ملخص: تبنّى عدد من شركات صناعة السيارات عدة استراتيجيات لحماية أعمالها إدراكاً منها بصعوبة تحصين سلاسل التوريد ضد الاضطرابات (الزعزعات)، بما فيها تقديم منتج "مُرضٍ" للمستهلكين، وتطوير أنظمة أفضل لمراقبة عُقد سلاسل التوريد المهمة، ومقاومة الرغبة في جعل عملية صناعة القرار المتعلقة بقضايا سلاسل التوريد مركزية، وتحديد طرق عملية لضمان توفير إمدادات الموارد المهمة، وتحويل الندرة إلى وفرة من خلال تحويل مشكلات المخزون إلى فرص تجارية.
مع استمرار تواتر زعزعات سلاسل التوريد واتساع نطاقها، من المنطقي أن تتمثّل استجابة قادة الشركات الأولى في محاولة تصحيح كل عيب أو خطأ مهما كلّف الأمر لئلا يتكرر حدوث تلك الزعزعات مرة أخرى. لكن من الواضح أن جعل سلسلة التوريد مرنة بنسبة 100% هو أمر يتعذّر تحقيقه. بدلاً من ذلك، أثبت نهجا البراغماتية والقدرة على التكيف أنهما أكثر فعالية بكثير.
تدور هذه المقالة حول النهج الجديد الذي يتبناه عدد من شركات صناعة السيارات. فنظراً لاتخاذ الشركات في كل قطاع قراراً بإعادة توجيه سلاسل توريدها لتعزيز القدرة على التحمّل، مثّلت الطرق الاستراتيجية التي تبنّاها قطاع السيارات استجابة لصدمات سلاسل التوريد الأخيرة دروساً لجميع الشركات.
وفيما يلي خمسة إجراءات يجب على المسؤولين التنفيذيين أخذها في الاعتبار في أثناء صياغتهم استراتيجية القدرة على التحمّل المناسبة لشركاتهم.
1. تقديم المنتج "المُرضي"
تتجنب بعض شركات السيارات تأخيرات الشحن عن طريق تعديل الميزات أو المكونات غير الأساسية أو إلغائها حتى، على افتراض أن الزبائن يكونون أكثر استعداداً لقبول منتج لا يلبّي كامل احتياجاتهم بعد مشكلات التوريد التي حصلت في السنوات القليلة الماضية.
على سبيل المثال، أزالت شركات صناعة السيارات، بما فيها جنرال موتورز، أنظمة مساعدة السائق والميزات الأخرى التي تعتمد على الرقائق الإلكترونية غير المتوفرة. ومع انحسار النقص في تلك الرقائق، يتساءل الجميع عما إذا كانت شركات صناعة السيارات ستُلغي تلك القرارات. على سبيل المثال، إذا كانت لوحة التحكم التناظرية أرخص من لوحة التحكم الرقمية ولا يمانع الزبائن وجود اللوحة التناظرية، فهل من المنطقي التراجع عن القرار؟ يعتمد التوصل إلى الإجابة الصحيحة على المديين القصير والطويل على عدة عوامل، منها موازنة تفضيلات الزبائن، والمشهد التنافسي، وتوافر الإمدادات.
2. تطوير أنظمة مراقبة أفضل
قد يشعر المسؤولون التنفيذيون أن استثمار أموال كافية في قدرات التنبؤ في بيئة تسودها حالة من عدم الاستقرار والغموض سيتيح لهم تحديد المجالات التي يجب تركيز الجهود عليها لزيادة قدرة سلاسل التوريد على التحمّل وبدء مشاريع كبيرة ومستدامة بثقة، لكننا تعلّمنا من السنوات القليلة الماضية أن الفشل في التنبؤ يطال نماذج الأعمال الأكثر تعقيداً حتى.
وفي الواقع، لجأ بعض الشركات إلى تطوير أنظمة أفضل لمراقبة الروابط المهمة في سلاسل التوريد والإبلاغ عن المشكلات المحتملة بشكل فوري بدلاً من استثمار أموال كبيرة في أدوات التنبؤ. كما أنها تبحث عن طرق لتسريع استجاباتها استناداً إلى تلك المعلومات الجديدة، وهو ما يستلزم تحولاً في العقلية المؤسسية، بمعنى أن تقلّل الشركة تركيزها على الأحداث العابرة وأن تكّثف جهودها على قضايا المرونة والقدرة على التكيّف.
على سبيل المثال، تمثّلت استجابة إحدى شركات صناعة السيارات لزعزعات الجائحة ونقص الرقائق الإلكترونية في وضع استثمارات كبيرة في تعزيز القدرة على مراقبة المخاطر والاستجابة لها. فطوّرت أولاً أداة جديدة تستخدم نظام تسجيل النقاط لتصنيف المخاطر. وأعدّت تقييمات للمخاطر لمجموعة فرعية فقط من مئات المكونات المهمة لتقديم منتج تام الصنع يلبّي احتياجات الزبائن، إدراكاً منها أن مجموعة مواردها، من المواد الخام إلى البضائع التامة الصنع التي تدخل في عملية صناعة منتجاتها النهائية كبيرة جداً لدرجة يصعب الاستثمار بشكل عملي في أداوت مضمونة تعزز قدرة كل مورد على التحمّل. ويخصص النظام درجات لكل مكوّن وسلعة مهمة استناداً إلى أنواع المخاطر، مثل المخاطر البيئية والجيوسياسية ومهلة التسليم والتركيز الجغرافي للموردين.
كما أجرت الشركة أيضاً تقييماً على الآلاف من المقاييس التي ستمكنها من تحسين قدرتها على التنبؤ بالمخاطر التي تهدد المواد الأولية المهمة والاستجابة لها بسرعة. وتشمل تلك المقاييس مراقبة التحوّلات في أسعار السلع (لتتبع أوجه عدم التوازن بين العرض والطلب بشكل أفضل) ومدى استفادة الموردين من القدرات الإنتاجية (لتحديد مهل التسليم الدقيقة ومدى كفاءة الموردين). كما أنها استثمرت في الأدوات الرقمية وآليات جمع المعلومات الأخرى لتراقب إشارات الزعزعة بدقة وتستجيب لها مسبقاً.
ويتمثّل أحد المبادئ الأساسية للاستراتيجية الجديدة في الترتيب الجاد للأولويات. وتحاول المؤسسة اليوم اتخاذ إجراءات سريعة عند ظهور مخاطر ملحّة على مكوناتها المهمة؛ كمراقبة المؤشرات المستقبلية للمخاطر الأقل إلحاحاً والأطول أجلاً؛ والاستثمار في فائض العرض في المجالات الأكثر أهمية. وفي الوقت نفسه، ألغت الشركة تركيزها على الفئات ذات المخاطر المنخفضة لكنها وضعت خطة لإعادة النظر فيها في المستقبل.
وكشف هذا النهج الجديد لتقييم المخاطر بالفعل عن نقاط ضعف كبيرة محتملة كان من الصعب اكتشافها، ولعّل أهمها المواد المضافة المطلوبة لإنتاج مادة الريزن المستخدمة لربط الأقطاب السالبة (كاثود) والأقطاب الموجبة (أنود) في بطاريات مركبات الليثيوم أيون. حيث وجدت الشركة أن هذه المادة المضافة لديها عدد قليل من الموردين الذين يتركزون في مناطق قليلة وأن الموردين يعملون بأقصى طاقاتهم الإنتاجية، ما يعني أن الزعزعات في أي من عملياتهم قد تحد من قدرة حصولها على هذه المواد المهمة. وتخطط الشركة حالياً لتنفيذ إجراءات مضادة ممكنة.
أخيراً، صممت الشركة نموذجاً تشغيلياً شاملاً لدعم استراتيجية قدرة سلسلة التوريد الجديدة على التحمّل وترسيخها. وشمل ذلك إنشاء فريق جديد للإشراف على جهود القدرة على التحمّل وتحديد العمليات ووضع هيكل حوكمة لمعالجة تهديدات التوريد المحتملة والاستجابة للزعزعات. وتشمل العمليات والمسؤوليات الجديدة لهذا الفريق تخطيط التصورات، واختبار قدرة سلسلة التوريد على تحمّل الضغط، وتسهيل مناقشات ترتيب أولويات المخاطر ضمن مختلف أقسام سلسلة التوريد. وتساعد هذه الاستثمارات الشركة على بناء ثقافة تؤكد على أهمية القدرة على التحمّل. وبدلاً من أن تُبدي ردود فعل على أزمات الإمداد اليوم، تضع خططاً واضحة للتخفيف بشكل استباقي من المخاطر عند ظهور إشارات تحذيرية كافية.
وعلى الرغم من صعوبة توقع تأثير استثمارات القدرة على التحمّل تلك نظراً لاختلاف طبيعة الزعزعات في سلسلة التوريد، يمكنها توفير مئات الملايين من الدولارات عند حدوث تقلبات جديدة في سلسلة التوريد.
3. قاوم الرغبة في جعل عملية صناعة القرار مركزية
مع تطوير الشركات أنظمة أكثر ذكاءً لمراقبة سلاسل توريدها والاستجابة للزعزعات، غالباً ما تميل إلى حصر قوة صناعة القرار ضمن فريق واحد يشرف على المرونة. لكن غالباً ما تؤدي المركزية في صناعة القرار إلى تأخيرات في الاستجابة للقضايا التي لا تستطيع الشركة تحملها.
ويتمثّل النهج الأفضل في تحقيق التوازن بين صناعة القرار المركزية والموزّعة. وتبنّت إحدى شركات صناعة السيارات بالفعل نموذجاً هجيناً يضع قرارات تكتيكية أو بسيطة تحت تصرّف الموظفين الميدانيين المسؤولين عن عمليات سلسلة التوريد اليومية، في حين يتحكم الفريق المركزي المسؤول عن مرونة سلسلة التوريد في القرارات الأكبر التي قد تتضمن وضع استثمارات كبيرة أو التي تؤثر على سلسلة التوريد الكاملة للشركة.
على سبيل المثال، يتمتّع فريق المشتريات بصلاحية إجراء تغييرات مستهدفة على سياسات المخزون، في حين يتخذ الفريق المركزي قرارات استراتيجية ترتبط بسلسلة التوريد، كترتيب قائمة المخاطر بحسب الأولوية وتحديد طبيعة الاستجابات. وتتوقع الشركة أن يساعدها هذا الهيكل على الاستجابة بذكاء وبشكل فوري للقضايا مع ضمان إجراء الاستقصاءات المناسبة على التغييرات ذات التداعيات الأكبر.
4. حدد طرقاً عملية لضمان توفير إمدادات الموارد المهمة
تضع الشركات مجموعة من الخيارات لضمان الوصول غير المنقطع إلى المواد ومكونات المنتجات الأكثر أهمية. وتتضمن بعض الحلول الأكثر شيوعاً دفع أسعار مرتفعة للموردين لتأمين الحصول على المواد؛ وتأمين أجزاء أو مواد من موردين متعددين؛ وإعادة تصميم المنتج النهائي للاعتماد على المواد الأولية البديلة المتاحة على نطاق أوسع والأقل تخصصاً؛ وتوحيد المزيد من المكونات ضمن مجموعة منتجات الشركة؛ والاستثمار المشترك مع الموردين لزيادة القدرة التصنيعية.
ومع ذلك، قد لا تكون تلك الخيارات ممكنة، وقد لا تحل المشكلة تماماً بالنسبة للأجزاء والمواد النادرة. وقد يميل المسؤولون التنفيذيون إلى نقل عمليات إنتاج الموارد المُكلفة إلى الشركة أو، كما في حالة المعادن النادرة، يحثون شركاتهم على تعدينها بنفسها. لكن تولّي الإنتاج المباشر أو تعهيده هو أمر مُكلف أيضاً وقد يُضعف أداء الشركة لأنه يستنزف أموال الأعمال الأساسية.
وفي الواقع، بدأت بعض الشركات بدلاً من ذلك استكشاف نماذج الأعمال الدائرية لإحكام السيطرة على الموارد النادرة. على سبيل المثال، تقوم شركة تويوتا بتأجير سياراتها الكهربائية في اليابان بدلاً من بيعها حتى تتمكن الشركة من الاحتفاظ بملكية البطاريات من أجل إعادة استخدامها حسب الاقتضاء أو إعادة تدوير المواد الأساسية. ومن المتوقع أن يقلّل هذا النموذج من المخاطر والتكاليف، ويحمي الشركة من نقص المعادن المطلوبة لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، وجعل سياراتها أكثر استدامة بيئياً.
5. حوّل الندرة إلى وفرة
تتمثّل الاستجابة عند مواجهة حالة من عدم اليقين في الإمداد في طلب فائض بصفته استراتيجية وقاية. (لماذا لا نؤمّن مخزوناً إضافياً لمدة 30 يوماً أكثر من المعتاد؟) المشكلة هي أن الوضع قد يتغير بين عشية وضحاها، ولا يزال المسؤولون التنفيذيون يذكرون التقلبات في الإمداد التي حصلت في العامين الماضيين. كما أصبحت مواجهة "تأثير السوط" أكثر صعوبة، فقد أفرطت بعض الشركات في طلب المخزون في العامين الماضيين، وأنفقت الكثير من الأموال على توفير مساحة إضافية لتخزينه، ولا تزال تلك البضائع مخزنة الآن أو فقدت قيمتها أو تُباع بأسعار منخفضة.
لكن وجدت بعض الشركات طرقاً مبتكرة لتحويل مشكلة المخزون إلى فرص تجارية. على سبيل المثال، أدت زعزعات التصنيع الناجمة عن الجائحة ونقص قطع الغيار إلى تقليص إمداد إحدى شركات السيارات لمنتجاتها النهائية إلى أقل من نصف احتياطي مخزونها المعتاد، وهو ما أدى بدوره إلى تسريع بعض الزبائن مشترياتهم حتى يتمكنوا من الحصول على النموذج الذي يرغبون فيه قبل نفاد المخزون؛ وانخفاض الإمداد (إلى جانب التضخم) الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار. وبشكل غير متوقع، لم تتسبب الندرة في إيقاف الزبائن: فقد كان الكثيرون منهم على استعداد للانتظار للحصول على النموذج الذي يريدونه إذا كانوا عازمين على شراء نموذج معين من الشركة بالفعل، ولم تغير الأسعار المرتفعة حساباتهم في كثير من الحالات.
ودفع ذلك الاكتشاف الشركة إلى إعادة التفكير في نموذج طرح بعض الموديلات والسيارات المتميزة وذات الميزات أو الألوان الخاصة في الأسواق. وعلى الرغم من أن الشركة اتبعت هذه الاستراتيجية المتعلقة بتلك المجموعة الفرعية من المنتجات حديثاً، أصبحت أقل اهتماماً بضرورة وضع تنبؤات دقيقة للعدد الصحيح لموديلات السيارات التي يستلزم عرضها في مواقع الوكلاء لبيعها، بل تحاول اليوم تنظيم هذا المخزون في مستودعات تتميّز بمواقعها الاستراتيجية وتتيح لها تسليم المنتجات المعينة بسرعة إلى الكثير من الموزعين عند وضع الطلبات. وبالتالي، يمكن للتجار تحويل الندرة إلى تجربة متميزة للزبائن، فإذا لم تكن السيارة المطلوبة موجودة في المتجر، يساعدون الزبائن في البحث عنها في مخزون الشركة الكامل ووضع طلب ليستلموها بعد ذلك بسرعة.
وباختصار، أدت الجائحة وزعزعات الإمداد الأخرى إلى إعادة تحديد توقعات الزبائن في العديد من المجالات الرئيسية في السنوات القليلة الماضية. قد لا تدوم تلك الزعزعات للأبد، لكن يمكن للشركات أن تستغلّها لصالحها وأن تجد طرقاً مبتكرة لتلبية توقعات الزبائن أو تجاوزها حتى.