مع نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، أسس رجل ينحدر من أبويين لبنانيين جامعة "إيرث" (EARTH University)، وهي ترجمة الحروف الأولى من "المدرسة الزراعية في المنطقة المدارية الرطبة" في كوستاريكا، وفي العام الماضي 2016، دخلت هذه الجامعة ضمن المرشحين الأوائل للحصول على جائزة "نوبل" للسلام. فماذا فعل هذا الرجل "د. خوسيه زغلول" في بلد قرّر حل الجيش العسكري، والاستعاضة عنه بجيش من خريجي الجامعات التي تتزعمها "إيرث"؟
فيما يلي المقابلة التي أجراها حمود المحمود مع الدكتور زغلول، عندما قرر مؤخراً الاستقالة من عمله الرئاسي لإحدى أبرز الجامعات العالمية التي تتبنى حماية البيئة، وتخرّج رواد العمل فيها.
هارفارد بزنس ريفيو العربية: كيف تحولت جامعة "إيرث" من فكرة محلية إلى تجربة ناجحة عالمياً على مدار أكثر من 28 عاماً؟
بدأنا بصفتنا جامعة إقليمية عام 1990 تضم طلاباً من أميركا الوسطى وجمهورية الدومينيكان فقط. أما اليوم، فلدينا طلاب من معظم القارات، من اثنين وأربعين جنسية مُمثَّلة في مجلس طلبتنا. وينحدر نحو 70% من طلابنا من أسر محرومة اقتصادياً قدمنا لهم منحاً دراسية أتاحت لهم فرصة الالتحاق بالجامعة، ولولاها لظلّوا محرومين من الدراسة الجامعية.
إننا من الجامعات القليلة - إن لم نكن الجامعة الوحيدة - التي تقدم لكافة طلابها قرضاً مالياً يمكّنهم من بدء مشروع حقيقي. وهذا ما نسميه بـ "التعلم التحويلي"من النظري إلى العملي.
كيف استطعتم حشد الجهود في أكثر من 30 دولة لإطلاق مبادرة لزراعة مليون شجرة في يوم واحد؟
لقد تغيرت نظرة البشر إلى العالم منذ أن رأيناه من الفضاء الخارجي في منتصف القرن الماضي. نحن عبارة عن كوكب صغير، بالغ الهشاشة في مجرة واسعة. هذا هو وطننا الوحيد. إننا جميعاً أبناء الأرض، وليس هناك أي كوكب نستطيع الهجرة إليه. ثمة قواسم مشتركة كثيرة تجمع بيننا أكثر مما تُفرقنا.
لقد أثبتنا في جامعة "الأرض"، أننا نستطيع التكاتف لزراعة مليون شجرة في 32 دولة في يوم واحد وفي الوقت نفسه. لدينا أيضاً اثنين وأربعين جنسية تنتشر في الحرم الجامعي، ينتمون لجميع الأديان والثقافات والألوان والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية. وتساءلنا: لماذا لا يمكننا فعل ذلك في جميع أنحاء العالم؟ وهكذا فعلناها وأطلقنا وأنجحنا مبادرة المليون شجرة.
أنت مهاجر من الجيل الثاني، ولكنك عدت إلى بلدك الأصلي للدراسة. في هذا العصر الذي تتصاعد فيه الطائفية. كيف تتعامل مع سؤال الهوية في حياتك الشخصية والعملية؟
حين تعرفت إلى أصولي وعرفت البلد الأصلي لوالدي والتقيت بجدي وجدتي وبقية أقربائي، تغيّرت حياتي. لقد فهمت جيداً التضحية التي بذلها والديّ حين غادرا وطنهما كي يؤمّنا لنا حياة أفضل. ويؤلمني حقاً أن أشاهد هذه الطريقة التي تتعامل بها بعض الدول مع اللاجئين والمهاجرين، مع أن العديد من هذه الدول كانت دولاً تستعمر هؤلاء اللاجئين في الماضي وتستغلهم لصالحها. لقد انتخبت أكثر من مرة رئيساً لهذه الجامعة بفضل انتمائي لكل العالم، وهذا ماجعلني أشعر بالانتماء لكلا البلدين ولكلتا الثقافتين (لبنان وكوستاريكا).
بلدك كوستاريكا ألغت الجيش وحولت موازنته للتعليم والزراعة. كيف استثمرته باعتباره فرصة لخلق جيل من الشباب المبادر عبر التعليم؟
لو قلّصنا ما ننفقه على الأسلحة بنسبة 1% على مستوى العالم، فسنتمكن من توفير التعليم لجميع الشباب فيه. لماذا لا نستطيع الاتفاق على الاهتمام بالتعليم والسلام بدل الاستثمار في آلات الموت؟ لو كانت لدينا القيم السليمة، لكان المجتمع الدولي يتمتع بقدر أكبر من السلام والانسجام. قد يقول البعض إن هذا مستحيل، ولكننا بحاجة كما ذكرت سابقاً إلى أن نحلم ونجعل المستحيل حقيقة. لقد فعلت كوستاريكا ذلك قبل سبعين سنة تقريباً، وهي تعتبر الديمقراطية الأقدم في أميركا اللاتينية. وبدل الاستثمار في الأسلحة وجّهنا استثمارنا إلى التعليم والصحة.
هل تشعر، وأنت تترك منصب رئاسة الجامعة الآن أنك حققت الأهداف التي تطمح إليها؟
نعم، أعتقد أننا حققنا إنجازاً أولياً. فقد كان عملنا قائماً على الحب والقناعة. عملت رئيساً للجامعة منذ تأسيسها وحتى ديسمبر/كانون الأول الماضي، وفقاً لهذا المبدأ. فقد حان الوقت اليوم للتغيير حتى يأتي رئيس جديد للجامعة يحمل أفكاراً جديدة، ويكون على استعداد للنهوض بجامعة "إيرث" إلى مستويات أعلى مما كانت عليه. إن 28 سنة من عملي في هذه الجامعة، ليست سوى جزء صغير فقط من عمر هذه المؤسسة التعليمية، وأنا أشبّه الجامعة بالشجرة، فهي نمت وكبرت حتى اشتد جذعها الآن، ولا يمكن لأي ريح أن تهزّها. أعتقد أن جامعة "إيرث" لا بد أن تكون نموذجاً لجميع المؤسسات الأخرى. إننا نحتاج إلى جانب العلوم والتقنية إلى تأهيل المواطن المسؤول القادر على التغيير الإيجابي للوصول إلى عالم أفضل.
ما الهدف الذي لم تتمكن من إتمامه حتى الآن، وما الهدف الذي تضعه لنفسك لتحققه في السنوات المقبلة؟
كنت أتمنى على الدوام، أن أرى على الأقل عشر جامعات كبرى على مستوى العالم، تعمل وفق ميثاق للمبادئ الأخلاقية والريادية، وأن تكون هذه الجامعات العشر مثالاً يحتذى به من قبل جميع الجامعات الأخرى. وإذا تمكنا من فعل ذلك، فسيكون لدينا نحن الأكاديميين القدرة على تغيير العالم.