ما الأسباب التي تجعل الكثير من الاجتماعات عقيمة للغاية؟
يلجأ الكثير من الموظفين الذين ضاقوا ذرعاً بالجداول الزمنية المليئة بالجلسات الطويلة والفوضوية والطاحنة إلى التعليلات القاسية، بل والمتهكمة، على شاكلة:
- هؤلاء القادة كسولون جداً لدرجة أنهم لا يصيغون جداول أعمال هادفة للاجتماعات.
- هؤلاء المدراء يعقدون اجتماعات عديمة الجدوى باعتبارها وسيلة لفرض سلطتهم.
- هؤلاء الحاضرون المشوَشون، المنشغلون بصورة أنانية بأعمالهم الخاصة، يحضرون إلى الاجتماعات غير مستعدين بالمرة.
لكن إذا أردنا إجابة دقيقة وليس إجابة سهلة فحسب عن السؤال المطروح في عنوان هذا المقال، فسيكون من الحكمة أن نأخذ في الاعتبار "شفرة هانلون" (Hanlon’s Razor)، وهي القول المأثور الذي مفاده: "إياك أن تُعزي الأشياء التي يمكن تفسيرها - بشكل مناسب - بسوء الفهم، إلى سوء النية".
وبعد قضائي أكثر من عشر سنوات من العمل مع مؤسسات مرموقة لمعالجة مشكلة الاجتماعات العقيمة، فقد توصلت إلى قناعة فحواها أن الكثير من الاجتماعات غير المجدية تُعزى، بشكل أوفى، إلى افتراض بسيط وخاطئ. إذ إننا نفترض أن الحل البديهي للمشكلات، وهو نهج فعال للغاية بالنسبة إلى الأفراد سيثبت، في سياق الاجتماعات، فعاليته للمجموعات بالقدر نفسه. لكن هذا النهج، في كثير من الأحيان، ليس له هذه الفعالية في الاجتماعات.
عندما يحل الأفراد المشكلات بصورة بديهية، ستكون النتيجة سحرية
ولفهم طبيعة الحل البديهي للمشكلات، يتعين علينا أولاً إدراك أنه عندما نعمل على حل أي مشكلة، ابتداء من اختيار ربطة عنق ووصولاً إلى حل المعادلة التربيعية، فإننا نشق طريقنا عبر خمس مراحل، تتمثل فيما يلي:
وربما تعتقد أننا نتحرك عبر هذه المراحل بالتتابع لحل المشكلات، لكن علماء النفس اكتشفوا، في العقود القليلة الماضية، أن العكس هو الصحيح. فبدلاً من التقدم عبر المراحل بالترتيب، فإننا غالباً ما نتقدم خلالها على نحو يعتبر، بالأحرى، غير منظم.
على سبيل المثال، افترض أنك ستطلب طعاماً عبر الإنترنت، حيث ستبدأ، بسرعة، بالتوصل إلى حل - ولنقل أنه طعام مكسيكي (المرحلة الثانية) - لكنك حالما تحل هذه الفكرة في ذهنك، تقوم بتقييمها (المرحلة الثالثة) وتتذكر أنك تناولت طعاماً مكسيكياً بالأمس، ولذا فإنك تتوصل إلى حل آخر (المرحلة الثانية)، وتختار طعاماً هندياً. ولكنك تخشى، عند قيامك بالتقييم (المرحلة الثالثة)، أن تناولك لدجاج "تيكا ماسالا" السمين سيفتح شهيتك. وفي هذه المرحلة، تتراجع لتحديد المشكلة (المرحلة الأولى)، وتسأل نفسك: "ما نوعية الوجبة التي ستجعلني مكتفياً لكنها لن تتسبب لي بتخمة؟"، وحيث إن صياغة السؤال بطريقة محكمة تسفر عن الحصول على إجابة شافية، فإن الاختيار سيقع على السوشي (المرحلة الثانية). ومن ثم تقوم بمراجعة الأمر بشكل سريع للاطمئنان أن السوشي هو بالفعل ما تريده (المرحلة الثالثة)، وتمضي قدماً لتكملة طلبك (المرحلتان الرابعة والخامسة).
هذا هو ما نطلق عليه الحل البديهي للمشكلات، وهو أمر عفوي للغاية بالنسبة إلينا لدرجة أننا عندما نحل المشكلات بهذه الطريقة، فإننا نكون غير مدركين البتة أننا نحل مشكلة. وكل ما يتعين علينا فعله هو أن نولي المشكلة اهتمامنا، وتماماً مثل ناقل الحركة الآلي في السيارة، يبدّل لنا دماغنا التروس. ولذا، فإن الحل البديهي للمشكلات يتسم بالكفاءة بدرجة ملحوظة، بل يمكن أن يكون وسيلة سحرية في هذا الصدد.
عندما تعمل المجموعات على حل المشكلات بشكل بديهي، غالباً ما يسفر ذلك عن حدوث فوضى
تترتب على الحل البديهي للمشكلات نتائج مبهرة بالنسبة إلينا كأفراد ما يجعلنا نعتقد أنه ينبغي أن يكون مناسباً للمجموعات بالقدر نفسه. وعندما نعقد اجتماعاً، فإننا نتجمع حول طاولة ونولي اهتمامنا بصورة جماعية للمشكلة الماثلة وندع أدمغتنا تتولى بصورة آلية زمام الأمور. لكن يتبين، في أغلب الأحيان، أن هذا الطريقة خاطئة.
فلكي يتسنى لأفراد المجموعات التعاون بشكل فعال وتفادي التحدث متجاهلين بعضهم البعض، يجب عليهم أن ينشغلوا في الوقت نفسه بالمرحلة نفسها من مراحل حل المشكلة. لكن نظراً لأن كل شخص له أفكارة البديهية التي تخصه وحده، لا يستطيع المشاركون في اجتماع جماعي أن يستشفوا بسهولة في أي مرحلة من مراحل حل المشكلة ينشغل ذهن كل منهم أثناء تحاورهم. وبالتالي، يبدأ أعضاء المجموعة، دون قصد، الاجتماع وكل منهم في مرحلة مختلفة من مراحل حل المشكلة.
تخيّل فريقاً معنياً بالبرمجيات يجتمع للمناقشة بشأن زبون ساخط من كبار الزبائن المهمين، يتوعد الشركة، بصورة علنية، بوقف التعامل معها والذهاب إلى أحد المنافسين. ففي حين يعتقد أحد المشاركين أن السبيل أمامهم واضح، ولذا يركز على وضع خطة لتنفيذ الحل (المرحلة الخامسة)، يعقد مشارك آخر العزم على التوصل إلى حلول بديلة (المرحلة الثانية)، بينما لا يزال مشارك ثالث يحاول معرفة ما إذا كان فقدان هذا الزبون المزعج المتعجرف يعتبر، في واقع الأمر، مشكلة من الأساس (المرحلة الأولى). ولعل ذلك من حسن الحظ!
فمع تواصل الاجتماع، تصبح الأمور فوضوية بدرجة أكبر. ودون إدراك، يستمر كل مشارك في الانتقال بين المراحل دون إخطار الآخرين. وتكون المحصلة النهائية اجتماعاً فوضوياً يجتاز العديد من مراحل حل المشكلة لكن المشاركين فيه لا يركزون معاً على أي مرحلة منها.
ويتعين علينا، لحل المشكلات كمجموعة، التخلي عن الافتراض المتمثل في أن الحل البديهي للمشكلات يعتبر أمراً كافياً، وبدلاً عن ذلك، اتباع نهج منظم بدرجة أكبر يركز على مرحلة واحدة فحسب من مراحل حل المشكلة، في كل مرة. وبعبارات أخرى، يلزمنا التوقف عن قيادة أفكارنا البديهية بناقل الحركة الآلي والبدء في تعلّم قيادتها باستخدام مغيّر السرعات.
قوة الاجتماعات المنظمة
في الاجتماعات المنظمة، يعمد المشاركون بشكل واضح إلى اختيار مرحلة واحدة فحسب من مراحل حل المشكلة لإكمالها، وذلك لكل مشكلة يتعين مناقشتها.
ولتحويل اجتماع يستخدم المشاركون فيه الحل البديهي للمشكلات إلى اجتماع منظم، خذ جدول أعمال الاجتماع واكتب على يمين كل بند من بنود جدول أعمال الاجتماع أي مرحلة من مراحل حل المشكلة ستساعدك في الاقتراب أكثر إلى أحد الحلول، واكتب كذلك النتيجة المناسبة القابلة للقياس لهذه المرحلة. ومن ثم، ركز خلال هذا الجزء من الاجتماع على تحقيق هذه النتيجة فقط. وانتقل، حالما تكمل هذه الخطوة، إلى الخطوة التالية.
المصدر: آل بتامبالي
وإذا كنت لا تعرف أي مرحلة من مراحل حل المشكلة تختارها، فادرُس الاعتبارات التالية:
هل تفهم المشكلة حقاً المشكلة التي تحاول حلها؟ لأنه إذا لم تستطع التعبير عن المشكلة لشخص آخر بشكل واضح، فثمة احتمال أنك لا تفهمها على نحو ما تعتقد. وإذا كان الأمر كذلك، فكّر - قبل البدء في التوصل إلى حلول - في تخصيص جزء من الاجتماع لتحديد المشكلة (المرحلة الأولى) وأنهِ الاجتماع بكتابة بيان مقتضب عن المشكلة.
هل لديك قائمة وافرة من الحلول المحتملة؟ إذا كانت المجموعة تفهم المشكلة، لكنها لم تتوصل بعد إلى عدد من الحلول، فتلك - إذاً - المهمة التالية لأعضائها. ويجدر بالمجموعة أن تركّز على التوصل إلى أقصى ما يسعها من الحلول (المرحلة الثانية). وحتى إذا أنهت المجموعة مناقشتها بقائمة حلول أطول قليلاً من القائمة التي بدأت بها، فإنها تعتبر قد أحرزت تقدماً مهماً.
هل تعلم مواطن القوة ونقاط الضعف لكل حل من الحلول؟ لنفترض أن المجموعة توصلت بالفعل إلى حلول محتملة. فإذا كان الأمر كذلك، سيكون من الأفضل أن تدع المجموعة تقيّم هذه الحلول (المرحلة الثالثة). ويجدر بك إعفاء المشاركين من الالتزام بالتوصل إلى قرار نهائي - إذ يمكن ألا يكونوا مستعدين له - وإفساح المجال لهم للتركيز فقط على وضع قائمة بالإيجابيات والسلبيات للحلول المختلفة.
هل قضت المجموعة وقتاً بالفعل في النقاش بشأن الحلول المختلفة؟ فإذا كان الجواب بالإيجاب، استخدِم هذا الجزء من الاجتماع لإنجاز المهمة الصعبة المتمثلة في اختيار الحل الملائم. واحرص، بالطبع، على أن يكون القرار النهائي مكتوباً.
هل وقع الاختيار بالفعل على أحد الحلول؟ إذاً، يجدر بك التركيز على وضع خطة لتنفيذ هذا الحل. وإذا كان بوسعك أن تُنهي الحوار بقائمة شاملة تتضمن الإجراءات والأشخاص الموكل إليهم القيام بها والمواعيد المقررة لكل إجراء، يمكنك أن تحقق نتائج مجدية بشكل ملحوظ.
معظم الاجتماعات السيئة ليست ناجمة عن تكاسل القادة ورغبتهم في فرض سلطتهم، أو عن أنانية الأشخاص المعنيين بهذه الاجتماعات. بل إنها ناجمة، بالأحرى، عن خطأ بسيط يرتكبه جميع المعنيين. إذ إننا نفترض أن طريقتنا التي نلجأ إليها لحل المشكلات بشكل بديهي، وحدها، يمكن تعميمها بشكل فعال لحل المشكلات عندما نتناقش بشكل جماعي. لكن في أكثر الأحيان، لا يمكن حل المشكلات بهذه الطريقة. وبدلاً من ذلك، يجب أن نعقد اجتماعات منظمة ومناقشات تتوخى التركيز المتعمد بشكل واضح على مرحلة واحدة فحسب من مراحل حل المشكلة في كل مرة.
وقد أدركت أنّ من المسلّم به أنّ التركيز على حل مرحلة واحدة من مراحل حل المشكلة يبدو محبطاً بعض الشيء لبعض الأشخاص، مثل تناول قضمة صغيرة من فيل الماموث العملاق. لكنّ الذين يجربون الاجتماعات المنظمة غالباً ما يتجلى لهم اكتشاف عميق يتمثل في أن التركيز التام على أي مرحلة بمفردها من مراحل حل المشكلة، حتى إذا كانت مرحلة مبكرة، يتيح لهم، في كثير من الأحيان، القفز إلى الأمام، بل وبلوغ المرحلة النهائية من مراحل حل المشكلة، في بعض الأحيان، كما أشار إلى ذلك، ذات مرة، ستيف جوبز، الذي أشتُهر بطريقته المنظمة في هذا الصدد، بقوله: "إذا حددت المشكلة على نحو صحيح، فقد توصلت إلى الحل تقريباً.