ما الذي يتبادر إلى ذهنك عندما تستحضر مصطلح "مدير سيئ"؟ قد يتبادر إلى ذهنك مشهد لشخص وجهه محمرٌّ من الغضب يوبخ مرؤوسيه على الملأ، أو شخص يسرق جهود الآخرين وينسب الفضل لنفسه في شيء لم يفعله، أو يقول شيئاً ويفعل شيئاً آخر، أو مشهد لشخص يتفوُّه بكلام جارح أو لا يكفُّ عن الصراخ في وجوه الآخرين. ولك مطلق الحرية في استكمال الإجابات بما شئت من أوصاف كتلك، فنحن على يقين أن القائمة تطول!
هذه هي الأوصاف التقليدية التي تجسّد سلوكيات المدير السيئ، فهي تحدد في أذهاننا جوهر ما يفعله المدراء السيئون. وعندما نشاهد هذه الأشياء في التلفزيون أو أفلام السينما، لا يسعنا إلا أن نضحك قائلين لأنفسنا: "يا للعجب! أنا لا أفعل هذه الأشياء، أنا لست مديراً سيئاً".
لكن لا تقلق! فقد أثبتت أبحاثنا أن السلوكيات العدوانية التي ترتبط بالمدير السيئ لا تكوّن في واقع الأمر إلّا أقل من 20% من السلوكيات التي تُميّز أسوأ المدراء.
وعندما حللنا سلوك 30,000 مدير اعتماداً على توصيف نحو 300,000 فرد من أقرانهم ومرؤوسيهم المباشرين ورؤسائهم في تقييمات الأداء بطريقة 360 درجة، وجدنا أن خطايا المدير السيئ ترجع في الغالب إلى ما أغفله من أداء الواجبات المهمّة، لا إلى ما ارتكبه من أفعال غير جيّدة.
وقد توصلنا إلى هذا الاستنتاج من اتجاهين، الأوّل: ركزنا في هذه المجموعة المكونة من 30,000 مدير على 11,000 مدير حصلوا على أقل الدرجات الإجمالية في تقارير تقييم الأداء بطريقة 360 درجة، الذين حصلوا على أقل 10% إلى أقل من 1%، لمعرفة إذا ما كان بإمكاننا تحديد أي إشارات تحذيرية مبكرة قد تنبأت بفشلهم. والثاني: حلَّلنا أوضاع مجموعة من المسؤولين التنفيذيين الذين أُقيلوا حديثاً، مع دراسة البيانات دراسة دقيقة بحثاً عن أي أدلة من شأنها أن تفسر سبب فشلهم. وبالجمع بين استنتاجات هاتين المجموعتين، تمكّنا من تحديد 10 عيوب قاتلة تسهم في فشل القائد لم يَظهر أي منها في تقييمات القادة الفاعلين.
وإليك قائمة بهذه العيوب القاتلة مرتَّبة من أخطرها إلى أقلها خطراً:
- العجز عن مد الآخرين بالإلهام بسبب فقدان الطاقة وانعدام الحماس: يفتقر القادة الفاشلون إلى الحماس ويتصفون بالسلبية، وفقاً لوصف زملائهم لهم مرة تلو الأخرى، وكان هذا في الواقع أخطر سقطاتهم الملحوظة.
- قبول نتائج دون المستوى المطلوب بدلاً من الإصرار على النتائج الممتازة: لم يضع أسوأ القادة أهدافاً ممتدّة، وشجعوا مرؤوسيهم من دون قصد على تحقيق أداء دون المستوى المطلوب، وذلك بسبب رضاهم عن تكاسل موظفيهم وأدائهم أعمالاً أقل وذات جودة أدنى مقارنة بنظرائهم الذين يعملون تحت إشراف مدراء أفضل.
- عدم عرض الرؤى والاتجاهات بطريقة واضحة: يمتلك القادة السيئون نظرة غامضة تجاه المستقبل، ولا يعرفون على وجه التحديد الاتجاه الذي يجب أن يسلكوه، بل إنهم غير مستعدين للتواصل بشأن المستقبل (وهذا ليس مستغرباً)، تاركين مرؤوسيهم من دون مسار واضح يَمضون فيه قُدماً.
- عدم القدرة على التعاون والعمل الجماعي: يتجنب القادة السيئون أقرانهم ويتصرفون بمعزل عنهم، ويفشلون في تطوير علاقات إيجابية مع زملائهم، وينظر أسوؤهم إلى العمل على أنه حلبة منافسة ويرى زملاءَه خصوماً يناصبونه العداء.
- عدم ترجمة الأقوال إلى أفعال: يُعدّ قول شيء وفعل شيء آخر أسرع طريقة لفقد ثقة زملائك بك. ويُعدّ المدراء الذين يفعلون هذا تهديداً أوسع نطاقاً وقدوةً بالغة الخطورة لمرؤوسيهم؛ فهذا يؤدي إلى تفاقم خطر تدهور المؤسسة في حال حذا الآخرون حذوهم.
- عدم التحسُّن وعدم التعلم من الأخطاء: يتراكم الشعور بالغطرسة والرضا بالوضع الراهن لدى أسوأ القادة مع ترقّيه في المناصب، وهذا يجعله في نتيجة خطيرة مفادها أنه قد وصل إلى مرحلة في حياته المهنية لم يعد بحاجة فيها إلى التطوير، ويرتبط هذا الفشل ارتباطاً وثيقاً بعدم القدرة على التعلم من الأخطاء، وهذا يجعل هذا المدير يكرر الأخطاء نفسها مراراً وتكراراً.
- عدم القدرة على قيادة التغيير أو الابتكار بسبب مقاومة الأفكار الجديدة: يتجلى هذا الخلل في صورة عجز عن قبول الاقتراحات من مرؤوسيه أو أقرانه، سواء كان ذلك ناتجاً عن ضعف خياله أو عقليته الشديدة الانغلاق.
- عدم تطوير أداء الآخرين: وُجِد أن القادة الذين لم يهتموا بمساعدة مرؤوسيهم المباشرين على التطور ولم يُنظر إليهم على أنهم مدرّبون أو موجّهون كانوا أكثر عرضة للفشل مقارنة بغيرهم؛ إذ ركزوا بوجهٍ أساسي على أنفسهم، من دون أن يهتموا بنجاح موظفيهم أو إداراتهم على المدى البعيد.
- الافتقار إلى مهارات معاملة الآخرين: هذا هو القائد الفظ الذي يتحدث عن الآخرين بنوع من الاستخفاف ويصرخ في وجوههم ويقلل من شأنهم إما بدافع الحقد أو بسبب انعدام الحساسية. ويتجلى أكثر هذه السقطات أيضاً في صورة أشياء لا يفعلها هذا القائد السيئ؛ وتشمل عدم الإنصات إلى الآخرين وعدم طرح أسئلة جيدة عليهم وعدم مواصلتهم وعدم الإشادة بهم أو عدم تعزيز سلوكهم الجيد ونجاحهم.
- سوء التقدير الذي يؤدي إلى اتخاذ قرارات سيئة: أسوأ القادة هم الذين يقودون مرؤوسيهم نحو حافة الهاوية باتخاذ قرارات خاطئة تؤدي إلى الفشل المحقَّق.
وفي حين أن كل عيب من هذه العيوب يمكن أن يكون قاتلاً بما يكفي لتدمير مسيرة أي قائد، أثبتت أبحاثنا أنه من الشائع أن تجتمع 3 أو 4 عيوب في القائد الواحد؛ إذ تؤدي مشكلة واحدة إلى ظهور أخرى. ولكن النقطة المهمة هنا هي أن 8 من كل 10 من هذه العيوب تنبع من أشياء لا يفعلها القادة، بل إن السلوكيات الواضحة السوء ينظر إليها الزملاء والرؤساء والمرؤوسون على أنها سقطات في السلوك أكثر منها أخطاء واضحة. ولذا تصعب رؤية هذه العيوب لأنها ليست عيوباً نستطيع إدراكها على الفور، سواء كانت لدينا أو لدى الآخرين، وهي ليست من نوعية الأشياء التي يستطيع الآخرون انتقادها لأنه لا يوجد خطأ واضح يلفت الانتباه.
والأسوأ من ذلك أن الآخرين لا يلاحظون هذه النوعية من السقطات إلا بعد أسابيع وشهور من العمل معاً، وهذا يعني أنك إذا كنت أحد هؤلاء القلائل الذين يَمضون نحو كارثة محققة، فلعلك تسير على هذه الطريق الآن من دون أي دليل على وجود مشكلة؛ إذ لن تجد إشارات ما لم تأخذ الوقت الكافي للتفكير بتمعن، ليس في الأسلوب القيادي الذي تتبعه فقط، بل في الأسلوب الذي لا تتبعه أيضاً.