كان هناك قدر كبير من التكهنات حول قابلية استراتيجية شركة سناب (Snap) للنمو على المدى الطويل في ضوء الاكتتاب العام الأولي لها. وحصل عنصران على بعض الاهتمام: تصريح سناب أنها "شركة كاميرا"، ونيتها إعادة استثمار عائداتها في تطوير منتجات جديدة ستتطلب منها وقتاً وتكلفة، ولكنها تعتقد أنها تستطيع تطوير هذه المنتجات بسرعة أكبر من منافسيها.
كيف يجب أن تفسر قابلية استراتيجية سناب للنمو وسط الآراء الكثيرة؟ هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها سناب تعليقات متنافرة تؤثر سلباً على وجهة النظر العامة حول الرقمية والتحول الرقمي. وتقول الحكمة التقليدية أن كافة القطاعات تتعرض للزعزعة وكل القواعد قد تغيرت. لكن هل تغيرت بالفعل؟ إنّ نظرة عن كثب إلى الأفكار الجوهرية للاستراتيجية التكنولوجية تشير إلى أنه أسفل اللغط الكثير تكمن مجموعة من المبادئ الرئيسة التي يمكن أن توجه القادة لاتخاذ قرارات ذكية. وقد تساعد نفس هذه المبادئ في تجاوز بعض الارتباك الدائر حول قابلية استراتيجية شركة سناب للنمو. سأشارككم بأربعة من هذه المبادئ هنا.
لا تخلط بين المنتجات والمنصات
تعتبر المنتجات والمنصات مختلفة بشكل جوهري، ولكن يسهل الخلط بينهما. عادة ما تكون المنصات أكثر قيمة من المنتجات في العصر الرقمي. يبدو ذلك بسيطاً، لكن معظم الشركات الكبيرة التي عملت معها ترتكب خطأ بالتركيز على المنتجات بدلاً من المنصات. وبمراجعة وثائق الاستراتيجية الخاصة بهذه الشركات يتبين أنها تتحدث عن التحول الرقمي من ناحية صناعة منتجات رقمية تحث الناس على الاشتراك، وليس منصات. إلا أن القيمة الحقيقية في العصر الرقمي تأتي من المنصات التي تسهل التفاعل.
ولرؤية السبب وراء أن المنتجات أقل قيمة من المنصات، اسأل نفسك سؤالاً بسيطاً: هل تفضل أن تكون واحداً من مليوني تطبيق (مثل المنتجات) تتنافس في "آب ستور"، أم تفضل أن تكون "آب ستور" (مثل منصة)؟ أنت ستفضل أن تكون "آب ستور" لأن المنتجات تتطلب وقتاً هائلاً ورأس مال وموارد للتطوير، ويجب أن يكون المنتج قادراً على المنافسة من خلال التميز لكي يباع لمرة واحدة أو في أفضل الأحوال تتدفق منه العائدات عبر اشتراك متجدد. وفي المقابل، لا تقوم المنصات ببيع شيء (ليس فيها مخزون)، إنما تتولى ببساطة تيسير التفاعلات المتبادلة، وبذلك تأخذ جزءاً من مئات وملايين أو مليارات المعاملات المالية. ولتوضيح ذلك بطريقة أخرى، المنصات هي ملوك وملكات العصر الرقمي، في حين تمثل المنتجات الفلاحين الذين يعملون في الأرض.
لماذا ترتكب الكثير من الشركات الكبيرة والناجحة هذا الخطأ؟ لأن الكثير من الفرص كانت تتمثل في المنتجات في العصر ما قبل الرقمي. أما في العصر الرقمي، فقد أصبحت المنتجات برمجيات، وأصبحت العوائق بين المنتجات بيانات، وأصبح هنالك فرص لبناء المنصات أكثر من أي وقت مضى. وبالطبع، ستكون هناك بعض المنتجات التي تعتبر قيّمة بشكل كبير، وبالتأكيد فإنها تستحق السعي لتطويرها. ولكن إذا كانت ثمة فرصة لمنصة، يجب على القادة تركيز جهودهم هناك. فحسب بعض المقاييس، 60 شركة من بين أغلى 100 شركة في العالم جرى تصميمها على منصات.
شركة سناب هي نموذج مثالي. والسبب وراء القيمة العالية للشركة هو أنها تمتلك منصة تضم أكثر من 150 مليون مستخدم. ولكن ما يدعو للقلق هو أن نموذج تسجيل شركة سناب لدى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (S-1) يتحدث عن تطوير "منتجات"، وبمصطلحات مستخدمة بشكل واسع لدى الشركات الإنتاجية (سيحتاجون إلى وقت وجهد كبيرين، وإلى المنافسة من خلال التميز، وغير ذلك). قد يعني سناب "منصات" عندما يقول "منتجات" أو ميزات تدعم المنصة. ولكن واضع الاستراتيجية الرقمية يجب أن يعرف أن كلمة منتجات جيدة، وكلمة المنصات أفضل بكثير.
لا تهمل التفاعل الرئيس
عند النظر إلى المنصات الأكثر نجاحاً في يومنا هذا، مثل لينكد إن وفيسبوك وآي تيونز ومتاجر التطبيقات المختلفة، فسترى العشرات من الإجراءات والميزات. لكن القيمة الحقيقية للمنصة تعتمد على تفاعل أو اثنين. والميزات الباقية ثابتة وتضاف لاحقاً ويجب أن تحسن أو تحمي التفاعل الرئيس. وسيكون مصير المنصة الفشل إذا قامت المنتجات أو الميزات المضافة بالتغطية على التفاعل الرئيس أو إذا فقد التفاعل الرئيس قيمته.
ولتوضيح ذلك، اسأل نفسك ما هو التفاعل الرئيس بالنسبة لموقع ماي سبيس (Myspace)؟ من الصعب الإجابة عن ذلك السؤال لأن التفاعل الرئيس أصبح غامضاً مع الوقت. ففي بداية الأمر كان التفاعل الرئيس هو التواصل مع الأصدقاء، ثم سيطرت عليه الموسيقى، وبدأ المستخدمون بالشكوى من أنهم كلما قاموا بتسجيل الدخول إلى حساباتهم على الموقع تزعجهم رسائل كثيرة من فرق موسيقية غير معروفة. لذا فقد التفاعل الرئيس قيمته، وتراجع موقع ماي سبيس ليتقدم عليه فيسبوك الذي قدم تفاعلاً رئيساً أقوى.
والأسئلة التي يجب أن تثار حول استراتيجية سناب هي: ما هو التفاعل الرئيس لديها، وما مدى قابليته للاستدامة، وكيف تحمي استثماراتها وتضاعف قيمة ذلك التفاعل الرئيس؟ تشير الآراء غير الرسمية إلى أن مستخدمي سناب شات يقدرون أن الخدمة تجعل من السهل بالنسبة إليهم البقاء على تواصل مع أصدقائهم، بينما يضمن عدم بقاء المحتوى الظهور بمظهر جيد (يمكنك عرض الرسائل لفترة قصيرة من الوقت)، ما يخلق تجربة ودية أكثر. هذا التفاعل الرئيس له قيمته، ويثبت ذلك من خلال ملايين المستخدمين الذين انضموا إلى سناب شات. ولكنني مهتم أكثر بالطريقة التي ستقوم استثمارات سناب من خلالها بحماية هذه القيمة الرئيسة ومضاعفتها.
منصات البرمجيات في مقابل تصاميم الأجهزة
أحد الأسباب التي أدت إلى إعلان شركة سناب أنها شركة كاميرا هو أنها ترى الإمكانيات الهائلة للواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR). ولكن الكاميرا ليست منصة، بل تصميم (على الرغم من الخطأ الشائع في تسميتها كمنصة). ما هو الاختلاف بينهما؟ التصميم، عادة جهاز، يحدد كيفية انسجام المكونات معاً وحلقات الوصل بينها، مثل التصميم الذي يحدد كيف تنسجم أجزاء جهازك الآيفون أو اللابتوب أو السيارة معاً.
وفي المقابل، يمكن أن تكون المنصات أجهزة تسهل التفاعل، مع أنها عادة في شكل برمجيات. والطريقة الأسهل لفهم الاختلاف هو نموذج العمل. تُباع التصاميم كمنتجات، بينما تربح المنصات المال بناء على الجانب الذي تسهله من كل تفاعل. ولهذا فإن الآيفون هو تصميم (كيف تنسجم الكاميرا والرقاقة والزجاج وغيرها من الميزات معاً) يستضيف منصات (آب ستور وآي تيونز). ويمكن فصل المنصة عن الجهاز، كما هو الحال مع أندرويد.
وإن المشكلة مع تعريف الكاميرا كمنصة للميزة هي أنها بالفعل جهاز، والمنتجات مثل سماعات الرأس الخاصة بسناب شات تبدو مثل منتجات ذات تصاميم، وليست منصات. يمكن للجهاز أن يستضيف منصات، كما يستضيف إكس بوكس التفاعل بين اللاعبين ومنتجي الألعاب. ولكن التحدي في بناء منصات تعتمد على جهاز ما، مثل الكاميرا، هو أن أكثر الاستراتيجيات التكنولوجية ذكاء تحاول بشدة تحويل المنصات القائمة على أجهزة إلى سلع لصالح المنصات القائمة على البرمجيات.
على سبيل المثال، بينما أنفقت فيسبوك مليوني دولار على أوكولوس ريفت (Oculus Rift) التي تعتمد على جهاز، كانت شركة جوجل تحاول تحويل عنصر الجهاز الخاص بالواقع الافتراضي إلى سلعة من خلال جوجل كارد بورد (Google Cardboard) التي يبلغ سعرها 15 دولار، والتي تجعل البرمجيات بمثابة المنصة للواقع الافتراضي. وتحاول جوجل القيام بنفس الشيء مع الواقع المعزز. فعلى الرغم من أنها تعمل مع مصنعي الأجهزة في الوقت الحالي، إلا أن رؤيتها هي تحويل منصات الأجهزة إلى سلع والفوز بمنصات البرمجيات.
وبينما تقوم أنت بتفسير استراتيجية "شركة الكاميرا"، يصبح السؤال: أين ستكون المنصة الحقيقية في نهاية المنافسة؟ هل ستكون في الجهاز (الكاميرا) أم في البرمجيات؟
حوّل المنتجات إلى منصات
وأخيراً، قد ينتهي الأمر بالمنتجات بأن تشكل فرصاً لمنصات قيّمة. وعلى الرغم من أن المنصات هي المعيار الذهبي في العصر الرقمي، إلا أن الكثير من الشركات تمتلك منتجات، وليس منصات. ويمكن أن يكون تحويل المنتجات إلى منصات إحدى أفضل الاستراتيجيات لإنشاء منصات جديدة. وفي أغلب الأحيان يتطلب القيام بذلك منتجاً ممتازاً ونموذجاً مختلطاً للأعمال التجارية. إذا كانت شركة سناب تنوي بناء منتجات كجسر لمنصات جديدة، أو كجهد لبناء نموذج مختلط للأعمال التجارية أكثر قوة من نموذج أعمال المنصة الحالي، فقد يكون ذلك معقولاً. ولكن هذا غير واضح بشكل مباشر من الوثيقة.
إذاً، كيف يجب أن تحكم على قابلية استراتيجية شركة سناب للنمو؟ إذا كنت تعتقد أن الشركة (1) تضع تركيزها على نحو خاطئ على منتجات يسهل تقليدها بدلاً من منصات، و(2) تغفل عن تفاعلها الرئيس، و(3) تبني على منصات أجهزة سيتم في يوم ما تحويلها إلى سلع، فمن الممكن أن تكون قلقاً على شركة سناب. ومن ناحية أخرى، إذا كانت تعتقد أن لغة "منتج" سناب هي شيفرة برمجية لإضافات مبررة وذات قيمة مضافة لتفاعل المنصة الرئيس، الذي ترى أنت أنها تستطيع تقديمه وأنها تبني جسوراً لمنصات مستقبلية باستخدام استراتيجية الكاميرا الخاصة بها، عندها يكون لديك سبب للتفاؤل حول قابليتها للنمو على المدى الطويل.
وفي الحالتين، فقد حققت سناب إنجازات رائعة حتى هذه المرحلة وهي مثال مذهل للفرصة المتاحة في تفاعل رئيس يمكن التغافل عنه بسهولة والقيمة المدهشة للمنصة القائمة عليه.