قبل سنوات، كنت أعمل على تنسيق اجتماعات لجنة التعاقب الوظيفي التابعة لمجلس الإدارة والمكلفة باختيار الرئيس التنفيذي التالي للشركة، وضيّقنا قائمة المرشحين في النهاية إلى اثنين فقط لكل منهما مواطن قوة وعيوب فريدة. خلال مناقشاتنا، أبدت رئيسة اللجنة ملاحظة مثيرة للاهتمام حولهما قائلة: “أحدهما طموح جداً والآخر ليس طموحاً بما فيه الكفاية”. فسألتها عن مخاوفها لفهمها فهماً أفضل، فأوضحت أنها نظرت إلى مجموعة من السمات لكل مرشح تغطي درجة الاهتمام بالمنفعة الشخصية والرغبة بالإنجاز والوعي الذاتي والاهتمام بالآخرين. باختصار، ركّز المرشح الذي وصفَته بأنه “طموح جداً” بشدة على أهمية النمو المالي للشركة، بينما تحدث المرشح الذي وصفَته بأنه “غير طموح بما فيه الكفاية” كثيراً عن اهتماماته العائلية والشخصية.

كانت هناك مشكلتان في تقييم رئيسة اللجنة للمرشحين: أولاً، ينبغي ألا نقيّم القادة على أساس التعريفات الضيقة للطموح، إذ لا يمكن تحديد دوافع القائد وقيّمه ودورها في تحفيزه لتحقيق الإنجاز من خلال عبارات فردية منعزلة. فقد فسرت عضو اللجنة على نحو خاطئ تركيز أحد المرشحين على النمو المالي على أنه جشع، بينما نظرت إلى تركيز الآخر على مصالح خارجية على أنها افتقار إلى الدافع.

ثانياً، يسلط الانطباع الذي تركه المرشحان الضوء على عدم فعالية البعض في رعاية طموحهم والتعبير عنه. تكمن المشكلة في أن الكثير من القادة يغفلون عن أهمية الطموح بصفته مورداً حيوياً يمكنهم الاستفادة منه لتحقيق نتائج إيجابية، فهم إما يفرطون في الانغماس في طموحهم إلى حد بعيد، وإما يبذلون جهداً كبيراً لإخفائه خشية أن يُنظر إليهم على أنهم يخدمون مصالحهم الذاتية. من الضروري أن ندرك أن كل قرار يُتخذ في هذا الصدد يحمل مجموعة من النتائج.

يضر الطموح المفرط بالسمعة وبالعلاقات ويمكن أن يؤدي إلى فشل ذريع، وبالمقابل، يعطي الطموح الضعيف انطباعاً بأن الشخص المعني كسول ويفتقر إلى الدافع، علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي إلى أداء دون المستوى المطلوب وفقدان الاهتمام والإحساس باليأس نتيجة الشعور بالعجز وعدم الجدوى.

ليس من السهل في الواقع تعزيز مستوى صحي من الطموح، وقد يبدو أمراً ثانوياً في بيئة يسودها عدم اليقين. ولكن الطموح المتوازن يسهم في تعزيز الإبداع والابتكار وتحسين مستوى الأداء والشعور بالرضا والسعادة أكثر في العمل بغض النظر عن طبيعة العمل. توفر لنا فترة التوقف القصيرة عن العمل في أغلب محطات حياتنا فرصة ممتازة للتفكير في تطلعاتنا المهنية.

بعد دراسة حالات آلاف من القادة الصاعدين وتدريبهم، طورتُ إطار عمل لمساعدة الموظفين في فهم كيفية تنمية الطموح وتوضيحه للآخرين بطريقة بنّاءة ومنتجة ومتوازنة، ما ساعد العديد منهم على تحقيق تطلعات أكبر لأنفسهم ولمؤسساتهم.

يضع إطار العمل الطموح ضمن هيكل ثلاثي الأبعاد مكون من الأداء والنمو والإنجاز، ويتطلب تحقيق مستوى صحي من الطموح تنمية الأبعاد الثلاثة ورعايتها على قدم المساواة، مع إدراك التناقضات الطبيعية بينها والتناقض بين رغباتك ورغبات من تقودهم أيضاً.

تحتاج إلى الموازنة بين 3 أبعاد: الأداء والنمو والإنجاز.

طموح الأداء: تحقيق نتائج أكبر لنفسك ولمؤسستك

ينشأ الطموح من فهم تطلعاتك لنفسك ولفريقك، وغالباً ما تتجلى هذه التطلعات على صورة أهداف تحدد النتائج التي تريدها. المفتاح لتسخير الطموح بصورة سليمة هو معرفة مدى واقعية أي طموح تسعى لتحقيقه. في هذا الصدد، يساعد تحديد الأهداف التي تتطلب المستوى المناسب من الصعوبة وعدم الراحة في ضمان دفع نفسك وفريقك لتجاوز قدراتكم الحالية؛ إذا كان الهدف ينطوي على تحدٍّ كبير جداً، فستكون عرضة للاستسلام أو الإحباط عندما تفشل في تحقيقه، بينما إذا كان الهدف سهلاً ولا ينطوي على تحدٍّ حقيقي، فستكون عرضة لفقدان الاهتمام وعدم استخدام قدراتك على النحو الأمثل.

يمكن أن تكون تطلعاتك وعدم رضاك بوصلة تساعدك في تحديد درجة صعوبة الهدف الذي تطمح إلى تحقيقه. توقف لحظة واسأل نفسك “ما جوانب الوضع الراهن التي أتمنى لو كانت مختلفة؟” و”ما أكثر ما يحبطني في الظروف الحالية؟” على سبيل المثال، ربما تكون غير راضٍ عن عدم قدرة فريقك على التغلب على خصم منافس، ولكنك تعلم في قرارة نفسك أنه يمكنك التفوق عليه إلى حد بعيد إذا وصلت الخدمات التي تقدمها الشركة إلى المستوى المناسب، أو قد لا تكون راضياً عن أخلاقيات عمل فريقك، لكنك تعلم أن بمقدورهم تحقيق أهدافهم إذا غيروا سلوكهم. في الحالتين كلتيهما، يمكن أن تساعدك تطلعاتك وعدم رضاك في تحديد أهداف أعلى لنفسك ولفريقك. يغذي عدم الرضا قناعاتنا بأن الوضع الراهن يمكن أن يتحسن ويجب تحقيق ذلك، بينما تولِّد تطلعاتنا الدافع للسعي إلى تحقيق هذا التحسن.

على سبيل المثال، تولى أحد عملائي إدارة قسم سيئ السمعة يُعرف بتقديم أعمال دون المستوى المطلوب وكانت توقعات المؤسسة له منخفضة جداً، وكان يدرك مدى أهمية عمل القسم للمؤسسة والأثر الذي سيحدثه إذا تحسّن أداؤه. وفي حين كان متحمساً للمضي قُدماً وقيادة التغيير، كان فريقه يفضّل تجنب المخاطرة والتمسك بالوضع الراهن المريح الذي يوفره انخفاض التوقعات المطلوبة منه، فكان عليه أن يوازن بين طموحاته ونهج الفريق الحذر لتحسين الأداء. أدى التماهي بين عدم رضا عميلي عن أداء فريقه مع شغفه لمساعدتهم على التحسن في نهاية المطاف إلى تعزيز طموحه لتغيير واقع القسم واستعادة مكانته وأهميته السابقة.

طموح النمو: الوصول إلى مستويات جديدة من الإتقان على المستويين المهني والشخصي

في حين أن طموح الأداء أمر حيوي لإحراز التقدم، يفترض العديد من القادة أنه البعد الوحيد أو الرئيسي للطموح، ولكن يجب ألا يقتصر تركيز طموحك على تحقيق النتائج المرجوة وكسب المكافآت الناتجة عن ذلك، بل يتعين عليك موازنة طموح الأداء مع طموح النمو، أو الدافع لوضع خطة لكيفية تحقيق تلك النتائج في الواقع. يكشف التباين بين ما أنت عليه اليوم والواقع الذي تطمح إلى تحقيقه عن فجوات في التعلم يجب سدها لتحقيق تطلعاتك.

اكتشفت خلال عملي أن معظم القادة تقريباً يحتاجون إلى تطوير مهاراتهم الفنية والذاتية، وتبرز هذه الحاجة أكثر مع تطلع القادة إلى تحقيق أهداف أكبر. يتعلق الإتقان الفني بالمعرفة والمهارات المحددة المطلوبة لهدف الأداء الذي حددته، وقد ينطوي ذلك مثلاً على تعزيز بصيرتك المالية أو تعميق فهمك لسوق جديدة تدخلها. أما على المستوى الشخصي، فقد يتطلب تحقيق طموحاتك مستويات أكبر من التعاطف لبناء علاقات جديدة أو التحلي بالصبر للتعامل مع فترات عدم اليقين الطويلة. سيساعدك التحلي بالتواضع الفكري لتقبّل هذه الفجوات المعرفية في تخفيف حدِّة سعيك لتحقيق النتائج، وسيخفف من حدة الانتقادات التي لا بد أن يتلقاها القادة الطموحون، لأنك إذا أقررت بأوجه القصور فلن تشعر بالسوء حيال الانتقادات ولن تأخذها على محمل شخصي.

عندما أعمل مع المسؤولين التنفيذيين الذين يضعون أهدافاً صعبة المنال للأداء، أطلب منهم تدوين أهدافهم التنموية الشخصية إلى جانب أهداف أدائهم لأضمن ترابطها الوثيق، وهكذا عندما يرى القائد أن تحقيق الهدف يرتبط مباشرة باحتياجات تعلُّمه، يساعده ذلك على تنمية الشعور بالثقة في أثناء تقدمه في المجالين كليهما.

طموح الإنجاز: جني الفوائد والمكافآت لنفسك وللآخرين

بالطبع، تمثل المكافآت التي سيجنيها القائد جزءاً من دافعه للنجاح، وتشمل هذه المكافآت على سبيل المثال لا الحصر الشعور بإحساس أعمق بالهدف والإسهام بمشاركاته أو الحصول على علاوة أو ترقية أو تقدير لخبرته. يجب إدراك أن هذا الجانب من الطموح هو ما قد ينحرف في كثير من الأحيان. عندما يتراجع عنصرا الأداء والنمو في الطموح لصالح عنصر الإنجاز، تبدأ بترك انطباع بأنك مدفوع بالجشع والتركيز على الذات.

علاوة على ذلك، عندما يتحول تفانيك من النتيجة إلى المكافأة، قد تصبح توقعاتك غير منطقية، ما يجعل الآخرين يشعرون وكأنك تستغلهم وبالتالي يفقدون ثقتهم بك. قد تميل في حالات أخرى إلى إخفاء طموحات الإنجاز لتجنب الظهور بهذا المظهر، وذلك ضار أيضاً. من الطبيعي أن يرغب القائد في الشعور بمعنى أعمق لعمله أو الحصول على المكافآت المادية أو نيل التقدير، ولكن عندما تزيد هذه الرغبات عن حدها، لن يؤدي الحصول على تلك المكافآت إلا إلى زيادة الرغبة بها وليس إشباع هذه الرغبة، ما يؤدي إلى سلسلة من العواقب السلبية خلال سعيك الدؤوب وراء المزيد. يأتي هذا النهج في كثير من الأحيان بنتائج عكسية حتى قبل تحقيق الهدف المنشود. من ناحية أخرى، إذا أهملت تنمية الشعور بالإنجاز كلياً، فستخاطر بالانزلاق إلى حالة من القناعة بالقليل وجرِّ فريقك معك في هذا المزلق.

من الضروري إدراك حقيقة أن لكل عضو في الفريق أيضاً تطلعاته الخاصة من أجل الحفاظ على دافع متوازن للحصول على المكافآت، وبصفتك القائد، يجب أن تحرص على ألا يكون إنجاز أي فرد في الفريق، وخصوصاً إنجازك، على حساب الآخرين أيضاً. في الواقع، يخشى العديد من القادة مناقشة طموحاتهم بشفافية لأنهم يفترضون أن ذلك سيقود إلى استياء أعضاء الفريق الآخرين وإثارة غيرتهم منه، ولكن إذا شجعت الجميع على التحلي بالشفافية ومشاركة ما يأملون في كسبه وسبب ذلك، يمكنك تطوير التزام مشترك لتحقيق المكافآت التي يريدها الجميع، بما فيها التي تطمح إلى نيلها.

تكمن قوة العناصر الثلاثة لإطار العمل؛ الأداء والنمو والإنجاز، في الضوابط والتوازنات المتأصلة التي تخلقها عند تفاعلها فيما بينها. من ناحية، يوفر التركيز على الأداء الدافع للتوجه إلى مجالات النمو مع ضمان عدم تأثر التزامك بالإغراءات التي ينطوي عليها طموح الإنجاز. ومن ناحية أخرى، يحافظ التركيز على النمو على تواضعك الفكري ويذكّرك بأن النتائج ليست مضمونة دون التعلم المستمر، وألا تفترض أنك تستحق إنجازاتك دون العمل الجاد لكسبها. بالإضافة إلى ذلك، يغذّي التركيز على الإنجاز الحافز لديك ولدى فريقك في الأوقات التي يبدو فيها تحقيق النتائج التي تسعى إليها أو سد فجوات التعلم مهمة صعبة.

الطموح جانب طبيعي وصحي للقائد. تمثل هذه الأبعاد دافعك المتأصل لتقديم أداء أفضل والنمو والتحسن وجني ثمار عملك الجاد، وتعكس جميعها هويتك الفريدة وتسهم بتشكيلها، ويمكن أن تكون هذه الرغبات مفيدة إذا فهمتها بعمق واستفدت منها. سواء كنت تفكر في مسارك المهني المستقبلي أو تحديد هدفك في الحياة أو تعزيز مهاراتك القيادية لتزيد فرصك، يمكن أن تكون طموحاتك بوصلة ترشدك إلى الطريق الصحيح لتكون ذلك القائد الذي كنت تطمح أن تكون عليه.