بلغت كل من آتش إي بي (HEB)، كوستكو (Costco)، كويك تريب (QuikcTrip)، وتريدر جوز (Trader Joe’s)، قائمة "أفضل أماكن العمل: اختيار الموظفين" للعام 2017 من موقع غلاسدور، التي صدرت في بداية شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي. إذ يدفع تجار التجزئة هؤلاء رواتب أفضل من كثيرين غيرهم في صناعة معروفة بأجورها المنخفضة، وهو الأمر الذي يرفع من علاماتهم ، لكنهم أحرزوا نقاطاً عالية من ناحية الثقافة أيضاً. ما المميز إذاً في ثقافة هذه الشركات لتكون أماكن عمل جيدة؟
استضفنا على مدار العام الماضي قادة حاليين أو سابقين من هذه الشركات في كلية سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) في الولايات المتحدة الأميركية، وتحدث الأربعة جميعهم عن ثقافة تضع توقعات عالية وتخلق ظروفاً تشجع الموظفين على الابتكار. يدفع هذا بدوره عملية التحسين ورضا العملاء، ما يجعل الموظفين سعداء وحريصين على الاجتهاد في العمل.
بالنسبة لكريغ بويان، مدير آتش إي بي ورئيس شؤون العمليات، يؤدي خلق ثقافة من "عدم الاستكانة للرضا عن العمل" إلى الارتقاء بخدمة العملاء وتفاعل الموظفين والابتكار. وهو يشبّه ثقافة شركته بأفضل معلميه، إذ ليس بالضرورة أن يكون أفضل معلميك الأكثر لطفاً ولكنه من المؤكد أنه يضع معياراً عالياً يدفعك للوصول إلى مستوى من الأداء لم تكن تتوقع أنّ بإمكانك بلوغه يوماً ما.
في كل عام، تعطي آتش إي بي موظفيها -الذين تطلق عليهم اسم شركاء-، علاوة، ثم تتحداهم بأن يثبتوا أنهم يستحقونها من خلال تقديم أفكار مبتكرة. وكل عام يأتي هؤلاء الشركاء بالأفكار، وبالتالي، فإنّ الاستثمار يؤتي ثماره. ولكن هذا ينجح فقط لأن آتش إي بي تخلق البيئة المناسبة للمشاركة والتمكين، بدءاً من القمة، حيث يقضي كريغ نفسه وقتاً طويلاً يفكر في كيفية جعل جميع الموظفين، (بدءاً بالشركاء وحتى سائقي الشاحنات) فخورين ومتفاعلين في جعل الشركة أفضل.
بالنسبة لبويان، الأمر الأساسي هنا هو منح سلطة حقيقية لمدراء المتاجر والشركاء. إذ يقول: "يدير قادة متاجرنا أعمالهم بالطريقة التي يرونها أفضل، ويتطلع كل متجر وكل قسم دائماً إلى تحسين وتطوير طريقة قيامنا بالعمل. فالأساس هو دفع عملية صنع القرار إلى أولئك الذين لديهم أفضل المعرفة -الشركاء في محلاتنا- بالإضافة لوجود قادة وشركاء رائعين يعكفون دوماً على التعلم والعمل من أجل تطوير أعمالنا".
يتضمن هذا استخدام النوع المناسب من الحوافز. ولأن آتش إي بي وجدت أنّ الحوافز الفردية أدت إلى خلق منافسة غير صحية بين الزملاء، أخذت تركز أكثر على الحوافز المرتبطة بنجاح المتجر والفريق. مثلاً، توفر الشركة بيانات عن المبيعات الإقليمية لتشجيع المنافسة بين المتاجر.
أما بالنسبة لمؤسس شركة كوستكو، جيم سينيغال، فإنّ تجارة التجزئة في جوهرها تُعتبر عملاً يعتمد على الناس، وهو ما يعني أنّ من المهم إتقان الجزء المتعلق بالعامل البشري. لذلك توظف كوستكو الأشخاص المناسبين وتعلّمهم وتدفع لهم أجوراً جيدة وتمنحهم فرصاً للتطور. في المقابل، تحصل الشركة على إنتاجية أفضل.
عندما تحدّث سينيغال، أشار إلى ركيزتين في ثقافة كوستكو: أولاً، أنها تضع أعلى المعايير لموظفيها. ثانياً، أنها تشجع الموظفين على التحلي بالمسؤولية تجاه أعمالهم.
بدوره، تحدث أيضاً تود ماينر، مدير اللحوم في مستودع كوستكو في مدينة والثام التابعة لولاية ماساتشوستس الأميركية، وهو صورة مثالية عن ثقافة كوستكو، حيث بدأ تود العمل في كوستكو قبل 12 عاماً كجزّار وترقى مرات عديدة. وهو الآن واحد من ثلاثة مدراء قسم للحوم يقومون بتهيئة القسم لدى افتتاح أي متجر جديد.
لاحظنا أنّ تود كان يتحدث كما لو أنّ قسم اللحوم يعدّ شركته الخاصة. ووصف لنا كيف عمل ليلاً ونهاراً للتأكد من أنّ كل شيء مثالي استعداداً للتفتيش. حتى أن المصارف الأرضية كانت تلمع. واعتقد هو وفريقه أنهم سيتجاوزون التفتيش، ولعلهم محقين لو كانوا في معظم الشركات. أُعجب فريق كوستكو للتفتيش بالعمل، لكنهم أشاروا إلى أنّ استخدام مصباح كهربائي من نوع مختلف سيجعل عرض اللحوم أفضل. بالنسبة لتود وفريقه، لم تكن الرسالة أنّ عليهم ألا يحلموا بتجاوز التفتيش، بل أنّ هناك دائماً طريقة جديدة للتألق. وكانوا متفقين مع رئيسهم التنفيذي بأنّ التوقعات العالية والتمكين يجعل الموظفين أكثر فخراً بعملهم ويجعل الزبائن راضين أكثر بما يقدم لهم.
تدفع كوستكو لموظفيها أجوراً جيدة، لكن كما قال سينيغال، أنت تحصد ثمار ما تدفعه: الأجر الجيد يعني أشياء جيدة للشركة. ومع أنّ هناك دائماً إغراء موجوداً بخفض تكاليف العمالة، التي تشكل 70 في المئة من ميزانية كوستكو، لكن سينيغال يرى أنّ هذا ليس إلا "ذهب الحمقى".
بدوره سلط تشيت كاديوكس، الرئيس التنفيذي لشركة كويك تريب الضوء على قيمتين مؤسسيتين اثنتين: أن تكون الأفضل، ولا تقنع بما حققته حتى ولو كنت الأفضل. إذ تخلق هذه القيم ثقافة من التوقعات العالية والتحسين المستمر الذي يبدأ من عملية توظيف وتدريب صارمة ويمتد إلى تصميم الوظائف وإدارة الأداء. تستخدم الشركة أدوات مثل ورقة عمل النشاط اليومي، التي تجعل كل موظف في المتجر يعرف ما عليه فعله ومتى. كذلك يتم تمكين الموظفين للقيام بما هو أفضل للعميل، بدءاً من طلب البضائع وحتى إعادة ملء كوب مجاني لطفل وقع شرابه. يضاف لهذا أنّ كويك تريب تتيح للموظفين الكثير من البيانات لمساعدتهم على فهم وتحسين الأداء، بدءاً من مراجعات الأداء بأسلوب 360 درجة لتقييم الأداء مروراً بالسماح للموظف بالوصول إلى بيانات الأداء من جميع المتاجر، وحتى برنامج صارم للمتسوق الخفي (mystery shopper).
أخيراً، أشار دوغ روش، الرئيس السابق لشركة تريدر جوز، إلى أهمية تمكين الموظفين من القيام بما هو مناسب للعملاء وللشركة. وقال أنّ الاستماع لصوت الموظفين عامل مهم للمحافظة على تفاعلهم.
نصف الشركات تقريباً في قائمة "أفضل أماكن العمل" ضمن موقع غلاسدور هي شركات تقنية، كثير منها يقدم أطعمة مجانياً أو جلسات تدليك في العمل أو إحدى امتيازات وادي السيليكون الغريبة، مثل غرف الألعاب وركوب المروحيات. لكن شركات آتش إي بي وكوستكو وكويك تريب وتريدر جوز تبيّن أنّ الموظفين لا يحتاجون للعب كرة الطاولة في العمل كي يشعروا بتقدير شركاتهم لهم. هم يريدون أصحاب عمل يضعون توقعات عالية ويساعدون الموظفين على تحقيقها. يريدون فرصة للقدوم إلى العمل وخلق فارق حقيقي للشركة وللزبائن الذين يخدمونهم وجهاً لوجه. سيخلق تجار التجزئة الذين يوفرون هذه الأمور قيمة لموظفيهم ولعملائهم وللمستثمرين هذا العام وما بعده.