نعلم أن التنوع مهم، فبالإضافة إلى كونه الشيء الصحيح الواجب فعله، فوجود قوة عاملة متنوعة يساعد الشركات على جذب أفضل الموظفين والمحافظة عليهم وزيادة مشاركة الموظفين في العمل وزيادة الابتكار وتحسين أداء الأعمال. إلا أنّ الشركات لا تزال إلى الآن قاصرة في تحقيق التنوع، وبخاصة في المستويات العليا والتي لا يزال يهيمن عليها الرجال.
ويعود السبب في ذلك إلى عدم بذل ما يكفي من الجهد. فبصفتي شريكاً رئيساً في "بوسطن كونسلتينغ جروب" ورئيساً لجهود الشركة الخاصة بالتنوع، أعلم أنّ هناك شركات تستثمر في برامج التنوع. وفي الواقع، أظهر بحثنا في 14 دولة أنه لدى ما بين 96 إلى 98% من الشركات الكبيرة (أكثر من 1,000 موظف) مثل هذه البرامج.
إلا أنه ورغم هذا الاستثمار، وجدنا أن حوالي ثلاثة أرباع الموظفين في المجموعات الضعيفة التمثيل مثل النساء والأقليات – لا يشعرون أنهم استفادوا شخصياً من برامج التنوع والشمول الخاصة بشركاتهم.
فما الذي يجب على الشركات فعله لإحراز تقدم حقيقي؟
قمنا بإجراء مسح شمل لأكثر من 16,000 موظف في 14 دولة حول العالم لمعرفة العقبات التي يواجهونها، ونوعية ممارسات التنوع والشمول المستخدمة في أماكن عملهم والتي تقدم أكبر فائدة للنساء والأقليات (هذه البيانات مستقاة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والبرازيل فقط).
ووجدنا مواصلة قيام أعضاء مجموعات الأغلبية بالتقليل من أهمية العقبات التي يواجهها الموظفون المتنوعون، وبخاصة التحيز اليومي المنتشر، إذ ذكر نصف الموظفين المتنوعون أنهم يواجهون التحيز بشكل يومي في العمل. كما قال نصفهم أيضاً أنه لا يؤمن بامتلاك شركته للآليات المناسبة لضمان خلو القرارات الرئيسة (مثل من يتلقى الترقيات والمهام الإضافية) من التحيز. وفي الوقت نفسه، كان الذكور، الذين يميلون إلى الهيمنة على المناصب القيادية، أكثر ميلاً بنسبة 13 نقطة مئوية للقول أن التجربة اليومية والقرارات الرئيسة خالية من التحيز.
وليس من المفاجئ إذن أنه عندما قام الموظفون بترتيب فعالية الممارسات الخاصة بالتنوع، كان هناك إجماع على الحاجة إلى العودة إلى الأساسيات وإزالة التحيز. وكانت التدخلات التي حلت في أعلى المراتب هي: تقديم سياسات مكافحة تمييز قوية مصممة بشكل جيد ومتابعة بشكل مستمر؛ وتقديم تدريب فعال للتخفيف من التحيزات وزيادة الكفاءة الثقافية؛ وإزالة التحيز من قرارات التقييم والترقية. وعلى أي مؤسسة ترغب في تحسين التنوع إدراج تلك الأولويات لديها.
بالإضافة إلى ذلك، حددنا مجموعة من "الجواهر المخفية" لكل مجموعة متنوعة، والتي هي سياسات يرون أنها فعالة، في حين يقلل موظفو مجموعة الأغلبية من قيمتها. وبما أن معظم قادة الشركات ينتمون إلى الفئة الأخيرة، فيؤدي ذلك إلى استنتاج مفاده أن الشركات تعطي الأولوية للمبادرات الخاطئة.
فبالنسبة للموظفات، كانت الممارسات الموجودة ضمن فئة "الجواهر المخفية" هي تلك التي تقدم لهن مساراً قابلاً للتطور وتمنحهن الأدوات اللازمة لتحقيق التوازن بين المسؤوليات المهنية والأسرية. لقد أردن رؤية نماذج قدوة في فرق القيادة (صنّفت النساء ذلك في المرتبة الخامسة من حيث التأثير، بينما صنفها الرجال في المرتبة السابعة عشرة). كما يردن أيضاً أدوات عملية تساعدهن على التقدم بغض النظر عن وضعهن العائلي مثل إجازة الأمومة (صنفتها النساء في المرتبة الثالثة، بينما صنفها الرجال في المرتبة العاشرة)، وتغطية رعاية صحية مناسبة (صنفها النساء في المرتبة السادسة، بينما صنفها الرجال في المرتبة الحادية عشرة)، والمساعدة في رعاية الأطفال، مثل الرعاية البديلة أو وجود حضانة أطفال في مقر العمل (المرتبة الحادية عشرة مقابل المرتبة الثانية والعشرين). كما تجدر ملاحظة أن كلاً من النساء والرجال يرون برامج العمل المرن مهمة (المرتبة الثانية مقابل المرتبة الخامسة). ومع ذلك، وعلى الرغم من أهميتها للجميع، توفر ثُلث أماكن العمل برامج العمل المرن وفقاً لمسحنا.
ورأى معظم القادة الذكور أنّ التوظيف أكبر عقبة أمام التنوع في دورة حياة الموظف. إلا أنه بالنسبة للموظفات أو الموظفين المنتمين للأقليات، ممن يواجهون تحيزات يومية تمنعهم من الترقي وظيفياً، تمثلت أبرز العقبات لديهم في عدم التقدم وظيفياً. وشملت "الجواهر المخفية" الخاصة بالممارسات في حالتهم: إزالة التحيز الحاصل يومياً والمتمثل في أمور مثل كيفية ضم الموظفين إلى فرق العمل أو تحديد من سيحضر الاجتماعات (صنفتها الموظفات أو الموظفين من الأقليات في المرتبة الثامنة مقابل المرتبة الرابعة عشرة لدى الرجال). كما ثمّن العاملون من النساء أو الأقليات برامج الرعاية الرسمية (التي بُرهن أنها تعزز تمثيل المجموعات المهمشة والأقليات وذات التمثيل المحدود) وجاءت خريطة طريق التقدم الوظيفي الفردية (في المرتبة الرابعة عشرة لدى الموظفين من النساء والأقليات مقابل المرتبة الثامنة والعشرين لدى الموظفين الذكور)، نظراً لأهميتها لمن يفتقرون إلى علاقات غير رسمية مع ذوي الرتب العليا في شركاتهم.
وبالنسبة للقادة الذين يرغبون في إحداث فرق ولكنهم غير متأكدين من كيفية ذلك، تعتبر الإجراءات المذكورة أعلاه نقطة انطلاق جيدة. ولكن لجعلها تسير على درب النجاح، تحتاج الشركات إلى تطبيق نفس المنهجية التي تتبعها على أي أولوية تجارية أخرى.
يشير عملنا مع الشركات التي تسعى إلى تعزيز تنوعها وشمولها إلى حاجتها إلى تنفيذ ثلاثة جوانب تنظيمية. ويتطلب نجاح كل من هذه المبادرات التزاماً بالقيادة ونهجاً مخصصاً يعتمد على الاحتياجات الفريدة للمؤسسة ومقاييس لقياس التقدم وتتبعه.
التزام القيادة: إنّ الكلمات السطحية والتفاؤل غير كاف كما يتضح من إجابات 75% من الموظفين الذين شملهم المسح والذين يرون أن برامج التنوع مطبقة بالفعل إنما لا يشعرون بأثرها. ويجب على القادة بناء حالة تغيير واضحة ووضع أهداف ملموسة، مع تحديد أولوياتها بالتنسيق مع موظفيهم المتنوعين.
نهج مخصص: يجب تخصيص التدخلات التي ناقشناها بما يتناسب مع ظروف كل شركة وبحسب ثقافتها لاتخاذها كمنطلق لتحديد أفضل مسار للعمل مناسب لها. ويجب تطبيق مسار من أعلى إلى أسفل (على سبيل المثال، تدريب على مستوى الشركة، وبرامج تتبع الترقية والرواتب ضمن مجموعات التنوع) ومسار من أسفل إلى أعلى (على سبيل المثال، إجراءات لمساعدة المدراء على التفكير فيمن تتم دعوتهم إلى الاجتماعات المهمة ومن يديرها) وهو ما قد يؤدي في العادة إلى أفضل النتائج. وبشكل حاسم، يجب على الشركات إشراك الموظفين المتأثرين، من الأغلبية والأقلية، وموظفي ومدراء الخطوط الأمامية في تصميم البرامج وتقييمها لضمان عمل تلك البرامج وتحقيقها للفائدة.
المقاييس: تقوم الشركات الأفضل أداء بقياس التقدم مع مرور الوقت واستخدام مؤشرات الأداء الرئيسة (KPIs) لتحسين نهجها وتحميل القادة المسؤولية عن النتائج.
لا يزال هناك مجال كبير للتقدم في تحقيق التنوع والشمول المؤسسي. لكن الخبر السار هنا هو أن هناك العديد من الإجراءات المطبقة بالفعل والتي وجدها الموظفون المتنوعون ناجحة في تعزيز مكان عمل أكثر تنوعاً. والآن هو الوقت المناسب لوضعها في مكانها الصحيح.