ما هي السياسات التي تحصّن الشركات العائلية من الخلافات الشخصية؟

5 دقيقة
السياسات الرسمية
shutterstock.com/Dexter Vector

تعمل الشركات العائلية في بيئة تقوم على الثقة المتبادلة وتوارث الأدوار، حيث تختلط العلاقات العاطفية بشؤون العمل. قد تبدو هذه الروابط الأسرية مصدر قوة، لكنها تتحول إلى نقطة ضعف في غياب بنية تنظيمية واضحة؛ فعندما تطغى الاعتبارات العائلية على قرارات العمل المصيرية، سرعان ما تظهر المشكلات المرتبطة بتضارب التوقعات أو غياب العدالة في المعاملة أو التباس التفسيرات القانونية، ما يهدد مستقبل المؤسسة نفسها.

خلال عملي بالتدريس وتقديم الاستشارات للشركات العائلية، أستخدم شعاراً بسيطاً للفت الانتباه إلى هذه الرسالة الجوهرية: حدِّدوا السياسات قبل أن تقع الخلافات الشخصية.

لا تنحصر دلالة هذا الشعار في إرساء نموذج مثالي للحوكمة، بل تشكل استراتيجية أساسية للحفاظ على استمرارية الشركة؛ إذ تضمن احتكام القرارات إلى القواعد، لا العلاقات. وعند إرساء سياسات رسمية، تستطيع العائلة التركيز على تنمية شركتها بدلاً من الانشغال بحلّ النزاعات أو التشبث بالضغائن.

دعونا نستعرض كيف يبدو ذلك على أرض الواقع من خلال قصة شركة عائلية حقيقية لن نفصح عن هويتها، ارتكبت أخطاء في البداية قبل أن تتعلم وتصحح مسارها.

عائلة في مفترق طرق

آل روسي عائلة أوروبية تعمل في قطاع الضيافة منذ 3 أجيال، ومع امتلاك شركتها 15 فندقاً فاخراً موزعة على قارات عدة وعلامة تجارية آخذة في النمو، شهدت أعمالها توسعاً كبيراً تحت إدارة أبناء المؤسس، لكن هذا النجاح ولّد تعقيدات متزايدة.

عندما تزوج أحد أفراد الجيل الثالث، جون، وعيّن زوجته في الشركة، أُثيرت تساؤلات حول العدالة والمساءلة والملكية؛ إذ تساءل بعض أفراد الأسرة بصمت: هل تملك زوجة جون المؤهلات اللازمة لشغل الوظيفة؟ مَن الذي اتخذ هذا القرار؟ وهل يحق لبقية أفراد الأسرة تعيين زوجاتهم في الشركة أيضاً؟

في الوقت نفسه، بدأت الأدوار بين الإخوة وأبناء العمومة تتداخل. وعلى الرغم من أن أحد أفراد الجيل الثاني كان لا يزال يشغل منصب الرئيس التنفيذي، فإن عملية صناعة القرار بدأت تنتقل تدريجياً إلى أفراد الجيل الثالث دون أي اعتراف رسمي بهذا التغيير؛ إذ تولّى أحد أبناء العائلة من الجيل الثالث مسؤولية إدارة العمليات التشغيلية، بينما بدأ الرئيس التنفيذي للشؤون المالية من الجيل الثاني يشعر بالتهميش، كما انخرط أفراد آخرون من الجيل الثالث في العمل، بعضهم دون مهام واضحة، وبعضهم متردد لا يدري إن كانت مشاركته مطلوبة رسمياً أم أن مجرد إبداء الاهتمام يكفي للحصول على دور في الشركة؟

عندما انفصل جون عن زوجته لاحقاً، طالبته بحصة في ملكية الشركة، وحينها انفجرت المشكلات التي ظلت طي الكتمان.

واجه آل روسي تحدياً قانونياً معقداً، لأنهم لم يضعوا قواعد أو سياسات تحدد كيفية التعامل مع حالات الطلاق داخل العائلة. ولم تكن المشكلة تنحصر في حصة الملكية التي طالبت بها طليقة جون، بل إن الخلاف الحقيقي دار حول كيفية المضيّ قدماً، ما عرّض الشركة والعائلة معاً لخطر الانقسام الفعلي.

الافتقار إلى هياكل الحوكمة الأساسية

توسعت أعمال آل روسي بوتيرة متسارعة، لكن نظام الحوكمة لم يواكب هذا التوسع. وتحديداً:

  • لم تكن هناك أي اتفاقيات بين المساهمين تحدد من يحق له امتلاك الأسهم ولا آلية لحل النزاعات، بالإضافة إلى عدم توضيح ما ينبغي فعله في حال الطلاق.
  • لم تكن هناك آلية للشراء والبيع تحدد إجراءات تصفية الحصص لمن يرغب من أفراد العائلة في بيع حصته.
  • لم تكن هناك أي قاعدة تُلزم أفراد العائلة المساهمين في الشركة، عند الإقدام على الزواج، على توقيع اتفاق مسبق مع الزوج أو الزوجة أو وضع خطة لتوزيع التركة تحمي الشركة من انتقال أسهمها إلى أطراف من خارج الأسرة في حال الطلاق أو الوفاة.
  • لم يكن هناك هيكل حوكمة رسمي يُنظم عملية صناعة القرار وحل النزاعات.
  • لم يكن هناك مجلس استشاري يضم أعضاء مستقلين لتقديم التوجيه فيما يتعلق بالاستراتيجية والتعاقب الوظيفي والقرارات الحساسة.

أدت أوجه القصور هذه كلها إلى ظهور مشكلات عديدة، لكن غياب هيكلية فعالة لمجلس إدارة في شركة بهذا الحجم وبهذا المستوى من التعقيد ولّد صعوبات استثنائية؛ إذ كانت القرارات تُتخذ بصورة غير رسمية بين أفراد العائلة، وغالباً ما تحكمها العواطف لا النظرة الموضوعية.

لو أن آل روسي شكّلوا مجلساً استشارياً يضم أعضاء مستقلين من خارج الأسرة، لاستفادت من رؤى خارجية ومستوى مهني من المساءلة، ولاستطاعت الفصل بين العلاقات الشخصية وحوكمة الشركة؛ فالأعضاء المستقلون لا يضيفون المصداقية فحسب، بل يقدّمون منظوراً موضوعياً أيضاً حين يعجز أفراد الأسرة عن رؤية الصورة بوضوح بسبب قربهم الشديد من تفاصيلها.

من المهم أيضاً توحيد الإجراءات المتعلقة بالوثائق، مثل اتفاق ما قبل الزواج؛ فلا يكفي أن يُطلب من كل فرد من العائلة يملك حصة في الشركة أن يوقّع على اتفاق مثل هذا، بل من الضروري أيضاً أن تكون الشروط المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات موحدة نسبياً، حتى لا تحدث مفاجآت في حال انفصال زوجين أحدهما مساهم في الشركة. ولضمان قدر أكبر من العدالة، يمكن تشجيع الأزواج الذين تزوجوا قبل تطبيق هذه السياسة على توقيع اتفاقات ما بعد الزواج، تتضمّن شروطاً تضمن بقاء حصة الشركة مع الطرف المنتمي أصلاً إلى العائلة في حال الطلاق.

لا يُقصد بمثل هذه السياسات الرسمية الملزمة قانوناً زعزعة الثقة بين أفراد الأسرة الواحدة، بل توفير مظلة حماية عادلة تحد من المخاطر المحتملة، كما أنها تقلّل مخاطر القرارات الأحادية الجانب؛ لأنها توضّح من يملك القرار وفي أي ظروف، والأهم من ذلك، أنها تضمن استمرارية الشركة عند انتقالها من جيل إلى آخر.

على الرغم من أن الوثائق والهياكل الرسمية هي النتيجة النهائية لهذا المسار، فإن النقاشات المطلوبة لإعدادها لا تقل أهمية؛ فعندما تبحث العائلة في كيفية التعامل مع بيع الحصص أو حالات الطلاق، تظهر الفوارق في نظرة الأفراد لطبيعة العلاقة المتوقعة ومستوى الالتزام والدور المنوط بكل فرد تجاه الشركة وتجاه بقية أفراد العائلة. ويمثل الحوار المفتوح الذي يتطلبه وضع هذه السياسات فرصة مهمة لطرح القضايا والخلافات والتصورات المختلفة على الطاولة، ومن ثم معالجتها قبل أن تتفاقم.

وضع قواعد التعيين في الشركة

انضمت زوجة جون إلى العمل في الشركة دون إجراء مقابلة عمل رسمية أو وجود وصف وظيفي واضح. وكان بعض أفراد العائلة قد التحقوا بالشركة لأنهم وجدوا الفرصة ببساطة، بينما انضم إليها آخرون بدافع الواجب. أما توقعات الأداء، فكانت غير محددة. وتوزّعت المسميات الوظيفية حسب المكانة داخل العائلة، لا الكفاءة، في حين شهدت التعويضات تفاوتاً صارخاً؛ إذ كان بعض أفراد العائلة يتقاضى أجراً أعلى بكثير من الموظفين غير المنتمين إلى العائلة على الرغم من شغلهم الوظيفة نفسها، في حين بدا آخرون أقل أجراً لأن رواتبهم وُضعت على أساس ما يمكن أن يجنوه في المستقبل من حصصهم في الشركة.

أدى ذلك إلى إحباط الموظفين الذين لا ينتمون إلى العائلة وخلق حالة من التوتر بين أبناء العمومة. وعندما انتهى زواج جون، تحوّل الجدل حول استمرار طليقته في العمل إلى نقاش شخصي وعاطفي مثير للانقسام. وكان بالإمكان تفادي هذه النتيجة لو وُضعت قواعد واضحة منذ البداية.

كانت هذه الشركة، مثل مختلف الشركات العائلية، بحاجة إلى مجموعة من السياسات الوظيفية المخصصة لأفراد العائلة. وينبغي أن تشمل هذه السياسات ما يلي:

  • وضع آلية رسمية لتعيين الموظفين بمختلف المناصب، سواء للعاملين من العائلة أو من خارجها.
  • كتابة قائمة بالمعايير اللازم توافرها في أفراد العائلة المؤهلين للعمل بالشركة، والمؤهلات المطلوبة لشغل المناصب المتاحة بها.
  • وضع آلية تضمن عمل الموظفين كافة، سواء ممن ينتمون إلى العائلة أو غيرهم، وفق توصيفات وظيفية دقيقة ومؤشرات أداء مرتبطة بالمسؤولية.
  • وضع مدونة رسمية لقواعد السلوك وآليات واضحة للتظلم تُطبَّق على الجميع دون استثناء.
  • الاتفاق على آلية عادلة وموحدة لتحديد التعويضات المالية لأفراد العائلة وغيرهم من الموظفين.

يساعد وضع معايير واضحة للتعيين والتوظيف على تبديد الانطباعات بوجود محسوبيات أو محاباة طرف على حساب الآخر؛ فالإجراءات الشفافة تعزز الإنصاف وتضمن ألا يشعر أي موظف بأن صلة قرابته العائلية أهم من أدائه، كما تتيح آلية التظلمات الرسمية للموظفين كافة طرح مشكلاتهم بأمان وبأسلوب بنّاء، قبل أن تنتقل إلى العلاقات الأسرية.

نقطة التحول

كانت الأزمة التي مرّت بها عائلة روسي مؤلمة، لكنها كشفت الكثير من الحقائق. استعانت العائلة بمستشار متخصص في شؤون الشركات العائلية، وبدأت بوضع السياسات اللازمة. فقد وضعت ميثاقاً عائلياً وصاغت سياسات تتعلق بالتوظيف والملكية واتفق أفرادها على أن يكون زواج أي من المساهمين في الشركة مستقبلاً مشروطاً بتوقيع اتفاق ما قبل الزواج.

واليوم، أصبحت الشركة أقوى وكذلك العائلة؛ إذ باتت الأدوار أوضح وتوحّدت التوقعات. أما الخلافات، فلم تعد تُدار بالعواطف، بل تُعالَج ضمن إطار مؤسسي منظم.

أعتقد أن رسالتي في هذا الشأن واضحة: لا تؤجل وضع السياسات إلى حين وقوع الأزمة. فالكثير من الشركات العائلية يتعامل مع السياسات الرسمية وكأنها خيار ثانوي، والأسوأ من ذلك أن تعتبرها نوعاً من الجفاء وانعدام الثقة. في الحقيقة، تُعد السياسات الاستباقية من أقوى الأدوات للحفاظ على ما يميز الشركات العائلية: وحدة الصف والهدف المشترك واستمراريتها عبر الأجيال.

ووضع السياسات لا يعني التخلي عن الثقة المتبادلة، بل يعني بناء هيكلية تحترم هذه الثقة وتمنح العائلات الفرصة للتركيز على بناء إرثها، بدلاً من الانشغال بعلاج الأزمات.

إذا لم تكن لدى شركتك العائلية حتى الآن سياسات واضحة بشأن الملكية والتوظيف والاتفاقات الزوجية، فقد حان الوقت لوضعها، ليس لأن الخلاف أمر لا مفر منه، بل لأن الحفاظ على الوئام أمر يستحق الجهد المبذول فيه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي