تخيَّل أنك نشرت للتو إعلاناً لطلب شغل وظيفة شاغرة في شركتك، ورحت تراجع المتقدمين لشغلها بفارغ الصبر، وأخذت تُجري مقابلات مع العديد منهم، ثم قدّمت عرضاً للمرشح الأفضل الذي جاء على رأس قائمة خياراتك، لكنه للأسف يقبل عرضاً آخر ويرفض عرضك؛ فماذا ستفعل؟
لحسن الحظ أنك أجريت مقابلة مع مرشح جيد آخر، وهو متاح للانضمام إلى فريقك؛ لكن ماذا سيحدث إذا اكتشف هذا الموظف الجديد أنه لم يكن خيارك الأول للوظيفة؟ يتناول بحثنا المنشور في مجلة علم النفس التطبيقي (Journal of Applied Psychology) مفهوم "موظفي الخيارات البديلة"؛ أي الذين يكتشفون، أو يظنون، أنهم ليسوا الخيار الأول لمنصب أو وظيفة معينة؛ إذ وجدنا أن "موظفي الخيارات البديلة" يشعرون بعدم القبول لدى زملائهم الجدد، وبالتالي لا يلتمسون الملاحظات من أقرانهم ومدرائهم، وهو سلوك ضروري للوافدين الجدد الذين يشغلون وظيفة أو منصباً للمرة الأولى.
واستناداً إلى مجموعة من الدراسات الميدانية والتجريبية، نوضح الأسباب التي تجعل "موظفي الخيارات البديلة" يشعرون بعدم الاندماج في مؤسساتهم، ونقدم حلولاً محتملة للمدراء الذين يسعون إلى مساعدة موظفيهم الجدد على النجاح.
التأثير على الشعور بالانتماء
أثبتت دراسات سابقة أن الموظفين الذين يلتمسون الملاحظات في وظائفهم يتميزون بأداء أفضل وقدرة أكبر على الإبداع وتقل احتمالات استقالاتهم. ينظر الباحثون أيضاً إلى التماس الملاحظات باعتباره وسيلة لتعزيز الاندماج الاجتماعي الذي يرتبط بارتياح الموظفين لفكرة توطيد علاقاتهم مع زملائهم في العمل.
لكننا تساءلنا: ماذا إن لم يكن الشعور بالاندماج الاجتماعي مرتبطاً بالملاحظات، بل يبدأ من مرحلة مبكرة وأحياناً قبل أن يدخل الموظف الجديد باب الشركة؟ إذا كان الأمر كذلك، فشعور موظف جديد بأنه كان خياراً بديلاً قد يشكّل حاجزاً اجتماعياً مبكراً يحول دون ارتياحه بالدرجة الكافية لفكرة طلب ملاحظات بنّاءة خلال هذه الفترة الحاسمة.
وقع اختيارنا على 499 موظفاً بدوام كامل في الولايات المتحدة للمشاركة في بحثنا الذي يهدف إلى دراسة شعور الموظفين الجدد بأنهم كانوا خياراً بديلاً وأثره على اندماجهم الاجتماعي والتماسهم الملاحظات. وكلفناهم عشوائياً بالعودة بذاكرتهم إلى الماضي حينما استلموا وظائف جديدة كانوا فيها الخيار البديل أو الخيار الأول، وطلبنا منهم الإجابة عن استبيانات حول اندماجهم الاجتماعي ومدى حرصهم على طلب الملاحظات في تلك المواقف.
وجدنا أن الموظفين المشاركين في البحث الذين اكتشفوا أنهم الخيار البديل كانوا أقل قدرة على الاندماج الاجتماعي وبالتالي لم يلتمسوا الملاحظات من زملائهم ومدرائهم بما يكفي، مقارنة بالموظفين الذين عرفوا أنهم كانوا الخيار الأول لشركاتهم. علاوة على ذلك، كانت نتائجنا ثابتة عند أخذ مجموعة متنوعة من العوامل الأخرى في الاعتبار، منها التركيبة السكانية (النوع والسن والعِرق)، واكتشاف الموظفين أنهم ليسوا الخيار الأول على نحو مباشر أو غير مباشر، وإذا ما كان مسؤول التوظيف الذي أجرى مقابلة العمل معهم من الشركة نفسها أم وكيل التوظيف.
أثبتت نتائجنا أن تعيين الموظف باعتباره خياراً بديلاً كان مرتبطاً بتراجع اندماجه الاجتماعي في مكان العمل، وبالتالي عدم التماسه الملاحظات بما يكفي. لكن بما أن هذه الدراسة كانت تستند إلى حالات سابقة، فقد أردنا أن نتحقق من أن نتائجها تنطبق على تجارب الموظفين الحديثي التعيين في وظائفهم. وللتأكد من هذه الفرضية، أجرينا استقصاءً شمل 1,147 متدرباً عيَّنتهم مؤخراً شركات تعمل في عدة قطاعات، مثل الأسهم الخاصة والاستشارات والتكنولوجيا والرعاية الصحية، وطرحنا على المشاركين سلسلة من الأسئلة قبل تعيينهم ثم عاودنا طرحها عليهم بعد 6 أسابيع من تعيينهم. تلقينا 810 ردود تعقيبية، ووجدنا أن مَن أفادوا في الاستقصاء الأول بأنهم عرفوا أو ظنوا أنهم كانوا خياراً بديلاً كانوا أقل قدرة على الاندماج الاجتماعي وقلَّ طلبهم للملاحظات من أقرانهم. تدعم هذه النتيجة نظريتنا القائلة بأن شعور الموظف بأنه خيارٌ بديل يؤثر مباشرة في اندماجه الاجتماعي ويرتبط بتراخيه في طلب الملاحظات.
وفي ضوء فداحة الآثار السلبية لشعور الموظف بأنه خيارٌ بديلٌ، تساءلنا: ما الذي يمكن فعله لدعم هؤلاء الموظفين الجدد على نحو أفضل؟
هل يفيد القائد الاحتوائي في علاج هذا الموقف؟
سعينا في دراستنا النهائية إلى اختبار أثر القادة الاحتوائيين على الاندماج الاجتماعي في المراحل المبكرة، مفترضين أن القادة الذين يُبدون استعدادهم لتحقيق الشمول وسماع الأفكار يستطيعون تخفيف حدة بعض هذه الآثار الانعزالية.
أجرينا تجربة خاضعة للمراقبة أخبرنا فيها 850 مشاركاً أميركياً بأنهم سيتعاونون في مشروع جماعي افتراضي مع طلاب ماجستير إدارة الأعمال لإعداد دورة تعليمية حول الإبداع في التسويق، وأبلغنا المشاركين بأن المشروع يتألّف من 3 مراحل: مرحلة التعيينات، ومرحلة العمل الإبداعي المستقل، ومرحلة التواصل مع الفريق وطلب الملاحظات.
أجاب كل مشارك في المرحلة الأولى عن الأسئلة التي يمكن أن يستخدمها أفراد الفريق من أجل اتخاذ القرار بتعيينه، عملنا بعد ذلك، ودون علم المشاركين، على تصنيفهم عشوائياً، فبعضهم كان "الخيار الأول" وأخبرناهم بأنهم أفضل اختيار للفريق، والبعض الآخر كان "خياراً بديلاً" وأخبرناهم بأن الاختيار وقع على شخص آخر لشغل الوظيفة لكنه انسحب من الدراسة، ما أدى إلى اختيارهم هم.
ثم تلقى المشاركون رسالة من قادة فرقهم؛ وأخبر القادة الاحتوائيون موظفيهم بأنهم يريدون الحصول على أفكارهم فعلاً وأنهم على أتمّ استعداد للإصغاء إليها، في حين أصدر القادة غير الاحتوائيين تعليماتهم للمشاركين بالتركيز على تسليم أعمالهم في المواعيد المقرَّرة ولم يُظهروا انفتاحاً على آرائهم.
جاءت نتائج التجربة متسقة مع توقعاتنا؛ فعندما كان القائد احتوائياً، تراجع الأثر السلبي لشعور الموظف بأنه خيارٌ بديلٌ في قدرته على الاندماج الاجتماعي واستعداده لطلب الملاحظات لاحقاً، لكننا لاحظنا استمرار الفجوة بين موظفي الخيارات البديلة والخيارات الأولى بغض النظر عن أسلوب القيادة؛ فحتى عند عمل موظفي الخيارات البديلة مع قادة احتوائيين بدرجة كبيرة، قلَّ مستوى اندماجهم الاجتماعي والتماسهم الملاحظات مقارنة بموظفي الخيار الأول. يبدو أن أسلوب القائد الاحتوائي لا يكفي لتحفيز اندماج موظفي الخيارات البديلة والتماسهم الملاحظات ليصلا إلى مستوييهما لدى موظفي الخيار الأول.
كيف يعزّز المدراء شعور موظفيهم بالانتماء؟
على الرغم من أن أسلوب القيادة الاحتوائي يمثل بداية جيدة لدمج الموظفين الذين يشعرون بأنهم كانوا خيارات بديلة وتشجيعهم، يشير بحثنا إلى أن ثمة حاجة إلى المزيد من العمل لمساعدتهم على الشعور بالارتياح لالتماس ملاحظات الآخرين. وإليك توصياتنا لدعم الموظفين الجدد الذين قد يشعرون بعدم الانتماء:
قدّمهم على أساس جدارتهم
لا شك في أن كل موظف تقرر تعيينه يتمتع بعدد من مواطن القوة والمهارات المهمة، وعندما تعرض على أحدهم منصباً، أو تقدم موظفاً جديداً للفريق، حدد ما أثار إعجابك في طلبه والمقابلة التي أجريتها معه، والفوائد التي ستعود على الفريق من مهاراته وأنسب المشاريع التي تعتقد أنه يصلح للمشاركة فيها.
شجّعهم على طرح أفكارهم في وقت مبكر
خذ الوقت الكافي للالتقاء بموظفك الجديد بانتظام وتوضيح كيف تستفيد من أفكاره وتعزيز شعوره بالأمان النفسي. وعندما يقدّم اقتراحاً، حاول تخصيص إجابتك لتأكيد الإضافة التي قدمتها رؤيته للمحادثة على وجه التحديد.
ساعدهم على التواصل مع زملائهم
ابحث عن طرق لربط الموظفين الجدد بزملائهم الآخرين على نحو هادف؛ هل توفر مؤسستك موجهين أو مجموعات تتيح التقاء الموظفين الجدد معاً للتباحث في موضوعات لا ترتبط بالعمل؟ كيف تربطهم بمجموعات صغيرة خالية من المخاطر تتيح لهم إبداء آرائهم وتوطيد علاقاتهم بسهولة ودون خوف؟
شاركهم تجربتك الخاصة
إذا وردت هذه المسألة في الحوار فكُن منفتحاً بشأن المواقف التي تعرَّضت فيها للتجاهل، لقد مر الجميع تقريباً بهذه التجارب، وقد يكون ثمة جانبٌ إيجابي لمعاملة المرء على أساس أنه طرف مُستضعف. وحينما تتحدث بشفافية عن المسارات المختلفة والمفاجئة التي تسلكها الحياة المهنية، فستساعد على تخفيف حدة الطابع الشخصي لهذه التجربة وتبدأ باكتساب ثقة موظفك.
قد يكتشف الموظف أو يظن أنه لم يكن خيارك الأول للوظيفة، ولا يسعك دائماً التحكم في هذا الأمر أو في كيفية حدوثه، لكن بمقدورك التدخل مبكراً ومساعدته على أن يصبح عضواً أساسياً في مؤسستك؛ فالاحتفاء بموظفي الخيارات البديلة ودعمهم أمرٌ بالغ الأهمية لنجاحهم في المؤسسات.