توفي ستيفن كوفي، مؤلف كتاب "العادات السبع للأشخاص الأكثر فعالية" (The Seven Habits of Highly Effective People)، وعرفاناً بأهمية هذا الإنسان وأثره الكبير نشرت قناة (CNN) وصحيفة "واشنطن بوست" خبر وفاته بالإضافة إلى العديد من الصحف في جميع أنحاء العالم. فما هو ملخص كتاب "العادات السبع" لستيفن كوفي الراحل؟
كان هناك نوعان متغايران تماماً من التعليقات على خبر وفاته، هناك من قال إنه: "محتال ومخادع أطلق موجة من الكلام الفارغ في عالم الشركات، وكان الأمر كله عبارة عن شعارات وملصقات وجمل منمقة".
وقال آخرون إنه: "وضح الكثير من الهراء من خلال جعل تطبيق بعض الأفكار المهمة أبسط". أي القولين أصح؟
قرأت كل كلمة نشرها ستيفن كوفي بتمعن شديد. وفكرت في كل ما قاله بعمق وحاولت تطبيقه. وبالتأكيد، حللت المبادئ والأفكار التي تبناها، والتي انتشرت في كل مكان في العالم تقريباً.
لقد كان كوفي أحد أشهر المؤلفين من مفكري الإدارة في العالم خلال آخر 30 عاماً، حيث بيعت أكثر من 20 مليون نسخة من كتبه. ونُشر كتاب "العادات السبع" وحده مترجماً إلى 38 لغة. وفي أوج شهرته ورد اسمه بين 25 اسماً ضمن قائمة "مجلة التايم" لأكثر الشخصيات الأميركية تأثيراً.
وعلى المستوى الشخصي، قضى ستيفن بعض الوقت في دعم جهودي الشخصية في الكتابة والتدريس. سواء كان في منزله أو عبر مكالمات هاتفية أو حتى عن طريق الملاحظات التشجيعية التي قدمها لي على الدوام. لقد استفدت من إرشاده لي شخصياً.
قال لي مرة عندما كنت في الواحد والعشرين من عمري وأتوق لتأليف أول كتاب لي: "غريغ، أنت ساذج، ولا تملك أي فكرة عن الحياة. أنت لا تعرف حتى ما الذي لا تعرفه". وتساءلت يومها ما إذا كان هو حقاً ذاك القائد المرتكز على المبادئ الذي سمعت عنه كثيراً. إلا أنه تابع الحديث بعدها وقال: "لكن الكثير من المفكرين والقادة كانوا سذّجاً مثلك. وكانت لديهم رسالة، وأنت أيضاً لديك رسالة. وهذا يكفي". ولاحقاً، أرسل ملاحظة متابعة تقول: "يوماً ما سترسل لي أروع مؤلفاتك الذي يتصف بالحيوية والبصيرة والحب والحكمة. بارك الله فيك لتحقق حلمك بتقديم النفع للناس. مع الحب، ستيفن".
ولكنني أيضاً رأيت الأفكار التي درّسها ستيفن تُستخدم كما رأينا في مسلسل "المكتب"، وذاك المدير المستبد الذي طبع كلمة "تعاضدوا" على ملصقات كبيرة وألصقها في كل حجرات المكتب (لقد حصل ذلك حقاً). أو شيء مشابه لإحدى قصص ديلبرت الكرتونية، وهذا أمر يثير الاستياء. في الواقع، يُعتبر النفاق الذي يستشعره المرء عندما يسمع مثل هذه الشعارات ويرى مثل هذه التصرفات مؤلماً للغاية.
لا يهدف هذا المقال إلى تلخيص أفكار ستيفن، وليس من الضروري الدفاع عنها. وأنا واثق من أنني أستطيع مواجهة المنتقدين والمتعصبين لمناقشة أي جانب من أفكاره ومؤلفاته. لكن ما تعلمته من ستيفن هو ألا أكون مثله. والمبدأ الذي يستهويني هو: "لا تتبع خطوات معلمك نفسها، بل اسع لما كان يسعى إليه".
كان ستيفن كوفي يسعى لإنهاء المسلّمات الفاسدة المزروعة ضمن المؤسسات في كل مكان. وكان يؤمن بإمكانية إنشاء مؤسسات مختلفة عن التي ورثناها. والمفارقة هنا، هي أن بعض أفكاره أصبحت اليوم شعارات ضمن نفس الأنظمة التي كان يسعى إلى تفكيكها، لكن ذلك لا يغيّر من أهمية نيته. كانت رسالته تنادي بإنشاء مدارس ومشافٍ وحكومات ومنشآت ترمي تفكير العصر الصناعي جانباً لتبتكر وتبني ما هو أفضل. ما زلنا في أولى خطواتنا لتحقيق ذلك ولكن على الأقل بدأنا العمل.
كان يؤمن بإمكانية تعليم الأطفال لأن يصبحوا قادة. لقد طُرح على ستيفن سؤال ضمن نشاط تفاعلي بخصوص هذه الفكرة، وكان السؤال: "ما الذي ترغب أن تشتهر به؟"، فأجاب: "كل طفل، قائد". لا يبدو هذا جواباً لهذا السؤال، لكنه كذلك بالفعل.
ربما يكون تعليم الأطفال أن يكونوا قادة آلية ناجحة لتغيير العالم. على سبيل المثال، أجريت مقابلة مؤخراً مع زوجين هما جيمس وشيلين غاريت، وهما في الأردن لتدريب المدرسين والطلاب على مهارات التفكير الانتقادي ومبادئ أخرى في القيادة، ويُعتبر عملهما ثورة صامتة نحن بأمس الحاجة إليها. وذكر توماس فريدمان، عملهما المذهل مؤخراً في مقالة نُشرت ضمن صحيفة "نيويورك تايمز" تحت عنوان "أولاً ميدان التحرير، ثم غرفة الصف". إنه عمل من النوع الذي يغيّر العالم بحق، كما أن إرثه يدوم طويلاً.
كان ستيفن يهدف إلى أن يكون منارة لا ناقداً. تقول ابنته الكبرى سنثيا هالر: عندما كان بيل كلينتون مرشحاً لرئاسة الولايات المتحدة في العام 1992، كان ستيفن في تجمّع للعديد من الأشخاص الذين يذمون كلينتون، لكنه رفض الاشتراك معهم. فسأله أحدهم عن رأيه وأجاب: لا أريد أن أنتقده لأنني لا أعرف ما إذا كنت سأحظى بفرصة للتأثير فيه. لا أريد أن أكون منافقاً إذا احتاج مساعدتي يوماً". وبعد ذلك بشهرين تلقى اتصالاً مفاجئاً من الرئيس كلينتون قال فيه: "لقد قرأت كتاب "العادات السبع" مرتين، وأود تطبيقه على عملي في الرئاسة". وبعد عدة أيام، سافر ستيفن إلى كامب ديفيد لطرح آراءه على الرئيس بيل كلينتون وزوجته هيلاري، وطلبا منه البقاء يوماً إضافياً. (اقرأ المزيد عن هذا الموضوع هنا).
أخبرني ستيفن أنه عندما كان يُلقي محاضرة في مؤتمر ما، كان يرتب اجتماعات مع قادة وطنيين في المكان الذي يكون فيه. لقد علّم مبادئه لخمسين رئيس دولة حول العالم. وهذا حلم جدير بأن يحتذى به.
قال ثيودور روزفيلت، في خطابه "المواطنة في الدولة الجمهورية" مقولته الشهيرة: "لا أهمية لمن ينتقد، ولا لمن يتكلم عن تعثّر الرجل القوي أو عن المكان الذي يمكن لمن يعمل أن يعمل فيه على نحو أفضل. وإنما يعود الفضل للرجل الذي في الميدان، ووجهه ملطخ بالتراب والعرق والدم. الذي يسعى بشجاعة. الذي يُخطئ ويخفق مراراً وتكراراً، لأنه لا يوجد جهد من دون خطأ وفشل. يعود الفضل إلى من يجاهد حقاً للقيام بالأفعال، الذي يعرف الحماسة الكبيرة والتفاني العظيم، والذي يفني نفسه لأجل قضية ذات قيمة، والذي يعرف في السراء أن النصر يكون للإنجازات العظيمة، ويعرف في الضراء أنه إذا أخفق، فإنه على الأقل أخفق وهو يسعى بشجاعة كبيرة. حتى لا يكون مكانه أبداً لأشخاص بليدين جبناء لا يعرفون طعم النصر ولا الهزيمة".
وفي نهاية الحديث عن الدروس التي تعلمتها من ستيفن كوفي مؤلف كتاب "العادات السبع"، هناك الكثير ممن يودون أن يكونوا مثل ستيفن كوفي. وهناك الكثير ممن لم تعجبهم طريقة تعبيره عن أفكاره ولا طريقة تطبيقها. لكن ستيفن كان رجلاً وجِد في الميدان ليحاول تعليم الناس وترك أثره فيهم. وفي هذا الأمر بالتحديد أطمح حقاً أن أكون مثله.
اقرأ أيضاً: