إذا كانت سلاسل توريد البيانات تمر بحالة من الفوضى العارمة، فإليك كيفية إصلاحها

6 دقائق
سلسلة توريد البيانات

ملخص: أصبحت البيانات أكثر أهمية من أي وقت مضى، لكن غالبية المؤسسات لا تزال تعاني بعض المشكلات الشائعة: فهي تركز على البنية التحتية للبيانات أكثر من تركيزها على منتجات البيانات، وغالباً ما يتم إنشاء البيانات مع وضع احتياجات قسم معين في الاعتبار دون الالتفات إلى الاستخدام النهائي، كما تفتقر المؤسسات إلى "لغة بيانات" مشتركة في ظل لجوء كل قسم إلى كتابة الشفرة البرمجية وتصنيف البيانات وفق نظامه الخاص، ويتزايد تركيز المؤسسات على البيانات الخارجية ولكنها لا تملك أنظمة قوية لمراقبة الجودة. وتستطيع الشركات معالجة هذه المشكلات وغيرها بالتركيز على إدارة "سلسلة توريد البيانات". إذ يجب على الشركات التفكير بشكل منهجي، والتركيز على المنتجات النهائية، وتحديد المعايير والمقاييس، واستحداث أنظمة مراقبة الجودة وتحسين نهجها باستمرار في مختلف مراحل جمع البيانات وتحليلها، على غرار سلاسل التوريد المادية.

عصفت إدارة البيانات بكبرى الشركات لعقود من الزمان. ويمكن القول إن كل الشركات تنفق بسخاء عليها، لكنها تعجز عن تحقيق نتائج مُرضية. ولا يبدو أن المشكلة تزداد سوءاً، وعلى الرغم من ذلك، فإن ضرورة حلها تزداد إلحاحاً في ظل سعي المدراء والشركات لتكثيف الاعتماد على البيانات والاستفادة من التحليلات المحوسبة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المتقدمة والتسلح بالبيانات للنجاح في خوض غمار المنافسات الشرسة. وسنتناول في هذه المقالة أسلوباً أثبت فاعليته في إدارة البيانات من منظور "منتجات البيانات" و"سلاسل توريد البيانات".

لدى معظم الشركات مشكلات في إدارة البيانات الشائعة، ولكنها مشكلات خطيرة.

أولاً: ركزت الشركات على القدرات الفنية لإدارة البيانات تحت إشراف قسم تكنولوجيا المعلومات، وكان لا بد من توافر هذه القدرات للحصول على البيانات وتخزينها ونقلها. وهذا ليس بالأمر الهين، فإنشاء "قنوات" تقنية مهمة صعبة. ولكنها حينما حاولت أداء هذه المهمة، وجهت الشركات كل تركيزها إلى البنية التحتية وأغفلت الناتج النهائي، أي منتجات البيانات المستخدمة في صناعة القرارات والتمييز بين المنتجات والخدمات، إلى جانب إرضاء العملاء.

ثانياً: يتم إنشاء البيانات في أجزاء مختلفة من المؤسسة لتلبية احتياجات الأقسام المختلفة، وليس لاستخدامها لاحقاً من قبل الآخرين في منتجات البيانات أو القرارات الماسة بأعمال الشركة أو عملياتها. قارن ذلك مع أي منتج مادي، كالسيارات مثلاً، حيث يتم تصميم مكونات مثل الهيكل والمحرك مع وضع المنتج النهائي في الاعتبار.

ثالثاً: تفتقر معظم المؤسسات إلى لغة بيانات مشتركة. تتميز البيانات بدقتها المتناهية وصعوبة تمييز الفوارق فيما بينها، إضافة إلى اختلاف معانيها باختلاف الأشخاص والسياقات. وقد تفاقم هذا الأمر نتيجة إحجام بعض الإدارات المالكة للبيانات عن مشاركتها مع الغير. وحتى إذا أبدت استعدادها لمشاركة البيانات، فإنها لا تخصص ما يكفي من الوقت لشرح هذه الفوارق الدقيقة حتى يتمكن الآخرون من استخدامها بفاعلية، وهو ما يدفع الإدارات الأخرى إلى إنشاء قواعد بيانات "شبه زائدة على الحاجة"، ما يزيد من الشعور العام بالارتباك.

رابعاً وأخيراً: يتزايد اهتمام الشركات بما يحدث خارج أسوارها، وتستغل البيانات الخارجية للإجابة عن مجموعة متنوعة من الأسئلة. لكن البيانات الخارجية لا تخضع للإدارة الدقيقة في أغلب الأحيان، إضافة إلى ضعف مؤهِلات المورّدين أو انعدام تقييم جودة البيانات لديهم.

ويمكن معالجة كل من هذه المشكلات من خلال إدارة سلسلة توريد البيانات بطريقة تعتبر منتجات البيانات نتيجة نهائية للعملية. حيث تركز على جميع مراحل إدارة البيانات بالتساوي، بدايةً من جمعها وتنظيمها، وصولاً إلى استهلاك منتجات البيانات. وتعتبر تلك وسيلة لتحقيق التوازن بين مزايا البيانات المشتركة ومزايا البيانات المتفردة والمتخصصة في المنتجات، وهي مناسبة لكلٍّ من البيانات الداخلية والخارجية على. ويستخدم عدد قليل نسبياً من الشركات إدارة سلسلة توريد البيانات، ولكن الشركات التي تستخدمها تحقق نتائج أفضل في أغلب الأحيان.

إدارة العمليات والمورّدين لمنتجات البيانات

لطالما أنتجت الشركات منتجات بيانات في صورة بيانات مالية وتقارير ترسلها إلى الجهات الرقابية، وما إلى ذلك. ومع ذلك، فإن نطاق هذه المنتجات وأهميتها آخذان في الازدياد. ويرى الكثيرون أن الهدف منها هو تضمين التحليلات المحوسبة والنماذج المشتقة من الذكاء الاصطناعي في المنتجات التي تخدم كلاً من العملاء الداخليين والخارجيين. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، استراتيجية "أفضل خطوة لاحقة" (Next Best Action) المتبعة في مؤسسة "مورغان ستانلي"، وأداة "أشخاص قد تعرفهم" (People You May Know) على موقع "لينكد إن"، وعروض البحث العديدة من "جوجل"، ومؤشر بيانات "ماستر كارد" للإنفاق المسمى "مؤشر الإنفاق" (SpendingPulse) و"محدد موقع الأعمال" (Business Locator). وبعد أن تناولنا المشكلات المذكورة أعلاه بالتفصيل، يمكن القول إن عملية "تحويل البيانات" (Wrangling the Data) تستغرق وقتاً أطول بكثير من بناء النموذج، ومع ذلك لا تزال عملية تحويل البيانات عاجزة عن حل كل المشكلات.

ولحسن الحظ، هناك طريقة أفضل للحصول على بيانات عالية الجودة. وتعتمد هذه الطريقة على تقنيات إدارة العمليات والمورّدين التي يستخدمها مصنعو المنتجات المادية. حيث يغمس المصنعون على وجه الخصوص أيديهم في عمق سلاسل التوريد الخاصة بهم للتعرّف على متطلباتهم وتأهيل المورّدين، ويصرون على قيام الموردين بقياس الجودة وإجراء التحسينات اللازمة في مصدر (مصادر) المشكلة (المشكلات). يمكّنهم هذا من تجميع المكونات في منتجات نهائية بأقل قدر من "تحويل البيانات إلى منتجات المادية"، ما يؤدي إلى تحسين الجودة وخفض التكاليف.

وتعتبر مجموعة "ألتريا" (Altria)، أكبر منتجي ومسوقي التبغ والمنتجات الخالية من الدخان، إحدى المؤسسات التي تستخدم إدارة جودة الموردين في سلسلة توريد البيانات الخاصة بها. حيث تعتمد "ألتريا" على بيانات نقاط البيع المستمدة من أكثر من 100 ألف متجر صغير يومياً لاستيفاء تقارير السوق وتحليلها. يدير قاعدة البيانات هذه فريق يعمل تحت رئاسة كيربي فورلين، نائب الرئيس لشؤون التحليلات المحوسبة المتقدمة. حيث يتم توضيح متطلبات البيانات في العقود، ويهدف الفريق إلى مساعدة المتاجر على تلبيتها. وقد ركزت "ألتريا" في البداية على أبسط متطلباتها. كانت الجودة رديئة، فلم يكن يتم استيفاء معاييرها إلا بنسبة 58% فقط من الطلبيات اليومية. لكن فريق "ألتريا" عمل بدأب حتى استطاع رفع مستوى الجودة إلى 98% خلال 3 سنوات. ومع تحسن درجة الجودة الأساسية، أضاف الفريق متطلباته الأكثر تقدماً إلى المزيج. وهو ما علّق عليه فورلين قائلاً: "هذا عمل متواصل. وحينما يثبت لنا بالدليل القاطع أنه يمكننا الوثوق في البيانات بشكل متزايد، فإن هذا سيوفر علينا الكثير من العمل في ممارساتنا التحليلية ويعزز الثقة في عملنا".

خطوات نحو سلسلة توريد البيانات

يمكن إنشاء سلسلة توريد البيانات داخل الشركة باتباع بعض الخطوات ذاتها المستخدمة في إدارة عمليات سلاسل التوريد المادية وجودتها:

1- تحديد مسؤوليات الإدارة. يجب على مدير البيانات أو مدير المنتج في الخطوة الأولى (أ) تسمية "مدير سلسلة توريد البيانات" من بين موظفيه لتنسيق الجهود وتعيين "الأطراف المسؤولة" من كل قسم (بما في ذلك مصادر البيانات الخارجية) عبر سلسلة التوريد. وتتمثل الخطوة الأولى (ب) في إبراز المشكلات المرتبطة بمشاركة البيانات والملكية ووضعها في بؤرة الاهتمام. فقد وجدنا أن معظم المشكلات تتلاشى في ظل رغبة قلة من المدراء في اتخاذ موقف صارم ضد مشاركة البيانات أمام أقرانهم.

2- تحديد البيانات وتوثيقها، وتحديد التكلفة المرتبطة بها، والوقت المستغرَق، ومتطلبات الجودة اللازمة لإنشاء منتجات البيانات وصيانتها.

3- وصف سلسلة التوريد. قم بإعداد مخطط بياني يصف نقاط إنشاء البيانات أو المصادر الأصلية للبيانات والخطوات المتخذة لنقل البيانات وإثرائها وتحليلها لاستخدامها في منتجات البيانات.

4- تحديد المقاييس وإنشائها. تكمن الفكرة عموماً في تنفيذ المقاييس التي تحدد ما إذا كانت المتطلبات مستوفاة أم لا. ابدأ بدقة البيانات والوقت المنقضي بدايةً من إنشاء البيانات إلى تضمينها في منتج البيانات. وتختلف الإجراءات وفق كل سلسلة توريد منتجات البيانات.

5- إنشاء عملية لمراقبة مطابقة المتطلبات وتقييمها. استخدم مقاييس الخطوة الرابعة للتحكم في العملية وتحديد مدى استيفاء متطلبات الخطوة الثانية وتحديد الفجوات.

6- فحص سلسلة التوريد لتحديد التحسينات المطلوبة بشكل عام ومنتجات البيانات على وجه التحديد. حدّد أين تنشأ الفجوات التي تم الكشف عنها في الخطوة الخامسة في المخطط البياني للخطوة الثالثة.

7- إجراء التحسينات والمراقبة باستمرار. عيّن الأسباب الجذرية للفجوات المحددة في الخطوة السادسة وتخلص منها، ثم عاود الرجوع إلى الخطوات السابقة إذا لزم الأمر. وراقب بيانات الإدخال ومنتجات البيانات باستمرار، بحثاً عن سبل تحسين المنتجات والبيانات الجديدة وأفضل المصادر اللازمة للقيام بذلك.

8- "تأهيل" مصادر البيانات. تواصل الشركات توظيف أعداد متزايدة من موردي البيانات الخارجيين، ومن المفيد تحديد أولئك الذين يقدمون بيانات عالية الجودة باستمرار. وتوفر عمليات تدقيق برامج جودة البيانات وسائل "تأهيل" أولئك الذين يفعلون ذلك وتحدّد نقاط الضعف فيمن لا يقومون به.

ويستخدم "كي بنك" (Key Bank)، أحد أكبر 20 بنكاً في الولايات المتحدة من حيث حجم الأصول، مفهوم سلسلة توريد البيانات بمعناه الأوسع في هيكلة مبادرات إدارة البيانات الخاصة به. إذ يقسّم عمليته تلك إلى مجالات "الاستخلاص/ التنظيم/الاستهلاك"، ويحاول تحسين الكفاءة والفاعلية في كل مجال. وقد حوّل مؤخراً الكثير من عمليات تخزين البيانات والتحليلات المحوسبة إلى نظام السحابة الإلكترونية، وحقق تحسينات كبيرة في المرونة والسرعة عبر سلسلة التوريد. ولطالما ركزت أنشطته الاستهلاكية على قدرات التحليل الذكي للأعمال بمعناها التقليدي، ولكنه يمتلك الآن أيضاً قدرات جبارة في تسخير أدوات علم البيانات.

تطلّب هذا إجراء تغيير ملموس في سلسلة التوريد نحو مزيد من المحاكاة الافتراضية للبيانات والقدرة على إنشاء واجهات لعرض البيانات بحيث تتجاوز المجموعات الفرعية المختلفة للبيانات وتتضمن بيانات خارجية أيضاً. وقد تمكّن البنك من استخدام سلسلة توريد البيانات الخاصة به للإسراع بعملية تطوير منتجات مصرفية جديدة تعتمد كثيراً على البيانات. فعلى سبيل المثال، كان البنك أحد أكبر المقرضين لقروض خطة حماية الرواتب في الولايات المتحدة، كما وفّر مؤخراً بنكاً رقمياً للأطباء على مستوى الولايات المتحدة. يُشار في هذا السياق إلى أن مايك أوندرز، الرئيس التنفيذي للبيانات بالبنك، حقق نجاحاً ملموساً في إدارة سلسلة توريد البيانات. وقد قام هو وموظفوه بتقييم قدرة سلسلة توريد البيانات بالبنك على توفير مجموعة متنوعة من منتجات البيانات المطلوبة.

ونحن نحثّ كل الشركات على بذل الجهد اللازم في إدارة أهم سلاسل توريد البيانات لديها. إذ تعتبر البيانات أحد أصول الشركات التي لا تقل أهميةً عن أيٍّ من الأصول الأخرى، كما تتزايد أهمية منتجات البيانات لتقف على قدم المساواة مع المنتجات المادية. وقد ثبت بالدليل أن المنهجية التي أدت إلى تحسين سلاسل التوريد المادية لعقود من الزمن قادرة على تحقيق نتائج مماثلة في مجال البيانات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي