في عام 2018، كان 35% من سكان الولايات المتحدة قد قضوا أربع سنوات في التعليم الجامعي، وهذه هي أعلى نسبة في التاريخ. وفي حين أننا قد نمتلك أعلى نسبة من السكان المتعلمين على الإطلاق إلا أنّ هذه الدرجات العلمية لا تعطي الأشخاص بالضرورة مهارات العمل التطبيقية التي يحتاجونها.
لا تستطيع برامج الشهادات الجامعية مواكبة الوتيرة التي تتغير بها الأمور في القوة العاملة. إذ يتجهز الكثير من الطلاب حالياً لوظائف لم تعد موجودة، ولا يمتلك الكثيرون منهم المهارات الملائمة للوظيفة التي يريدونها. الفجوات في المهارات سائدة وآخذة في الانتشار.
ويصبح هذا الأمر أكثر تعقيداً مع أتمتة المزيد من مهام العمل. وتعني الأتمتة أنه قد يتولى الخريجون القيام بأعمال ذات قيمة أكبر في مرحلة مبكرة من وظائفهم، بينما تؤدي الآلات المهام الاعتيادية والبسيطة. من ناحية، يلائم هذا الأمر بالفعل حاجة هذه الشريحة من المجتمع للاستقلالية والمسؤولية في مرحلة مبكرة من وظائفهم. لكنه يعني أيضاً أنه سيكون عليهم الاستعداد على نحو أفضل لما هو قادم، حيث ستطلب المزيد من جهات التوظيف أن يتمتع المتقدمون للوظائف بمهارات شخصية استثنائية، من قبيل القدرة على الكتابة والاستماع والتواصل بفعالية.
الخبر السار هو أنّ الخريجين الجدد مؤهلون بشكل جيد لسدّ الفجوة في مهاراتهم الخاصة. نعم، هذه الشريحة من العاملين دون 30 عاماً معروفة بأنها تستلزم جهداً كبيراً وتعاني من قلق بالغ. لكنها فضولية وتركز على قوة الشخصية والهدف وتوجيه الذات وتطوير الذات. إنّ هؤلاء الخريجين على وعي بأنّ وظائفهم ستمر بمناصب وقطاعات وأحجام شركات مختلفة، وهم يمتلكون الحافز للاستمرار في المضي قدماً.
وتكمن الطريقة التي ستحل بها هذه المجموعة أزمة المهارات في اكتساب المهارات بصورة متكررة وذكية، وفقاً للاحتياجات بطريقة معقولة وبشكل حر. يمتلك الخريجون الجدد بالفعل الأساس الذي تمثله الدرجة الجامعية، لذا لا يتعين أن يأخذ بناء مهارات جديدة مسار المؤهلات ثقيلة المهام والممتدة على مدار عدة سنوات، والتي غالباً ما تكون بالية ومعقدة. لكن يمكن لهؤلاء القادمين الجدد إلى القوة العاملة الاستفادة من الموارد التي تكاد لا تنتهي والمتوفرة لهم على الإنترنت، إضافة إلى التكنولوجيات (برامج المستهلكين وتطبيقاتهم) للاختيار منها.
صقل المهارات والاستمرار في بنائها طوال المسيرة المهنية هي أمور مهمة لتحقيق تحولات وظيفية جانبية (وبالطبع رأسية) لجميع الأعمار، ولكنها ستكون بالغة الأهمية على نحو خاص لهذه الشريحة الجديدة من الخريجين بينما يسعون لمواكبة المهارات والعمل في المستقبل.
إذن، ماذا يتعين أن يفعل الخريجون الجدد؟ فكّر بالمهارات التي تمتلكها الآن والوظيفة التي تريدها بعد 18 شهراً من الآن، ثم قرر:
- حدد المهارات الشخصية الرئيسة (مهارات القوة) التي تمتلكها وتحتاجها. ثم يمكنك التعرف على الفجوات التي لديك وأن تضع أهدافاً تعليمية تضمن سدّها. تشمل الأمثلة على مهارات القوة المهمة: التفكير النقدي وحل المشكلات والتواصل ورشاقة التعلم. تعتبر رشاقة التعلم أهم مهارة لديك لأنها تعني أنك تمتلك الفضول والحافز للاستمرار في تعلم مهارات جديدة طوال مسيرتك المهنية.
- خذ بالحسبان المهارات التقنية الرئيسة التي تمتلكها والتي من المحتمل أن يبقى الطلب عليها عالياً، مثل المعرفة الرقمية وعلم البيانات وتحليل البيانات. ثم عليك البناء على هذه المهارات.
- ركّز على المهارات القابلة للنقل والتي ستكون مهمة بغض النظر عن المجال الذي تدخله. إبراز مهاراتك القابلة للنقل سيظهر قدراتك بطرق مميزة. على سبيل المثال، قد تكون مهارات تحليل البيانات التي طورتها في وظيفتك في مجال التسويق بنفس القيمة، أو حتى بقيمة أكبر، في التجارة الإلكترونية أو تطوير المنتجات.
- احتفظ بقائمة شخصية دائمة للتعلم السابق والمستقبلي. سيساعدك هذا الأمر في إجراء محادثات أفضل حول مهاراتك في المقابلات وفي الوظيفة.
- اكتشف تعليمك وصنفه وقم بتطبيقه. توجد الكثير من الموارد المتاحة مجاناً أو بأسعار منخفضة. استفد من التكنولوجيا. نعمل نحن الاثنان في شركات تكنولوجيا تعليمية. تساعدك شركة "ديغريد" (Degreed)، حيث تشغل كيلي منصب كبيرة مسؤولي التعلم والمهارات، على اكتشاف التعلم ومتابعته ومعرفة المهارات التي تحتاجها، وتقوم شركة "فيلترد" (filtered.com)، التي يعمل فيها مارك كرئيس تنفيذي ومؤسس مشارك، بتحديد المحتوى التعليمي المخصص وعالي الجودة. يمكنك أيضاً استخدام قوائم تويتر لإيجاد مجموعة كبيرة من المواد حول مواضيع محددة من الجهات التي تختار متابعتها ومنصات مثل يوتيوب والتي تضم الكثير من المحادثات والمقابلات ذات الصلة. ومهما كانت التكنولوجيا التي تستخدمها، فإنّ تطبيق ما تتعلمه ما زال متروكاً لك، ويتطلب مراقبة جيدة للفرص. على سبيل المثال، إذا كنت في اجتماع مهم وشاهدت للتو محادثة عن التعبير عن نفسك عندما تشعر بالخوف، ادرس كيفية ممارسة تلك المهارة الناشئة. خلافاً للجامعة، فإنّ المعرفة ليست كافية. وعليك أن تمتلك القدرة على استخدام تلك المعرفة حقاً.
- كن مستعداً لتحمل عبء المسؤولية عن اتخاذ القرارات منذ اليوم الأول. مارس المزيد من توجيه الذات، في العمل وفي التعلم. قد تكون محظوظاً بما فيه الكفاية ليكون لك مدير أو مرشد يستطيع توجيهك، ولكنك في نهاية الأمر وحدك المسؤول عن مسارك المهني الخاص.
وماذا بشأن الأشخاص الذين لم يقرروا حتى الآن الالتحاق بالكليات أو الجامعات؟، إنّ شعار الجامعة للجميع في الولايات المتحدة وتعهد توني بلير بخصم نصف رسوم التعليم العالي في المملكة المتحدة، وما يشابهها في أماكن أخرى تعتبر متأصلة بعمق في المجتمع. لكن هذا ليس المسار الصحيح للجميع، خصوصاً عندما يؤخذ في الحسبان احتمال وجود ديون على الطلاب. قد تأتي برامج التدريب المهني غالباً مع الكثير من فوائد التعليم الجامعي (بما فيها ساعات جامعية معتمدة حرفياً) دون الديون، وتقدّمها بعض الشركات المرموقة، مثل أمازون. ويتمثل خيار آخر في الالتحاق بوظيفة بمستوى للمبتدئين، والاستفادة في غضون هذا الوقت من بعض التعليم المجاني عالمي الطراز المتوفر عبر الإنترنت، بما في ذلك الدورات التدريبية الشاملة المتاحة على الإنترنت (MOOCs) على سبيل المثال لا الحصر. أما الخيار الثالث فهو الالتحاق بالجامعة واكتساب أكبر قدر ممكن من الخبرة العملية المدفوعة.
تنظر الكثير من الشركات إلى فرص التعلم وصقل مهارات القوة العاملة على أنها ميزة تنافسية وطريقة لجذب أفضل المواهب. كما يقرر خريجو الجامعات الجدد مكان العمل بناءً على كيفية قدرتهم على التعلم والتطور في الوظيفة. إذن، في حين تقع المسؤولية على عاتق الخريجين الجدد، إلا أنها لا تزال ثمة فرصة لجهات التوظيف التقدمية:
- أعلم أنّ بعض جهات التوظيف تقوم بالفعل بمقابلة خريجي الجامعات الجدد حيثما كانوا وتقدّم لهم مباشرة فرصاً للقيادة والتعلم والتطور في الوظيفة. يرتفع سقف التوقعات.
- قم بتبسيط عملية التعلم وتحفيزها بدلاً من محاولة التحكم بها. قدّم تشكيلة من الموارد عالية الجودة للموظفين الجدد. زودهم على نحو متوازن بتكنولوجيات تساعدهم في تقييم المهارات، والتوصية بالمحتوى، والمساعدة في تحديد أهداف التعلم ومتابعتها، والحصول على التقدير إزاء تحقيق هذه الأهداف. في هذه الأيام، يتعين أن تتكامل هذه الأدوات مع تدفق عملك الرئيس وتكنولوجيات الموارد البشرية.
- شجّع الموظفين على إدراك قوة التعلم من أقرانهم. عليهم ألا ينتظروا حتى انطلاق دورة ما كي يتعلموا شيئاً جديداً. وبدلاً من ذلك، حفِّز أعضاء فريقك على التعلم ممن حولهم من خلال الاستفادة من خبرة زملائهم. هل تعرف شخصاً بارعاً في التصور البصري للبيانات أو يستخدم جداول البيانات؟، اطلب منه مشاركة بعض خبرته.
- وظّف الأشخاص بناء على حب الاستطلاع واحتفِ بذلك وبناء على رشاقة التعلم. واسأل المرشحين خلال عملية المقابلة عما تعلموه في الأسبوع الماضي أو الشهر الماضي للتعرف على حب الاستطلاع لديهم.
- تأكد من دعم المدراء للموظفين في تطوير المهارات في أقرب وقت ممكن. وفّر بيئة يشعر فيها الموظفون بالراحة في التعلم في إطار وظائفهم وتدفق عملهم. ساعد الموظفين في جعل عملية التعلم عادة يومية من خلال تخصيص وقت من الأسبوع للتعلم فقط (حتى 30 دقيقة أسبوعياً يمكن أن تُحدث فارقاً). واطلب من المدراء أن يكونوا قدوة في سلوكيات التعلم، مثلاً من خلال التوصية بكتاب أو مقالة أو بودكاست يجدونه مثيراً للاهتمام لتشجيع عملية التعلم المستمر.
- اعترف بأنّ صقل مهارات القوة العاملة وتحسينها أكثر كفاءة من عملية التوظيف. لقد أثبتت الدراسات أنّ تكاليف صقل مهارات القوة العاملة أقل بكثير من تسريح العمال وتوظيف آخرين. وتوجد جدوى تجارية حقيقية لصقل المهارات في مقابل التوظيف.
الجاهزية للعمل لدى الخريجين الجدد هي مشكلة جوهرية ولكنها قابلة للحل. يجب على الخريجين اعتماد العقلية وطرق العمل والثروة من التكنولوجيات المتاحة الآن لتحديد توجهاتهم الوظيفية والنجاح فيها. ويمكن لجهات التوظيف أن تقدِّم دفعة طمأنينة، ما سيبني عمالة أقوى، ويساعد النتائج المالية.