ملخص: يستقيل الموظفون من وظائفهم طوال الوقت، إما لأجل وظيفة براتب أفضل وإما لأجل فرصة مثيرة للحماس أكثر، وإما هرباً من ثقافة مضرّة وإما لأنهم وصلوا إلى طريق مسدود في وظائفهم الحالية. يشعر البعض بضرورة الاستقالة لأنهم يشعرون أن المدراء أو قادة المؤسسات لا يقدّرونهم، أو لأن مدراءهم لا يبذلون الوقت الكافي لفهم مستوى رضاهم الوظيفي. ولكل حالة من هذه الحالات تبعاتها. يمكن أن تتراوح تكلفة استبدال الموظف بين نصف راتبه السنوي وضعفيه. ولكن الأمر لا ينحصر بالخسارة المالية، بل يتعداها إلى خسارة الموظفين الأكفاء وإحباط معنويات الفريق وربما خسارة علاقات العملاء مع رحيل الموظفين المسؤولين عنها. صحيح أنه ليس بإمكانك ضمان بقاء الجميع، إلا أنه بإمكانك تحسين معدلات استنزاف الموظفين عن طريق استثمار الوقت الآن من أجل الحفاظ على أفراد فريقك، وذلك بالسعي إلى العمل على سعادة الموظف في العمل وفهم المشكلات الأساسية بصورة واقعية. يقدم المؤلف مقترحات حول إجراء "محادثات البقاء" مع موظفيك.
يتمثل أحد الأخطاء التي يرتكبها القادة عادة في افتراض أن عدم صدور أي شكوى من أعضاء الفريق يعني أنهم سعداء.
خذ مثلاً عميلتي رنا (ليس اسمها الحقيقي)، وهي تعمل ضمن فريق قيادي رفيع المستوى في مؤسسة دولية كبيرة، كانت تتمتع بمستوى عالٍ من الاندماج في عملها على كل المقاييس، وكانت على مدى الأعوام الماضية تقترح أفكاراً جديدة في الاجتماعات وتكمل المشاريع في مواعيدها المحددة وكانت ترد على الرسائل في أي وقت من اليوم. ولكنها كانت تتقدم لوظائف أخرى في نفس الوقت. حالها مشابه لحال كثير من الموظفين، فقد دفعتها الجائحة إلى إعادة تقييم أولوياتها. وفي عملها عن بُعد على مدى عامين، لم يتمكن مديرها المشغول على الرغم من نواياه الحسنة من تخصيص الوقت لتفقد أحوالها خارج نطاق العمل ولم يتحدث إليها عن تطويرها المهني وتجاهل طلبها للمساعدة. وبالنتيجة، تفاقم شعورها بالإحباط واستقالت من وظيفتها، وخسرت المؤسسة بذلك معرفتها المؤسسية وعلاقاتها مع العملاء ومساهماتها في ثقافة الفريق.
هل كان بالإمكان تفادي مغادرة رنا للشركة؟ ربما. وفقاً لأبحاث أجرتها مؤسسة "غالوب"، قال 52% من الموظفين المستقيلين طوعاً إنه كان بإمكان مدرائهم أو مؤسساتهم اتخاذ خطوات تحول دون استقالتهم من وظائفهم. صحيح أنه ليس بإمكانك ضمان بقاء الجميع، إنما يمكنك تحسين معدلات استنزاف الموظفين إذا خصصت الوقت اللازم لتفقد أحوال موظفيك.
يعرّف معظم الموظفين مفهوم "مقابلة ترك الخدمة" بأنه مقابلة شخصية يجريها مسؤول الموارد البشرية مع الموظف الذي قدم إشعاراً بالاستقالة من أجل معرفة أسباب رغبته في المغادرة، أما "محادثة ضمان البقاء" فهي مقابلة شخصية يتفقد القائد فيها أحوال الموظف لضمان أن تكون تجربته في العمل جيدة وتولّد لديه الرغبة في البقاء. أوصي بإجراء هذا النوع من المحادثات بصورة ربع سنوية وإعدادها لتدور حول المعالم الرئيسية (مثل الذكرى السنوية لبدء العمل). تبين الأبحاث ضرورة عدم إغفال "محفزات الخطورة المهنية" هذه. تتحقق الخطورة الأكبر عندما يشهد الموظف تغيير مديره أو مسؤولياته، إذ يزداد نشاطه في البحث عن وظائف جديدة بنسبة 17%.
إليك طريقة الإعداد لهذه المحادثات وما يجب عليك قوله عندما تلتقي بموظفك.
حدد السياق
أعلِم الموظف أن المحادثة لا تتعلق بالأداء أو المشاريع، بل تهدف إلى تفقد أحواله وفهم ما يمر به ومعرفة ما يمكنك فعله لدعمه. يمكن أن تقول شيئاً مثل:
أرغب في إعلامك أننا نقدّر وجودك ضمن فريقنا، ومع بدء العام (أو الربع السنوي) الجديد أرغب في تخصيص بعض الوقت لتفقد أحوالك وضمان أن تكون تجربتك في العمل جيدة. لن نتّبع جدول عمل محدداً في هذا اللقاء، لكن أود أن تفكر فيما يلي قبل اجتماعنا (اختر 3-4 أسئلة من القائمة أدناه):
- ما شعورك تجاه العمل عموماً؟
- أي جزء من وظيفتك يحقق لك أكبر متعة؟
- أي جزء من وظيفتك لا يحقق لك المتعة؟
- ما رأيك في قدرتك على موازنة العمل والحياة في المنزل؟
- ما أصعب تحدّ واجهته في هذا العام (أو الربع السنوي) وهل يمكنني فعل أي شيء لتقديم دعم أفضل؟
- ما الذي يمكنني فعله على نحو مختلف لدعمك ودعم الفريق؟
- هل تود الحصول على رأيي في أمر ما؟
- هل تشعر أنك تتعلم وتنمو في العمل هنا؟ إن لم يكن الحال كذلك، فهل يمكنني فعل شيء لتحسين تجربتك؟
انتقل إلى المحادثة ذهنياً
توقِع حالتنا المزاجية عند الدخول إلى المحادثة تأثيراً كبيراً في قدرتنا على الاستماع والتواصل. إن كنت ستجري هذه المحادثة في فترة تجاهد فيها لإنهاء مشروع ما أو إن دخلت إليها على عجل فور انتهاء اجتماع آخر، فعلى الأرجح أنك لن تكون حاضراً ذهنياً فيها ولن تتمكن من التعاطف مع مرؤوسك. عند تحديد موعد المحادثة احرص على ترك فاصل زمني قبل الدخول إليها، في جلساتي الاستشارية مع القادة أنصحهم بأن يأخذوا بضع دقائق للتفكير في الأسئلة التالية التي تساعدهم على الحضور ذهنياً مع من يلتقون به وسبب هذا اللقاء:
- من هو الشخص الذي أتحدث إليه وما الذي يضطر إلى فعله من أجل أداء عمله كل يوم؟
- ما هو الأثر الذي ستوقعه مغادرة هذا الشخص غداً عليّ شخصياً وعلى الفريق؟
ابدأ الاجتماع على النحو الصحيح
سواء كنت تلتقي بالموظف شخصياً أو عبر الهاتف أو الفيديو، فاحرص على إبعاد كل ما يشتت انتباهك: أوقف جميع التنبيهات، وأبعد جهازَي الكمبيوتر والهاتف عنك، وأوقف برامج البريد الإلكتروني والدردشة كلها، فلا شيء يعطل مشاركة الأفكار بسرعة مثل إبعاد الشخص المستمع نظره عن المتحدث أو استجابته لشيء آخر.
ثم وضح سياق اجتماعكما في البداية؛ ذكّر الموظف أنك حاضر كي تستمع له وتفهم تجربته وتحدد ما يمكنك فعله لتحسينها. ابدأ بطرح أحد الأسئلة التي ذكرتها في رسالتك الإلكترونية التي أرسلتها له مسبقاً، وأنصح بأن تبدأ بسؤال عام أكثر ليحفز بدء الحوار، ثم انتقل إلى سؤال أعمق.
تحقق، ثم استمع بإمعان
عندما أعمل على تدريب القادة على إجراء "محادثات ضمان البقاء"، يذكرون عادة أمراً يثير قلقهم: "ماذا إن ذكر الموظف مشكلة لا أستطيع حلها، أو طلب زيادة في الراتب أو ترقية لا يمكنني منحها له؟" يكون جوابي دائماً: "أليس من الأفضل أن تفهم ما يجري بدلاً من تجاهله؟". وفي غالبية الحالات، يكون استماعك الصادق لمخاوف شخص آخر علاجاً لها، أو على الأقل فهو يساعدكما على تحديد المسار الذي سيسير فيه.
وفقاً لخبرتي، يدخل القائد المتوتر إلى المحادثة متوقعاً الأسوأ، في حين تسير الأمور على نحو جيد فعلياً.
عندما يتحدث موظفك عن تجربته استمع له بإمعان، ثم تحقق مما يجري عن طريق الاحتفال بما يجدي نفعاً والتفكير فيه:
"أنا أستمتع بالعمل من المنزل، وأشعر أن الفريق أصبح يعمل بفعالية أكبر بكثير".
- احتفل: "من الرائع أن أسمع ذلك منك، وأنا لدي الشعور ذاته".
- فكر: "ما الذي ترى أنه تسبب بهذا التغيير؟"
"لقد استمتعت حقاً بالعمل على طرح التطبيق الجديد!"
- احتفل: "يسعدني سماع ذلك. أحب الشغف الذي تعمل به".
- فكر: "ما هو أكثر ما استمتعت به في هذا العمل؟"
ابحث عن الالتزامات الخفية
إن بدأ الموظف بالتحدث عن إحباطه أو ما يبدو لك شكوى من عمله، كالعمل عن بُعد أو نقص خدمات رعاية الأطفال أو ما شابه، تذكر أن كل شكوى تنطوي على التزام. حاول أن تتجنب الامتثال لرغبتك في اقتراح الحلول، وبدلاً من ذلك استمع لما يقوله عن التزامه وأعد صياغته واسأله عما يمكنك فعله لمعالجته معه:
"أشعر كل يوم أني غارق في دوامة اجتماعات لا نهاية لها، وأسهر حتى منتصف الليل كي أتمكن من إنجاز عملي الفعلي".
- أعد الصياغة: أفهم التزامك بأداء عمل ممتاز ومن المحبط أن تشعر أنك لا تملك الوقت الكافي في أثناء النهار لإنجازه".
- فكر: "ما الذي تشعر أنه سيحقق أمراً ذا قيمة بالنسبة لك؟"
"أشعر أني أقوم بذات العمل كل يوم وأنا لا أحرز أي تقدم مهني".
- أعد الصياغة: "أفهم أنك ملتزم جداً بالنمو، وتشعر الآن أنك لا تحقق شيئاً منه إطلاقاً".
- فكر: "ما الذي تشعر أنه سيحقق أمراً ذا قيمة بالنسبة لك؟"
اتفق على الخطوات التالية
في الدقائق العشرة الأخيرة من محادثتكما، حول مسار الحوار نحو الخطوات التي ستأخذونها تالياً. إن بقيت بضعة أمور لم تتسنّ لكما مناقشتها، فرتب موعداً لاجتماع آخر لمواصلة النقاش، وإن كان عليكما اتخاذ بعض خطوات للمتابعة، فاحرص على تدوينها كي يعرف الموظف أنك استمعت له حقاً:
"شكراً لصراحتك في اجتماعنا اليوم، أقدّر لك مشاركة كل هذه المعلومات. وكما وعدتك، سوف أقوم بالخطوات التي اتفقنا عليها (اذكر خطوات المتابعة)، وسأرسل لك دعوة لإجراء محادثة أخرى في غضون شهرين. وإن طرأ أي أمر قبل ذلك فأرجو أن تعرف أننا سنخصص الوقت اللازم لتفقد أحوالك دوماً".
على الرغم من أن ذلك قد يبدو لك "عملاً إضافياً" قد لا تملك الوقت له، ففي الواقع أنت لا تملك الوقت لعدم إجراء محادثات ضمان البقاء. تذكر أنها أبسط إجراء يعود بأعظم أثر.