قد لا يصّدق البعض أن فكرة مقهى بيتي آند بوز كوفي (Bitty & Beau’s Coffee) خطرت على بال إيمي في أثناء الاستحمام. كان طفلانا الصغيران، وكلاهما مصابان بمتلازمة داون، يبلغان من العمر 6 أعوام و11 عاماً آنذاك، أي في عام 2015، وكنا نتحدث عن مستقبلهما عندما يصبحان مراهقَين ثم بالغَين.
وعندما علمنا أن نسبة %80 من أصحاب الاحتياجات الخاصة في الولايات المتحدة عاطلون عن العمل، عزمنا على ألا يكون طفلانا بيتي وبو ضمن تلك الإحصائية. واعتقدنا أن الحل قد يكون بسيطاً، كإبراز القيم المتأصلة فيهما وفي الأشخاص أمثالهم.
ما الفكرة التي خطرت على بال إيمي في أثناء الاستحمام؟ فتح مقهى في مسقط رأسنا في مدينة ويلمنتون بولاية نورث كارولاينا الأميركية يوظف الأشخاص أصحاب الإعاقات النمائية والذهنية. ما هي أفضل طريقة لخلق الوظائف وجمع الناس مع بعضهم بعضاً؟ وظّفنا في غضون 3 أشهر 19 عضواً في الفريق وافتتحنا أول مقهى يحمل اسم بيتي آند بوز كوفي. وشهد المشروع نجاحاً كبيراً خلال 6 أشهر لدرجة أننا انتقلنا إلى مكان عمل أكبر بعشر مرات من مكان العمل الأصلي وأضفنا محمصة قهوة خاصة بنا. وأصبح لدينا بعد 7 سنوات 17 فرعاً في 11 ولاية إضافة إلى مدينة واشنطن دي سي يعمل فيها أكثر من 400 شخص من أصحاب الاحتياجات الخاصة، ومن المقرر افتتاح 4 أفرع أخرى في عام 2023.
تتمثل مهمة عملنا في حثّ الأشخاص أصحاب الاحتياجات الخاصة، سواء الخلقية أو المكتسبة، على العمل. ونأمل أن يحذو مزيد من رواد الأعمال حذونا، إذ نعتقد أن أي مؤسسة قادرة على فتح أبوابها لهم واعتبارهم ميزة تنافسية. في الواقع، يجب أن تتضمن جميع استراتيجيات التنوع والمساواة والشمول التزاماً بتوسيع إدارة المواهب بهذه الطريقة. وتعلمنا من خلال التجربة كيفية التغلب على التحديات، وحث أعضاء فريقنا على تقديم أفضل أداء، والاستفادة من القيمة الكلية التي يقدمونها، بمعنى آخر، استلهمنا من أطفالنا فكرة إحداث فرق، ونأمل أن تُلهمكم هذه الفكرة أيضاً.
الإلهام العائلي
لم يكن مسارنا إلى قطاع الضيافة مباشراً، فقد التقينا في معهد الموسيقى بجامعة سينسيناتي عندما كنا في العشرينيات من عمرنا. وشارك بن بالفعل في مسرح برودواي في سن المراهقة، ثم انتقلنا بعد التخرج والزواج إلى مدينة نيويورك لفترة من الوقت لأداء عمل استعراضي، وقدمنا عرضاً مشتركاً في مسرح برودواي ضمن مهرجان الولاية، لكن عندما قررنا تكوين أسرة، ارتأينا ضرورة السكن بالقرب من العائلة في ولاية نورث كارولاينا. وعملنا هناك لصالح والد إيمي الذي كان يمتلك شركة تصنيع للصفائح المعدنية الدقيقة، وتعلّمنا الكثير عن العمليات والتصنيع. وفي غضون ذلك، تجلّت روح إيمي الريادية في تنظيمها برنامجاً مسرحياً للأطفال بعد المدرسة، ورزقنا بأول طفلين لنا، ليلي وإيما غريس. عمل بن أيضاً في مسارات مهنية مختلفة كتعليم الأديان ودراسة القانون، واختار لاحقاً العمل في مجال الخدمات المالية مع شركات مثل إدوارد جونز (Edward Jones)، وسميث بارني (Smith Barney)، وويلز فارغو أدفايزرز فايننشال نيتوورك (Wells Fargo Advisors Financial Network).
وعندما ولد بو مصاباً بمتلازمة داون عام 2004، انتاب كلانا مزيج من المشاعر، أولها الخوف من المجهول لأننا لم نمتلك أي خبرة في التعامل مع أطفال أصحاب احتياجات خاصة؛ وثانيها القلق بشأن احتياجات ابننا حديث الولادة وكيفية مساعدته على العيش في هذا العالم؛ وثالثها الحزن على خيبة توقعاتنا بتربية طفل سليم معافى. لحسن الحظ، تبنّى كلانا عقلية إيجابية تمثّلت في تقبّل بو وإبداء الامتنان لوجوده.
وعندما ولدت بيتي مصابة بمتلازمة داون بعد خمس سنوات، لم نشعر بالخوف أو القلق أو الحزن. كانت تعاني الإعاقة نفسها التي عانى منها بو، لكن الأطباء توقعوا بقاءها على قيد الحياة بنسبة %25.
وسرعان ما أدركنا وجود فرق في معاملة الأشخاص أصحاب الاحتياجات الخاصة في الولايات المتحدة ومعظم الأماكن الأخرى حول العالم، لا سيّما أصحاب الإعاقات الإنمائية والذهنية. ومن المؤكد أن المؤسسات الخيرية والمؤسسات المناصرة وبعض أنظمة مراحل التعليم الأساسي تسعى إلى تغيير هذه الديناميكية. لكن بدا كل جهدنا في جمع التبرعات والتدوين والتحدث علناً عن هذه المشكلة طوال تلك السنوات نظرياً، إذ بقي مجتمع المعاقين منفصلاً عن بقية المجتمع، ولا يزال البالغون منهم على وجه الخصوص يواجهون صعوبة في الاندماج بالمجتمع، ولعلّ أكبر عقبة تواجههم هي عدم حصولهم على عمل.
نعتقد أن أي مؤسسة قادرة على فتح أبوابها لأصحاب الهمم واعتبارهم ميزة تنافسية.
المقهى الأول
كان مقهى بيتي آند بوز فرصتنا لتغيير تلك العقلية. بدأنا التخطيط لمقهانا الأول في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، حيث طلبنا مشورة الأصدقاء العاملين في مجال القهوة بشأن أنواع حبوب البن العالية الجودة والآلات التي علينا شراؤها، وفكرنا في جوانب أخرى تمثّلت في تقديم خدمة طلب الأطعمة والمشروبات عبر الإنترنت. واستأجرنا مقهى مساحته 500 قدم مربع وشرعنا في تجهيزه بشكل مناسب. وعلّقنا لافتات تشرح مهمتنا وشاشة تلفزيون عرضنا عليها فيديو تضمّن إحصاءات الإعاقة وأعضاء فريقنا، واستخدمنا وسائل التواصل الاجتماعي للإعلان عن خطط الإطلاق ودعوة المرشحين للوظائف للتقدم.
وفي شهر ديسمبر/كانون الأول، استأجرنا قاعة كبيرة وعقدنا جلسة إعلامية مع الموظفين المحتملين، كانت القاعة مكتظة وضمّت حوالي 50 شخصاً متفاوتي الأعمار والقدرات، وكان أغلبهم برفقة أحد أفراد أسرهم. لم يحضر معظمهم مقابلة عمل من قبل ولم يكن لديهم سير ذاتية، وكان الاجتماع غير رسمي. وأوضحنا لهم ببساطة أننا نبحث عن أشخاص يتمتعون بسلوك إيجابي ويهتمون بتعلم شيء جديد وأكّدنا لهم أن خطتنا خلال عملية التدريب تهدف إلى تحديد الوظائف التي تتواءم مع مهاراتهم وشخصياتهم. ثم أجرينا مقابلات مع الجميع.
وانتهى بنا المطاف إلى توظيف 19 شخصاً من تلك المجموعة، بعضهم مصاب بمتلازمة داون، وبعضهم يعاني طيف توحد، وبعضهم الآخر مصاب بشلل دماغي، وآخرون لم يحصلوا على تشخيص. ثم دربناهم ميدانياً وأسندنا إلى كل منهم دوراً: كاستقبال العملاء، وإدارة نقاط البيع، وصنع المشروبات، والنداء على الطلبات الجاهزة. ستبقى إيمي والمشرفون الطبيعيون الآخرون الذين وظفناهم لاحقاً في الخلفية لتقديم المساعدة عند الضرورة. وكنا واضحين بهذا الشأن: سيكون الموظفون أصحاب الاحتياجات الخاصة في واجهة عملنا. وهدفنا أن يراهم الزبائن وهم يؤدون هذه الوظائف المألوفة ويتفاعلون معهم بشكل مباشر.
وفتحت أبواب المقهى في شهر يناير/كانون الثاني عام 2016 وسط ضجة محلية كبيرة، تماماً كما تخيلنا. كان الناس يتهافتون على المقهى، ويحظون بترحيب ودّي، ويتلقّون خدمة فعالة؛ ويحتسون قهوة لذيذة، والأهم من ذلك، يجرون كافة أشكال التواصل الشخصي الهادف مع أعضاء فريقنا. ولم يكن زبائننا من الحي فقط، بل رأى البعض قصص الموظفين التي شاركناها على وسائل التواصل الاجتماعي ("انظروا إلى ما فعله مات اليوم!" "هذه أول وظيفة لجوان!") وقادوا سياراتهم مسافات طويلة لزيارة المقهى؛ وقرر آخرون تخصيص يوم الإجازة لزيارتنا. كان المقهى مزدحماً جداً لدرجة جعلتنا ندرك حاجتنا إلى مقهى أكبر. وانتقلنا في شهر يونيو/حزيران إلى مكان جديد بمساحة 5,000 قدم مربع كان في السابق وكالة سيارات لشركة هامر. واشترينا بعد فترة قصيرة محمصة بن مؤتمتة بالكامل، وعمل بن على تصفية أعماله في مجال الخدمات المالية ليعمل معنا بدوام كامل.
مسار النمو
حظينا باهتمام كبير من خارج مدينة ويلمنتون لدرجة أن بدأنا التفكير في توسيع أعمالنا. وتلقّينا حوالي 24 رسالة بريد إلكتروني كل أسبوع من وكلاء محتملين.
وأول ما فكرنا فيه هو منح حق الامتياز التجاري، فبدأنا قبول الطلبات، لكن بعد تلقينا المئات منها خلال الأشهر القليلة المقبلة، أدركنا ضرورة التريّث وتجربة التوسّع أولاً. وقررنا فتح مقهى خارج ويلمنتون، في مدينة تشارلستون بولاية كارولاينا الجنوبية، لإثبات قدرتنا على نشر الفكرة على نطاق واسع، وأن النجاح لا يعتمد على وجودنا في المقهى كل يوم.
فاستأجرنا مكان عمل جديد، ووظفنا أشخاصاً متحمسين للعمل والتعلّم، وأسندنا إليهم المهام الأنسب لهم، وتقبّلنا أي نوع من أنواع الإعاقة ووفرنا للموظفين كل سبل الراحة الممكنة. وتمثّل هدفنا في منح أعضاء الفريق عملاً هادفاً لتأديته، سواء استخدموا لغة الإشارة فقط أو كانوا على كراسي متحركة أو كانت مهاراتهم محدودة أو كانوا غير قادرين على التفاعل الاجتماعي وإقامة العلاقات، والتزمنا المرونة في هذا الصدد. وإذا اكتشفنا أننا أسندنا دوراً خاطئاً إلى شخص ما، فنسند إليه دوراً جديداً.
واخترنا مشرفي ورديات عمل قادرين على التكيف وإجراء التعديلات المناسبة دون أن يمتلكوا بالضرورة خبرة سابقة في التعامل مع الأشخاص أصحاب الاحتياجات الخاصة؛ بل اخترنا أشخاصاً يتحلّون بالشجاعة والطاقة لمشاركة الخبرات والقيادة من الخلف في مكان العمل المتنوع الذي أنشأناه.
تمتّع مقهى تشارلستون بشهرة مماثلة لشهرة مقهى ويلمنتون، ففتحنا مقهى آخر في مدينة سافانا، وآخر في مدينة أنابوليس، ثم اثنين آخرين في ويلمنتون. وطوّرنا بعد ذلك دليلاً إرشادياً لعرضه على المستفيدين من الامتياز التجاري إدراكاً منا بأن ذلك سيكون الحل الأمثل لنشر مقهى بيتي آند بوز ونشر رسالتنا في أكبر عدد ممكن من المدن والبلدان. وشرعنا في هذه العملية في عام 2021، في خضم جائحة كوفيد-19، وتمكّنا من فتح 11 موقعاً بنظام الامتياز التجاري في جميع أنحاء الولايات المتحدة خلال العامين الماضيين، وسنفتح 4 مواقع أخرى نهاية عام 2023.
ونما عدد موظفي مقرنا الرئيس في الوقت نفسه، إذ يوجد لدينا اليوم فرق كاملة لتنسيق حقوق منح الامتياز التجاري، والخدمات الإبداعية، وإجراء عمليات تحميص أكبر لحبوب البن ولدينا مجموعة لتلبية الطلبات ترسل حبوب البن التي ننتجها إلى جميع أنحاء البلاد. قد نفتح في المستقبل مزيداً من المقاهي المملوكة للشركة، لكن تلك العملية قد تستغرق وقتاً طويلاً؛ وينصب اهتمامنا اليوم على منح حقوق الامتياز التجاري الذي يساعدنا في الاستفادة من الزخم الذي خلقناه. وفي الواقع، قد يكون التوسع الدولي ضمن آفاقنا المستقبلية أيضاً، فقد تلقينا عدة رسائل إلكترونية من أشخاص من أستراليا وكندا وبريطانيا وأيرلندا وإيطاليا واليابان وأميركا الجنوبية والوسطى وسويسرا يطلبون منا فتح فروع لمقهى بيتي وبوز في بلدانهم.
ومن المؤكد أننا نختار المستفيدين من الامتياز التجاري بعناية، ونجري العديد من المكالمات معهم عبر منصة زووم للتعرف عليهم. كان لدى بعضهم خبرة بالفعل في مجال الأعمال وحقوق الامتياز التجاري، لكننا آثرنا أن نختار أولئك الذين تتوافق رسالتهم مع رسالة شركة بيتي آند بوز. وكان المتقدمون أغلبهم أشخاصاً مثلنا بالفعل، بمعنى أن لديهم أفراداً من أسرهم من أصحاب الاحتياجات الخاصة ويأملون أن يعملوا في مكان لا يشعرون فيه بالتهميش. في حين آمن آخرون برسالتنا والفرق الذي يمكنهم إحداثه من خلال فتح فروع لمقهانا في مسقط رأسهم.
وعلى الرغم من أن كل مستفيد من الامتياز التجاري يمتلك أصول حق الامتياز التجاري وترخيصاً لاستخدام علامتنا التجارية والمظهر التجاري والأنظمة والإجراءات والعمليات على النحو المنصوص عليه في اتفاقية الامتياز التجاري، نبقى نحن المالكين الأساسيين للعمل التجاري ونظل مشاركين به بشكل كبير حفاظاً على ثقافتنا وعلى التزامنا بها وسعياً إلى تنميتها. البيع بالتجزئة صعب إن لم تختر المكان المناسب، ونصيحتنا هي اختيار الموقع الأنسب أولاً. لدينا طلبات توصيل في الوقت الحالي، لأننا لا نبيع القهوة فقط، بل نبيع تجربة. وتستخدم جميع المقاهي لافتاتنا المميزة وآلات المشروبات والتسهيلات الفريدة، مثل منح الزبائن بطاقات لعب عليها أرقام تتوافق مع أرقام طلباتهم بدلاً من كتابة أسمائهم على الأكواب (لأن ذلك سيكون صعباً على بعض أعضاء فريقنا). ومن المهم بالنسبة لنا أن نضمن تقديم كل مقاهي بيتي آند بوز الطعام والشراب العالي الجودة والخدمة الممتازة والبيئة المجتمعية التي اشتُهرنا بها، فأسماء طفلينا تزيّن لافتة المقاهي في النهاية.
لا بأس في أن تبدأ بخطوة صغيرة، ابدأ بالبحث عن شخص من أصحاب الاحتياجات الخاصة تحضره إلى مكان عملك.
ما وراء عملنا التجاري
ركزنا على مشروعنا على مدى السنوات السبع الماضية لدرجة أننا لم نحظ بفرصة التحدث إلى المؤسسات الأخرى حول كيفية دمج رسالة بيتي آند بوز في أعمالها. وفي الواقع، يمكن لقادة الشركات أن يستلهموا العبر من نجاحنا كخطوة أولية: فإذا كانت غالبية قوة العمل في الخطوط الأمامية في المقهى تضم أشخاصاً أصحاب احتياجات خاصة، أفلا يمكنكم توظيف شخص واحد منهم على الأقل؟
ومع ذلك، ثمة مزيد من النصائح التي نرغب في تقديمها. أولاً، على الجميع إدراك أن الإعاقات هي جزء من الطبيعة البشرية، فبعض الناس يولدون بإعاقات بالفعل، في حين يكتسبها آخرون نتيجة عارضٍ صحي أو حادث، وقد يحدث ذلك لأي منا، لكن الإعاقة الحقيقية هي التهميش الذي نمارسه على الأشخاص المختلفين عنا، ومن واجبنا نزع تلك النظرة، والسعي لدمج الأشخاص أصحاب الاحتياجات الخاصة في المجتمع كما سعينا من قبل لدمج الأقليّات.
ولا يقتصر تحقيق هذه الغاية على التبرع بالأموال لصالح الجمعيات الخيرية فحسب، بل ينبغي لقادة الشركات تخصيص جزء من رؤوس أموالهم لدعم هذه الفئة من الناس وخلق مشاريع ابتكارية لهم، فهم قادرون على إضافة قيمة في مجموعة متنوعة من المجالات. قد لا يُمنح الأشخاص أصحاب الاحتياجات الخاصة الفرصة حتى أحياناً لاعتقاد شركات العمل أن تعليمهم سيستغرق كثيراً من الجهد، لكننا وجدنا في تجربتنا أن منحنى التعلم لديهم ليس شديد الانحدار، بل يمكنك بالفعل توظيف أعضاء فريق جدد يتحلّون بالثقة والإخلاص وقادرين على التفاعل والاندماج.
وتذكر أنه لا ضير أن تبدأ بخطوة صغيرة، إذ ليس من الضروري أن تؤسس مشروعاً كبيراً على الفور، بل اعثر أولاً على شخص من أصحاب الاحتياجات الخاصة يمكنك إحضاره إلى مكان عملك يوماً واحداً في الأسبوع، ولو لبضع ساعات فقط، لكي يتقبّل الناس وجوده بداية. ثق بنا: سيُبدي أعضاء الفريق الذين تُسند إليهم الأدوار المناسبة والقادرين على تحقيق النجاح، التفاني والحماس المعدي، ويمكنك توسيع مبادرتك انطلاقاَ من هذه النقطة.
تعامل مع موظفيك الجدد مثل تعامل الأب والأم مع أبنائهم، وراقب إمكاناتهم غير المستغلة، وامنحهم الفرص، ولا تتخلّ عن توقعاتك العالية، لكن امنحهم في الوقت نفسه عطفك وتفهّمك، وكن أكبر داعم لهم. (نعتقد أن هذه نصيحة جيدة لإدارة الأشخاص الطبيعيين أيضاً).
لن تعرف هوية الشخص الذي سيحقق أفضل أداءٍ في دور معين، لكن من المهم اعتبار كل متقدّم يعاني إعاقة ما شخصاً فريداً يتمتع بنقاط قوة وضعف معينة (شرط أن يُبدي أيضاً القدرة على التعلم والنمو)، ثم تقييم مدى ملاءمته للدور المطلوب، حتى لو تطلّب ذلك توفير تسهيلات له.
وعندما تكون قوة العمل متنوعة بهذه الطريقة، ستجذب بذلك اهتمام الموظفين الحاليين، فقد يكون لدى أحدهم طفلاً مصاباً بالتوحد في المنزل، أو شقيقاً تعرض لتلف في الدماغ، أو والداً أُجبر على التقاعد المبكر بسبب التهاب المفاصل، وسيقدّر هؤلاء الأشخاص العمل الذي تؤديه لتعزيز الشمولية، وقد يستلهم الموظفون الآخرون الدافع منهم ويتعلمون منهم القدرة على التحمّل والتحلّي بالعزيمة، وهو ما يوسّع آفاقهم ويشجعهم على التفكير في وجهات نظر جديدة تخلق مزيداً من الأفكار الإبداعية. وقد وجدنا بالفعل أن معنويات قوة العمل المختلطة عالية للغاية.
عملنا حتى الآن مع 3 شركات أخرى بشكل مباشر، ليس لتقديم المشورة لهم بشأن استراتيجيات التنوع والمساواة والشمول الخاصة بهم، بل لتقديم قهوة بيتي آند بوز في مكاتب شركاتهم. ويقع أحدث موقعين لنا في ويلمنتون في المباني التي تضم المقر الرئيسي لشركة ثيرمو فيشير ساينتيفيك (Thermo Fisher Scientific) وإنسينو (nCino)، وهي شركة صيرفة سحابية. وكانت شركة سيلز فورس شريكاً قوياً أيضاً، حيث كانت تعد قهوتنا في مقرها الرئيس العالمي وترسلها إلى العملاء في أثناء الجائحة. ونجري اليوم مناقشات مع العديد من المستشفيات والجامعات المهتمة بمقاهي بيتي آند بوز أيضاً. ونأمل أن يضم كل مبنى تجاري أو حكومي مقهى في ردهته، ونؤمن أن ذلك سيلهم المؤسسات الأخرى ويجعلها تدرك حقيقة أنها قادرة على توظيف أشخاص أصحاب احتياجات خاصة بنجاح.
تأثير مستمر
لكم أن تتخيّلوا أن عائلتنا بأكملها تعمل في مقهى بيتي آند بوز. لا يزال بو، وهو الآن طالب في المرحلة الثانوية، وبيتي، وهي طالبة في الصف السابع، أصغر من أن يصبحا عضوين رسميين في الفريق، لكنهما فخوران بتمثيل الشركة، لا سيّما مع افتتاح المقاهي الجديدة. تحب بيتي إجراء جولات في المقهى الرئيس والدردشة مع الزبائن وتقديم القهوة. ويقول بو أنه قد يعمل على طاولة البيع يوماً ما، لكنه ربما يفضّل أن يعمل في متجر يقدم البرغر أو يجري اختبارات تذوق لمالك المطاعم الأميركي جاي فييري (Guy Fieri).
إيما غريس هي مديرتنا الإبداعية وتبلغ من العمر 22 عاماً، وتخرجت مؤخراً في جامعة نيويورك بتخصص في السينما والتلفزيون. أما ليلي التي تبلغ الـ 24 عاماً، فهي خريجة جامعة كارولاينا الشمالية في ويلمنتون وحاصلة على درجة علمية في العلوم السياسية، وشُخّصت قبل أربع سنوات باضطراب طيف التوحد، وهي عاملة بارزة في مركز تلبية الطلبات الخاص بالشركة. ونقضي أوقات العشاء العائلي في الحديث عن مستقبل شركة بيتي آند بوز وكيفية إحداث تأثير أكبر في العالم.
وما بدأ كفكرة في أثناء الاستحمام أصبح شغلنا الشاغل وإرثنا. لم نسمع عن أي شركة أخرى تركز على توظيف الأشخاص أصحاب الاحتياجات الخاصة وتحاول نشر تلك الرسالة على نطاق واسع كما فعلنا، وأدركنا ذلك مع نمونا، ويسعدنا أن نكون أصحاب السبق (المتحركين/المبادرين الأوائل). لكننا نأمل بصدق أن يحذو الآخرون حذونا، إذ يتمتع عالم الأعمال التجارية بوضع فريد لمساعدة الأشخاص أصحاب الاحتياجات الخاصة على تحديد أهدافهم وخلق القيمة والتواصل مع مجتمعاتهم من خلال العمل.