لنفترض أنك تمتلك شركة للطيران وقمت بطلب محرك من رولز رويس أو جنرال الكتريك. ما الذي تبحث عنه في الحقيقة؟ قطعة من الآلات لتلبية حاجة المنتج؟ أم وسيلة قوية وآمنة وموثوقة لنقل الركاب جواً إلى وجهاتهم؟
لا يزال هذا السؤال يراودني منذ فترة، عند التفكير بشركات التصنيع التي تهدف إلى تحقيق الربح المتصاعد، وتحفيز نقلة نوعية في طريقة أداء الأعمال تركز على النتائج لا المنتجات. جعلت التطورات التقنية وإنترنت الأشياء الصناعية هذا الأمر أكثر جدوى بمرور الأيام. على سبيل المثال، عندما تُقدم رولز رويس أو جنرال إلكتريك مفهوم بوار باي ذا أوار (power by the hour) في حلول المحركات، فهم يقدمون هذه النتيجة ولربما المزيد من القيمة إلى العملاء.
لا تعتبر عملية التحول إلى شركة متركزة على النتائج عملية مباشرة كما تبدو من للوهلة الأولى، ويتطلب هذا قيام الشركات المصنعة بإعادة تصميم كل وظيفة رئيسية في المؤسسة وخصوصاً الوظائف التجارية المكلّفة بتحديد وبيع وتقديم الخدمات ذات القيمة العالية.
على سبيل المثال، في المؤسسة التقليدية، التي تركز على العملاء، يقوم المسوقون بتحديد شرائح العملاء عبر أبعاد متعددة، ثم تحديد الحلول (مزيج من المنتجات والخدمات) لتلبية احتياجات كل قطاع، لكن في المؤسسة التي تتمحور حول النتائج، يقوم المسوقون باستهداف العملاء كأفراد، ومن ثم تصميم عروض ذات قيمة لكل عميل من أجل تقديم النتائج. تُركز شركة جون دير، مثلاً، على تخصيص عروضها للعملاء عن طريق جمع المزيد من البيانات حولهم، والنتيجة هي تمكين المزارعين من إدارة عملياتهم بطريقة أكثر كفاءة، ما يؤدي إلى زيادة إنتاجية محاصيلهم.
كي تقوم الشركة التي تتمحور حول النتائج بتنفيذ وعودها التسويقية، ينبغي على إدارات المبيعات التعرف بشكل جيد على العميل للحصول على فهم أعمق للنتائج المحددة التي يسعى للحصول عليها. يتطلب هذا بناء شراكات قوية بين إدارات المبيعات والعملاء، وفي حال قيام إحدى شركات التصنيع للمعدات ببيع "الجاهزية" بدلاً من الجهاز، تحتاج إدارات المبيعات إلى العمل مع عدد من العملاء لتحديد اتفاقية مستوى الخدمات المقدمة إليهم. يُعتبر هذا الأمر غاية في التعقيد ويتطلب قيام فريق المبيعات بالعمل عبر كافة أنحاء المؤسسة عن كثب، خصوصاً في مجالات التسعير، والعمليات، والهندسة، وخدمة العملاء، وخدمات ما بعد البيع، وعمليات المبيعات. ويجب أن تكون المؤسسات جاهزة لتحسين أو تعديل مهارات البيع، والحوافز على المبيعات، والتنسيق الداخلي، وعمليات المبيعات، والخدمات لتحقيق ذلك للعميل بالشكل الصحيح.
يتطلب التحول إلى مؤسسة متركزة على المنتجات أكثر من مجرد تغييرات في التسويق والمبيعات، حيث يتوجب على فرق تطوير المنتجات التركيز على تقديم المنتجات كخدمة لتمكين مراقبة مستوى الخدمات في الوقت الحقيقي. بهذه الطريقة، لا يتوجب على المهندسين ومصممي المنتجات القيام بالتخمينات حول أداء منتجاتهم في الميدان، وذلك لأنهم يستطيعون الحصول على بيانات الأداء الفعلية مباشرة. على سبيل المثال، تقوم شركة كامينز (Cummins) الرائدة في تصنيع محركات الديزل، بجمع البيانات في الوقت الحقيقي عن أداء محركاتها وتقوم باستخدامها لتحديد الطرق التي بإمكانها جعل تلك المحركات تعمل بطريقة أكثر فاعلية. ويستفيد العملاء من جاهزية المحركات المطورة وتخفيض نفقات الصيانة. من مزايا هذا التغيير، أنه يستطيع المساعدة في تقديم الحلول للتحديات العامة التي تواجه المصنعين، حينما يفشل تقييم استخدام المنتح في الوصول عبر فرق المبيعات وغيرها من الفرق التي تتعامل مع العميل بشكل مباشر. إلى جانب ذلك، تساعد بيانات الأداء على إبلاغ التطويرات المستقبلية، وتقوم كذلك بتقليص حلقة تطوير المنتجات الجديدة. ربما يتعين على الشركات الصناعية قريباً التنافس في ما بينها على غرار شركات التقنية، والمسارعة للتغلب على المنافسة للحصول على الجيل التالي من المنتجات وطرحها في الأسواق.
من الوظائف الواجب تحولها كذلك هي وظيفة التسعير، فبينما يقوم معظم المصنعين اليوم باتباع نموذج التسعير القائم على السوق، أو نموذج الكلفة المضافة، يتعين على المؤسسات المتركزة على النتائج التحول نحو التسعير القائم على النتائج أو الاستخدام. ويعد هذا الأمر غاية في الأهمية لو أرادت شركات التصنيع الحصول على نسبة أكبر من الإيرادات، لكن بالنسبة للعديد من الشركات الصناعية، فإنّ تطوير قدرات تسعير متقدمة لم يكن على سلم أولوياتها.
تتأثر كذلك وظائف الدعم لما بعد البيع ووظيفة خدمة العملاء عندما يزداد التركيز على التدخلات الوقائية. على سبيل المثال، تقوم العديد من الشركات المصنعة للمعدات بأتمتة جداول الخدمة واستبدال قطع الغيار. لتقديم النتائج، ويتوجب على فرق خدمة العملاء أن تكون متداخلة بشكل وثيق مع الإدارات التجارية بحيث يكون بإمكانها التنبؤ بمشاكل العميل وتقديم الحلول الاستباقية (على سبيل المثال، تحويل المسار التلقائي للتسليم الخاطئ). وتميل هذه الوظائف، في الوقت الحاضر، للعمل بمعزل عن إدارات التسويق والمبيعات الرئيسية، ويتوجب تغيير هذا في حال سعت الشركات للتحول إلى التركيز على النتائج.
أخيراً، يمكن لإدارات المبيعات في المؤسسات أن تصبح أكبر وأكثر أهمية، وتغدو وظيفة "معلومات الأعمال" من الكفاءات الواجب وجودها في المؤسسات المتركزة على النتائج، وحيثما كانت، يتوجب على هذه الإدارات العمل على جمع وتحليل البيانات عن العملاء من مصادر متعددة وفي الوقت الحقيقي بحيث يمكنها تحديد المعاضل والتوصية بالتحسينات. ربما تكون إدارة عمليات المبيعات هي المجموعة المناسبة لأداء هذه الوظيفة بالإضافة إلى دورها التقليدي في تقديم الدعم لفرق المبيعات.
لربما يكون التحول إلى مؤسسة متركزة على النتائج من أهم القرارات الاستراتيجية التي تتخذها المؤسسات، وهو أمر يغدو ممكناً أكثر بمرور الوقت بفضل التطورات التقنية وإنترنت الأشياء الصناعية، لكن بدون وجود عقلية تتبنى نموذج التركيز على النتائج والنموذج التشغيلي المرافق لها تقع المؤسسات في خطر الانزلاق للوراء. لتنفيذ ذلك، يتوجب حصول تغيير مؤسسي في المؤسسة وثقافتها. ومن المرجح أن يكون احتضان مثل هذا التحول الكبير والحفاظ على الانضباط لمتابعة القيام به هو الفرق ما بين النجاح في المستقبل، أو مجرد البقاء على قيد الحياة.