قبل أن تلجأ سارة كوبر إلى بث مقاطع مصورة تسخر فيها من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على تطبيق "تيك توك" عبر تحريك شفاهها بالتزامن مع مقاطع صوتية لترامب، كانت تمارس السخرية من عالم الشركات الكبرى من موقعها كمصممة ومديرة في شركة "جوجل". وبعد أن حظيت إحدى مدوناتها المنشورة بالشهرة، وكانت تحمل عنوان "10 حيل تساعدك على الظهور كشخص ذكي في الاجتماعات" (10 Tricks to Appear Smart in Meetings)، استقالت من منصبها لتتفرغ لتأليف كتاب حول الموضوع (يضم 100 حيلة)، ثم ألفت كتاباً تالياً تتابع به مسيرتها في هذا الموضوع بعنوان "كيف تنجحن دون إيذاء مشاعر الرجال" (How to Be Successful Without Hurting Men’s Feelings). لكنها لم تكن تحقق دخلاً كافياً يسدّ رمقها من العمل ككاتبة، ومؤدّية للعروض الكوميدية، وممثلة، حتى دفعها أداؤها في مجال الكوميديا السياسية إلى دائرة الضوء في عام 2020. فقد شاهد ملايين الناس في أنحاء العالم المقطع المصوّر الذي عرضته، ثم تلا ذلك فيلم خاص من إنتاج نتفليكس، وهي تنشط حالياً في العمل على مشاريع تخص السينما والتلفزيون، فضلاً عن تأليف الكتب.
"إذا راقبتِ الحضور في الاجتماعات فستجدين أن لديهم طرقهم الخاصة في الظهور بمظهر العارفين بالأشياء التي يتحدثون عنها، في حين أنهم في الحقيقة لا يفقهون شيئاً فيها".
هارفارد بزنس ريفيو: كنت تعملين في وظيفتين مرموقتين في كل من ياهو وجوجل. فلماذا تركتيهما؟
كوبر: كان قسم التصميم بالنسبة لي مكاناً مناسباً لأفجّر فيه طاقاتي الإبداعية. لكنني كنت أحلم منذ أن كنت طفلة صغيرة أن أصبح ممثلة. لذلك عندما بلغت الثلاثين من العمر، استقلت من شركة ياهو وجرّبت التمثيل وجميع الأشياء الأخرى. ومن خلال عملي كمؤدية للعروض الكوميدية، اكتشفت أنني كنت أحب كتابة مقاطعي الساخرة وتأديتها بنفسي وعلى سجيّتي. فما كان مني إلا أن انتقلت إلى نيويورك، غير أن الديون تراكمت عليّ حتى وصلت إلى 20 ألف دولار في غضون عام. عندها قررت الانضمام إلى جوجل دون أن يغادرني شعوري بالحاجة إلى تأدية العروض الكوميدية. كتبت مدوّنة "10 حيل" وحالفها النجاح. وعندما قلت لمديري أنني أرغب بترك الشركة، قال لي: "بوسعك دائماً العودة"، ما جعلني أدرك أن البقاء في وظيفتي هذه أخطر من تركها.
في موضوع السخرية في مكان العمل، ما هي المشاكل الأساسية التي أردت تسليط الضوء عليها؟
أولاً، بما أنني امرأة ذات بشرة ملوّنة، فمن غير المسموح لي بالحديث باسترسال والثرثرة طويلاً. إذا راقبت الحضور في الاجتماعات فستجدين أن لديهم طرقهم الخاصة في الظهور بمظهر العارفين بالأشياء التي يتحدثون عنها، في حين أنهم في الحقيقة لا يفقهون شيئاً فيها. وفي عالم الشركات الكبرى القائم على التراتبية والهرمية، إذا كان القادة يتحدثون ويستعملون كلمات كبيرة وغريبة من قبيل "التوسع والانتشار" ويذرعون الغرفة جيئة وذهاباً ويسألوننا إذا ما كان بوسعنا أن نأخذ خطوة إلى الوراء، فإن الموظفين يقلّدون ذلك ونتحوّل جميعاً إلى روبوتات ولا نكون حاضرين فعلياً. عوضاً عن ذلك، أنصحكم بفعل الشيء المعاكس: لا تستعملوا كلمات تقنية برّاقة. لا تستعملوا حيلكم. كونوا على سجيتكم. كونوا أشخاصاً حقيقيين. لا بأس في أن يقول المرء "لا أعرف" و"أريد شخصاً يشرح لي هذا الشيء". أما الكتاب الثاني فكان يقوم على فكرة ملاحظة الطريقة التي تُفرض بها قواعد كثيرة على النساء – ماذا يجب عليهن أن يرتدين، وكيف يجب أن يبدو كلامهن، وما مقدار الابتسامات التي يجب أن تظهر على ثغرهن، وما عدد علامات التعجب التي يتعيّن عليهن استعمالها – في حين لا يضطر الرجال على الأغلب إلى التفكير في أي من هذه الأشياء.
من أين استوحيت فكرة بث المقاطع المصورة التي تعتمد على التحريك المتزامن للشفاه مع مقاطع صوتية للرئيس؟
في صيف عام 2019، كنت مع أولاد أختي وقلت لهم: "هلا عرضتم على خالتكم سارة كيف تستعملون "تيك توك"؟" لأنني أحب تعلّم الأشياء الجديدة. بعد ذلك، وعندما جاءت الجائحة، لم أكن قادرة على تأدية العروض العامة، وبدأت أتصفّح الإنترنت أكثر وصادفت مقطعاً قصيراً لامرأة تقلّد الرئيس ترامب من خلال تحريك شفتيها بالتزامن مع مقطع صوتي له. انتابني الذهول من فكرة خروج صوته من فم شخص آخر. في ذلك الوقت، كان ترامب يعقد مؤتمراته الصحفية اليومية للحديث عن آخر المستجدات المتعلقة بفيروس كورونا، لذلك كنت أصغي إليه وأسمعه يقول أشياء لم تكن منطقية بنظري. سجّلت المقطع على مدار عدة ساعات وبحلول اليوم التالي، كان قد حظي بمليون مشاهدة تقريباً. لطالما كنت أعتقد أن فعل الخير في هذا العالم يعني أنني يجب أن أنشئ جمعية خيرية، أو أن أترشّح في انتخابات عامة، أو أن أتطوع للعمل الخيري خلال عطلات نهاية الأسبوع. لذلك كان من الجميل إنتاج عمل فنّي يسهم في التوعية. ثم جاء عام 2020 الذي شوّشني تماماً، حيث انتقلت من تسجيل مقاطع قصيرة على "تيك توك" إلى الاجتماع بجميع أبطالي. وقد عُرِض عليّ خيار تحويل الكتابين الاثنين إلى برنامجين تلفزيونيين، لكنني اكتشفت الآن أن هذه العملية تستغرق وقتاً طويلاً. فتحقيق النجاح شيء، والمحافظة عليه شيء آخر تماماً.