يواجه العالم تحديات اقتصادية وبيئية متصاعدة في السنوات الأخيرة، وفي ظل عجز أغلب الحلول التقليدية عن مواجهة التحديات المعقدة بسرعة، يضع الكثيرون آمالاً طموحة على الابتكار ومحاولات سلك طرق مختلفة لتحقيق نتائج إيجابية في توفير الأمن الغذائي وتحقيق مستقبل مستدام.
في الوقت الذي يشكل فيه كل من الأمن الغذائي والمائي تحدياً عالمياً آنياً ومستقبلياً، يظهر استزراع الطحالب وتطوير تطبيقاته واحداً من الحلول الابتكارية في المملكة العربية السعودية لتحقيق الأمن الغذائي وتخفيف وارداتها الغذائية والعلفية، ولاستخدامها في الصناعات التحويلية إلى جانب مساعدته على مكافحة التغيّر المناخي عبر إعادة تدوير الكربون، وأكثر من ذلك. فما هو مشروع تطوير تقنيات الطحالب في السعودية الذي أطلقته وزارة البيئة والمياه والزراعة (MEWA)، وكيف سيسهم في تحقيق رؤية المملكة 2030 فيما يتعلق بالاستدامة؟
مشروع تطوير تقنيات الطحالب
أطلقت وزارة البيئة والمياه والزراعة، ممثلة بوكالة الزراعة وتحت إشراف البرنامج الوطني لتطوير قطاع الثروة الحيوانية والسمكية، مشروع تطوير تقنيات الطحالب الاقتصادية والتجارية بالتعاون مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) والذي يُقام على مرحلتين، حيث تعتبر المرحلة الأولى مرحلة تجريبية بحثية على الأنواع الملائمة وقياس مدى تكييفها مع مناخ المملكة واختيار التقنيات الملائمة وعمل الدراسات الاقتصادية والبيئية، أما المرحلة الثانية فهي تجربة هذه الأنواع والتقنيات على مساحات تجارية وطرحها كفرص استثمارية في المملكة لدعم الناتج المحلي وتنويع الاقتصاد والوصول للحياد الصفري والعديد من الأهداف على المستوى الوطني. ويعتمد المشروع على الميزة النسبية للمملكة المتمثلة في السواحل الممتدة ومصادر ثاني أوكسيد الكربون والطقس المشمس على مدار العام.
بدايةً، لماذا الطحالب؟
السمة الأهم في الاعتماد على الطحالب هي نموها في ظل موارد محدودة، إذ بمقدورها النمو في الظروف البيئية المختلفة دون الحاجة إلى مساحات شاسعة من الأراضي أو المياه العذبة؛ يمكنها النمو في المياه المالحة أو بيئات المياه العذبة غير الصالحة للشرب، إذ تستخدم الطحالب ضوء الشمس والنيتروجين والفوسفور وثاني أوكسيد الكربون لبناء كتلتها الحيوية المليئة بالزيت والبروتين والكربوهيدرات والأصباغ.
إمكانية نمو الطحالب وازدهارها في بيئات مختلفة يصنفها مورداً مستداماً ومتجدداً في المملكة التي تمتلك هذه الموارد المائية إضافة إلى بنية تحتية قوية من الموانئ والطرق السريعة والمطارات، وآلاف الكيلومترات من ساحل البحر الأحمر المنبسط لاستيعاب مرافق صناعة الطحالب المستقبلية.
ما الذي سيقدمه المشروع للسعودية؟
يسهم مشروع الطحالب في حل عدد من التحديات في المملكة العربية السعودية من النواحي الغذائية والاقتصادية والبيئية والصناعية، إذ أسست الوزارة ضمن المرحلة الأولى من المشروع وحدات تجريبية مصغرة بمساحة 1,000 متر مربع تضم 16 وحدة بحثية معملية وحقلية ووحدات للمعالجة.
1. الإسهام في تحقيق الأمن الغذائي
يواجه العالم تهديدات تتعلق بتصاعد أزمة الأمن الغذائي، إذ تتوقع الأمم المتحدة أن العالم سيحتاج إلى زيادة إنتاج الغذاء بنسبة 66% بحلول عام 2050 لإطعام 10 مليار نسمة، وترجح مؤشرات البنك الدولي أن أكثر من 600 مليون شخص سيواجهون صعوبة في إطعام أسرهم بحلول 2030. وتظهر هنا أهمية مشروع تطوير الطحالب الذي يهدف إلى مساعدة المملكة في تحقيق رؤيتها 2030 فيما يخص تحقيق الأمن الغذائي في النواحي التالية:
الاحتياجات العلفية
العلف الحيواني أمر حيوي للأمن الغذائي العالمي، ولكنه يأتي مصحوباً بمشكلتين، الأولى تتعلق بالبيئة، إذ تؤثر عملية إنتاج العلف الحيواني ومعالجته في كمية الغازات الدفيئة المنبعثة، والثانية تتعلق بالتكلفة الاقتصادية، إذ تبلغ قيمة السوق نحو 500 مليار دولار في 2023 ومن المرجح أن تقترب من التريليون دولار خلال السنوات العشر القادمة، وتضطر المملكة إلى استيراد جزء كبير منه، خاصة مع ظروف زراعته التي تتطلب مناخاً محدداً ومياه عذبة، ما يجعل البحث عن مصدر بديل حاجة مُلحة.
وتوفر الطحالب هنا مصدراً بديلاً، إذ إن الهدف الأساسي من المشروع هو إنتاج المواد الخام المحلية للأعلاف الحيوانية لتقليل وارداتها وبالتالي إنشاء صناعة أعلاف حيوانية مستدامة في المملكة العربية السعودية. ولا يقتصر الأمر على التكلفة فقط إنما الجودة أيضاً، إذ تسهم الطحالب في إنتاج أعلاف ذات جودة أعلى بسبب وفرة البروتينات والكربوهيدرات والدهون والمعادن والفيتامينات وغيرها من المواد ذات القيمة العالية.
إنتاج البروتين
يتوقع الخبراء أن تكون الطحالب هي المصدر البديل للبروتين في العقود القادمة، خاصة أن هناك أنواعاً تحتوي على نسب عالية من البروتين مثل السبيرولينا (Spirulina) والكلوريلا (Chlorella) التي تحتوي على 70% من البروتين، وهي نسبة أعلى من التي توفرها بعض الحبوب والبقوليات وحتى بعض مشتقات البروتين الحيواني، مثل الحليب.
وقد أشارت البيانات الأولية لتجارب مشروع وزارة البيئة والمياه والزراعة إلى إمكانية استخدام طحلب السبيرولينا وأنواع محلية أخرى لا تزال قيد التجربة مصدراً للبروتين النباتي وبديلاً جزئياً لمدخلات مسحوق الأسماك والصويا.
2. الإسهام في الصناعات التحويلية
تدخل الطحالب في صناعات متعددة مثل البلاستيك الحيوي الذي يتحلل بشكل طبيعي وبسرعة نسبية على عكس المواد البلاستيكية التقليدية التي لا تتحلل بيولوجياً أو الأنواع الأخرى من البلاستيك الحيوي التي تحتاج إلى معالجتها في أماكن معينة، والصناعات الدوائية، إذ يدخل في تركيب بعض المضادات الحيوية وتركيب علاجات للأورام، وتعزيز جهاز المناعة، وتحسين الذاكرة، وخفض نسبة الكوليسترول، والوقاية من أمراض القلب، وشفاء الجروح، وتحسين عملية الهضم وصحة الأمعاء. ويهدف المشروع بدوره إلى الإسهام في تطوير تطبيقات الطحالب في المملكة لتدخل في صناعة البلاستيك، وصناعة الأدوية ومستحضرات التجميل.
3. تدوير الكربون وإعادة استخدامه
يضع المشروع ضمن أهدافه إعادة استخدام ثاني أوكسيد الكربون وتدويره من منتج ثانوي من النفايات المنخفضة القيمة إلى منتج عالي القيمة، سواء كمصدر نقي للأعلاف الحيوانية أو مصدر ثانوي للأسمدة. إذ يمكن إعادة استخدام الكربون الذي يطلق في الغلاف الجوي من المصادر الصناعية مثل محطات الطاقة الحرارية الكهربائية ومصافي النفط ومحطات تحلية المياه كغذاء للطحالب، وبالتالي تعويض تكاليف هذه الصناعات وانبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري، ما يتماشى مع توجهات المملكة العربية السعودية المستقبلية في مجال محايدة الكربون وتدويره والانتقال إلى اقتصاد ما بعد الكربون.
وتشير التقديرات إلى أن الطحالب الدقيقة تستطيع التقاط نحو 100 مليار طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً وتحويلها إلى كتلة حيوية مفيدة، ما يعد وسيلة قوية للغاية لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري مع تحقيق أهداف خفض الانبعاثات.
تؤدي الطحالب أيضاً دوراً محورياً في معالجة مياه الصرف الصحي نظراً لقدرتها على امتصاص العناصر الزائدة ومعالجتها، مثل النيتروجين والفوسفور، من مصادر المياه الملوثة، فقد كشفت دراسة عن قدرة الطحالب على إزالة أكثر من 95% من مركبات النيتروجين و90% من الفوسفور في النفايات السائلة، ما يقلل من حِمل التلوث على المسطحات المائية ويحمي النظم البيئية المائية.
دور المشروع في تهيئة الكوادر الوطنية في مجال صناعة الطحالب
في الوقت الذي يظهر فيه الطحالب كجزء رئيسي من المستقبل المستدام، تتجلى الحاجة إلى كوادر بشرية متخصصة، وهذا ما يندرج أيضاً تحت أهداف مشروع تطوير الطحالب السعودي عبر تطوير القدرات والكوادر البشرية الوطنية في صناعة استزراع الطحالب من خلال أفضل البرامج التدريبية النظرية والتطبيقية. وتتمتع صناعة الطحالب الناشئة بالقدرة على خلق عدد كبير من فرص العمل، ما يساهم في النمو الاقتصادي في مختلف القطاعات.
إن استغلال كافة الموارد التي لا ينظر إليها الكثيرون مثل المياه المالحة والكربون، كما فعلت السعودية، لمواجهة التحديات العالمية طريقة واعدة للنجاة في ظل تهديدات التغير المناخي والتقلبات الاقتصادية التي يشهدها العالم بأكمله.
ولذلك تعمل وكالة الوزارة للبحث والابتكار على متابعة هذا المشروع بغرض الاستفادة من مخرجاته من خلال تمكين التقنيات اللازمة لمثل هذه المشاريع والمساهمة في تبنيها من قبل رواد الأعمال.