليه عالمياً في هذه الصناعة، يضع المنافس الأجنبي 20 جراماً فقط ويضع البعض أقل من ذلك، وفي حين نلتزم بالسماكة الفعلية يقوم المنافس بالتلاعب عبر تخفيض السماكة بحدود 15-20%. وجدير بالذكر أن تخفيض طبقة الزنك توفر تكلفة تتجاوز 100 دولار للطن، والتلاعب في السماكة يحقق وفراً في التكلفة أيضاً يُقارب 150 دولار في الطن. والمؤلم أن كلتي الممارستين تؤديان إلى إضعاف كفاءة المنتج وعمره الافتراضي. شكلت هذه النتائج أكبر دافع لنا للاستمرار فيما قررنا خوضه من البداية.
شركة يونيكويل اختارت الطريق الأصعب في تحقيق الربح بتصنيعه وليس استيراده، فكيف يوازن نموذج أعمالكم بين تحقيق الربح على المدى القصير والطويل؟
لم يكن هدفنا هو الربح، وإنما البقاء ووقف الخسائر. وفي الحقيقة، أستطيع القول إن ما ميّز شركة يونيكويل أن ملاكها، مجموعتا الزامل والراشد، كانوا أقوياء ولديهم باع طويل في الصناعة السعودية، وبالتالي لديهم التزام وحس وطني للاستمرار والنفس الطويل من أجل تغيير ثقافة السوق.
فما حدث أننا وضعنا خطتنا، وأبلغنا الملاك بها، وأخبرناهم أن الطريق طويل وربما يأخذ وقتاً أطول حتى من المتوقع، إضافة إلى أنه سيضع الشركة في مواجهة مع القطاع التجاري. وقد تفهموا الخطة، بل وتحمسوا لها مع ظهور النتائج التي زادتهم إصراراً على الاستمرار.
إقناع العملاء بمنتج أكثر تكلفة وأقل ضرراً بالبيئة يصبح أكثر صعوبة، فهل واجهتم تحديات في هذا الشأن؟
حينما ظهرت النتائج، عرفنا أن السر في انخفاض تكلفة المنتجات المستوردة مقارنة بمنتجنا الوطني عالي الجودة أن المنتجات المستوردة لم تكن متوافقة مع المعايير العالمية لإنتاج الحديد. ولم يكن هناك دليل وطني يميز المنتجات على أساس معايير معينة للجودة، وإنما كانت السوق فوضى.
لذا، بدأنا في طريق التوعية، عن طريق تصميم حملات تثقيف، وحملات توعية وجهاً لوجه، لم نستعن خلالها بأي عنصر من خارج الشركة. ولكن قوبلت الكثير من هذه الحملات بردود أفعال سلبية، ربما لأن الحديث عن المعايير والمواصفات القياسية والمخاطر الصحية لعناصر مثل الرصاص لم يكن مألوفاً حينها سواء على مستوى المؤسسات الرسمية أو المستوى الشعبي.
لم نيأس، إذ وضعنا نصب أعيننا هدفاً وطنياً وكنا نعرف أن منتجاتنا الأفضل وتستحق الانتشار، فخضنا مع حملات التوعية طريقاً موازياً آخر، هو جمع عينات المنتجات المستوردة من أسواق المملكة لتحليلها. لم تكن هناك مختبرات، ولكننا عرفنا أننا ننشئ طريقاً من العدم، فأنشأنا مختبرات متطورة، وعلى الرغم أن نتائج عينات السوق كانت صادمة ومخيفة حقاً، إلا أنها كانت تزيدنا إصراراً.
وجدنا نسب الرصاص تصل إلى 5400 ميليغرام لكل كيلوجرام، في حين أن النسبة المحددة عالمياً هي 90 ميليغرام، كما رصدنا استعانة المنافس الأجنبي بنسب قليلة من الزنك قلل كفاءة المنتج.
كيف تعاملتم مع مشكلة غياب معايير وطنية أو إقليمية موحدة تحدد جودة المنتجات؟
ما تعلمناه جيداً خلال رحلتنا، إنه مهما بلغت الجهود المبذولة، فطالما ليس هنالك معايير دقيقة لجميع الأطراف يتنافسون وفقاً لها، ستكون الرحلة متعثرة. لم يكن هناك دليلاً للمواصفات والمعايير التي تحدد الشكل النهائي للمنتجات، فتقدمت بطلب لوضع هذه المواصفات، وقد قدت هذا الطريق مع هيئة المواصفات السعودية التي طالبناها بوضع مواصفات وطنية للمنتج السعودي. وبالفعل عقدت الهيئة لجاناً وشكلت جهات مختصة من الجامعات والشركات السعودية للنظر في طلب المواصفة. تلقينا العديد من الاعتراضات والردود السلبية التي كان يرى أصحابها أن هناك بعض المغالاة في طلباتنا خاصة فيما يتعلق بتحديد نسب الرصاص في الحديد والحدود الدنيا لطبقة الزنك في الحديد المجلفن والحديد الملون، وبأن المواصفة الأميركية هي المعتمدة ولا يوجد بها هذه التفاصيل. ووضحنا أن المواصفة الأميركية تهتم بالضوابط الفنية فقط بينما تحتكم بذاتها لتشريعات فيدرالية بيئية أخرى تحدد نسب الرصاص، في حين أن الدول الأخرى التي تعتمد المواصفة الفنية الأميركية لا توجد لديها تشريعات حاكمة لها كما هو الحال في أميركا.
الأمر لن يتوقف لدى تغيير المعايير أو وضعها من الأساس، وإنما تغيير طريقة إدارة القطاع ككل بما فيها الجمارك وعمليات الفسح الجمركي ومطابقة الواردات للمواصفات، والقوانين غير المفعلة بشأن الصناعة مثل قانون الوقاية ومكافحة الإغراق، والذي خضنا في سبيله معارك قانونية بجانب محاميين دوليين استعنا بهم لمساعدتنا في تفعيل القرار.
في مسيرتكم تجاه زعزعة سوق الحديد والصلب في المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بتغيير المعايير، هل تتذكرون موقفاً أو مثالاً تفخرون به؟
نعم، أتذكر موقفاً ساهم في تغييرٍ عالمي، فبالتوازي مع عملنا على خلق توعية لدى المعنيين بالمواصفات السعودية وتزويدهم بالدراسات العلمية، وفتح مختبراتنا أمامهم لإجراء التجارب، توجهنا في الوقت ذاته لعمل توعية عالمية بمخاطر استيراد هذه الأنواع من المنتجات والتي كانت تأتينا غالباً من الصين ودول شرق آسيا. وكنا نتشارك مع الولايات المتحدة في أن دولنا تستورد كميات كبيرة من هذه المنتجات، ففكرنا في التواصل مع هيئة المواصفات الأميركية وقدمت شخصياً مشروعاً لطلب مراجعة المواصفة الفنية الأميركية وإضافة بند للحد الأقصى لمادة الرصاص المسموحة في طلاء المعادن وذلك نظراً لأن أغلب دول العالم تعتمد المواصفة الأميركية، في حين لوحظ ارتفاع الرصاص في المنتجات المستوردة بنسب أعلى من النسب المحددة في التشريعات البيئية وقوانين حماية المستهلك الأميركية.
وضعنا نصب أعيننا هدفاً وطنياً وكنا نعرف أن منتجاتنا الأفضل وتستحق الانتشار، فخضنا مع حملات التوعية طريقاً موازياً آخر، هو جمع عينات المنتجات المستوردة من أسواق المملكة لتحليلها.
كان التجاوب سريعاً من قبل هيئة المواصفات الأميركية، خاصة وأن مقترحنا تزامن وقتها مع حملة عالمية تقودها منظمة الصحة العالمية للحد من استخدام مادة الرصاص في دهانات المنازل والمنتجات الأخرى وعلى رأسها ألعاب الأطفال، وخصصت لذلك منتدىً عالمياً يقام في شهر أكتوبر من كل عام للتوعية من مخاطر استخدام مادة الرصاص.
وخضع طلبنا لشهور من المراجعة وعقد اللجان في الولايات المتحدة، إلى أن وصلنا للجلسة النهائية الخاصة بالتصويت لصالح التعديل أو ضده. لم يكن النقاش سهلاً في قاعة هيئة المواصفات الأميركية، فقد كان مشروع القرار سيؤثر على 100 مليون طن من الحديد في العالم يعتمد إنتاجها بالدرجة الأولى المواصفة الأميركية. وقد وقف أحد العلماء الباحثين الموجودين في القاعة معترضاً على المشروع قائلاً: "لا أتخيل أن هناك طفلاً يضع الحديد في فمه"، متهماً مشروعنا وشركتنا بالمبالغة في الحديث عن الرصاص لأسباب تجارية.
أتذكر هذه الجلسة جيداً، إذ بينما كنت أهم بالرد عليه، تولى الرد عالم آخر، وهو رئيس الرابطة العالمية للحديد المجلفن، وأخبره عن شكاوى الأمهات المتزايدة اللواتي لاحظن أعراضاً مرضية غير مألوفة على أطفالهن، وكيف اكتشفوا في النهاية طرقاً متعددة يتعرض خلالها الأطفال لمنتجات الرصاص بسهولة. وهكذا اقتنع العالم المعترض وسحب اعتراضه. ثم جرى التصويت بالموافقة على تعديل المواصفات. أتذكر جيداً تصريح هذا العالم المنشور في صحيفة الشرق الأوسط السعودية كيف أن يونيكويل اتبعت دوراً عقائدياً مختلفاً ونوعياً، مكّن شركة من أقصى العالم من تغيير معايير أميركا وبعدها العالم بأكمله. وبناءً على القرار الأميركي بتعديل المواصفات، عُمّمت هذه المواصفات الجديدة في دول العالم التي كانت تتأثر بالمقاييس الأميركية بطبيعة الحال.
كيف أثرت عبارة "صنع في السعودية" التي تحملها منتجاتكم في حضوركم بالسوق، هل كانت محفزاً لتبني ثوابت الجودة، أم كان هناك تخوف من المستهلك أن تشير العبارة في ذلك الوقت إلى أن المنتجات لن تكون بجودة المنتجات المستوردة؟
في ذلك الوقت كان مصطلح "صنع في السعودية" مصطلحاً عاطفياً، ولم يكن له معايير، ولم يكن هناك قواعد تحدد نسبة القيمة المضافة في المُنتج المحلي كما يحدث الآن، بل ولم يكن هناك تعريف للقيمة المضافة التي لابد أن يحملها المنتج ليطلق عليه "صنع في السعودية"، بمعنى أن البعض كان يستورد منتجات من الخارج، ويضيف إليها شيئاً بسيطاً في السعودية، ومن ثم يعيد تصنيفها على أنها "صنع في السعودية". لذلك، لم يكن المصطلح واضحاً أو عادلاً. ولكنه الآن، تحت مظلة برنامج الصناعة السعودية، أصبح واضحاً وتحكمه ضوابط للقيمة المضافة ونسبة التوطين المحلي وهكذا.
في مقال بحثي في هارفارد، يوضح المؤلف أن الزعزعة تأتي من العميل وليس التقنيات المستخدمة، فهل حملات التوعية مثل فتح المختبرات لتحليل منتجات الحديد ونسبة الرصاص بها أتت بثمارها مع العميل؟
أردنا أن يكون المستهلك شريكاً لنا، وكان التحدي هو تبسيط المعلومة الفنية لأبسط شيء ممكن، فصممنا مختبرات محايدة، وطلبنا من العملاء الذين يريدون الاطمئنان بشأن الحديد الذي يستخدمونه بإرسال عينات لنا مع عدم الإفصاح عن المورّد، ونحن بدورنا نحلل العينة، ونرسل لهم نتائجها ومدى مطابقتها للمواصفات المطلوبة، وهذه المبادرة تعمل إلى اليوم. وكانت ردود الأفعال رائعة، إذ تلقينا العديد من رسائل الشكر والارتياح انعكست بدورها إيجاباً على سمعة الشركة وعلامة يونيكويل والمنتجات المحلية بصفة عامة.
بعد هذه الجهود الحثيثة سواء فيما يتعلق بإقرار المعايير محلياً وعالمياً، أو نشر الوعي لدى المستهلك، ما الفرق الذي لاحظتموه في السوق نتيجة هذه الجهود؟
صحيح، هذه الجهود على المستويين المحلي والعالمي والتواصل المستمر مع العميل والحكومة ممثلة في الوزارات والهيئات الرسمية، أتت ثمارها تدريجياً مع كل خطوة صغيرة اتخذناها وكل باب طرقناه، ما قادنا إلى تحقيق نتائج قيّمة على مدار السنوات، تمثلت في قفزة كبيرة في الوعي انعكست حتى على طلبات الشراء التي نستقبلها، إذ يطلب العميل حديداً ملوناً أو مجلفناً خالياً من الرصاص أو بالنسب الآمنة منه.
وامتد الوعي إلى جهات التصنيع والتجارة وحتى الجمارك، حيث صار هناك مواصفة سعودية. باختصار صار لنا شركاء من العملاء والجهات الحكومية.
رحلتكم لم تكن يسيرة خاصة أنكم رسمتم طريق النجاح بأنفسكم، ما هي الإشارات التي أكدت لكم أنكم تسيرون على المسار الصحيح؟
يقول المؤلف زيغ زيغلر: "يحدث النجاح حينما تلتقي الفرصة مع التحضير الجيد". هذا بالضبط ما حملته جائحة كورونا التي تسببت في تراجع صادرات الصين، المصدّر الأكبر لمنتجات الحديد، لتصبح مستوردة أكثر منها مصدّرة له. هذا التراجع أعطانا الفرصة للتنفس، فعلى الرغم من نشر الوعي ورحلتنا التثقيفية الطويلة، إلا أن المنافسة ظلت شرسة وغير عادلة مع المنتجات المستوردة. وما ساعدنا في الثقة بأن الصناعة ستجد أخيراً التقدير الذي تستحقه، هو عندما أقرت قيادة المملكة إنشاء وزارة للصناعة أواخر عام 2019، والتي بدورها دعمت الصناعة الوطنية عبر إرساء قواعد المحتوى المحلي وقواعد وأحكام المنشأ الوطني، وأصدرت عديداً من التشريعات الضابطة للإغراق والممارسات الضارة بما فيها تطبيق الحدود الجمركية القصوى على المنتجات المستوردة المضادة للمنتجات الوطنية، ما أدى إلى تحسين بيئة عدالة المنافسة وشفافيتها إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما عكس العمل الجاد والفعل تجاه تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.
في البداية تحركتم كشركة داخل قطاع الحديد والصلب، بينما تقودون الآن حركة منظمة بالقطاع ككل. ما الإجراءات التي اتخذتموها في هذا الشأن؟
الجهود التي بذلناها على مستوى المملكة قادت إلى تأسيس لجنة وطنية لصناعة الحديد قبل 8 سنوات، غير أنها لم تضم وقتها سوى محاولات فردية لم ترق للعمل المؤسسي، لذا تم انتخاب شركة يونيكويل لقيادة القطاع بسبب تحقيقها قفزات قانونية ونوعية وعلمية.
وقبلنا المسؤولية، فكان لنا العديد من البصمات في القطاع مع هذه اللجنة، إذ أسسنا لأول مرة قاعدة بيانات تثقف الصحافة السعودية التي كانت بعض أقلامها لا زالت تخلط بين المصطلحات المستخدمة في المجال كما وحّدنا اللغة المستخدمة مع الجهات الحكومية من خلال هذه اللجنة، وأصبحنا أعضاء في الرابطة العالمية للصلب World Steel Association، والاتحاد العربي للحديد والصلب، وشاركنا في منتديات دولية باسم اللجنة في الأردن والإمارات.
كما أطلقنا، في خطوة جريئة للغاية، أول مؤتمر سعودي دولي 2019، وفوجئنا بعدد الحضور من المختصين والفاعلين في المجال من كل أنحاء العالم، لدرجة اضطرتنا إلى إغلاق التسجيل قبل المؤتمر بثلاثة أسابيع. وبعد هذا المؤتمر، شعرت بشكل شخصي إن رؤيتنا قد تحققت، إذ حلُمت منذ سنوات برؤية المملكة تقود المعرفة في صناعة الحديد وتجمع الشمل تحت لوائها.
وقد قامت اللجنة الوطنية لصناعة الحديد بالعديد من الجهود الوطنية المشتركة الأخرى مع عديد من الجهات الحكومية، على رأسها وزارة الصناعة والثروة المعدنية، من بينها التوافق على استراتيجية الحديد الوطنية ضمن الاستراتيجية الوطنية للصناعة التي أطلقها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان في شهر أكتوبر 2022. كما ونجحت اللجنة في تنظيم النسخة الثانية من المؤتمر السعودي الدولي للحديد والصلب الذي عُقِدَ في مدينة الرياض في الفترة 12-14 سبتمبر 2022، والذي زاد حضوره عن 800 شخص، وشارك فيه نخبة متحدثين من رواد صناعة الحديد والصلب الإقليمية والعالمية ومسؤولون حكوميون ورؤساء تنفيذيون لمشاريع المدن السعودية العملاقة، بحثوا خلالها تحديات وفرص الاستثمار في صناعة الحديد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بما فيها الفرص المتاحة بالمملكة العربية السعودية واستعراض وزارة الاستثمار لبرامج تشجيع الاستثمار فيها.
قصة صعودكم حملت العديد من محطات المعاناة وتثبيط العزيمة، كيف ترون هذه المحطات وقد حققتم الآن هدفاً رآه كثيرون صعب المنال؟
أفخر أن الألم الذي مررنا به خلال رحلتنا الشاقة لم يثبط عزيمتنا وإصرارنا على النجاح في تحدي الصعاب والذي أصبح ملهماً للصناعات الأخرى. لقد بنينا معركة الوعي الصناعي وثقافة عدالة المنافسة من الصفر، ورصفنا طريقاً حينما لم يكن هنالك واحداً، وربطنا العلم والقانون بالتطبيق، وأصبحت عديد من الصناعات الأخرى تسترشد وتهتدي بما فعلنا. وفيما نحن الآن نسير بخطى واثقة نحو مزيد من ترسيخ الوعي والمسؤولية الوطنية الصناعية لتعزيز ثقافة وتطبيقات المنافسة العادلة، لنمضي مطمئنين نحو مشروعات توسعية قادمة، وبتوفيق من الله "على قدر أهل العزم تأتي العزائم".