توضع القوانين القضائية لحماية المساهمين والموظفين والمستهلكين من المخاطر. وقد حصلت العديد من الحوادث المؤسسية الشهيرة والإخفاقات نتيجة عدم الالتزام بهذه القوانين. لنأخذ الحوادث التالية على سبيل المثال، حادثة انسكاب النفط في شركة "بي بي ديب ووتر هورايزون" (BP Deepwater Horizon)، وفضيحة الحسابات في شركة "ويلز فارغو" (Wells Fargo)، وحتى تفشي الأمراض المنقولة بالغذاء في شركة مطاعم "تشيبوتلى" (Chipotle). كان السبب وراء كل من هذه الحوادث هو انتهاك القانون بطريقة ما.
ركزت الغالبية العظمى لدراسات انتهاك القوانين التي قام بها علماء الأعمال التجارية على سؤال واحد: ما هي المؤسسات الأكثر عرضة لأن تنتهك القوانين؟ أظهرت دراسات سابقة أن انتهاك القوانين غالباً ما يحدث في المؤسسات ذات الأداء المالي الضعيف والثقافة المنحرفة والعمليات المؤسسية القاصرة. وهي بذلك تفسر انتهاكات القوانين التي حصلت بملاحظة خصائص المؤسسات الفاسدة.
ولكننا طرحنا سؤالاً مختلفاً تماماً: ما هي القوانين الأكثر عرضة للانتهاك؟ للإجابة عن هذا السؤال، جمعنا قاعدة بيانات تفصيلية لأكثر من 80 ألف ملاحظة حول القوانين من عمليات معاينة النظافة في 289 مطعماً في سانتا مونيكا وكاليفورنيا بين عامي 2007 و2010. تشير نتائج ورقتنا البحثية التي ستنشر قريباً إلى أن تصميم القواعد بحد ذاته يشكل تحديات للمؤسسات ذات النية الحسنة.
القوانين الأكثر تعقيداً أكثر عرضة للانتهاك
كان نظام قوانين النظافة المعمول به في مقاطعة لوس أنجلوس أثناء فترة الدراسة مكوناً من 86 قانوناً مختلفاً حول درجات الحرارة المناسبة للطعام وغسيل أيدي الموظفين ومكافحة الحشرات. يزور مفتشو الصحة المطاعم كل 4 أشهر تقريباً للتحقق من التزام المطعم بكل قانون من هذه القوانين. وقد شكل اتباع القوانين حافزاً قوياً لأصحاب المطاعم لأن عمليات المعاينة تلك حددت الدرجات التي وضعت على أبواب المطاعم الرئيسة. كما وجد بحث آخر ارتباط الدرجات الجيدة بارتفاع التصنيفات الإلكترونية والإيرادات.
ولدراسة عرضة بعض القوانين للانتهاك أكثر من غيرها، ركزنا على درجة تعقيد كل من تلك القوانين. صنفنا كل قانون وفقاً لنوعين من التعقيد. أولاً، حددنا عدد عناصر كل قانون ("حجمه" بناء على عدد أقسام قانون ولاية كاليفورنيا المكونة للقانون). على سبيل المثال، يتكون قانون طرق التبريد من قسم واحد فقط، بينما يتكون قانون الأسطح الملامسة للأغذية من أربعة أقسام مختلفة. النوع الثاني، حددنا عدد روابط كل قانون (الروابط الوظيفية لكل قانون مع غيره من القوانين في النظام). كانت بعض القوانين مستقلة، بينما ارتبط بعضها الآخر بما يصل إلى خمسة قوانين أخرى، حيث يسبب عدم الالتزام بقانون واحد إلى عدم الالتزام بغيره. على سبيل المثال، ارتبط القانون المتعلق بالأسطح الملامسة للغذاء بخمسة قوانين أخرى تتعلق بالقوارض والصراصير وغيرها من مسببات اتساخ الأسطح الملامسة للغذاء.
كان حدسنا يشير إلى أن القوانين المعقدة وفقاً لأحد نوعي التعقيد هي الأصعب اتباعاً. ولأن المؤسسات تعتمد على الإجراءات الروتينية في اتباع القوانين، فإن القوانين المعقدة تتطلب روتيناً معقداً وهو ما يصعب تنفيذه بصورة موثوقة. وكما هو متوقع، ساهم كلا النوعين من التعقيد في زيادة نسبة عدم الالتزام. كما عزز كل نوع من التعقيد النوع الآخر، إذ أن احتواء القانون على الكثير من العناصر والروابط جعله أكثر عرضة للانتهاك. تزداد احتمالية انتهاك القانون ذي ثلاثة عناصر والمرتبط بقانون آخر في النظام بنسبة 78% مقارنة بالقانون المستقل، دون الإخلال بالعوامل الأخرى.
ماذا يحدث بعد معاقبة مطعم ما على مخالفة القوانين؟ توقعنا أن يواجه المدراء صعوبة في التعلم من أخطائهم ومحو آثارها عند مخالفة قانون معقد مقارنة بالقوانين البسيطة. ولكن، وعلى نحو مفاجئ، وجدنا أن لكل نوع من نوعي التعقيد آثاراً معاكسة على تكرار الانتهاكات. ومع ارتباط ازدياد عدد الروابط بتكرر الانتهاكات فعلاً، ارتبط ازدياد عدد العناصر بانخفاض تكرر الانتهاكات. وبعبارة أخرى، على الرغم من أن القوانين الأكثر تعقيداً كانت أكثر عرضة للانتهاك، إلا أنها كانت أيضاً أكثر عرضة للإصلاح بحلول وقت عودة المفتش لإجراء المعاينة التالية. ومع أننا لم نتمكن من تحديد الآلية المتبعة بسبب قصور البيانات، يشير حدسنا إلى أن المدراء لم يولوا اهتماماً كافياً وركزوا جهودهم على القوانين المعقدة المنتهكة (كثيرة العناصر)، ومع ذلك فقد عانوا للبحث بعمق أكبر وتحديد الأسباب الكامنة وراء انتهاك هذه القوانين المرتبطة بقوانين أخرى (كثيرة الروابط).
كما كشفت نتائجنا أن انتهاك القوانين يتكرر عبر الزمن. إذ تزداد احتمالية انتهاك مطعم ما لأحد القوانين بأكثر من الضعف في حال انتهاكه سابقاً، دون الإخلال بالعوامل الأخرى. الطبيعة "الارتباطية" هذه لعدم الالتزام كانت صحيحة بغض النظر عن نوع التعقيد في القانون.
شملت جميع تحليلاتنا مجموعة من العوامل، بما في ذلك الاختلافات في المطاعم (مثل العمر والحجم ونوع المطبخ ومستوى الأسعار وغيرها) والقوانين (مثل العقوبات والمحتوى وغيرها)، بالإضافة إلى سجل انتهاكات المطعم. لا تعارض نتائجنا الأبحاث السابقة، ولكنها تقدم بدلاً من ذلك صورة شاملة بتسليط الضوء على الدور المهم الذي تلعبه القوانين بحد ذاتها.
بعض القواعد المتعلقة بالقوانين
المؤسسات "غارقة في بحر القانون" المكون من القوانين متزايدة التعقيد. إذ تعقد وكالات مراقبة النظام القوانين أكثر بإضافة مزيد من الشروط لجعلها أكثر شمولية. كما تزيد هذه الوكالات دائماً درجة الترابط في هذه القوانين، وخاصة كاستجابة لوقوع الأزمات. وتشير نتائج دراستنا إلى أن لكلا الاتجاهين عواقب غير مقصودة.
بالطبع فإن المدراء ليسوا مسؤولين عن الالتزام بالقوانين القضائية وحسب، بل عن تصميم القوانين المناسبة لمكان العمل بصور دورية. ومع أن دراستنا ركزت على النوع السابق للقوانين، إلا أن دراسات أخرى أظهرت أن القوانين المؤسسية أيضاً تنتشر وتزداد تعقيداً مع مرور الوقت. من الجيد أن يجري المدراء مراجعات دورية لقوانين مكان العمل واضعين نصب أعينهم تبسيطها وإيضاحها قدر الإمكان لوضع حد لعدم الالتزام.
نقترح على المدراء التعامل مع البيئات التنظيمية بصورة أفضل وفرض الالتزام بقوانينهم الخاصة من خلال اتباع المقترحات التالية:
- تصميم القوانين بتأن- انتهاك القوانين أمر متكرر، إذ يصعب تصحيحه لاحقاً إن حدث مرة. لهذا من الجيد تشجيع مدراء الإدارة الوسطى على وضع إجراءات روتينية موثوقة لاتباع القوانين منذ البداية لمنع عقبات أكبر في المستقبل. والأفضل من ذلك هو إشراك موظفي الخطوط الأمامية في العملية.
- التحقق من الروابط- يتكرر عدم الالتزام خصوصاً مع القوانين غير المرتبطة بغيرها. في حالة انتهاك قانون ما، انظر إلى ما هو أبعد من ذلك القانون المنتهك لإيجاد السبب الرئيس للانتهاك. فبدون تحديد السبب الرئيس، قد تهمل المشكلة الحقيقية وبالتالي تتكرر الانتهاكات.
- الإدارة الواعية- ليست جميع القوانين متساوية. لذلك ركز الجهود الجارية على إعمال الالتزام بالقوانين الأكثر تعقيداً إذ أنها الأكثر عرضة للانتهاك. وللقيام بذلك، ينبغي على المدراء التعامل مع برامج الالتزام بالقوانين لا كأنها تدريبات قانونية بل على أنها علم سلوكي، عن طريق تجربة عدة أنواع من البرامج التدريبية ومدونات قواعد السلوك وغيرها من الأنظمة لتعلم كيفية التقليل من انتهاك القوانين.
تعكس القوانين القيم المجتمعية والمؤسسية المهمة ويُعمل بها لحمايتنا من المخاطر. إن شرح الطريقة التي تساهم فيها درجة تعقيد هذه القوانين في المساعدة على الالتزام أو إعاقته سيضمن التأكيد على هذه القيم وتقليل المخاطر.