تعرف على أهمية صناعة الفرص بدل انتظارها من خلال هذا المقال.
الفكرة
بينما كانا يعملان في شركتهما الناشئة التي خفت نجمها في مجال البودكاست، اجتمع ستون وشريكه لعصف أفكارهما والخروج بطريقة لمشاركة عبارات قصيرة تتحدث عن الحالة، وتتألف من 140 حرفاً، فكرة تحولت إلى واحدة من أبرز وسائل التواصل الاجتماعي.
عندما وصلت إلى الثانوية، كانت الفكرة السائدة، أنه إذا أردت أن تكون اجتماعياً، عليك المشاركة ضمن فريق رياضي. كنت رياضياً بطبيعتي، لكنني لم أمارس الرياضة بانتظام. فجربت لعب كرة السلة والبيسبول وكرة القدم، لكن لم أكن جيداً في أيّ منها. ولم تكن مدرستنا تضم فريقاً للعبة "لاكروس"، لذلك فكرت أنه نظراً لعدم وجود من يلعب تلك الرياضة، فلا بد أن الجميع غير مطلع على اللعبة. وحاولت إقناع الإدارة بإنشاء فريق، وهذا ما حدث. وكان أدائي جيداً لدرجة أنني غدوت قائد الفريق الذي بنيناه.
اقرأ أيضاً: القفزة النوعية للرؤساء التنفيذيين وشبكات التواصل الاجتماعي
تعلمت من هذه التجربة درساً قيماً يمكن تطبيقه على عالم المال والأعمال. هناك من يفكر في مفهوم "الفرصة" بذات الطريقة التي يشرح بها المصطلح في المعاجم: وهي مجموعة الظروف التي تجعل من الشيء ممكناً، ويتحدثون عنها كما لو أنها تحدث من تلقاء نفسها. بمعنى آخر، إما أن "تلاحظ الفرصة"، أو تنتظر "حتى تحدث أمامك".
أما أنا، فأنظر إليها بشكل مختلف. إذ أؤمن أن الفرصة لا بد من صنعها، لا الجلوس في انتظارها. وعندما أتأمل سنوات حياتي الأربعين الأولى، كل ما أتذكره منها هو صناعة الفرص باستمرار. وينطبق هذا أيضاً على الفترة الأولى من حياتي المهنية، كما ينطبق الأمر نفسه على إطلاقي أنا وبعض الأصدقاء "تويتر"، وينطبق أيضاً على أحدث مشاريعي. حيث تتعلق ريادة الأعمال بالكامل بخلقك لفرصك، وتزيد صحة هذا بشكل خاص مع الشركات الناشئة. فكل ما عليك هو القيام ببساطة بتنصيب نفسك مديراً تنفيذياً والبدء في تنفيذ الخطة.
ومن الأمثلة التي تبرهن على ذلك خلقي لفرصة أنهت المطاف بي حاصلاً على أول وظيفة بدوام كامل. حيث كنت أرتاد جامعة "ماساتشوستس بوسطن" بسبب منحة دراسية، ولم أكن أستمتع بذلك. وفي الوقت نفسه، كنت أعمل بشكل جزئي في شركة "ليتل، براون" (Little, Brown) للنشر في نقل الصناديق كجزء من عملية انتقال الشركة من مقر إلى آخر. وقتها، تمكنت من التعرف على بعض الموظفين الذي يعملون على تصميم أغلفة الكتب. وكانوا انتقلوا من استخدام الوسائل البدائية في التصميم إلى استخدام الحواسيب من نوع "ماك". وكان لي صديق خلال نشأتي يملك هذا الحاسوب، بالتالي كنت أملك خبرة سنوات في استخدام تطبيقي "فوتوشوب" و"كوارك" (Quark).
وذات يوم، بينما كنت وحدي في المكتب، وجدت ورقة إحالة وهي ورقة تكليف بتصميم غلاف كتاب ما. عندها قررت تصميم غلاف الكتاب بنفسي على أحد الحواسيب، ووضعته بين بقية التصاميم دون إخبار أحد أنني من صممه. بعد أيام قليلة، بدأ المدير المسؤول بالاستفسار عن مصمم الغلاف والذي اختاره فريق المحررين وفريق المبيعات على أنه الأفضل. وشعر بالدهشة لمعرفته أن من صممه هو "رجل الصناديق". وحالما عرف بقدراتي في مجال برمجيات التصميم، عرض عليّ وظيفة بدوام كامل. كنت أرى أن الناس ترتاد الكلية لكي تعمل لاحقاً في هكذا وظائف، لكنني حصلت عليها دون دراسة متخصصة، وتدرجت في العمل واكتساب الخبرة. فأصبح مديري معلماً مهماً في حياتي وصديقاً مقرباً لي، وتعلمت الكثير عن التصميم والإبداع.
بناء الثقافة، وجعل التحولات أسلس بهدف صناعة الفرص
تركت "ليتل، براون" لإطلاق عملي الخاص في مجال التصميم، وسرعان ما اكتشفت أنه لم يكن هناك ما يكفي من العمل للمصممين المستقلين بما يضمن الاستمرار، كان ذلك أواخر التسعينيات، عندما كانت شبكة الإنترنت في بداياتها. ولذلك عندما طلب مني أحدهم تصميم موقع على الإنترنت، تعلمت كيفية القيام بذلك. وقمت بعدها على مدى السنوات اللاحقة بتعلم المزيد عن الإنترنت، ثم انتقلت إلى نيويورك للمشاركة في تأسيس شبكة اجتماعية مبكرة. لكنني لم أحب طريقة العمل هناك، لذا عدت إلى بوسطن.
في عام 2003، أعلنت شركة جوجل أنها ستشتري موقع "بلوغر" (Blogger)، وهو أحد أوائل مواقع التدوين. حيث كنت أقرأ المدونة التي كان ينشرها مؤسس الموقع، إيفان ويليامز، وقمت بمراسلته بالبريد الإلكتروني عارضاً رغبتي بالعمل معه. وعمل إيفان على مساعدتي في الحصول على وظيفة في جوجل. فذهبت إلى كاليفورنيا وأنا أظن أنني حصلت بالفعل على الوظيفة، إلا أنّ الأمر كان يوماً كاملاً من المقابلات في جوجل. ولم يعرف كل من كنت أتحدث معهم هناك سبب حاجتهم إلى توظيف رجل من دون شهادة جامعية، بينما توظف جوجل من يحملون شهادات دراسات عليا في علوم الحاسوب. لكن إيفان تحدث معهم بشأني. وأحببت العمل في جوجل ومع إيفان. وبعد أن طُرحت أسهم جوجل للاكتتاب العام، بدأت خيارات الأسهم المملوكة لي تصبح قيّمة جداً. ولو بقيت هناك، لأصبحت مليونيراً، وهو أمر رائع لطفل نشأ على المساعدات الاجتماعية الحكومية. لكن قرر إيفان الرحيل لإنشاء شركة جديدة، وقررت الرحيل معه.
اقرأ أيضاً: أفكار القرن السابع عشر تزعزع شبكات التواصل الاجتماعي
وسُميت شركة إيفان "أوديو" (Odeo)، وكنا نحاول فيها إنشاء شكل مبكر من أشكال برامج الوسائط المتعددة على شبكة الإنترنت أو ما يسمى "البودكاستينغ" (Podcasting). لم أكن لأقول إنها فشلت تماماً، لكنها لم تكن ناجحة في سبب يرجع جزئياً إلى دخول شركة "آبل" مجال البودكاستينغ بقوة وشعبية الـ "آي بود". وبحلول أوائل عام 2006، كان من الواضح أن نموذج أعمالنا لن ينجح. لذلك طلب إيفان من كل شخص اختيار شريك والجلوس معه ومحاولة البحث عن فكرة جديدة.
كان جاك دورسي أقرب صديق لي في الشركة، وكنت أعلم أنني سأختاره معي. كان جاك يستخدم برنامج التراسل الفوري "أيه أو إل" (AOL) والذي كان يسمح للمستخدمين بنشر تحديث لحالتهم إذا كانوا بعيدين عن البرنامج. مثل كتابة "أتناول وجبة الغداء". قال جاك، "ربما يمكننا تحويل تلك العبارات القصيرة التي تتحدث عن الحالة إلى شيء".
ركزنا في البداية على الهواتف المحمولة مع إرسال حالات عبر رسائل نصية، ووصلنا إلى نموذج أولي عرضناه مع بقية الزملاء مع نهاية الأسبوع. لم يتمكنوا من استيعاب الفكرة بسهولة، لكن اقترح إيفان علينا مواصلة العمل. ثم طلبنا لاحقاً من الزملاء كتابة اقتراحات تكون اسماً لخدمتنا على قصاصات ورقية. اقترح أحدهم "تويتر"، ودعمت هذا الخيار بشدة. لاحقاً، رسمت الطائر الذي أصبح شعار الموقع. كما وضعت بعض المصطلحات الرئيسية، مثل فكرة "متابعة" شخص آخر. (كانت الخطة الأصلية أن يكون اسم الزر "استمع"). وتشاركنا أنا وجاك براءة اختراع تكنولوجيا "تويتر". كنت أحلم وأنا طفل بأن أكون مخترعاً، لذا، أنا فخور جداً ببراءة الاختراع تلك.
كان كل شخص آخر في "تويتر" إما مبرمجاً أو خريج علوم الحاسوب. ولم أكن كذلك، بالتالي كان عليّ خلق فرص مساهمتي بنفسي. إذ تمثلت خبرتي في مجال التصميم، فعملت على إضفاء الطابع البشري على التكنولوجيا. ثم ركزت على المنتج وقدمت اقتراحات لتحسينه. كما ساعدت في تشكيل قصتنا أمام العالم الخارجي. إذ يميل الناس في البداية إلى التركيز على عدد المستخدمين لدينا، حيث كان المهندسون قلقون دائماً من وضع الأرقام. وأقنعت الجميع أنه عندما يسأل الناس عن أعدادنا، يجب أن نقول "لا تهمنا الأرقام"، ويجب أن نحاول جعل العلامة التجارية أكبر مما هي عليه. سألني صديق من جوجل في مرحلة سابقة، "ما الشكل الذي تريد أن يظهر تويتر عليه بعد 5 سنوات؟" ومنذ ذلك الوقت حاولت أن نظل مركزين على هذا السؤال.
عملت أيضاً على محاولة بناء ثقافة الشركة، والتي ستتشكل سواء أكنت ترغب في ذلك أم لا. وفي حال أوليتها الاهتمام الكافي، سيجعل هذا الشركة أقوى. فالتدوين كان طريقة حاولت خلالها بناء ثقافة الشركة، حيث كنت أدوّن على موقع الشركة يومياً. وأردت إظهار إنسانيتنا وسرعة تأثرنا، وهي أمور على كل الشركات والقادة احتضانها. وعانى موقعنا على الإنترنت في بداياته الأولى من مشاكل كثيرة، وحاولنا أن نتمتع بالشفافية حياله حيث قلت: "تعرضنا لمشكلة.. هذا ما حدث. كل ما يمكنني قوله هو أننا لن نعاني من المشكلة ذاتها مرة أخرى".
وتمثل الدور الآخر الذي توليته في تفسير موقف "تويتر" من السياسة العامة. فكان لدي آراء قوية حيال حرية التعبير، وكنت أنادي بعدم حذف المحتوى فقط لأننا غير راضين عنه. ثم حددنا مجموعة أسباب قليلة جداً لحذف المحتوى، معظمها أسباب قانونية. وكنت أُصر أيضاً على أن "تويتر" محايد بشأن السياسة. وكان ذلك مهماً جداً حينما أصبح أداة للمشاركين في "الربيع العربي" والأحداث السياسية الأخرى. في وقت لاحق، عندما ظهرت تقارير عن أنشطة المراقبة الداخلية لوكالة الأمن القومي، لاحظوا أن "تويتر" كانت الشركة الوحيدة التي رفضت تسهيل تتبع الحكومة لمستخدميها. ومن ناحية أُخرى، لم أرغب بأن أكون الرئيس التنفيذي لشركة "تويتر"، ولم أعمل قط في هذا الدور. كنت أنظر إلى نفسي دائماً كشخص يقدم الدعم، ولم أكن ممن يتوقون إلى السلطة. كنت أقدّر أصدقائي الذين ساهموا في النجاح، وأردت فقط دعمهم ومساندتهم. زادت أهمية ما أقوم به عندما قامت الشركة بتغييرات إدارية، حيث شعرت أن من واجبي محاولة تسهيل تلك التحولات. وكان جاك دورسي الرئيس التنفيذي الأول لا يزال محتفظاً بمنصبه، ولكن في وقت لاحق أراد مجلس الإدارة وضع شخص أكثر خبرة في هذا الدور، فخَلَفه إيفان. وأراد بعض الناس مغادرة جاك للشركة فوراً، لكنني عملت على إبقائه فيها لجعل عملية الانتقال أكثر سلاسة.
لاحقاً، عيّنا أنا وإيفان ديك كوستولو كرئيس تنفيذي للعمليات، والذي كان صاحب إنتاجية كبيرة ومفكراً ذكياً ومرحاً، وكنا نحب العمل معه. وحينما قرر المجلس إزاحة إيفان وتعيين ديك كرئيس تنفيذي، حاولت إقناع المدراء بالإبقاء على إيفان في "تويتر" ضمن دور جديد، وهو ما حدث في نهاية المطاف. في كل مرة كان لدينا رئيس تنفيذي جديد، كنت أعمل على مساعدة الموظفين على تبديل نظرتهم من الرئيس القديم إلى الجديد، وتشجيع الجميع على التفكير في صالح الشركة، لا الأفراد.
اقرأ أيضاً: القفزة النوعية للرؤساء التنفيذيين وشبكات التواصل الاجتماعي
من المؤسف وجود ممارسة طرد الرؤساء التنفيذيين في مجالس الإدارات، وهو الأمر الوحيد الذي يمكنهم القيام به في الحقيقة، وهذا الأمر بالطبع لن يجعل منتجات الشركة أفضل، وسيعيق تطور العلامة التجارية. بالتالي، إذا كانت الأمور لا تبدو جيدة، يعملون على تغيير القيادة. أنا الآن في مجلس الإدارة، وأحاول مقاومة هذا الاندفاع. عادة ما أقول: "دعونا لا نطرد الرئيس التنفيذي، لنحاول مساعدته ونتعرف على مكامن ضعفه ونقويّها". لأنه حتى عندما يكون من الضروري تغيير الرئيس التنفيذي، لنتعامل مع الأمر بشكل أكثر امتناناً.
الاستفادة من المعرفة في العالم من أجل صناعة الفرص
خطرت على بالي بالصدفة فكرة أخرى، وهي تأسيس مشروع تجاري يحمل اسم "جيلي" (Jelly Industries)، فأحببت التجول وإجراء المحادثات، وكنت أرتب بانتظام اجتماعات مع أشخاص أذكياء ومرحين نمشي فيها معاً. وفي عام 2012، كنت أسير مع بن فينكل، الذي سبق لي وأن عملت معه في "تويتر". وبدأنا نتحدث عن كيفية عمل محركات البحث، وماذا علينا أن نفعل إذا كنا نريد بناء محرك جديد. وتذكرت شيئاً قاله نائب رئيس البحث في جوجل: "على الرغم من وجود كمية معلومات هائلة على شبكة الإنترنت، فإنها لا تزال حبيسة عقول الناس. كيف يمكنك إنشاء محرك بحث للاستفادة من ذلك؟".
وانتهى بنا المطاف إلى بناء تطبيق يطوف الشبكات الاجتماعية المختلفة، ويجعل الناس قادرين على طرح الأسئلة. أطلقنا عليه اسم "جيلي" (Jelly)، على غرار اسم الشبكة العصبية اللامركزية لقناديل البحر. حيث ينطلق التطبيق من فكرة أن الناس يريدون مساعدة بعضهم البعض، فضلاً عن حبهم الإجابة عن الأسئلة. كان أداء التطبيق جيداًً، لكن لم يكن جيداً بما يكفي. وحتى لو عملنا عليه 4 سنوات إضافية، لم يكن لينجح بشكل كبير، لذا كنت أرغب في خلق شيء ذي تأثير أكبر.
في عام 2014، أنتجنا تطبيقاً جديداً يٌدعى "سوبر" (Super)، اختصاراً لاسم سوبرلاتيفز (Superlatives)، والذي جاء من محاولة فريقنا إيجاد نقطة مضيئة من تطبيق "جيلي". ويقدم هذا التطبيق للمستخدمين أداة تأكيد مثل "أفضل..." أو "أسوأ ..." أو "أحب ..."، ثم يسمح لهم بإنهاء العبارة. إذ يساعد الناس على إخراج الأفكار التي لن يقدموها عادة على منصات أخرى، ويحفل التطبيق بالتنوع والثقافات المختلفة ويسمح للناس بإضافة الأشياء العاطفية والمعبرة.
كنت في "جيلي" الرئيس التنفيذي لأول مرة. بعد أن تعلمنا من أسباب فشل الرؤساء التنفيذيين في الماضي. كنت أعلم أن عدم التواصل هو ما يسبب الفشل عادة.
كانت شركتنا تتألف من 7 أشخاص فحسب، ونعمل جميعاً في نفس الغرفة. بالتالي من السهل الافتراض أن تفكيرنا متشابه إلى حد ما، وإن لم يكن كذلك. كنا نعمل على الوصول إلى ذلك حتى لو كلفني الأمر قضاء نصف وقتي في التواصل.
وفي سياق مشابه، ينطبق الشيء ذاته على مجلس الإدارة. إذا لم يسمع أعضاء مجلس الإدارة منك، سيفترضون أنك تقوم بعمل سيء. أما إذا أخبرت مجلس الإدارة: "نحن نؤدي بشكل سيء"، سيفكرون على الأقل أنك شخص جيد كونك تعلم أن الأداء سيء.
بدوري أكتب رسالة إلكترونية إلى مجلس إدارتي كل أسبوع، وأجيب عن رسالة تصلني. كما أعمل باستمرار على التواصل لأنني تعلمت أن هذا هو أحد أهم وظائف الرئيس التنفيذي.
اقرأ أيضاً: الجراحون يستفيدون من وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركة وتعلّم مهارات جديدة