عندما نشرت صحيفة بوسطن غلوب تحقيقاً شهيراً حاز على جائزة بولتزر تناول إحدى المؤسسات الدينية الأميركية بالنقد قبل عقدين من الزمن، كان مارتن بارون هو من يدير ذلك الملف. ورغم أنه لم يكن من الصحفيين الذين شاركوا في التقارير أو كتابة المقالات تلك، لكنه ومن موقعه كمحرر في الصحيفة كان يسعى إلى التميّز وهذا بحد ذاته شكّل مصدر إلهام لفريق الصحافة الاستقصائية لديه (وقد احتفي بعمل هذا الفريق عبر تحويله إلى فيلم بعنوان "بقعة ضوء" (Spotlight) أدّى فيه الممثل ليف شرايبر دور بارون). في عام 2013، تقلّد بارون منصب رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة واشنطن بوست. وقد قادها إلى الحصول على 10 جوائز بولتزر كما تزعمها خلال رئاسة ترامب للولايات المتحدة الأميركية متبنياً شعار "الديمقراطية تموت في الظلام". وقد تقاعد في وقت مبكر هذا العام.
"كانت مؤسستنا خاضعة لضغوط هائلة. فقد كنا معرّضين لتهجّم منتظم من رئيس الولايات المتحدة الأميركية".
هارفارد بزنس ريفيو: ما هو شعورك وأنت تتقاعد بعد أن شغلت منصبين رفيعين واجهت فيهما ضغوطا هائلة؟
بارون: أشعر أنني قد تحررت الآن. فأنا عملت على مدار 45 عاماً متواصلة، أمضيت 20 منها في أداء دور كبير المحررين. وكنت أسعى إلى نيل قسط من الراحة.
كيف تقود فَرَقك إلى السعي وراء الحقيقة، بغض النظر عن العواقب والتبعات، عندما يكون لدى أفرادها قناعات شخصية قوية؟
بوسع الصحفيين تغطية أي شخص إذا ما قاربوا المسألة بالطريقة الصائبة. أحاول النظر إلى الأمور من منظور الناس الذين نغطّيهم وتقدير ما إذا كنا منصفين في عملنا. لكن الإنصاف يعني أيضاً إنصاف عامة الناس من خلال إخبارهم بما يحصل فعلياً. المبدأ الأساسي هو أن نقارب الحقيقة إلى أكبر حد ممكن.
هل يمكن للحقيقة أن تصبح ضحيّة لبيئتنا الحالية التي تتسم بقدر كبير من الاستقطاب؟
يساورني القلق بهذا الشأن. فالأشخاص المنتمون إلى جميع الخلفيات الإيديولوجية يقولون أحياناً الآن: "أنت لديك حقيقتك وأنا لديّ حقيقتي". وأنا أرفض هذه الفكرة. من الطبيعي أن نختلف في تحليلنا للمشاكل وفي كيفية معالجتنا لها. هذه هي طبيعة الديمقراطية. لكننا يجب أن نتفق على مجموعة من الحقائق.
هل كان من الصعب إدارة الصحفيين الذين أرادوا استعمال شبكات التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهم الشخصية؟
لقد شعر الموظفون أنهم متأثرون تأثراً شخصياً كبيراً بما حصل خلال السنوات الأربع من رئاسة ترامب. ولكن من المهم باعتقادي أن نحافظ على مصداقية مؤسستنا وألا يفعل أي شخص أي شيء قد يقوض هذه المصداقية. فصحيفة واشنطن بوست ليست مجرّد منصة لكي يجذب الناس الاهتمام إلى أنفسهم. وإنما تتمثل مسؤوليتنا الأساسية في الدفع قدماً بمصالح المؤسسة. وهذا يعني الحصول على الحقائق، ووضعها ضمن السياق المناسب، وإخبار عامة الناس بما عرفناه بلا خوف أو وجل. فما نفعله في عملنا الصحفي أقوى بكثير من أي تغريدة تصدر عن أي شخص.
هل أنت نادم على أي شيء فعلته في أثناء وجودك في واشنطن بوست؟
أتساءل ما إذا كنا قد فعلنا ما بوسعنا لضمان وجود تنوع بين صفوف الموظفين بالسرعة التي كان بوسعنا أن نسير بها. شعرت أنني ملتزم جداً بتحقيق هذا الهدف. ومع ذلك، فقد كانت هناك وجهة نظر سائدة في غرفة الأخبار – وتحديداً في عام 2020 عندما كانت هناك احتجاجات تطالب بالعدالة العرقية – مفادها أننا لم نفعل ما يكفي. أنا أتقبّل هذا النقد وأتمنى لو أننا بذلنا جهداً إضافياً في هذا المضمار.
حققت النجاح في عدة مطبوعات. فكيف حصل ذلك؟
أحاول السعي إلى بلوغ طموحات عالية وأعمل على الحديث عن الأهداف التي ينبغي علينا تحقيقها. وأعتقد أن الناس يستخلصون العبر من ذلك. فعندما أجرت صحيفة بوسطن غلوب تحقيقاً استقصائياً شمل واحدة من أقوى المؤسسات الدينية في الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية، شعر الناس أنه لا حصانة لأحد من النقد. وقد كنا مستعدين للمضي قدماً في عملية التقصي تلك مهما كان الثمن.
ما هي الدروس التي حاولت أن تنقلها إلى موظفيك؟
أنا أشجع الموظفين على التركيز على ما لا يعرفونه أكثر من تركيزهم على ما يعرفونه. فوظيفتنا كصحفيين تتطلب منا أن نمارس التعلم الدائم، وأن ندرك أن هناك دائماً سؤالاً آخر بوسعنا طرحه لنعرف المزيد. كيف تعاملت مع ضغوط العمل؟ أعتقد أنني تعاملت معها من خلال التقاعد.