إن الثقة والانفتاح عنصران حاسمان في الثقافة المؤسسية الأخلاقية. لا يمكن مناقشة الهفوات الأخلاقية ومعالجتها إلا عندما يكون الموظفون قادرين على الإفصاح عن المشكلات التي يرونها. وتنطوي الخطوة الأولى في بناء هذا النوع من الثقافة على نهج توظيفي تسعى فيه الشركات بنشاط لإيجاد أفراد يميلون إلى المصارحة عندما تطفو التحديات الأخلاقية على السطح. هناك بعض الميول النفسية الفردية و العديد من صفات السلوك الأخلاقي في العمل التي تستحق -وفقاً للنتائج المستخلصة من العلوم السلوكية- أقصى اهتمام من لجنة فحص المرشحين.
الميول النفسية التي تحدد صفات السلوك الأخلاقي في العمل
أولاً، أنت تبغي موظفين يقدرون على ملاحظة متى يحدث شيء يتنافى مع الأخلاق. هناك نوعان من الميول النفسية الوثيقة الصلة بهذا الصدد:
اقرأ أيضاً: بناء مسيرة مهنية أخلاقية
الضمير الحي:
الأشخاص الذين يظهرون هذه الخِصلة هم حريصون وذوو فكر متأمل وجديرون بالثقة، الأمر الذي يعني أنهم غالباً ما يكونون مواطنين يحبون الانضباط ويتصرفون بمسؤولية. وتبين الأبحاث أن يقظة الضمير في الواقع ترتبط إيجابياً بمستويات أعلى من التفكير الأخلاقي، مما يجعل السلوك الذي يبدر من الناس الذين تسمو عندهم هذه الصفة أدنى مرتبة من ناحية أنه معادٍ للمجتمع وغير أخلاقي، وحتى إجرامي.
اليقظة الأخلاقية :
تصف هذه الخِصلة مدى دراية الأفراد بمختلف المعضلات الأخلاقية المطروحة. فالشخص اليقظ أخلاقياً سيرى القضايا الأخلاقية من حيث لا يراها الآخرون. قد لا يبدو هذا الأمر واضحاً إلى حد ما، لكن مسألة أن يكون المرء على بينة من المعضلات الأخلاقية المطروحة شرط أساسي ليبدأ تناولها بالكلام.
اقرأ أيضاً: هل يجعلك القيام بالعمل نفسه مراراً وتكراراً أقل مراعاة للأخلاقيات؟
الأمور التي تؤثر على تحديد صفات السلوك الأخلاقي في العمل
لا يتطلب بناء ثقافة أخلاقية أن يكون الناس على دراية بالتحديات الأخلاقية وحسب، بل أن تتوافر لديهم النية أيضاً لأخذها على محمل الجد. هناك نوعان من التوجهات التي يمكن أن تؤثر في هذا المضمار على وجه الخصوص:
التوجه المتمحور حول الواجب:
عادة ما يكون الأفراد الذين لديهم شعور قوي بالواجب مخلصين ولديهم ميول تتوافق مع رسالة الشركة، ولديهم الحافز للتعامل مع كل ما يعتبرونه مشكلة. أظهرت الأبحاث أن التوجه المرتكز على الشعور القوي بالواجب يشجع الموظفين على التعبير عن مخاوفهم بسرعة أكبر.
التوجه المتمحور حول العملاء من أجل معرفة صفات السلوك الأخلاقي في العمل:
يميل الموظفون الذين لديهم حافز قوي لمنح الأولوية لاحتياجات العملاء إلى تبني المزيد من الأخلاق عند التعاطي مع مهامهم الوظيفية وإنجازها. وعادة ما يتحلى العاملون ذوو التوجه المتمحور حول العملاء بسمو الأخلاق؛ لأنهم يضعون احتياجات الآخرين في منزلة لا تقل عن منزلة احتياجاتهم الخاصة، ويقلِّصون نسبة تعارض المصالح في علاقاتهم مع الآخرين. ونتيجة لذلك، من المرجح أن يلاحظوا التحديات التي تنتهك القواعد والتوقعات الأخلاقية ويكونون على استعداد لمواجهتها. وتبين الأبحاث أن تلك الصفات التي تتمحور حول خدمة العملاء تجعل وكلاء المبيعات ذوي التوجه المتمحور حول العملاء أقل عرضة للانخراط في سلوك غير أخلاقي، من نظرائهم ذوي التوجه المتمحور حول المبيعات.
وأخيراً، بالإضافة إلى ملاحظة الأمور المتعلقة بالأخلاق وامتلاك الحافز الكافي للتصدي لها، لا بد أن يكون للموظفين تصرف حيالها. ثمة نوعان من الشخصيات لها أهمية خاص في هذا الصدد:
شخصية شديدة الثقة بالنفس:
على الرغم من أن الأفراد الواثقين بأنفسهم قد يُعتبرون مزعجين في بعض الأحيان، فإن سمة الثقة بالنفس ضرورية في بناء الثقافات الأخلاقية. ذلك أن الضغط من أجل الإجماع مرتفع في أي مجموعة عمل. نتيجة لذلك، غالباً ما يكون الافتراض هو عدم مناقشة القرارات - لا سيما تلك القرارات التي لا يقل الشك فيها حول الأخلاق. يمكن للأفراد الواثقين من أنفسهم منع مثل هذا التفكير الجماعي من خلال مواجهة ضغوط التسوية حتى (أو خاصة) عندما ينطوي فعل ذلك على مخاطر.
الشخصية الاستباقية وعلاقتها:
الأفراد الذين يتصفون بالشخصية الاستباقية لا يشعرون بالقيود المفروضة عليهم من قبل قوى الظروف إلا قليلاً. وعندما يتعلق الأمر بقضايا أخلاقية، فإن هذا التوجه يساعدهم على أن يكونوا أكثر نشاطاً في الحفاظ على مسار أخلاقي. وقد أظهرت الأبحاث أن الموظفين الاستباقيين يشاركون بشكل أسرع في الإبلاغ عن المخالفات. وتوصلت أبحاث أخرى إلى أن هذا الأمر أكثر احتمالاً في المواقف التي تتعارض فيها الأحداث التي تحدث مع القيم الأخلاقية المنصوص عليها في الشركات. بعبارة أخرى، عندما تكون الشركات جادة في التأكيد على أهمية الثقافة الأخلاقية، سيكون هؤلاء الموظفون الاستباقيون مفيدون للغاية في التعبير عن أي إخفاقات أخلاقية أولية أو تهديدات لنزاهة الشركات.
اقرأ أيضاً: دراسة حالة: هل كان ذلك تصرفاً غير أخلاقي؟
يمكن أن يساعد فحص طالبي العمل استناداً إلى الصفات المذكورة الشركات على وضع نموذج لنوع الموظفين الذين تتطلع إليهم، والذين سوف يتبنون ثقافة أخلاقية ويشكلونها ويعززونها. لا يتصرف الأفراد، بالطبع، بمعزل عن الشركة – حتى مسألة ما إذا كانوا سيفصحون بشيء ما تتوقف في النهاية أيضاً على مدى الشرعية التي ستضفيها المؤسسة الكبرى على سلوكهم. لكن تعيين المزيد من الموظفين ذوي المنحى الأخلاقي هو سبيل واحد لبناء هذا النوع من المؤسسات التي تعطي فيها الأولوية للقيم التي يتم فيها التركيز على صفات السلوك الأخلاقي في العمل.
اقرأ أيضاً: تعرف على الأسباب النفسية للسلوك غير الأخلاقي