ملخص: تخلف كارثة الصقيع التي ضربت ولاية تكساس في شهر فبراير/شباط من عام 2021 آثاراً هائلة طويلة الأجل على صعيدي أعمال الإصلاح والتكاليف الصحية. ستشيع هذه الكوارث المناخية بصورة متزايدة في الأعوام المقبلة، ومع انتقال الشركات إلى نموذج العمل من المنزل، ينتقل مسار مسؤوليتها عن مساحة العمل أيضاً ليخرج عن نطاق "المكتب" أو "المعمل". إذ يجب أن يتم توسيع نطاق الاستثمارات لتتعدى أماكن العمل وتدخل مباشرة إلى منازل الموظفين وشققهم. على المدى الطويل، ستجني الشركات ثمار الحرص على سلامة مساحات العمل المنزلية وثمار الاستثمار في إصلاح مساكن الموظفين وجعلها أكثر قدرة على مقاومة الظروف المناخية عندما يتمتع موظفوها وعملاؤها بصحة أفضل وإنتاجية أكبر.
قال كريغ براون لبرنامج "صباح الخير أميركا" (Good Morning America): "هذه كارثة أسوأ من الإعصار" مشيراً إلى تعطل شبكة الكهرباء في شهر فبراير/شباط نتيجة لموجة صقيع مفاجئة استمرت فترة طويلة. لم يأت كلامه من فراغ، فهو عمدة مدينة غالفستون التي دمرتها العاصفة.
والآن بعد عودة التيار الكهربائي، قد نعتقد أننا خرجنا من المأزق، لكن هذا ليس صحيحاً. إذ إن الآثار طويلة الأجل قد بدأت تظهر للتو، فتفجر الأنابيب والدمار الذي لحق بمنشآت معالجة النفايات وخسارة المزيد من الوظائف، وانتشار الملوثات في الجو عندما تعطلت معامل إنتاج الطاقة، كل ذلك سيؤدي إلى آثار صحية عامة ستدوم مدة طويلة وستكون مدمرة أكثر مما شهدناه في الأيام الأولى لانقطاع التيار الكهربائي.
العمل الذي يقع على عاتق ولاية تكساس الآن هو بمثابة تذكير بمرحلة إجبارية طويلة وحرجة ومكلفة لإزالة آثار الكارثة. فبناءً على عملنا في كتابنا "الأبنية الصحية" (Healthy Buildings) وأبحاثنا حول الصحة العامة والبنية التحتية العامة، اتضحت لنا ضرورة أن تدرج الشركات الآثار الصحية طويلة الأجل الناجمة عن هذه الكوارث في تحليلات الأرباح والتكاليف التي تجريها، ونقترح بعض الخطوات التحليلية والتدخلات المناسبة.
الدروس المستقاة من كارثة تعطل شبكة الكهرباء في الولايات المتحدة
الدرس البديهي الذي نتعلمه من تعطل شبكة الكهرباء في ولاية تكساس هو أن جميع من في سلسلة القيمة الخاصة بتوليد الطاقة سيستثمر الآن في إصلاح المعدات وخطوط نقل التيار الكهربائي والأبنية مع مراعاة مسائل الحماية من الطقس البارد أو تخزين الطاقة أو توفيرها. وهذا يعني استخدام مولدات الطاقة التي تعمل على الغاز أو الديزل بالنسبة لكثير من أصحاب المنازل والشركات والمستشفيات، وبالتالي سيتعين إرجاء جهود "إمداد كل شيء بالطاقة الكهربائية" من أجل تخفيض توليد غازات الدفيئة. والأسوأ هو أن بعض التكاليف الصحية الفورية ستأتي على الأشكال التالية: ازدياد تلوث الهواء نتيجة لتشغيل الكثير من مولدات الطاقة التي تنتج الغازات الضارة؛ وازدياد الازدحام والأدخنة على الطرقات نتيجة لاستخدام المزيد من المركبات التي تعمل على الوقود؛ وازدياد حوادث الحرائق في المنازل؛ وازدياد حوادث التسمم بغاز أول أوكسيد الكربون. في حادثة تعطل شبكة الكهرباء الأخيرة في ولاية تكساس، أبلغت صحيفة "هيوستن كرونيكل" (Houston Chronicle) عما يقارب 600 حالة تسمم بغاز أول أوكسيد الكربون في مقاطعة هاريس وحدها، وقد ارتفع هذا الرقم ليصل إلى أكثر من 3,600 حالة تسمم بهذا الغاز، إلى جانب وفاة عدد من الأشخاص في هذه الولاية نتيجة لهذه الحادثة وحدها في هذا العام. هذه الأرقام صادمة ويمكن تفاديها بسهولة.
لا يفكر أحد من أصحاب العمل أو أصحاب المنازل اليوم بالآثار الصحية عند إجراء تحليل الأرباح والتكاليف على ما سينفقونه فيما يخص تعزيز عزل المنازل أو استخدام بطاريات تخزين الطاقة أو شراء سيارة صغيرة أو وحدة توليد الطاقة. ومن الطبيعي أن يفكر المرء بشراء المنتجات التي يراها في متاجر مثل "تراكتور سبلاي" (Tractor Supply) أو "وول مارت" ويمكنه أخذها بسهولة، لكن هذا السلوك قصير النظر وسطحي وخاطئ.
الاستثمار الرابح
فلنفكر فيما سيكون بعد بضعة أشهر كي نفهم السبب في ذلك. أولاً، بدأنا فعلاً بقراءة قصص عن مئات الآلاف من أصحاب المنازل الذين يضطرون لتعقيم مياه الشرب بغليها لأن منشآت معالجة المياه معطلة، وهذا يسبب آثار الكربون الناتجة عن توليد مزيد من الكهرباء أو غاز الطبخ أو غاز البروبان. وإذا نسي البعض غلي المياه أو شعروا بالملل منه أو أصبح مكلفاً، فسنشهد ارتفاع مخاطر أمراض الجهاز الهضمي إلى جانب تفشي بعض الأمراض، كالكوليرا أو الزحار أو التهاب الكبد من النمط (أ) أو غيرها من الأمراض المدمرة التي يمكن تفاديها.
علاوة على مشكلات المياه، لدينا مشكلات الهواء الملوث داخل المنازل وخارجها. ستكون ملاحظة هذه المشكلات أصعب (إلا عندما يكون من السهل جداً ملاحظة الدخان الضبابي والجسيمات في الهواء). كما ستؤدي تمديدات المياه التالفة والإصلاحات السطحية للمباني إلى مشكلات صحية مرئية، كالعفن مثلاً. وسيؤدي الهواء الراكد في الغرف الضيقة التي يصارع سكانها البرد إلى تفاقم أمراض مزمنة مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية والخانوق. والأسوأ من ذلك، قد يؤدي إغلاق المنازل والمدارس بإحكام هرباً من البرد القارس، ومحاولات الأسر اليائسة لتجنب التجمد حتى الموت، إلى موجة أخرى من انتشار فيروس كورونا، ناهيك بانتشار نزلات البرد والإنفلونزا والتهاب الحلق العقدي وغيرها من الأمراض المنقولة بالهواء.
فكر فيما ستعيشه ولايات تكساس ولويزيانا وميسيسيبي الصيف المقبل، إذ ستبقى القدرة على توليد الطاقة منخفضة، وستكون الكهرباء باهظة الثمن، وستكون الميزانية السنوية المخصصة للطاقة قد نفدت في كثير من المنازل والشركات. وقبل أقل من 3 أشهر من الآن ستبدأ الحرارة بالارتفاع حتى تلامس 40 درجة، وسنشتاق إلى الطقس البارد عندما تصبح الحرارة مميتة أكثر. وفقاً لصحيفة "هيوستن كرونيكل"، توفي قرابة 50 شخصاً من أسباب يمكن أن تعزى إلى العاصفة الشتوية الأخيرة. لكن في عام 2018، وقع ما يزيد عن 1,000 حالة وفاة بسبب الحرارة الشديدة في الولايات المتحدة، أي ما يعادل 20 ضعفاً عن الوفيات الحالية، وكانت غالبية هذه الحالات في ولايات كاليفورنيا ونيفادا وتكساس. سيعاني القاطنون في الأبنية غير المعزولة بصورة جيدة من الحرارة الشديدة فيها، تماماً كما عانوا من البرد الشديد. وستكون الطاقة الكهربائية التي ستستخدم لتشغيل مكيفات الهواء باهظة الثمن، تماماً كما هي بالنسبة لتشغيل أجهزة التدفئة، حتى وإن لم تشهد الأسعار ارتفاعاً بنفس الدرجة. توقع أن تقرأ عناوين رئيسة في الصحف تتحدث عن أشخاص يموتون وحيدين في منازلهم المظلمة بسبب الحرارة لا البرد.
هذه المشكلة تؤثر على الناس بدرجات متفاوتة، فقد أبلغت قناة "سي إن إن" مثلاً أنه في ولاية تكساس وبعد أسبوعين تقريباً من العاصفة، كان قرابة 4,000 شخص لا يزالون محرومين من المياه النظيفة. كما أشارت القناة إلى أن "بعض الأسر ذات الأصول الإفريقية واللاتينية التي لا يزال كثير منها يعاني من آثار جائحة "كوفيد-19"، تعاني من انقطاع التيار الكهربائي وتفجر الأنابيب ودرجات الحرارة شديدة البرودة وانقطاع المياه... لا تزال أجزاء من ولايات تكساس وأوكلاهوما ولويزيانا وميسيسيبي تعاني من الصدمات الناجمة عن العاصفة، حيث يستمر حرمان كثير من السكان ذوي البشرة السوداء والسمراء من التيار الكهربائي ومياه الشرب النظيفة والمأوى". ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الأمراض المزمنة، ومنها فشل القلب الاحتقاني والسكري وارتفاع ضغط الدم.
هذه ليست تكاليف بسيطة، بل هي مشكلات تستمر على المدى الطويل. ماذا يجب على الشركات فعله إذن؟
نموذج العمل من المنزل
مع انتقال الشركات إلى نموذج العمل من المنزل أو العمل من أي مكان بصورة قد تكون دائمة، ينتقل مسار مسؤوليتها عن مساحة العمل أيضاً ليخرج عن نطاق "المكتب" أو "المعمل". إذا انقطعت التدفئة عن مكاتب شركتك لعدة أيام، أو إذا اضطر الموظفون لغلي مياه الشرب من أجل تعقيمها، فمن المؤكد أنك ستصلح هذه الأعطال على الفور حفاظاً على سلامة الموظفين وإنتاجيتهم، وحرصاً على استمرار توافد العملاء إلى الشركة. لكن، ماذا لو انتقل موظفوك للعمل من المنزل، وليس في أثناء موجة الصقيع فقط، بل وفقاً لأسلوب جديد ودائم للعمل؟ إذ يجب أن يتم توسيع نطاق الاستثمارات لتتعدى أماكن العمل وتدخل مباشرة إلى منازل الموظفين وشققهم.
لكن، لماذا يجب على الشركات القيام بهذه الاستثمارات؟ أولاً، فكر بالتكاليف طويلة الأجل المتمثلة في المشكلات الصحية التي سيعاني منها موظفوك وعملاؤك وأسرهم. فالموظف المريض لن يتمكن من أداء وظيفته، والعميل المريض لن يتمكن من شراء منتجاتك وخدماتك، والمورد المريض لن يتمكن من تسليم مكونات منتجك؛ ثانياً، فكر بأسرهم، إذ لن يتمكن الموظف من العمل بكفاءة إذا كان أحد أفراد عائلته أو أحبائه مريضاً في المنزل؛ ثالثاً، فكر بما ستجنيه من تجنب التكاليف الصحية المستقبلية. فهنا يكمن الادخار الاقتصادي الحقيقي، علاوة على أنك ستكون مواطناً صالحاً وستبدي شركتك اهتمامها بموظفيها؛ رابعاً، فكر في المنازل وأماكن العمل، فنحن نعتقد أن الشركات ستجني ثمار تقديم حوافز للموظفين ليجعلوا منازلهم "صحية"، لأن ذلك: أ) سيقلل احتمالات تعرض الشركة للمطالبة بتحمل مسؤوليتها فيما يتعلق بالتعريف الموسع لمكان العمل، وب) سيشجع الموظفين على العمل بجد وتقديم أداء أفضل وإنتاجية أكبر.
ما هي الأمثلة على الاستثمارات الصحية في المنازل التي قد يرغب صاحب العمل أو المدرسة أو شركة التصنيع أو المصرف أو شركة التكنولوجيا في تمويلها واستخدامها لصالح الموظفين والعملاء؟ بعض هذه الأمثلة سهل، مثل وحدات تنقية الهواء المحمولة، والمراوح وأجهزة التنقية التي تعمل حتى من دون وجود أجهزة التكييف، وأجهزة تنقية المياه ومعالجتها. وبعض الأمثلة أصعب قليلاً، مثل النوافذ المعزولة القابلة للفتح، والتبريد والتدفئة النشطَين بواسطة مضخات حرارية هوائية المصدر (أجل، هذه الأجهزة تعمل في البرد الآن)، وأنظمة التهوية والتنقية القائمة على استرداد الطاقة. في الوحدات السكنية المخصصة لعدة أسر، ألن يكون إصلاح مشكلة تسرب تيار الهواء وإحكام إغلاق النوافذ ووقف تسرب المياه والعفن وضمان عمل المصاعد، أقلّ كلفة من نقل السكان إلى المستشفيات في سيارات الإسعاف ووضعهم في وحدات العناية المركزة أو وصلهم بأجهزة التنفس الصناعي أو وفاتهم؟ لكن هنا، نواجه المشكلة التقليدية التي تطرح السؤال: "من سيدفع هذه التكاليف ومتى؟" من الذي سيدفع، لاسيما إذا كانت أموال الحكومات المحلية قد نفدت بالفعل؟ في كثير من الأحيان، سيكون دفع هذه التكاليف استثماراً مربحاً للشركات.
أخيراً، نقول بناءً على أبحاثنا في علم الأبنية الصحية واقتصادها إن تحليل الاستثمار في إصلاح المساكن وزيادة قدرتها على المقاومة في ولاية تكساس (أو كاليفورنيا أو فلوريدا أو نيويورك أو أي مكان من العالم معرض لمخاطر الكوارث الطبيعية المنتشرة في كل مكان) يجب أن يشمل تكلفة رأس المال الأولية للإصلاحات وعمليات البناء الجديدة ذات الصلة بالصحة، إلى جانب ما يمكن تجنبه من تكاليف مستقبلية طويلة الأجل للمشكلات الصحية. لن تتمكن من صنع القرارات المناسبة إذا لم تشمل تحليلاتك المكونات المناسبة، والموظفون الذين يتمتعون بصحة جيدة ويعملون في أبنية صحية هم استثمار رابح.