كيف تتطور صناعة القرار مع تطور الشركة الناشئة؟

5 دقائق
تطور مهارة صناعة القرار

مع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة لشركة تسويق البرمجيات وبيعها، "هبسبوت" (HubSpot)، التي أعمل فيها رئيساً تنفيذياً، عُدت بذاكرتي إلى القرارات التي اتخذتها، لأبحث في تطور مهارة صناعة القرار سواء كانت صحيحة أو خاطئة. ووجدت أنني كنت عادلاً في هذا الصدد؛ فقد اتخذت قرارات خاطئة وأخرى صائبة على حد سواء. وفكّرت أيضاً في كيفية تطور الأسلوب الذي اتبعته في صناعة القرار مع تطور الشركة من شركة ناشئة في مراحلها المبكرة إلى مرحلة تسارع النمو. ووجدت أن مشاركة الأسلوب الذي اتبعته في عملية صناعة القرار والأدوات التي أستخدمها اليوم قد تجنّب القادة الآخرين في مرحلة تسارع النمو التعرض لمشكلات غير متوقعة.

عواقب التخبّط في عملية صناعة القرار

لطالما لجأت إلى تغيير قراراتي في المرحلة المبكرة من تأسيس الشركة الناشئة. لم تكن القرارات التي اتخذتها تؤثر على الموظفين، لذلك لم أتردد في تغييرها كثيراً. إلا أن هذا النهج بدأ يُسبب بعض المشكلات في مرحلة تسارع النمو، ففي كل مرة ألجأ فيها إلى تغيير قرار ما، أثّر ذلك القرار على مئات الموظفين، إذ غالباً ما انطوت تلك القرارات على إعادة تنظيم كثير من العمليات والأنظمة. وتعلّمت مع مرور الوقت أن عاقبة تغيير القرارات تصبح أكبر مع تسارع نمو الشركة الناشئة.

عواقب تنوّع هياكل الخيارات

تمثّل أحد سلوكياتي السيئة في عدم قدرتي على حسم قراراتي وإبقاء الخيارات مفتوحة. قد يكون من الصعب عليك إدراك العواقب الخفية لتنوع هياكل الخيارات في ذلك الوقت. وإليك مثالاً على ذلك. في المراحل المبكرة من تأسيس شركة "هب سبوت" الناشئة، اختلفنا لسنوات عديدة حول شخصية المشتري التي نرغب في استهدافها. لا تقتصر مهمة تحديد شخصية المشتري المستهدفة على دراسة التركيبة السكانية وعلم النفس التجاري المرتبط عادةً بالأسواق المستهدفة، بل تنطوي مهمة تحديد شخصية المشتري عادة على دراسة الاحتياجات المحددة وشكاوى العملاء وعملية الشراء التي يتّبعها الزبائن والعملاء المحتملون. إلا أن اهتمامنا في شركة "هبسبوت" تراوح بين التركيز على مدراء التسويق في الشركات متوسطة الحجم وعلى أصحاب الشركات الصغيرة الذين يضطلعون بمسؤوليات متعددة، بما فيها التسويق.

لم أتمكّن من اتخاذ قرار صائب؛ وأسفر ترددي في اتخاذ القرار عن لجوء فرق التسويق والمنتجات إلى خدمة شخصيات متعددة؛ وآل بي المطاف إلى إيجاد حلول وسطية لكل فريق. وبمجرد أن توقفنا عن اتباع تلك الحلول الوسطية وقررنا التركيز على شخصية مشتر واحدة، تمكّنت فرق التسويق والمنتجات من تركيز جهودهم والتوّصل إلى حل مثالي. وانطوت النتيجة على قدرتنا على إسعاد الزبائن وارتفاع معدلات نمو الشركة وازدياد عدد صفقاتها الرابحة.

وتعلّمت مع نمو الشركة الإصغاء بعناية إلى جميع الاقتراحات، والانخراط في نقاشات فاعلة مع أعضاء فريقي، وأن أفكّر ملياً قبل اتخاذ أي قرار وتنفيذه. إن تنفيذ أي قرار أشبه بإبحار السفينة، أي أن القرارات أصبحت نهائية، كمن يرفع الأشرعة ويمضي بالقارب من المرفأ دون عودة. كنت أخبر أعضاء فريقي أنني استمعت إلى وجهات نظرهم، وفي حال أبدى أي منهم اعتراضه أقول له: أنا آسف، نحن مستعدون للإبحار. وأسوأ ما قد يحدث هو استمرار الأشخاص في الجدال حول القضية عندما يتبيّن لهم أنهم الطرف الخاسر. قد لا يكون الأمر سهلاً دائماً، لكن لا بدّ لك من اتخاذ قرارات نهائية بدلاً من الإصغاء إلى حججٍ آنية من الطرف الخاسر.

قرار سريع مقابل قرار صائب

قد تصادفك عقبات كثيرة في المراحل المبكرة من تأسيس الشركة الناشئة، وتميل إلى الاستجابة لها بسرعة. فإذا كنت مديراً واتخذت قراراً خاطئاً، كل ما عليك فعله هو إلغاء ذلك القرار. الأمر بغاية البساطة. أما في مرحلة تسارع النمو، أمامك خياران اثنان: يمكنك اتخاذ قرارات سريعة أو اتخاذ قرارات صائبة؛ ويمكنك دائماً تحقيق التوازن في هذا الصدد، لكن من الضروري أن تميل إلى اتخاذ قرارات صائبة بدلاً من اتخاذ قرارات سريعة.

إذا كنتَ تفعل كل شيء بسرعة في شركة متسارعة النمو، سوف ينتهي الأمر بحدوث "الدين المختصر" (shortcut debt) وهو مشابه لـ "الدين الفني" (tech debt). (لغير المتخصصين في مجال تقنية المعلومات، تُستخدم هذه المصطلحات عادة للإشارة إلى أعمال التطوير الإضافية التي تظهر عندما يتم استخدام أحد الرموز، الذي من السهل تنفيذه على المدى القريب، بدلاً من تطبيق أفضل حل شامل). والدين المختصر سوف يُوقعك في تلك الورطة نفسها. فإذا سلكت الطريق السهل في المرة الأولى، سينتهي بك الحال بقضاء الوقت في تنظيف الفوضى التي ما كان ينبغي أن تحدث. هل تعلم ماذا سوف يحدث إذا تراكم قدر كبير من الدين المختصر؟ سوف تُشَل قدرتك على الإدارة. وسوف ينشغل الفريق بأكمله في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وكأنهم يحاولون صد شلال.

توقف عن محاولة إيجاد حلول وسط غير ملهمة

لا شيء يقضي على الشركات متسارعة النمو مثل الحلول الوسط غير الملهمة. فكلما كان هناك عدد كبير من المدراء المجتمعين في غرفة ما، يبدون آراء قوية وحجج وجيهة، زادت احتمالية الخروج بحلول وسط غير ملهمة. قد يبدو الجميع سعداء بهذه الحلول، ولكنها غالباً ما تكون تقليدية بطبيعتها.

في الفترة الأولى من تأسيس الشركة، أنت والشريك المؤسس فقط من تتخذون القرارات الهامة. فمن السهل نسبياً أن تقنع شخصاً آخر يرى على الأرجح العالم من منظور مماثل لك، أن يتخذ قرارات خطيرة وجريئة وغير منطقية. ولكن مع نمو شركتك، سوف يصبح هناك عدد أكبر من الأشخاص الذين يتدارسون تلك القرارات ويتفحصونها. وإذا كنت قد وُفقت في تعيين هؤلاء الأشخاص، فسيكونون حتماً مجموعة من الأشخاص الذين تم تعيينهم بناء على خبراتهم المتنوعة وقدراتهم العقلية، ومن المرجح أيضاً أن لديهم قناعات راسخة ولديهم القدرة على إقناع الآخرين. وبذلك من الصعب للغاية إقناع هؤلاء الأشخاص العشرة من الخلفيات المتنوعة أن يتخذوا قرارات خطيرة وجريئة وغير منطقية، فهو بالتأكيد أصعب من أن تقنع شريكك المؤسس. ومن ثَم سوف تجد أنك تُقدم حلولاً وسطاً، واحداً تلو الآخر، ودون أن تشعر سوف تتخذ الحلول نفسها التي يتخذها منافسوك، وسوف تصنع المنتجات نفسها التي يصنعها منافسوك، وسوف تتشارك أنت ومنافسوك الثقافة نفسها، وبالتالي ستحققون النتائج نفسها التي تتصف أنها دون المستوى المطلوب.

بصفتك رئيساً تنفيذياً، مهمتك هي اتخاذ القرار الصائب وليس القرار الأكثر إجماعاً. فأثناء فترة تسارع نمو شركة "هبسبوت" (HubSpot)، غادرت في كثير من الأوقات الاجتماعات تاركاً خلفي مجموعة من المدراء المحبطين، وكنت أستشعر ذلك بمجرد أن أخطو خارج غرفة الاجتماعات. إلا أنّ تأثير الحلول الوسط غير الملهمة أسوأ بكثير. وبمجرد أن يتم اتخاذ القرارات، من المهم إبلاغ بقية أعضاء فريقك بها بوضوح. مُجدداً، أساس هذا المبدأ هو التحلي بثقافة إجراء نقاشات صحية والتفاف الأشخاص حول القرار الذي تم اتخاذه سواء كانوا مؤيدين له أم لا.

ركز على المهام الثلاث الرئيسة للقائد

لا أعتقد أنك سمعت هذا من قبل، ولكني أجد نفسي أستخدمه كثيراً هذه الأيام. إنه تشبيه قيادة الشركة بقيادة الحافلة:

يتولى القائد ثلاث مسؤوليات، كل منها يمكن توضيحه عبر رحلة بالحافلة. أولاً، ينبغي أن تكون لدى القائد اتجاهات واضحة حول وجهة الحافلة. ثانياً، ينبغي للقائد معرفة مَن سيركب من محطات الحافلة، وكذلك مَن سينزل على طول الطريق، وهو مفهوم أخذ شهرته من الكاتب في مجال الإدارة جيمس كولينز. كما يجب أن يكون الركاب متحمسين للوجهة، ومستعدين للعمل معاً أثناء المسير. قد يقفز بعض الركاب من الحافلة أثناء الرحلة، وهذا أمر طبيعي. ثالثاً، يجب أن يتأكد القائد من أن هناك ما يكفي من الوقود في خزان الوقود (النقود في الحساب البنكي)، وهو ما يُمكّنه من أن يصل إلى وجهته.

يُعد هذا التشبيه برحلة الحافلة بمثابة اتباع نهج "العودة إلى الأساسيات" عند صناعة القرار، وهذا هو ما أحاول اتباعه في "هبسبوت" ومع قادة في فريقي. وإذا رأيت الأمور من هذا المنظور، فمن شأن ذلك أن يساعدك في التوجهات المتعلقة بالإدارة التفصيلية التي تواجه معظم الرؤساء التنفيذيين بما فيهم أنا.

تبنّي وجهة نظر المريخي

أحياناً تُصبح منهمكاً للغاية في وضع حواجز الحماية، أو مجموعة الافتراضات الخاصة بشركتك، أو في الحكمة السائدة في مجالك القائلة إن اهتمامك الشديد بالتفاصيل قد يمنعك من رؤية الصورة الكاملة. فمثلاً عندما أجد نفسي عالقاً داخل حدود شركتي أو مجال عملي ولا أستطيع التفكير خارج إطارها، أنتهج نهجاً غير تقليدي،

فأتساءل: ماذا سوف يحدث إذا هبط مريخي في الغرفة الآن وطُلب منه اتخاذ هذا القرار؟ ماذا سيقول؟ في أغلب الأحيان، قد يكون من المفيد أن تسأل شخصاً غريباً تماماً، أي لا يعلم شيئاً عن الحكم السائدة أو عن تاريخ الشركة، ليصبح النقاش مجدياً وتتمكن من اتخاذ القرار الصائب. وفي "هب سبوت" هذا يعني تحقيق قيمة للشركة على المدى الطويل، وليس تحقيق الأهداف قصيرة الأجل أو ما يرغب المستثمر في سماعه. كانت تلك خلاصة تطور مهارة صناعة القرار.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي