ماذا فعلت سنة 2020 بشركات تجارة التجزئة؟

7 دقائق
عام 2020 وتجارة التجزئة
كيه كيه غاس / ستوكسي

ملخص: قدمت العشرات من شركات تجارة التجزئة طلبات للموافقة على إشهار إفلاسها في سنة 2020، وكانت الجائحة أحد أسباب ذلك. ومع نهاية العام 2020، تحدثت مجلة هارفارد بزنس ريفيو إلى مارك أندريه كاميل، وهو شريك في شركة "بين آند كومباني" (Bain & Co) يترأس قطاع تجارة التجزئة العالمية، ودار الحديث حول توجهات تجارة التجزئة الجديدة في عام 2021، وعن سنة 2020 وتجارة التجزئة خلالها.

 

لدينا قائمة طويلة من شركات تجارة التجزئة التي قدمت طلبات للموافقة على إشهار الإفلاس، وهي إحدى نتائج الجائحة وحالات الإغلاق العام التي فرضت في سنة 2020. وفي الولايات المتحدة، تشمل قائمة الشركات المتضررة شركات "لورد آند تيلور" (Lord & Taylor) و"نيمان ماركوس" (Neiman Marcus) و"بيير وان" (Pier One) و"بروكس براذرز" (Brooks Brothers) و"سور لا تابل" (Sur La Table) و"غيتار سنتر" (Guitar Center) و"ستاين مارت" (Stein Mart). وفي أثناء هذه الفترة نفسها، ومع ازدياد اعتماد المستهلكين على التسوق عبر الإنترنت، ارتفع سعر سهم شركة "أمازون" من 1,900 دولار إلى 3,160 دولاراً. هل ستجلب نهاية الجائحة زيادة في أعمال شركات تجارة التجزئة؟ هل سيصبح شراء البقالة عبر الإنترنت هو القاعدة؟ هل بمقدور أي شيء إبطاء سير شركة "أمازون" نحو السيطرة على العالم؟

مجموعة أسئلة متعلقة بقطاع تجارة التجزئة

من أجل فهم التأثير طويل الأمد للتغييرات التي شهدناها في سنة 2020، أجرت مجلة هارفارد بزنس ريفيو حواراً مع مارك أندريه كاميل، شريك في شركة "بين أند كومباني" الذي يرأس قطاع تجارة التجزئة العالمية، وهو مقيم في مدينة باريس.

تقول إحدى وجهات النظر التي تكررت كثيراً خلال سنة 2020 إن الجائحة تسرع التوجهات الحالية بدلاً من خلق توجهات جديدة كلياً. هل هذا صحيح في قطاع تجارة التجزئة؟

بالتأكيد. فقد كان عالم تجارة التجزئة يعاني بالفعل من اضطراب شديد ناجم عن عدة عوامل. العامل الأول هو سلوكيات المستهلك والتغيرات الديموغرافية، إذ ازداد عدد الأسر ذات المعيل الوحيد، وازداد عدد الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم، وازدادت نسبة الحياة الحضرية. وهذا اتجاه مستمر على مدى 20 عاماً.

بالإضافة إلى ذلك، لدينا التوقعات المتغيرة بالحصول على مزيد من المساواة والراحة والسرعة والخيارات والقيمة، جميعها معاً، وهذا يخلق معادلة اقتصادية مستحيلة بالنسبة لشركات تجارة التجزئة.

وفي نفس الوقت، تأثر السوق كثيراً بظهور نماذج العمل المزعزعة. فمن جهة، لدينا "أنظمة العمل الهائلة"، مثل "أمازون" و"علي بابا"، ولدينا من الجهة الأخرى عوامل أصغر تسبب الزعزعة في كل فئة. ففي فئة الملابس مثلاً، أصبحت لدينا قدرة أكبر على استئجار الملابس، كما شهد بيع الملابس المستعملة نمواً ملحوظاً. هذا على سبيل المثال لا الحصر.

وعدا عن أنظمة العمل الهائلة، مثل "أمازون" و"علي بابا"، ما هي الأنواع الأخرى من شركات تجارة التجزئة التي تتمتع بمواقع جيدة؟

لدينا 4 نماذج أخرى تتمتع بمواقع مستدامة. النموذج الأول هو ما نسميه "الجواهر الإقليمية"، وهي الشركات الناجحة في الأسواق المحلية، وتحميها روابطها المتينة للغاية مع قاعدة المستهلكين وتقديمها عرض قيمة ممتاز. مثلاً، ثمة شركات قوية تعمل بتجارة التجزئة في دول كالبرتغال وسويسرا وروسيا، حيث لا تتمتع أمازون بحضور قوي. لكن في نهاية المطاف، قد تواجه هذه الشركات تحدياً يتمثل بظهور نموذج عمل جديد، ولسنا واثقين من قدرتها على الصمود، لكن استراتيجيتها ناجحة في الوقت الحالي.

النموذج الثاني هو ما نطلق عليه اسم الشركات "المتطفلة"، التي تتطفل على المنصات وتستغلها. وهي عادة شركات صاحبة علامات تجارية مبدعة للغاية، تتمتع بقدرة كبيرة على جذب المستهلكين (مثل "بيربري" (Burberry) أو "لاكوست")، أو شركات ناجحة تعمل بتجارة الأغذية (مثل "مونوبري" (Monoprix) أو "موريسونز" (Morrison’s) لكنها لم تبلغ حجماً كبيراً بما يكفي لتستمر في معركتها ضد التكنولوجيا بمفردها، ولذا فهي تختار أن تبيع سلعها عن طريق أنظمة العمل الهائلة والتطفل على نموها.

أما النموذج الثالث الناجح فهو شركات "التحكم بالقيمة"، وهي الشركات القادرة على تخفيض التكاليف والحفاظ على الأسعار المتدنية بصورة فطرية. ومن الأمثلة عليها شركات "آلدي" (Aldi)، و"تريدر جوز" (Trader Joe’s)، و"بريمارك" (Primark)، و"تي جيه ماكس" (TJ Maxx).

والنموذج الأخير هو الشركات "المحاربة الكبيرة". وهي الشركات التي تتمتع بحجم كبير بما يكفي لمحاربة أنظمة العمل الهائلة. وتعد شركة "وول مارت" أحد الأمثلة عليها، على الرغم من أنها تحاول أن تصبح نظام عمل هائل بحد ذاتها. هذه النماذج هي ما يمثل عالم تجارة التجزئة بنظري، وقد تمكن بعضها من تحقيق نجاح نسبي في أثناء الجائحة.

ماذا عن الشركات التي ليست في وضع جيد؟

نطلق على هذه الشركات "شركات قديمة متقاعسة". ويتمثل التحدي الذي تواجهه في إدارة الشركة وتغييرها في نفس الوقت. هذا تحد صعب للغاية، وقد زادته جائحة "كوفيد-19" صعوبة. نرى أن أكثر من ثلث شركات تجارة التجزئة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية تندرج ضمن هذه الفئة. إذ تواجه هذه الشركات صعوبة كبيرة في الحفاظ على الربحية، وتواجه ضغوطاً من السوق والمساهمين. وهي تسعى إلى تجريد التكاليف من النفقات غير الضرورية من أجل الحفاظ على الهوامش، وذلك عن طريق تخفيض الاستثمارات الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم مشكلاتها. وعموماً، إما أن تخضع هذه الشركات لعملية اندماج وإما أن تفشل. وتشمل هذه الفئة كثيراً من الشركات التي قدمت طلبات للإفلاس في سنة 2020، ومنها شركات معروفة لتجارة المستلزمات المنزلية، مثل "لورد آند تيلور" و"جيه سي بيني" (JC Penney)، و"نيمان ماركوس" في الولايات المتحدة، و"ديبنهامز" (Debenhams)، و"أركيديا" (Arcadia) وغيرها الكثير في أوروبا.

شركات التجزئة الموروثة ضعيفة الأداء هي الشركات الأبرز التي تعاني من صعوبات كبيرة، لكن هناك فئة نطلق عليها اسم "الشركات المبتكرة غير المستدامة". وهي الشركات التي تطلق شيئاً مثيراً للاهتمام في الفضاء الرقمي، لكنها لا تملك مساراً حقيقياً نحو الربحية. ومع نموها، إما أن تفشل وإما أن يتم الاستحواذ عليها بواسطة واحدة من الشركات المحاربة الكبيرة التي تتعلم منها. ومن الأمثلة على ذلك شركة "جت دوت كوم" التي استحوذت عليها شركة "وول مارت".

يرجو البعض أن تشهد تجارة التجزئة انتعاشاً قوياً مع تطعيم المجتمعات ضد فيروس كورونا، وهم يبنون رجاءهم هذا على فكرة وجود طلب مكبوت للخروج إلى التسوق. هل هذه فرضية معقولة؟

لدينا إشارتان متضاربتان. إحداهما إشارة ديموغرافية، فالجيل زد يتبع نهجاً خاصاً به في الاستهلاك يختلف عن النهج الذي تتبعه الأجيال السابقة. كما أنه أقل تركيزاً على الاستهلاك الواضح، وأشد تركيزاً على الاستدامة والمعنى. وأدت جائحة "كوفيد-19" إلى تسريع هذا التوجه ونشره بين الأجيال. وقد تدفع هذه القوى المرء إلى الاعتقاد بأننا سنشهد اندفاعاً أقل نحو الاستهلاك على المدى الطويل.

وتأتي الإشارة الأخرى المتضاربة من الصين، التي خرجت من حالة الإغلاق العام بسرعة مقارنة بالعالم الغربي، فقد شهدت طفرة في تجارة التجزئة بعد إنهاء حالة الإغلاق العام، واستمرت هذه الطفرة قرابة 3 أو 4 أشهر، وشهدتها التجارة عبر الإنترنت أكثر من التجارة التقليدية. لا تزال حركة المتسوقين في المراكز التجارية منخفضة قليلاً، ولكن معدل التحويل أعلى بسبب ارتفاع احتمال أن يقوم المتسوقون في المتاجر بالشراء. بحلول نهاية سنة 2020، سيكون معدل نمو تجارة التجزئة في الصين إيجابياً، فالزيادة التي شهدتها في عمليات الشراء منذ إنهاء حالة الإغلاق العام عوضت عن الخسارة في الأعمال في أثناء حالة الإغلاق العام. تقوم الشركات ذات العلامات التجارية الفاخرة بعمليات بيع جيدة جداً منذ إنهاء حالة الإغلاق العام، إذ بلغت معدلات بعضها نسبة تتراوح بين 40 و50%، لكن المستهلكين الصينيين كانوا بالفعل كبار المشترين للسلع الفاخرة قبل الجائحة، لذا يصعب استخلاص الاستنتاجات من لجوئهم إلى شراء هذه المنتجات من شركاتهم المحلية الآن.

أدت عمليات الإغلاق والشراء بدافع الذعر إلى إعادة النظر في عادات شراء البقالة. ما هو الأثر طويل الأمد على تجارة البقالة بالتجزئة؟

حتى قبل الوباء، عندما يتعلق الأمر بالأكل، كان الناس يقايضون بين الوقت والمال، وكان عدد كبير من الناس يتناولون الأطعمة الجاهزة، في حين كان عدد من يطهون طعامهم بأنفسهم أقل. وهذا يكلف أكثر على أساس الوحدة، لكنه يوفر الوقت. لذا كان استهلاك الطعام خارج المنزل ينمو بسرعة. وفي بعض الدول الغربية، كان الناس ينفقون بالفعل أكثر من 50% من ميزانية طعامهم على المطاعم والوجبات السريعة، بدلاً من شراء البقالة.

إلى أي مدى سيغير الوباء هذه التوجهات؟ يقول البعض إن هذه التجربة سمحت للناس بإعادة اكتشاف الطهي والاستمتاع بتناول وجبات الطعام في المنزل مع العائلة. قد تكون هناك شريحة من الناس الذين اكتشفوا الطهي كهواية في أثناء الجائحة، لكن بحثنا يشير إلى أن 90% من الناس يرغبون في أن يتمكنوا من العودة إلى المطاعم من جديد. عندما انتهت حالة الإغلاق العام في أوروبا، سارع الناس بالذهاب إلى المطاعم. لذلك لست واثقاً من أن الفجوة بين الإنفاق على البقالة والإنفاق على المطاعم ستتأثر بدرجة كبيرة على المدى الطويل.

لكني أتوقع أن يواصل المزيد من الناس شراء البقالة عبر الإنترنت، لأنه فعل مريح.

بوصفك مستشاراً، كيف يمكنك مساعدة الشركات الموروثة ضعيفة الأداء التي تلجأ إليك؟

لا يزال من الممكن أن تتخلص الشركة من هذا المسار. ويبدأ ذلك بالتمايز وبعرض قيمة مصمم خصيصاً لشريحة العملاء المستهدفة التي تريد الشركة إسعادها.

خذ مثالاً واحداً: متاجر التجزئة متعدّدة الأقسام، لا أعتقد أنها ستختفي تماماً. فثمة قيمة في تقديم تشكيلة منتجات مخصصة لشرائح الزبائن التي ترغب في هذه السلع التي تتميز بها متاجر التجزئة متعدّدة الأقسام. وكثير من متاجر التجزئة التي تواجه الفشل الآن لم تعد قادرة على تحديد الزبائن التي تريد إسعادهم، لذا فهي تحاول إسعاد الجميع، لكنها تقسم مواردها إلى أجزاء صغيرة وينتهي بها المطاف بعدم إسعاد أحد.

أحد الأشياء التي نقوم بها مع متاجر التجزئة ضعيفة الأداء هو مساعدتها على توضيح ما تطمح إليه وتحديد زبائنها المستهدفين. وما أن تفهم ذلك ستتمكن من توسيع نطاق تفكيرها بشأن إعادة ابتكار عرض قيمتها. وذلك قد يشمل في بعض الحالات بيع الخدمات إلى جانب المنتجات، وقد يتضمن في حالات أخرى التشارك مع شركة أخرى من أجل اكتساب قوة أكبر. أعتقد أننا نوشك على الدخول في دورة اندماج كبيرة في قطاع تجارة التجزئة. ستبوء بعض الشركات بالفشل وتندثر، لكن تجارة التجزئة أمر ثابت، وسنشهد اندماج الشركات بدلاً من استسلامها للفشل.

هل يمكن لأي شيء أن يوقف نمو أنظمة العمل الهائلة؟

ثمة رقم أستخدمه لتوضيح هذه الفكرة، بين عامي 2019 و2024، ستنفق شركة "أمازون" على استثمارها في تكنولوجيا المعلومات مبلغاً يزيد عما تنفقه أي واحدة من شركات تجارة التجزئة العشر الكبرى الأخرى بنحو 100 مليار دولار. ولن يكون من العدل التنافس مع شركة قادرة على الإنفاق بهذا الشكل ولها تاريخ في الابتكار الناجح. وسيكون ذلك أحد الأسباب التي ستؤدي إلى الاندماج.

تملك شركة "أمازون" جمهورين متمثلين بالمستهلكين الذين يشترون منها، والشركات الأصغر التي تبيع منتجاتها في سوقها. يقر الجميع بنجاح شركة "أمازون" مع المستهلكين، وفي عام 2020 تمكنت الشركة من مضاعفة عدد الشركات التي تقوم بعملياتها التجارية على منصتها.

وفي الوقت نفسه، ليست كل الأمور على خير ما يرام. ففي الولايات المتحدة، مرت شركة "أمازون" بفترات لم تتمكن فيها من تسليم السلع في الوقت المحدد، ومرت تجربة مستهلكيها بفترات تراجع في أثناء الجائحة. إذن، حتى الشركات الضخمة تواجه قيوداً على النمو، وهذا ما رأيناه في قطاع التجزئة خلال سنة 2020.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي