دروس في إطالة عمر الشركات من شركة سحّابات عمرها 88 عاماً

10 دقائق
شركة واي كيه كيه
فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو/ويست إند 61/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: من النادر أن تتمكن شركة من الاستمرار بقيادة قطاعها العالمي لأكثر من بضعة عقود، والشركات التي تتمكن من ذلك تملك غالباً علامات تجارية عالمية مشهورة. لكن اسم شركة “واي كيه كيه” (YKK) اليابانية لصنع السحّابات ليس من أسماء الشركات المعروفة في المنازل، إلا أنه بقي بهدوء وعلى نحو مثير للإعجاب في مقدمة قطاع السحّابات العالمي على مدى عقود. حافظت الشركة على أهميتها ومكانتها على اعتبارها قائدة للقطاع في أسواق العالم والولايات المتحدة. ما الذي أتاح لشركة “واي كيه كيه” الحفاظ على هذه المكانة لهذه الفترة الطويلة؟ يتمعن المؤلفون في قدرة الشركة على التغلب على المصاعب ويقدمون خريطة طريق ممكنة للشركات الأخرى التي تسعى للحفاظ على أعمال مجدية ومربحة في الأسواق الدولية،  كما يوضحون عدداً من مجالات نقاط الضعف المحتملة التي تشكل تحدياً صعباً يواجه الشركة في سعيها للاستمرار على مدى عقود طويلة.

 

في عصر الأسواق العالمية ذات التغير السريع والاتصال المفرط والمنافسة المحتدمة وتوقعات الزبائن المتزايدة، يصعب على الشركات البقاء في المقدمة لفترات طويلة، فقد تساقطت علامات تجارية رائدة مثل “نوكيا” و”بلوك باستر” و”كوداك” و”بوردرز” (Borders) و”سبورتس أثوريتي” (Sports Authority) و“تويز آر أس” (Toys R Us) في حين تنحّت علامات تجارية أخرى وانضمت إلى صغار اللاعبين.

من الصعوبة بمكان تأسيس شركة والحفاظ عليها، فما بالك بالحفاظ على مكانتها بوصفها قائدة عالمية مع مرور الوقت؟  في الولايات المتحدة وحدها، تفشل قرابة 65% من الشركات في السنوات العشر الأولى من عمرها، وفي الحقيقية، تستمر قرابة 25% فقط من الشركات 15 عاماً أو أكثر وفقاً لما يقوله “مكتب إحصاءات العمل” الأميركي. السؤال الذي يطرح نفسه هو، ما الفرق بين الشركات التي تستمر وتنجح والتي تذوي وتتلاشى؟

يرتبط طول العمر المؤسسي بمدى نجاح الشركة في عدة أسواق مع مرور الوقت بغض النظر عن أهدافها الأولية ومؤسسيها. في حين تتوفر مجموعة متنامية من الأبحاث حول المرونة المؤسسية والاستدامة، فقد تم التغاضي عن طول العمر المؤسسي في أغلب الأوقات.

بعض الرؤى في إطالة عمر الشركات

إذا ألقيت نظرة إلى الجهة الخلفية من سحاب ملابسك فمن المرجح أن ترى الأحرف “واي كيه كيه” (YKK) مكتوبة بخط صغير، ما لا يعرفه أغلب الناس هو أن هذه الأحرف هي اختصار لاسم شركة السحابات اليابانية “يوشيدا كوغيو كابوشيكيكايشا” (Yoshida Kogyo Kabushikikaisha) الذي يمكن ترجمته بصورة تقريبية إلى “شركة يوشيدا المحدودة“.

تعمل شركة “واي كيه كيه” التي تم تأسيسها في عام 1934 على صنع وإنتاج نحو 10 مليارات سحاب سنوياً، وتضم مجموعتها نوعين أساسيين من الأعمال، أعمال أدوات التثبيت وأعمال المنتجات المعمارية. تشمل شركة أدوات التثبيت التي تضمّ السحابات التي تصنعها لصالح قطاع الألبسة نحو 40% من أعمالها العالمية، أما النسبة الباقية (60%) فتشملها شركة المنتجات المعمارية، التي تشمل منتجات للنوافذ والأبواب والجدران الفاصلة وحتى الجسور ومنتجات تنظيف المحيطات لصالح قطاع النفط والغاز. تمكنت الشركة على نحو مثير للإعجاب وبهدوء من الحفاظ على مكانتها في قيادة سوق بيع السحابات على مدى عدة عقود من الزمن، ما يدفعنا لطرح السؤال التالي: ما عوامل نجاحها وطول عمرها؟

أجرينا دراسة على عمليات شركة “واي كيه كيه” في أميركا على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، وقمنا بأول زيارة إلى مركزها للتصنيع الوطني في مدينة ماكون بولاية جورجيا في عام 2019. في هذه الزيارة تمكنا من الاطلاع على ما يجري خلف الكواليس وأجرينا مقابلات شخصية غير رسمية مع عدد من المسؤولين التنفيذيين والموظفين، ومنهم نائب الرئيس للمشاركة الاجتماعية والتواصل المؤسسي. كما استشرنا خبراء القطاع وراقبنا نشاط الشركة في الصحافة الاقتصادية بولاية جورجيا. إلى جانب الزيارة الميدانية، نحن مدربون على منهجيات الدراسة الميدانية وعلى استنباط البيانات الأولية والثانوية من مصادر داخلية (البيانات الصحفية والتقارير السنوية) والخارجية (التقارير الإعلامية وتحليلات القطاع غيرها) ودمجها.

تجري شركة “واي كيه كيه” عملياتها حالياً في 73 دولة عبر 100 شركة فرعية تملكها بالكامل، ومنذ نشوئها سعت لإنشاء “منتجات أفضل بتكاليف أدنى وسرعة أكبر” وقدمت مجموعة متنوعة من المنتجات التي تشمل السحّابات أو السوست (zippers) والأجهزة البلاستيكية والأشرطة اللاصقة وأزرار الضغط (الكبس). تنتج الشركة بنفسها موادها الخام وأجهزة التصنيع الخاصة بها والحاصلة على براءات اختراع، وبذلك تحافظ على جودة منتجاتها العالية وتضمن التكاليف المنخفضة والقدرة على التنبؤ بالعرض وحماية ملكيتها الفكرية، والأهم هو أنها تتمكن من الاستجابة بسرعة لاحتياجات العملاء.

من هذا المنظور يبدو جلياً أن شركة “واي كيه كيه” حافظت على قيادة السوق بسبب قدرتها على التكيف مع احتياجات عملائها وتركيزها على الجودة واستخدامها سلسلة توريد مرنة، ومع ذلك ومن أجل التوصل إلى فهم عميق لنجاحها يجب أن ننظر إلى ما وراء تركيزها على الجودة ومنح العملاء ما يريدونه اللذين يعتبران “مقومين أساسيين” لا يمكن لكثير من الشركات النجاح من دون التركيز عليهما. ولكن أسباب نجاحها معقدة ومختلطة أكثر؛ إذ نعتقد أن سر طول عمر شركة “واي كيه كيه” يكمن في مزيج من 6 عوامل، وعلى الرغم من أن أياً من هذه العوامل متميز بحد ذاته فهي مجتمعة توقع أثراً تآزرياً على قوة الشركة المستمرة منذ زمن طويل.

فلنتمعن في مساهمة كل عامل منها في نجاح الشركة المستمر.

1. الالتزام تجاه أصحاب المصلحة 

كانت شركة “واي كيه كيه” سابقة لعصرها بكثير من الطرق، لاسيما عندما أعلن مؤسسها ورئيس مجلس إدارتها، تاداو يوشيدا، أن فلسفة الشركة يجب أن تكون “لن ينجح أحد من دون تحقيق الفائدة للآخرين”، وأطلق على هذه الفلسفة اسم “دورة الخير” وصنع علامة تجارية لهذا المصطلح.

وبالنتيجة تسعى الشركة جاهدة للتواصل مع أصحاب المصلحة على المستوى المحلي والاجتماعي والعالمي على حد سواء. في أثناء زيارتنا في عام 2019 شهدنا دمج القيم المشتركة بين سكان ولاية جورجيا الذين يعملون في مركز التصنيع والمسؤولين التنفيذيين اليابانيين الذين يديرون المكتب الرئيس، بذلت الشركة كل جهدها لملاءمة وتيرة الحياة المريحة التي يعيشها موظفوها الأميركيون في ولاية جورجيا ونمط حياتهم المحافظ و”الكرم الجنوبي” الذي يشتهرون به مع القيم المهيمنة على بيئة الشركة الأصلية التي تشمل الاحترام والكرامة والشرف. وبالقدرة على تحديد الاهتمامات المحلية وأصحاب المصلحة المحليين وإجراء التحليلات عليهم، تمكنت الشركة من التوسع على النطاق الدولي والاندماج بسهولة في الثقافات المختلفة حول العالم.

يتمثل جزء أساسي من إشراك أصحاب المصلحة والمعنيين في رد الجميل للمجتمع والعمل على نحو مستدام، وبفضل قيم شركة “واي كيه كيه” المؤسسية تمكنت من التقدم على معظم الشركات في دمج الاستدامة في جميع أوجه أعمالها؛ فقد بدأت بتقديم تقرير مالي واجتماعي وبيئي سنوي في عام 2017، وفي عام 2021 أبلغت الشركة أنها استثمرت مبلغ 2.5 مليار ين ياباني (ما يعادل 23 مليون دولار أميركي) في الاستدامة المرتبطة بالاستثمارات وتعهدت بالحياد الكربوني بحلول عام 2050، كما أنها تقدم معايير مفصلة للمؤشرات المتقدمة مثل معدل إعادة التدوير (82.3%) وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون (انخفضت بنسبة 20% عن نقطة البداية عام 2018). يعتبر معدل إعادة التدوير في شركة “واي كيه كيه” نموذجياً، إذ إنه أعلى من المعدلات الوسطية في القطاعات القابلة للمقارنة (في قطاع النسيج 14.7% في عام 2018، وفي قطاع الألبسة والأحذية 13%)،  كما يعني أن الشركة تجاوزت هدف “وكالة حماية البيئة” الأميركية المتمثل في تحقيق معدل 50% من إعادة التدوير على المستوى الوطني بحلول عام 2030.

2. الملكية الخاصة 

تقرر شركات خاصة كثيرة في مرحلة ما إما أن تتحول إلى شركة عامة وإما أن تبيع أسهمها لشركات الأسهم الخاصة الكبيرة، ولكن شركة “واي كيه كيه” لم تفعل أياً منهما، ما يمنحها قدراً كبيراً من المرونة لتحديد توجهها الاستراتيجي من دون الضغط المستمر لتوليد الإيرادات الربع السنوية.

يكشف البيان المالي للشركة نمواً بطيئاً ولكنه ثابت على مر الأعوام؛ إذ شهدت أرباح أعمالها في تصنيع أدوات التثبيت تقلباً ما بين نسبتي 11% و16% منذ 20 عاماً، وشهدت أرباح مجموعة المنتجات المعمارية تقلباً بين 2% و6% وتكبدت المجموعة خسارة في عام 2009 في أثناء فترة الركود الاقتصادي. تشير هذه البيانات إلى أن صناعة السحابات تعود بأرباح ثابتة أو ربما مذهلة على مجموعة “واي كيه كيه”، في حين أن مجموعة المنتجات المعمارية تتيح للشركة إمكانية أكبر للتوسع على نطاق أوسع والابتكار وجني الإيرادات.

تتيح شركة “واي كيه كيه” لجميع موظفيها فرصة المشاركة في ملكية الشركة بوصفهم مساهمين والحصول على حصصهم من الأرباح حتى، وتترأس رابطة ملكية الموظفين لأسهم الشركة حالياً مجموعة مساهمي شركة “واي كيه كيه”.

3. التركيز على الجودة

بذلت شركة “واي كيه كيه” قصارى جهدها منذ نشأتها لتمييز نفسها عن الشركات الأخرى في القطاع بوضع معايير جودة عالية بدرجة استثنائية، إذ تتمثل إحدى قيمها الجوهرية في “الإصرار على تحقيق الجودة العالية في كل شيء”، ووفقاً لموقع الشركة الإلكتروني فجميع أنشطة أعمالها تدور حول محور ضمان الجودة. يجري كل موقع من مواقع الإنتاج في الشركة عدداً من اختبارات الجودة ويقدم تقارير دورية عنها للمقر الرئيس في اليابان.

تتبع مجموعة “واي كيه كيه” عمليات إنتاج متكاملة، إذ تطور المعدات الخاصة بالإنتاج والمواد والتصنيع بنفسها ما يحافظ على جودة منتجاتها العالية مع ضمان عرض المواد بصورة مستمرة. كما ذكرنا، يضمن هذا النهج أن تتمكن الشركة من الاستجابة بسرعة لاحتياجات العملاء وطلباتهم الخاصة. وأخيراً، يؤدي إلى تحقيق ميزات فيما يتعلق بتطبيق الأساليب والتكنولوجيا الجديدة على نحو سريع ومنسق. ويمكن عن طريق إلقاء نظرة سريعة على موقع “جوجل باتنتس” (Google Patents) الاطلاع على مئات براءات الاختراع التي حصلت عليها الشركة من “المكتب الأميركي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية”.

4. قيم الشركة

يعمل كثير من معامل شركة “واي كيه كيه” حول العالم بإدارة يابانيين مغتربين ينقلون أسلوبهم الإداري الأبوي إلى حد ما إلى الدول التي يعملون فيها، وتم تأسيس فلسفة “دورة الخير” على مبدأ الإنصاف تجاه المجتمعات والموظفين وهذا هو أساس جميع أنشطتهم الإدارية. يتم تشغيل نظام حوكمة الشركات في مجموعة “واي كيه كيه” بدرجة أكبر عن طريق قيمها الجوهرية:

  • لا تخش الفشل، فالخبرة تبني النجاح وتخلق الفرص للموظفين.
  • كن مصراً على الجودة في كل شيء.
  • ابن الثقة والشفافية والاحترام.

في حين بحثنا في التزام شركة “واي كيه كيه” بالجودة، تسهم مبادئ الثقة والشفافية والاحترام أيضاً في خلق ثقافة الشركة القوية. والمثير للاهتمام هو أن أسلوب القيادة في الشركة قائم على فكرة أن الفشل أمر جيد والإيمان بأن الفشل حتمي عندما تكون الأهداف كبيرة.

تجلت الثقافة المؤسسية للشركة بالكامل في أعقاب دخول الصين إلى “منظمة التجارة العالمية” في عام 2001، آنذاك كانت شركات صناعة الجينز كافة، التي يبلغ عددها 59 شركة، قد غادرت الولايات المتحدة متجهة نحو مراكز التصنيع المنخفض التكلفة في الصين وغيرها، ولكن شركة “واي كيه كيه” لم ترغب في إغلاق مركز التصنيع في ولاية جورجيا وتسريح كادره المؤلف من 600 موظف وعامل، بل عرضت عليهم صفقة: إن وافقوا على تخفيض إجمالي الأجور بنسبة 10% في الوقت الذي تنفذ فيه الشركة خطط الطوارئ فلن تغلق المركز. وبمساعدة تكاليف الأجور المخفضة تمكنت الشركة من تجاوز المحنة وتمكنت من تعويض الأعمال التي خسرتها بواسطة التنويع الاستثماري وابتكار منتجات جديدة وتجزئة أعمالها.

5. الرسوخ المحلي

ينطوي رسوخ الشركة محلياً على تبني أعراف وقواعد وتقاليد ثقافية جديدة واكتساب معارف وخبرات ثقافية جديدة وتعلّم لغات جديدة واستخدامها. بهذه الطريقة يمكن للشركات التغلب على ما يسمى “مسؤولية الاغتراب”، وستعتبر طرفاً فاعلاً أصيلاً على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.  بذلت شركة “واي كيه كيه” عبر تاريخها جهوداً مدروسة لتأسيس جذور محلية متينة أدت إلى قبولها حتى في أكثر الأسواق انغلاقاً.

تعمل الشركة على إدارة بعض مكونات أعمالها الأساسية من مقرها الرئيس في اليابان، مثل التكنولوجيا والخدمات اللوجستية وعمليات النظام، ولكن الرقابة التشغيلية تتم في مؤسساتها الإقليمية الست،  إذ يضمن دور المؤسسات الإقليمية في القيادة أن تُبنى القرارات على تحقيق أقصى فائدة من خصائص الإقليم نفسه.

ويتجلى تركيز الشركة على الميزات المحلية في عملياتها المختلفة ضمن الدولة الواحدة،  ففي الولايات المتحدة مثلاً حيث تملك 6 منشآت تصنيع، نجحت الشركة في دمج قيمها اليابانية التقليدية مع قيم الثقافة الجنوبية المحلية في معملها بمدينة ماكون، إذ تبنى الموظفون مبدأ الشركة التقليدي “دورة الخير” وحافظوا في نفس الوقت على قيم مثل وتيرة حياتهم المريحة وروح الألفة بينهم والكرم الذي تشتهر به المنطقة الجنوبية. في سعي الشركة للتوصل إلى طرق للمواءمة بين قيم الثقافتين اليابانية والأميركية الجنوبية، ركزت على المجتمع والشرف والحرص على العائلة لبناء ثقافة الشركة المحلية.

6. التكيف الديناميكي مع التغييرات في القطاع

عند التمعن في العوامل التي تؤثر في طول عمر الشركة يجب أن نأخذ في حسباننا المشهد التنافسي ومعدل الابتكار والتغييرات التكنولوجية، ويبدو أن شركة تصنيع السحابات العالمية ساكنة نسبياً، ولكن ذلك مثير للاهتمام لعدة أسباب: أولاً، السحابات هي منتج خاص لا يتم تسويقه بصورة مباشرة إلى المستهلكين، بيد أنه يشكل جزءاً لا يتجزأ من الملابس وحقائب اليد وحقائب السفر أو الأشياء المشابهة. ثانياً، في حين أن قطاع السحابات منعزل نسبياً فهو كبير تتراوح مبيعاته السنوية بين 7 مليارات دولار و13 مليار دولار في الولايات المتحدة، ويتراوح معدل نموه السنوي المركب بين 5.4% و7.6%. أحد أهم أسباب نمو قطاع السحابات في السوق هو استمرار توجه التخصيص الذي يصب في صالح شركة “واي كيه كيه” وتركيزها على الابتكار.

كما أن سوق السحابات العالمي مجزأ بدرجة كبيرة يشارك فيه عدة لاعبين محليين وإقليميين وتدور فيه منافسة ضمن المجالات التقليدية المتمثلة في الكلفة والجودة والابتكار. لا تزال شركة “واي كيه كيه” لاعباً عالمياً مهيمناً، إذ تملك حصة في السوق العالمية تصل إلى 40% من حيث القيمة و20% من حيث الحجم، ولكن المشهد التنافسي يتغير بسرعة. تحديداً، أدت هيمنة الشركات الآسيوية المصنّعة المنخفضة التكلفة إلى تكثيف البيئة التنافسية. في الصين نفسها، تملك الشركة الطموحة “إس بي إس غروب” (SBS Group) 73% من السوق المحلية وتعمل على تقليد أساليب شركة “واي كيه كيه” عن طريق تسجيل أكثر من 380 براءة اختراع.

دروس للشركات الأخرى

بالنظر إلى القطاعات على اختلافها، لا شك في أن هذه العوامل الستة تنطبق على الشركات المتعددة الجنسيات الأخرى التي حققت نجاحاً على المدى الطويل. خذ مثلاً الجودة الموحدة في شركة “كوكاكولا” وشركات التعبئة المحلية التابعة لها وثقافتها وقيود الدخول إلى السوق والتزامها تجاه أصحاب المصلحة فيها، إذ عادت عليها بفائدة كبيرة على مدى الأعوام التي احتلت فيها مركز الصدارة في قطاع المشروبات الغازية العالمي.

ولكن يجب أن يعي المدراء أيضاً نقاط الضعف المحتملة التي تهدد الاستمرار على المدى الطويل. نقدم للشركات المتميزة الحالية والمستقبلية 5 فوائد مهمة من مثال شركة “واي كيه كيه” لمساعدتها في الحفاظ على مكانتها في المقدمة:

أولاً، هل تخدم الملكية الخاصة الاستقرار الطويل الأمد أم أنها تنطوي على التنازل عن النمو الكبير؟ بالنسبة لشركة “واي كيه كيه”، أسهمت الملكية الخاصة بالتأكيد في استقرارها وولاء موظفيها، ولكن كانت نتائج نصف أعمالها على الأقل (المنتجات المعمارية) مخيبة على مدى فترة طويلة.  وبالتالي، سيتعين على المدراء موازنة العوامل التي تسهم في إطالة عمر الشركة، مثل العلاقات الوطيدة مع أصحاب المصلحة والابتكار والانتشار الواسع مع تحمل العبء المالي لكل ذلك.

ثانياً، توضح حالة شركة “واي كيه كيه” أنه من الممكن أن يكون التنويع الاستثماري خطوة جيدة في الأعمال ولكنه يترافق مع جوانب سلبية ومخاطر أخرى. في حالة شركة “واي كيه كيه”، يمكننا القول إنها تقوم ببعض أعمال الدعم المالي المتبادل إذ إن بعض المجالات خارج أعمالها الأساسية لم تكن مربحة.  وبصورة مشابهة، يمكن لشركات مثل “كوكاكولا” القيام بمشاريع في المياه والعصائر، ولكنها لن تكون مربحة مثل المياه الغازية.

ثالثاً، تدفعنا قصة شركة “واي كيه كيه” لطرح السؤال: هل يؤدي بناء علامة تجارية معروفة جداً إلى الحفاظ على موقع الصدارة أم أن إبقاءها بعيداً عن الأنظار أفضل؟  إن شركة “واي كيه كيه” معروفة جداً للشركات في قطاع الألبسة ولكنها غير معروفة نسبياً للمستهلكين، هل يعني ذلك أنها فوتت فائدة ما؟ بالمقابل، بالنسبة للشركات التي تتمتع بعلامات تجارية عالمية بارزة مثل “نايكي”، هل تجذب الكثير من الاهتمام الذي قد يكون غير مرغوب أحياناً وقد يضر بأهمية الشركة على المدى الطويل ويرغمها على أداء دور أكبر على الصعيد السياسي؟

رابعاً، هل سيستمر نهج الشركة القائم على “العناصر المحلية”، الذي “يقوده الموظفون” في تحقيق المنفعة لها مع تزايد القطاعات التي تستعين بالتشغيل الآلي وتقديم الشركات المنافسة المنخفضة التكاليف منتجات منافسة ذات جودة عالية؟

وأخيراً، في حين أن التركيز على قضايا الاستدامة مقبول عموماً على اعتباره أفضل الممارسات، هل يخدم الشركات التي لا تسوق سلعها للمستهلكين مباشرة، مثل “واي كيه كيه”؟  وبالمثل، مع تطور القوانين البيئية والاجتماعية، هل ستستمر الشركات في جني فائدة التكاليف المنخفضة أم ستجنيها الشركات الأخرى التي لا تبذل سوى الحد الأدنى من الجهود بهذا الخصوص؟

لم يكن البقاء في المقدمة بصورة مستمرة في السوق العالمية التنافسية والحيوية سهلاً قطّ، وقد أصبح في عالم اليوم أصعب من أي وقت مضى. ومع ذلك، توضح حالة شركة “واي كيه كيه” العوامل التي تزيد فرص تحقيق الشركات نجاحاً دائماً بدرجة كبيرة.

وكما توضح حالة الشركة أيضاً، قد تتطلب هذه العوامل استثمارات إضافية وتضع المدراء أمام خيارات صعبة فيما يتعلق بالتضحية بالأرباح القصيرة الأجل لصالح قيادة القطاع على المدى الطويل وتحقيق هوامش أرباح أقل.  وفي حين يأتي عصر الثورة الصناعية الرابعة الجديد بقدر أكبر من التشغيل الآلي والتخصيص والجودة الموحدة، سنتعرف مع مرور الوقت قدرة العوامل التي حققت النجاح المستمر لشركات مثل شركة “واي كيه كيه” على الحفاظ على أهميتها في العقود المقبلة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .