على الرغم من التأثير الهائل للمسؤولين التنفيذيين على مؤسساتهم، فإن معدلات فشلهم لا تزال مرتفعة. وتبوء الوصفات التي تتناول ما يجب فعله بالفشل الذريع واحدة تلو الأخرى؛ لهذا فقد تساءلنا: إذا درسنا سلوك المسؤولين التنفيذيين الذين نجحوا في مناصبهم العليا بمجرد تعيينهم، فهل يمكننا الوقوف على السمات التي تميز مسؤول تنفيذي عن آخر، وهل سنتمكن من معرفة السمات التي كانت حجر الأساس في نجاح هؤلاء المسؤولين التنفيذيين؟
في إطار دراستنا الطولية التي استمرت مدة 10 سنوات حول انتقالات المسؤولين التنفيذيين، التي تضمنت أكثر من 2,700 مقابلة مع شخصيات قيادية، أجرينا تحليلاً إحصائياً دقيقاً (شمل أكثر من 90 تحليلاً انحدارياً) بُغية عزل مهارات المسؤولين التنفيذيين الأفضل أداءً. وقد استطعنا عزل 7 عوامل وجدنا أنها ترتبط بالأداء المؤسسي المتميّز، بالإضافة إلى مواطن القوة القيادية من خلال أدوات تحليل المحتوى عبر نظام آي بي إم واتسون (IBM Watson) وكذلك سجّلات مراجعات الأداء لهؤلاء القادة ومرؤوسيهم المباشرين.
أدّت هذه العوامل السبعة إلى تمكيننا من اكتشاف 4 أنماط متكررة ميّزت المسؤولين التنفيذيين الاستثنائيين. فقد وُجد أن ما يميز "نخبة النخبة" عن أي مسؤول تنفيذي آخر هو قدرة الفرد على إتقان 4 أبعاد مترابطة للغاية، في حين أن المسؤولين التنفيذيين "الجيدين" قد يتفوقون في بُعدين أو 3 أبعاد فقط. ووُجد أن المسؤولين التنفيذيين الذين يتألقون في هذه الأبعاد الأربعة كلها يحققون أكبر قدر ممكن من النجاح لأنفسهم ولمؤسساتهم.
يحيطون علماً بمختلف جوانب العمل
يمتلك المسؤولون التنفيذيون الاستثنائيون معرفة وثيقة بكيفية انسجام أجزاء المؤسسة معاً لخلق قيمة مضافة وتحقيق النتائج المرجوة؛ فقد وصل الكثير من القادة إلى مناصبهم التنفيذية العليا بعد أن تمرّسوا لفترات طويلة من الزمن في تخصصات مثل التسويق أو التمويل، ويعتمدون بشدة على غرائزهم وتحيّزاتهم المعرفية التي تشكّلت بفعل تمرّسهم في هذه التخصصات، كما أن القادة الذين أداروا عملاً محدداً في مؤسسة متعددة الأعمال يعطون الأفضلية غالباً لهذا العمل ضمن المحفظة الاستثمارية للمؤسسة. بيد أن المسؤولين التنفيذيين الاستثنائيين يتحدَّوْن مثل هذه الاستعدادات المسبّقة من أجل دمج مكوّنات المؤسسة بأكملها وتحويلها إلى آلة متسقة الأوصال. ويطوّر هؤلاء المسؤولون التنفيذيون قدراتهم من خلال توسيع نطاق تعرضهم لمختلف الأعمال التي تضطلع بها المؤسسة وأداء مهام في شتى التخصصات.
ويركّزون أيضاً على تعزيز العلاقة بين طبقات المؤسسة للحد من ضعف التنسيق والتفكك مع توسيع المجال أمام الأشياء التي يجب على المؤسسة أداؤها بطرق مميزة وتنافسية. فقد ظلت إحدى الشركات العميلة تعاني لسنوات صعوبات عدة من أجل الاستمرار في تلبية التوقعات المرتبطة برضا العملاء. وعند إعداد قائمة بالتصنيف المقارن، جاءت الشركة عموماً في ذيل القائمة أو في هذه الحدود. وحينما فشلت في تلبية التوقعات الربع السنوية مجدداً، تم تخفيض المبيعات لإصلاح مشكلة التسعير، وركّز التسويق للمستهلك على إعداد محتوى أفضل، وحاولت سلسلة التوريد استباق تغييرات اللحظة الأخيرة. وعندما طُبّقت حلولها القائمة كلها على حسن النوايا، ولكنها في معزل بعضها عن بعض، على قطاع البيع بالتجزئة، لم يتحسن مستوى رضا العملاء قطّ. وهنا تدخَّل رئيس قسم البحث والتطوير الذي أرغم العاملين في مختلف التخصصات على الاحتشاد في قاعة واحدة لحل المشكلة بأسلوب منهجي. وكشفوا معاً عن قضايا عضال تتعلق بالتنسيق، كما كشفوا أيضاً عن تضارب الأولويات بين الوظائف التي تحتاج إلى التزامن لتلبية توقعات العملاء. وبعد مرور عام واحد، تحسّن مستوى رضا العملاء بنسبة 40%.
صنَّاع قرار رائعون
يتمتع المسؤولون التنفيذيون المثاليون بالقدرة على إبداء وجهات نظرهم ومشاركة الآخرين أفكارهم وتحليل البيانات للحصول على رؤى ثاقبة وتقييم البدائل المتاحة وتحمُّل مسؤولية القرار النهائي والقدرة على إبلاغ الآخرين بالقرار بوضوح تام. تؤدي هذه المهارة إلى ارتفاع مستوى الثقة بالنفس وزيادة القدرة على التركيز بدرجة ملحوظة بين أولئك الذين يعملون تحت قيادتهم. ولأنهم صنّاع قرار من الطراز الرفيع، فإنهم يتميزون أيضاً بالقدرة على ترتيب أولوياتهم؛ نظراً لأن ترتيب الأولويات يرتبط في المقام الأول بالاختيار الانتقائي من بين بدائل مختلفة. ويسهم التركيز على بضع أولويات في مساعدة هؤلاء المسؤولين التنفيذيين على ضمان التنفيذ الناجح وتجنُّب إرباك النظام بأهداف متضاربة، كما أنه يضمن وضوح المسؤوليات في المؤسسة بصورة لا لبس فيها.
يكمن التوازن بين الغرائز والتحليلات في صميم أفضل عمليات صناعة القرار؛ ففي أحد طرفي السلسلة، هناك القادة الذين "يثقون في غرائزهم"، فهم يجمعون بين الخبرة العملية والعاطفة ويحولونها إلى ما يشبه الحدس المتطور. وعلى الطرف الآخر من السلسلة هناك القائد الذي يعتمد على بذل الجهد في استخراج البيانات من أجل التوصُّل إلى تصورات ورؤى ثاقبة للتعاطي مع القرار أو المشكلة التي يواجهها. ويعمل المسؤولون التنفيذيون الاستثنائيون بسلاسة على طول هذه السلسلة بأكملها، ويدركون أين تكمن ميولهم واستعدادهم المسبّق للمبالغة في الاندفاع أو الإفراط في التريث إلى حد إصابة حركتهم بالشلل في انتظار نتائج التحليلات.
ويبدو أن اتخاذ قرارات جيدة بات مهارة نادرة نسبياً؛ فقد أجرت شركة ماكنزي استقصاءً شمل 2,207 مسؤولين تنفيذيين، قال فيه 28% من المشاركين فقط إن مستوى جودة القرارات الاستراتيجية في شركاتهم كان جيداً بشكل عام، ورأى 60% أن القرارات السيئة تعادل القرارات الجيدة، بينما رأى 12% الباقون أن القرارات الجيدة كانت شديدة الندرة. تتوافق هذه النتائج مع النتائج التي توصلنا إليها، إذ تتعزز النزعة لاتخاذ القرار السيئ عادةً بضعف أنظمة صناعة القرار في المؤسسات؛ لذا حتى القادة الذين قد يتميّزون بفاعلية غرائزهم قد تتعرض قدراتهم للخطر.
يعرفون أسرار القطاع الذي يعملون فيه
يتميّز المسؤولون التنفيذيون الاستثنائيون بفهمهم التام للسياق المتغيّر باستمرار الذي تخوض فيه مؤسساتهم منافسات حادة مع غيرها من المؤسسات. ويكمن ذكاؤهم السياقي التلقائي في تقاطع الرؤى حول الأساليب الفريدة التي تتبعها مؤسستهم في خوض غمار المنافسة في السوق وجني الأموال، والجوانب ذات الصلة بالعملاء الذين يخدمونهم، حتى إذا كان العملاء أنفسهم لا يعرفون عنها شيئاً.
وتتطلب القدرة على تطبيق الأفكار المعقدة التي يمتلكها المرء في عمل محدّد على المخاطر التنافسية الناشئة امتلاك القدرة على رؤية التوجهات وأفق الإمكانات الناشئة قبل ظهورها على مسرح الأحداث بسنوات عدة. ويتعرّض القادة في كثير من الأحيان للعرقلة بسبب خيارات الاستثمار المتنافسة أو العجز عن الحركة في مواجهة تراجع الأرباح. ونظراً لعدم فهمهم لكيفية تحقيق قيمة مضافة في أسواقهم، فإنهم ينفّذون استثمارات دون المستوى الأمثل. ويلجؤون عادةً إلى اتخاذ ردود فعل انعكاسية بإجراء تخفيضات شاملة في التكاليف تقيّد قدرتهم على المناورة في ساحة تنافسية تشهد تغيُّرات متلاحقة.
ووُصف القادة الذين حصلوا على أعلى الدرجات في هذه المهارة بأنهم يمتلكون حب الاستطلاع الفطري ومعرفة عميقة بسياق أعمالهم ويطبقونها على توجهات العملاء الاقتصادية والتكنولوجية الأوسع نطاقاً. وكان هؤلاء القادة أكثر استعداداً للتعامل مع هذه المخاطر واستفادوا في وقت مبكر من الفرص المتاحة، نظراً لامتلاكهم رؤى وتصورات واضحة. ويطوّر المسؤولون التنفيذيون السياق العام من خلال الاطلاع على أسرار الأوضاع الخارجية لمؤسساتهم، من خلال تسخير حب استطلاعهم للتعرّف إلى القطاعات المتجاورة، والبحث عن أي بيانات غير متوافقة مع ما لديهم من بيانات حول الافتراضات الشائعة المتعلقة بشركتهم.
يشكّلون علاقات وطيدة تقوم على الثقة المتبادلة
كل مؤسسة لديها مسؤول تنفيذي يريد الجميع العمل معه وتحت إشرافه. يشكّل هؤلاء المسؤولون التنفيذيون علاقات وطيدة مع رؤسائهم وأقرانهم ومرؤوسيهم المباشرين، وذلك من خلال دراسة أصحاب المصلحة الرئيسيين وتلبية احتياجاتهم، كما أنهم يمتازون بقدرتهم على التواصل بطرق مقنعة ويتجاوزون المعاملات السطحية ليشكلوا علاقات تقوم على الثقة المتبادلة وتحقيق المنفعة للطرفين. وهكذا يُترجَم إرثهم داخل المؤسسة إلى سمعة إيجابية بقدرتهم على تحقيق النتائج المرجوة باستمرار مع إبداء الاهتمام الحقيقي بمن يحققونها.
ولم يكن مفاجئاً أن الفشل في توطيد العلاقات أدى من بين الأبعاد الأربعة كلها إلى التعجيل بنهاية الفئة الثانية من أفضل المسؤولين التنفيذيين. وفي حين أن الأسلوب القيادي للمسؤولين التنفيذيين الاستثنائيين كان يمزج بين التواضع والثقة في النفس التي تحثهم على العناية بالآخرين، فقد كانت الفئة الثانية من أفضل المسؤولين التنفيذيين تميل إلى إدارة التصورات السائدة واختلاق وهم التعاون مع إخفاء دوافع المنفعة الذاتية. ويطور المسؤولون التنفيذيون قدرتهم على التواصل من خلال الاستثمار بكثافة في كل من ذكائهم العاطفي والاجتماعي، ويجتهدون في طلب الملاحظات حول رأي الآخرين في تجربة التعامل معهم، ويتعلمون إبراز جوانب ضعفهم الإنساني جنباً إلى جنب أوجه قصورهم، وذلك لخلق الثقة المتبادلة مع الآخرين.
وهناك الكثير من الأبحاث حول أهمية العلاقات التي يكوّنها المسؤولون التنفيذيون. فقد كشفت إحدى الدراسات أن مخاوف المسؤولين التنفيذيين من الظهور بمظهر القادة غير الأكفاء وضعف القدرة على الإنجاز والانتقادات ذات الطابع السياسي التي يوجّهها إليهم الخصوم كانت السبب في 60% من السلوك السيئ بين علاقات الفريق التنفيذي. وتدعم دراسة أخرى النتائج التي توصلنا إليها؛ إذ تفيد بأن العلاقات الفاشلة كانت السبب الرئيسي في ارتفاع معدل فشل المسؤولين التنفيذيين الانتقاليين، مقارنةً بباقي أسباب الفشل التنفيذي جميعها.
وتمتاز هذه السمات الأربع كلها بقابليتها للتعلم، وليس من السابق لأوانه البدء بتطوير هذه المهارات. وعليك أن تراعي الجانب الذي تتمتع فيه بأكبر فرصة ممكنة لإحداث مزيد من التأثير، كما يجب أن تحدّد أيضاً أياً من هذه الأبعاد الأربعة يعيقك عن التقدم في منصبك الوظيفي الحالي. وستلاحظ بسرعة أنها مترابطة للغاية؛ لذا فإن معرفة المزيد عن أعمال شركتك قد يتطلب تكوين علاقات وطيدة في إدارات أخرى. وقد يتطلب اتخاذ خيارات استثمارية أكثر دقة معرفة المزيد عن السياق المتغير للقطاع الذي تعمل به. اختر جانباً واحداً تبدأ به، بحيث يعمل على تسريع تأثيرك، وستفاجأ بمدى سرعة رؤيتك أنت والآخرين للفرق.