ما هو سر صعود بعض الشركات والصناعات والمدن وتألقها؟

5 دقائق

كان الجدل الدائر حول الشركات الصاعدة كالنجوم وتأثيراتها على أشُدّه؛ منطلقاً من النمو السريع لشركات التكنولوجيا الأميركية العالمية. ومع ذلك، فإن هذه النقاشات بقيت سطحية، لأن ظاهرة الشركات اللامعة كالنجوم قد لا تكون في حقيقتها كما تبدو لك، إذ إن هنالك عوامل أخرى غير ظاهرة تعتبر هي صاحبة التأثير الحقيقي.

في بحثنا الأخير في مركز ماكنزي العالمي للأبحاث، درسنا بدقة ظاهرة الشركات النجوم، وكذلك في القطاعات والمدن الصاعدة. وتعريفنا للنجمية أو للعلامة اللامعة هو الشركة أو القطاع أو المدينة تحظى بنصيب أكبر من الدخل مقارنة بأقرانها، وبمرور الوقت تنسحب بعيداً عنهم. ووجدنا أن ديناميكية الوصول إلى مرتبة النجوم حاصلة في الشركات والمدن، وإلى حد أقل في قطاعات أخرى. في هذا المقال، سنركز في الغالب على الشركات، مع بعض التعليق الموجز على القطاعات والمدن في النهاية.

حلّلنا نحواً من 6 آلاف شركة من كبرى الشركات العامة والخاصة في العالم، تصل عائداتها السنوية إلى أكثر من مليار دولار، حيث تحقق هذه الشركات ما مجموعه ثلثَي هامش الأرباح للشركات على مستوى العالم، قبل حسم الفوائد والضرائب والاستهلاك وإهلاك الدين (EBTDA) والإيرادات بشكل عام. ولتحليل ديناميكيات الشركات النجمية؛ كان مقياسنا هو الربح الاقتصادي، وهو مقياس لأرباح الشركة يتجاوز تكلفة الفرصة. (للقيام بذلك؛ نأخذ عوائد الشركة ونخصم منها تكلفة رأس المال، ونضرب في رأس المال الإجمالي المستثمر للشركة). نحن نركز على الربح الاقتصادي بدلاً من حجم الإيرادات، أو حصة السوق، أو نمو الإنتاجية لأن هذه المقاييس الأخرى تنطوي على مخاطر، بما في ذلك الشركات الكبيرة ببساطة، دون أن تخلق قيمة اقتصادية بالضرورة.

إن أفضل 10% من الشركات التي حلّلناها - حسب مقياسنا - تخلق 80% من مجموع القيمة الاقتصادية في العينة؛ وهو ما يعني أنها تمثل 80% من الأرباح الاقتصادية، التي تحققها الشركات التي تتجاوز عوائدها مليار دولار. وتمثل أفضل 1% من هذه الشركات 36% من مجموع القيمة الاقتصادية، التي تمثلها الشركات العامة والخاصة في جميع أنحاء العالم، في نطاق الحجم نفسه. وتفقد الـ 10% السفلى القيمة الاقتصادية نفسها، التي تولدها الشركات اللامعة تقريباً. وأصبح توزيع القيمة الاقتصادية أكثر انحرافاً بمرور الوقت، وفي كلا الطرفين. وتحقق الشركات اللامعة حالياً أرباحاً اقتصادية أكبر بمعدل 1.6 مرة في المتوسط، مقارنة بحجم الأرباح قبل عشرين عاماً. وهذا هو الوضع ذاته بالنسبة إلى الشركات السفلى، التي تمثل 10% وتخسر اليوم 1.5 مرة أكثر، مقارنة بحجم الخسارة قبل عشرين عاماً.

خلافاً للصورة الشائعة، فإن هذه الشركات اللامعة ليست مجرد عمالقة تكنولوجية في وادي السيليكون، بل تأتي هذه الشركات من جميع المناطق والقطاعات، وتشمل البنوك الدولية، وشركات التصنيع العالمية، والعلامات التجارية الاستهلاكية الغربية الموجودة منذ زمن طويل، وشركات التكنولوجيا الأميركية والصينية السريعة النمو. الواقع أن التنوع القطاعي والجغرافي للشركات النجمية، هو أكبر اليوم من عشرين سنة مضت. وتميل الشركات النجمية إلى الانخراط بشكل أكبر في تدفقات التجارة والتمويل العالمية، واكتساب نضج رقمي أكبر، والسيطرة على قوائم الشركات الأعلى قيمة، وكذلك العلامات التجارية، وأكثر الأماكن المرغوب فيها للعمل، وأكثر الشركات الابتكارية.

لكن النجم لا يتمتع بالراحة والاستقرار؛ فنصف الشركات اللامعة تقريباً مُبعد من القائمة العشرية للشركات اللامعة في كل دورة عمل. ومن بين أعلى 1% من الشركات قيمة اليوم، ثلثاها من الشركات الجديدة التي لم تكن في هذه الفئة قبل عقد من الزمن. إن درجة الحركة العالية، التي تتعرض لها الشركات اللامعة تسير في كلا الاتجاهين: عندما تنهار الشركات اللامعة؛ فإن 40% منها يهوي إلى العشرية السفلى بخسائر اقتصادية كبيرة. في الوقت نفسه، فإن ثمّة العديد من الشركات صعدت من العشرية السفلى، وفي بعض الحالات وجدت طريقها إلى القمة. وظل معدل الحركة في القمة على حاله في السنوات العشرين الأخيرة.

يوجد بعض الخصائص الرئيسة التي تميز الشركات النجمية عن بقية الشركات، وربما يمكن الآخرين التعلم منها. ومن ذلك مثلاً، أن الشركات اللامعة تنفق ضعفين إلى ثلاثة أضعاف، زيادةً على رأس المال غير الملموس مثل أعمال البحث والتطوير، ولديها حصص أعلى من الإيرادات الأجنبية، وهي تعتمد أيضاً على الاستحواذات والنمو غير العضوي من الشركات المتوسطة بشكل أكبر. إن الأرباح والخسائر الاقتصادية الكبرى في طرفَي التوزيع، تكون مدفوعة بنطاق أوسع ورأس مال أكبر، وليس من خلال زيادة العائد على رأس المال. ويشترك بعض الشركات ذات العشرية السفلى في العديد من هذه الخصائص، مثل حجم الشركة نفسها وحتى الاستثمارات؛ وهو ما يوحي بأن الحجم وحده غير كافٍ. وما يميز الشركات اللامعة من غيرها، هو قدرتها على اختيار استثماراتها الجريئة وتنفيذها جيداً.

لا تقتصر هذه الآليات على   الشركات فقط؛ بل يمكن ملاحظتها على مستوى المدن أيضاً، وبدرجة أقل على مستوى القطاعات. ونجد أن عدداً محدوداً من القطاعات يمثل 70% من القيمة المضافة وفائض العرض والطلب لدى شركات دول مجموعة العشرين من الاقتصادات الكبرى. وتشمل هذه القطاعات "اللامعة" الخدمات المالية، من خدمات مصرفية وتأمين وإدارة للأصول، وخدمات مهنية، وإنترنت وبرمجيات، وعقارات، ومستحضرات ومنتجات طبية. وتتعارض المكاسب غير المتكافئة التي تحققها هذه القطاعات مع السنوات الخمس عشرة حتى العشرين الماضية، عندما كانت مكاسب الفائض والقيمة المضافة موزعة على نطاق أوسع عبر قطاعات النشاط. واليوم، تميل القطاعات النجمية إلى زيادة كثافة البحث والتطوير لديها، وكذلك كثافة المهارات العليا، مع خفض كثافة رأس المال والعمالة مقارنة بالقطاعات الأخرى. وترجع العائدات الأعلى في القطاعات النجمية إلى فائض الشركات، أكثر من العمالة والتدفقات إلى رأس المال غير الملموس، مثل البرمجيات وبراءات الاختراع والعلامات التجارية.

بالنسبة إلى المدن، حللنا ما يقرب من 3 آلاف من أكبر مدن العالم من حيث عدد السكان، وتشكل مجتمعة 67% من إجمالي الناتج المحلي العالمي. وباستخدام مقياسنا لإجمالي الناتج المحلي والدخل الشخصي للفرد؛ فقد حددنا أكبر 50 مدينة من المدن النجمية الصاعدة. وتشمل القائمة مدناً مثل بوسطن وفرانكفورت ولندن، ومانيلا ومكسيكو سيتي ومومباي، ونيويورك وساو باولو وسيدني، وتيانجين وووهان. تمثل هذه المدن الخمسون 8% من سكان العالم، و21% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، و37% من الأسر الحضرية ذات الدخل المرتفع، و45% من مقارّ الشركات التي تحقق إيرادات سنوية تزيد على مليار دولار. ويُعتبر متوسط ​​نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في هذه المدن، أعلى بنسبة 45% من نظيره في المنطقة نفسها ومجموعة الدخل نفسها، في فجوة شهدت نمواً في أثناء العقد الماضي. إن معدل الحركة في المدن النجمية هو نصف معدله في الشركات النجمية. عندما تقع المدن النجمية فإنها تميل - في كثير من الأحيان - إلى أن تكون مدناً اقتصادية متقدمة حينذاك؛ لتُستبدَل بها مدينة اقتصادية نامية.

إن العلاقة بين الشركات والقطاعات والمدن اللامعة هي علاقة معقدة. وتستفيد بعض الشركات الصاعدة من وضعها "النجمي" في قطاعات الأنشطة، ولاسيما تلك التي تذهب فيها المكاسب ذات القيمة المضافة، إلى فائض التشغيل الإجمالي (وهو مقياس اقتصادي يمثل الدخل المكتسب من رأس المال). ومع ذلك، فإن العديد من الشركات النجوم سيصمد، حتى في الوقت الذي يشهد فيه قطاعها انخفاضاً في أسهم القيمة المضافة والفائض. وتميل مكاسب القطاعات "النجمية" إلى أن تكون مُركَّزة جغرافياً بشكل أكبر، ومعظمها في المدن الكبرى التي تحوي مدناً نجمية بينها. على سبيل المثال، تُسجَّل المكاسب التي تحققت من أنشطة الإنترنت ووسائل الإعلام والبرمجيات، في 10% فقط من مقاطعات الولايات المتحدة، التي تمثل 90% من إجمالي الناتج المحلي في هذا القطاع. وتشهد هذه المدن نمواً أسرع في الدخل يفوق النمو السكاني؛ ويؤدي هذا إلى زيادة الطلب على العمال ذوي المهارة العالية، والعمال ذوي الأجور العالية، في ظل محدودية الإمدادات، في حرب متصاعدة على المواهب. وتخلق شركات وقطاعات نجمية أيضاً تأثيرات قوية للثروات بالنسبة إلى المستثمرين ومديري الأصول وملّاك المنازل، وتتركز هذه التأثيرات على الثروة في المدن النجمية.

بينما يجب إجراء مزيد من الأبحاث لفهم الآثار الكاملة للشركات النجمية اللامعة في الاقتصاد الدولي، فإننا نعتقد أن ثمّة أدلة كافية لإعطاء صنّاع القرار في الشركات بعض الأفكار للدراسة والنظر. وتظل حالة النجمية قائمة على المنافسة، فمن السهل أن تسقط من القمة، ومن الوارد أن تصعد من القاع حتى القمة. وبقدر ما يعتبر  حجم الشركة النجمية مهماً إلّا أنه لا يكفي؛ فخلق القيمة أهم من حجم العمل. ويمكن للإنتاجية أن تساعد على الوصول إلى النجمية، لكنها لا تكفي وحدها أيضاً. يمكن وجودك في القطاع والمنطقة الجغرافية المناسبة أن يساعدك أيضاً، ولكن هذا يمكن التغلب عليه أيضاً وتجاوزه. ويمكن عمليات الاستحواذ والاستثمار المغامر (أو ما يسمى بالاستثمار الجريء) في الأصول غير الملموسة، وجذب المواهب، أن تُحدث الفرق في نهاية المطاف.

جرى تحديث للمقال؛ لتوضيح أن الإحصائيات المتعلقة بحصة الشركات الكبرى من الأرباح، هي نسبة مئوية من أرباح الشركات التي تبلغ إيراداتها مليار دولار أو أكثر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي