سلاسل التوريد العالمية توشك أن تصبح أفضل بفضل تقنية البلوك تشين

5 دقائق
تقنية البلوك تشين في الاستيراد

عندما مرض 55 زبوناً بسبب تفشي جرثومة الإشريكية القولونية في أسواق شركة تشيبتول ميكسيكان غريل (Chipotle Mexican Grill) في العام 2015، حطمت التقارير الإخبارية وعمليات الإغلاق والتحقيقات سمعة سلسلة المطاعم. إذ اِنهارت المبيعات وانخفض سعر سهم الشركة بنسبة 42% ليصل إلى أدنى معدلاته على مدى ثلاث سنوات، حيث وهنت الشركة منذ ذلك الحين، فماذا عن موضوع تقنية البلوك تشين في الاستيراد حول العالم؟

اقرأ أيضاً: تقنية البلوك تشين يمكنها مساعدة الفنانين على تحقيق مكاسب أكثر من أعمالهم

لقد مثّلت المشكلة دائمة الحدوث التي تواجهها الشركات التي تعتمد على عدة موردين لتوفير الأجزاء والمحتويات جوهر الأزمة التي واجهتها الشركة التي تتخذ من مدينة دنفر الأميركية مقراً لها، ألا وهي انعدام الشفافية والمحاسبة عبر سلاسل التوريد المعقدة. لم تتمكن تشيبتول التي لم تكن قادرة على مراقبة مورديها في الوقت الفعلي منع التلوث أو احتوائه بطريقة هادفة بعد أن اكتُشف.

تقنية البلوك تشين في الاستيراد

تستطلع مجموعة من الشركات الناشئة والشركات الكبرى حالياً حلاً جذرياً لهذه المشكلة باستخدام البلوك تشين (سلسلة الكتل) من أجل تحويل الأحقية وتصاريح السجلات وسجلات الأنشطة بغية متابعة تدفق السلع والخدمات بين الشركات وعبر الحدود.

بواسطة تقنية البلوك تشين، (النظام الأساسي الذي يدعم بيتكوين)، تتبع كمبيوترات تعود إلى هيئات مملوكة بشكل منفصل بروتوكول تشفير للتحقق باستمرار من صحة التحديثات التي تجرى على سجل حسابات مشترك على نطاق واسع. تتمثل الميزة الأساسية لهذه المنظومة الموزّعة التي لا تخضع لسيطرة شركة واحدة في حلها لمشاكل عدم الإفصاح والمساءلة بين الأفراد والمؤسسات التي لا تتواءم مصالحها بالضرورة. يمكن تحديث البيانات الهامة للطرفين في الوقت الفعلي، وإلغاء الحاجة إلى المطابقة الشاقة والمعرضة للأخطاء مع السجلات الداخلية لكل منها، وهي توفر لكل عضو من أعضاء الشبكة وضوحاً أكبر بكثير وأفضل من حيث التوقيت لإجمالي الأنشطة.

باختصار، هذا نظام عالمي مخصص لوساطة الثقة والشفافية الانتقائية يزعم أنصاره أنه سيرتقي بقدرات الإنترنت التمكينية إلى المستوى التالي. على الرغم من إنفاق قدر كبير من المال على التطبيقات المالية للتكنولوجيا، تكمن حالة تجريبية واعدة بالقدر ذاته في علاقات سلسلة التوريد العالمية، التي تطرح التعقيدات وتنوع المصالح التي تتسم به بالضبط أنواع التحديات التي تسعى هذه التكنولوجيا للتصدي لها. يمكن لهذه التقنية أن تكشف حتى ذلك الحين المعلومات المخفية، وتتيح للمستخدمين إرفاق العملات الرقمية الرمزية – وهي أحد أنواع الأصول الرقمية الفريدة والقابلة للتفاوض على غرار بيتكوين – بالسلع الوسيطة أثناء انتقالها عبر مراحل سلسلة التوريد المتمثلة في الإنتاج والشحن والتوصيل، وبوصفها حق ملكية خاص بهم، يمر بين عدة أطراف معنية. قد يمنح هذا الأمر الشركات مرونة أكبر بكثير لإيجاد الأسواق ومخاطر الأسعار من خلال استخلاص القيمة التي استثمروها في العملية خلال أي مرحلة على امتداد السلسلة. ينتهي بنا الأمر عند سلاسل الطلب الديناميكية بدلاً من سلاسل التوريد الجامدة، ما يُسفر عن كفاءة استخدام الموارد للجميع.

اقرأ أيضاً: البلوك تشين.. تطبيقات ستتجاوز حدود عالم المال

بدأت عدة مساع بالفعل في هذا الشأن، إذ تُخبر شركة بروفينانس (Provenance)، الشركة الناشئة التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، العملاء المحتملين بأنه يمكنهم استخدام تقنيتها القائمة على البلوك تشين من أجل "مشاركة رحلة منتجاتهم وتأثير أعمالهم على البيئة والمجتمع". تعمل وول مارت (Walmart) مع آي بي إم وجامعة تشينغوا (Tsinghua University) في بكين على متابعة حركة اللحم الحلال في الصين بواسطة البلوك تشين، كما تستخدم شركة التعدين العملاقة بي إتش بيه بيليتون (BHP Billiton) التكنولوجيا لمتابعة تحليل المعادن الذي يضطلع به متعهدون خارجيون. حمّلت الشركة الناشئة إيفر ليدجر (Everledger ) بيانات تعريف فريدة حول مليون ألماسة فردية إلى نظام حسابات يعمل بتقنية البلوك تشين من أجل تعزيز ضمان الجودة ومساعدة تجار المجوهرات على الامتثال للأنظمة التي تمنع منتجات "الماس الدموي".

يجب أن تُعزز أوجه التقدم المحرزة في تكنولوجيا الشرائح وأجهزة الاستشعار، التي يمكنها تحويل البيانات من النقل المؤتمت للسلع المادية، نظم البلوك تشين الناشئة بدرجة كبيرة. قد تكون فاعلة لاسيما عند اقترانها بـ "العقود الذكية"، التي يمكن بواسطتها تنفيذ الحقوق والالتزامات التعاقدية تلقائياً، بما في ذلك الأحكام المتعلقة بدفع قيمة البضائع والخدمات وتسليمها، بواسطة نظام مستقل يحظى بثقة جميع الأطراف الموقعة.

لكن، لا تتعلق مزايا إمكانية التعقب والتشغيل الآلي المحتملة التي تتمتع بها هذه التكنولوجيا بالأشياء فحسب؛ إذ يمكنها أيضاً إبقاء البشر تحت المراقبة. يمكن منح الموظفين والمشرفين من مختلف الجهات البائعة أذونات تشفير مميزة، والتي ستظهر كأدوات محددة للهوية مميزة وقابلة للتعقب عند وضعها في بيئة سلسلة الكتل – يُفضل أن تكون مشفرة لحماية البيانات الشخصية الخاصة بالموظف. سيتيح ذلك لجميع أعضاء مجتمع سلسلة التوريد مراقبة نشاط الموظفين المعتمدين لبعضهم البعض. تستطيع شركة تشيبتول مثلاً أن تُلاحظ في الوقت الفعلي ما إذا كان شخص معتمد بشكل صحيح في منشأة مملوكة من قبل أحد موردي اللحوم إليها يُنفّذ إجراءات تعقيم وتطهير ملائمة.

سيكون لهذا النوع من الاعتماد الشفاف والقابل للإثبات أهمية خاصة بالنسبة لصناعة المواد المضافة، التي تعد أساسية بالنسبة لنموذج الإنتاج الديناميكي حسب الطلب لما يدعى حركة الصناعية الرابعة. أطلق فريق من شركة موغ (Moog Inc)، المصنعة للأجزاء الدقيقة، خدمة يدعوها فيري بارت (Veripart)، تسعى إلى مواجهة أحد الصعوبات التي وصفها لنا جيمس ريجينور، مدير وحدة التصنيع والابتكار المضاف الخاصة بها، على النحو التالي: "كيف يمكن لطاقم الصيانة على طائرة أميركية أن يثق بشكل مطلق بأن الملف البرمجي الذي حمّله من أجل الطباعة ثلاثية الأبعاد لجزء جديد من طائرة مقاتلة لم يُخترق من قبل عدو خارجي؟". يُؤكد هذا أحد الحجج المقنعة المؤيدة لتقنية سلسلة الكتل، إذ من المحتمل أن يكون الاقتصاد المدفوع بإنترنت الأشياء، الذي يتّسم بالتطور واللامركزية والذي يخطط له الكثيرون، مستحيلاً دون حلها لمشكلة الثقة.

التحسينات المحتملة

تشير هذه التحسينات المحتملة في الكفاءة، والمتاحة الآن بفضل معلومات غير متوافرة، إلى قدرة تقنية سلسلة الكتل على تحقيق وفورات ضخمة للشركات في كل مكان. لكن ثمة عقبات هائلة يتعين تجاوزها أولاً.

تتمثل إحدى التحديات في تنمية التكنولوجيا وإدارتها. في أفضل الأحوال، سيتاح لسلاسل التوريد العالمية الخيار لترسيخ سلسلة كتل عامة غير خاضعة لسيطرة أي جهة وذلك لتشجيع حرية الوصول والمنافسة والابتكار المفتوح. بمعنى آخر، ستُسجل البيانات المستخلصة من الأنشطة الإنتاجية والتجارية بعد تشفيرها في سجلات مفتوحة. إلا أنه من المحتم أن تظهر أيضاً الحسابات الخاصة والمغلقة المدارة من قبل اتحاد شركات، نظراً لسعي أعضائها لحماية الحصص السوقية والأرباح. يفرض هذان الأمران الحتميان على حد سواء تحديات. أولاً، تعوق الانقسامات في مجتمعاتها مفتوحة المصدر إدراك قدرات الاقتصاد العالمي لأهم تقنيات البلوك تشين العامة وخدمة العملة الرقمية بيتكوين ومنصة العقود الذكية إيثيريوم (Ethereum)، ما يُصعب الموافقة على تحديثات البروتوكلات. ثانياً، يجب أن تتوفر قابلية التشغيل المشترك عبر تقنيات البلوك تشين العامة والخاصة، التي ستتطلب معاييراً واتفاقيات.

اقرأ أيضاً: البلوك تشين تؤثر في المنظومة المالية كما أثرت الإنترنت في وسائل الإعلام

تتمثل العقبة الكبيرة الأخرى في القانون، إذ تُطبّق على حقوق ملكية وحيازة طرق الشحن ونظمها القضائية المتعددة مجموعة معقدة من الأنظمة والقوانين البحرية والتجارية. سيكون من الصعب جمع مجموعة القوانين البالية تلك والمؤسسات البشرية التي تتولى إدارتها مع طبيعة البلوك تشين والعقود الرقمية المحددة رقمياً والمجردة والمؤتمتة والمخصخصة.  

يجب أن يتفق القطاع على أفضل ممارسات ومعايير التكنولوجيا وشكل العقود عبر الحدود الدولية والنظم القضائية قبل إقناع الحكومات بدعم هذه الجهود ، من أجل القيام بذلك بطريقة منسقة على الصعيد العالمي. في هونغ كونغ، يسعى اتحاد البلوك تشين لمبادرة الحزام والطريق (Belt and Road) المشكل حديثاً، إلى إحلال النظام في هذه العملية من خلال اتباع مناهج لإدارة الإنترنت ابتدعتها واختبرتها شركة الإنترنت للأرقام والأسماء الممنوحة (ICANN )، وهي المؤسسة التي تدير مجال الإنترنت. باعتبارها هيئة دولية يقودها القطاع الخاص، سبق أن أثبتت شركة الإنترنت للأرقام والأسماء الممنوحة أنها هيئة تحكيم وإدارة عالمية فاعلة.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد تقنية البلوك تشين المسوقين على بناء علاقات أفضل مع عملائهم؟

ينبغي موازنة هذه التحديات مع متطلبات الاقتصاد العالمي حول موضوع تقنية البلوك تشين في الاستيراد الفعلي الذي لم يتعافى بشكل جيد من الأزمة المالية في عام 2008، والتي تُأجج قوى التفكك الانعزالية في الولايات المتحدة وأوروبا. يُعتبر أي نظام يَعِد بمجابهة تلك التوجهات من خلال إلغاء الخلافات التجارية التي تمنع التجارة مع تعزيز الشفافية والرقابة أيضاً للشركات وزبائنها جديراً بالاكتشاف أساساً. لهذا السبب بدأ عدد متزايد من المستثمرين والشركات والأكاديميين والحكومات حتى يعتبر تقنية البلوك تشين بمثابة منصة تجديد اقتصادي تشتد الحاجة إليها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي