لماذا نحن سيئون في اختيار الوظيفة المناسبة؟

4 دقائق

ما هي مواصفات وظيفتك المثالية؟ على الرغم من وجود معايير محددة المعالم لما يريده المرء فعلياً من العمل، إلا أن الخيارات المتعلقة بمسارنا المهني لا تتفق دائماً مع تلك المعايير حتى وإن عرفناها حق المعرفة.

وعلى اعتبار أن معظمنا لا يريد سوى ثلاثة أشياء محددة من وظائفنا، وهي:

  • الإحساس بالكفاءة والإتقان: ويُكتسب ذلك من خلال إتاحة الفرصة أمامنا لرفع مستوى أدائنا بحيث يتجاوز الحدود المرسومة للأدوار المنوطين بها، وتطوير أنفسنا من خلال اغتنام فرص التعلم التي تنمي قدراتنا.
  • الإحساس بالانتماء للمجتمع أو الارتباط به: ويتحقق نتيجة تكوين علاقات قوية مع زملاء العمل تقوم على أسس سليمة ويغلفها الاحترام المتبادل، والإحساس بالتقدير في العمل. ولهذا السبب تعتبر ثقافة الشركة عاملاً محورياً في انتشار الشعور بالرضا أو السخط بين الموظفين.
  • الإحساس بأن لوجودنا معنى وهدفاً: الشعور بأننا مُكرسون لشيء مهم، يتماشى مع قيمنا ودوافعنا الأساسية.

بطبيعة الحال، سيكون من السذاجة افتراض أن كل شخص في العالم يمكنه الالتحاق بعمل تتوافر فيه المواصفات الثلاثة. ولكن في الوقت ذاته يُتوقع من العاملين في كل مكان تحقيق هذه الأهداف، بغض النظر عن ظروف الاقتصاد الكلي والإمكانات والموهبة. ونتيجةً لذلك تنشأ رغبة فطرية لدى معظم الناس في بذل الجهود الحثيثة للحصول على نسخة من وظيفتهم المثالية، أو على الأقل تحسين دورهم الحالي - وهو ما يطلق عليه الأكاديميون "إعادة تشكيل الوظيفة".

لا بأس بتلك الخطوة، وذلك لأن محاولات تحسين وظيفتك بحيث تتناسب مع قدراتك واهتماماتك غالباً ما تسفر عن تغيير شعورك إلى الأفضل ورفع مستوى أدائك، وهو أمر يبدو أوضح من أن يحتاج إلى دليل علمي يبرهن عليه. ومع ذلك، فقد أُجريت عدة دراسات أثبتت كما هو متوقع أن ثمة علاقة تربط بين إعادة تشكيل الوظيفة من جهة والالتزام الوظيفي وقابلية التوظيف من جهة أخرى، والتي تُعرّف بأنها القدرة على الحصول على الوظائف المرغوبة والحفاظ عليها واستمرارية أهميتها في السوق طوال حياتك المهنية. كما أثبت بحث آخر أن إعادة تشكيل الوظيفة تعزز كينونة العاملين.

وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كان الناس يعرفون بدقة ما يريدون وما يحتاجون من العمل، فلماذا يتخذ كثير منا القرار الخطأ عند اختيار وظيفة، خاصة عندما يكون لدينا خيارات أخرى؟

يشير البحث إلى عدة أسباب:

عندما يتكلم المال، ينصت الناس. كما تشير الدراسات التحليلية، فليس هناك أدنى علاقة تقريباً بين الأجور والرضا الوظيفي. على سبيل المثال، يشعر المحامون الذين يصل دخلهم السنوي إلى 160,000 دولار سنوياً بمستوى الرضا نفسه الذي تشعر به الممرضات اللائي يتقاضين 35,000 دولار سنوياً. ورغم أن المال لا يصلح معياراً للرضا، إلا أنه لا يزال عاملاً مؤثراً. فالعديد من قراراتنا ترتكز على البواعث المالية، خاصة عندما يتعلق الأمر بوظائفنا. حتى عندما يقول الناس إنهم لا يمانعون في خفض رواتبهم إذا كان بإمكانهم تقليل ساعات العمل أو ترشيد الوقت المهدر في المواصلات أو الحصول على وظيفة أكثر إمتاعاً، فإنهم لا يتخذون تلك الخيارات في كثير من الأحيان، ويفضلون التمسك بالوظيفة ذات الراتب الأعلى.

يجيد الإنسان تحمُّل الوظائف السيئة. فقدرتنا على تحمل وظيفة سيئة تفوق قدرتنا على تحمل علاقة سيئة. في الواقع، على الرغم من الرأي السائد بأن الناس سعداء بشعور عدم اليقين ولا يبالون بالحياة المهنية طويلة الأجل، ففي حقيقة الأمر إن العكس هو الصحيح. عندما يتعلق الأمر بالوظائف والحياة المهنية، فحينها يطبق الكثيرون المثل القائل "الشيطان الذي تعرفه خيرٌ من غيره". يمكنك تعيين أشخاص في مناصب لا معنى لها ووضعهم تحت رئاسة مديرين سيئين، إلا أنهم سيظلون عازفين عن تجربة شيء آخر، وهو ما يفسر تفشي ظاهرة انعدام الالتزام الوظيفي حتى بين أنجح الشركات في العالم.

ضعف الوعي الذاتي يحدُّ من الخيارات الذكية. كما أوضحت في كتابي الأخير، فإن الإنسان عادة ما يعجز عن تقييم مواهبه. حتى عندما يقرر "السير وراء شغفه" فليس هناك ما يضمن إتقانه شيء ما في نهاية المطاف، ناهيك عن كونه مفيداً أو مطلوباً. وهذا يعني غياب العوائد الواضحة على تجشم المخاطر وتغيير المهن في بعض الأحيان. ولا أدل على ذلك من الإقبال منقطع النظير على ريادة الأعمال أو طوفان الشركات الناشئة الذي اجتاح العالم في الآونة الأخيرة. وعلى الرغم من جاذبية "ريادة الأعمال" لعدد كبير من الشباب المتحمسين لفكرة أن يكونوا رؤساء أنفسهم وحل المشكلات التي تستثيرهم – فغالباً ما يعجزون عن تحقيق ولو نجاح ضئيل. لا شك أن الأقلية الصغيرة التي قد ينتهي بها المطاف إلى تحقيق نجاحات مدوية على غرار "آبل" و"جوجل" قد تؤول بهم الأمر إلى منح الكثير للمجتمع. ولكن أمام كل قصة من قصص النجاح تلك هناك ملايين الإخفاقات الكبرى. وبذلك المعدل سينتهي الأمر بالأشخاص الذين تركوا العمل التقليدي للعمل المستقل إلى العمل أكثر لكسب قدر أقل من المال وسيقل إسهامهم في الاقتصاد بشكل عام - بينما يكونون في كثير من الحالات أكثر سعادة ونجاحاً في حال العمل لصالح شخص آخر.

من الصعب معرفة ما ينتظرك. تقضي المؤسسات وقتاً طويلاً في الترويج لفرص العمل بها بطرق جذابة ومغرية للغاية. يعتبر الترويج لفرص العمل أو للعلامة التجارية للشركة جزءاً لا يتجزأ من حرب استقطاب المواهب. انظر إلى أي موقع إلكتروني لشركة وستظهر لك تصريحات مقنعة حول التزامهم بالتنوع والابتكار والمسؤولية الاجتماعية للشركات والتعلم مدى الحياة والثقافة المرنة. حتى الوظائف التافهة يتم تمويهها بألقاب مثيرة تجعلها تبدو مغرية تماماً: "رئيس تحديد الأولويات"، "مدير الإمكانيات"، "كبير موظفي السعادة"، "مهندس الهوية العالمية" وذلك على سبيل المثال لا الحصر. بغض النظر عن خلفيتك وخبراتك ومجال عملك، تتطلب عملية التوظيف الناجحة العثور على الشخص المناسب في المنصب المناسب، ما يعني أن المتقدمين يجب أن يكون لديهم فهم صحيح للمنصب نفسه. فإذا كانت توقعاتك للحصول على منصب معين بعيدة جداً عن الواقع، فسوف تجد صعوبة كبيرة في اتخاذ الخطوة المهنية المناسبة كنقطة بداية.

من أجل الحصول على الوظيفة التي تريدها حقاً، يجب أن تحدد بوضوح ما تجيده وتبرع فيه، والمواصفات الحقيقية للوظيفة المعنية، وألا تلتفت كثيراً إلى الحوافز المالية مقابل إشباع القيم والدوافع الوظيفية الأخرى. بذلك ستستفيد من كونك أقل قدرة على الصمود، وبالتالي أقل ميلاً إلى تحمل وظيفة سيئة أو مدير سيئ. ولا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن الناس لا يندمون في أغلب الأحوال على ترك وظائفهم. هذا يعني أن الناس يفضلون البقاء في وظائف لا يحبونها لفترة أطول مما ينبغي. وكما جاء على لسان أبقراط في مقولته الشهيرة: "الفن يدوم، أما الحياة فقصيرة". فتطوير خبرتك واكتساب المهارات اللازمة يستغرق وقتاً طويلاً. الحياة قصيرة - لذا لا تخف من اختيار المسار الذي تريده حقاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي