تعرض دراسات الحالة التي تصيغها هارفارد بزنس ريفيو على هيئة قصص خيالية لمشاكل يواجهها القادة في الشركات الحقيقية وتقدّم الحلول التي يراها الخبراء. تستند هذه الحالة إلى دراسة حالة في كلية هارفارد للأعمال بعنوان: "مجموعة تشودري: إعادة بناء نيبال" من تأليف كريستوفر مالوي، ولورين كوهين، وإناسكشي سوبتي.
لم تكن عينا ساهان كومارا تصدقان ما رأتهما على الإنترنت. فقبل ساعتين، كان تسونامي قد ضرب إندونيسيا متسبباً بجدار مائي اقتحم المنتجعات، وأزال قرى بأكملها عن الخارطة، وغمر الحقول، وقتل الآلاف. أما الآن، فقد ضربت الأمواج ساحل دولته المؤلفة من جزيرة متسببة بدمار مشابه.
كان ساهان يرصد التقارير الواردة من مكتبه في العاصمة وهو يجلس بأمان الله على بعد أميال من منطقة الكارثة. بيد أنه كان يعلم أن كثيرين غيره لم يكونوا في أمان – بمن فيهم موظفو شركته العائلية مجموعة كومارا، وعملاؤها.1
كانت كومارا واحدة من كبريات مجموعات الشركات في المنطقة. وكانت لديها ممتلكات عقارية ومصرفية مهمة، كما كانت تقدّم خدمات في قطاع الموانئ، وتشغّل شركات أغذية ومشروبات فضلاً عن سلاسل متاجر التسوق. كان رافي، والد ساهان، هو من يدير الشركة وقد هيأ ولديه لتولي مناصب قيادة منذ نعومة أظفارهما.
كان ابنه البكر راوان قد ارتقى في المناصب في القسم المصرفي، وبعمر السادسة والأربعين الآن كان يشغل منصب المدير المالي للمجموعة القابضة. أما ساهان البالغ من العمر 36 عاماً، فقد كان يدير القسم العقاري ويشرف على الفنادق والمنتجعات ومتاجر التجزئة. لكنه كان قد أقنع والده قبل بضعة أشهر فقط بالسماح له بالتركيز على مشروع يثير شغفه عوضاً عن ذلك، ألا وهو إطلاق مؤسسة ديليبا كومارا الخيرية، تيمّناً باسم والدته الراحلة. كانت هذه المؤسسة التي تتوخى الربح هي الذراع الخيرية للشركة وكانت معنية بالعطاء ورد الجميل إلى المجتمعات المحلية.
عندما رن هاتف ساهان، رد على المكالمة فوراً. كان المتصل كيفين دي سيلفا، مدير العمليات لدى كومارا، الذي ساعد في بناء المؤسسة وتشغيلها لمدة أربعة عقود تقريباً.
"هل تتابع الأخبار؟" سأل كيفين.
"نعم. الوضع مريع".
"نعم. الحالة فظيعة. ولا نعلم الحجم الكامل للكارثة حتى الآن. نحتاج إلى إرسال فريق إلى أقرب نقطة ممكنة للعثور على موظفينا وتقويم الأضرار.. فليس هناك الكثير الذي يمكن فعله. أنت تعرف المناطق المتضررة أكثر مما أعرفها أنا. فهل بوسعك القدوم؟"
"بكل تأكيد. بوسعنا أن نستقل طائرة الشركة".
"نعم. والدك سمح لنا باستقلالها أصلاً. ونحن بانتظار العثور على مطار يقبل أن نهبط فيه. وسوف نكون مضطرين للسفر بالسيارة من هناك".
بمجرد أن أنهى الرجلان مكالمتهما، رن هاتف ساهان من جديد. "أبي"، قال ساهان. "سوف أذهب مع كيفين".
"هذا جيد"، رد رافي. "أكثر ما يقض مضجعي هو سلامة موظفينا؛ العقارات هي شيء ثانوي".
ثم تابع قائلاً: "على المدى القصير، سوف نكون بحاجة إلى تطبيق خطتنا الخاصة بالاستجابة للأزمات.2 أخشى أنك مضطر للعودة إلى إدارة العقارات من جديد لفترة من الزمن. أما على المدى البعيد، فإنني بحاجة إلى نصيحتك بخصوص ما يمكننا كشركة ومؤسسة خيرية أن نفعله للمساعدة في عملية إعادة الإعمار".
"بالطبع. سوف أعود إليك حالما أكون قادراً على ذلك".
بعد أن ودّع ساهان أباه، جلس لوهلة متأملاً الوضع بشيء من التعقل. سوف تكون مجموعة كومارا بحاجة إلى إظهار قيادة قوية. وهو يجب أن يقترح خطة في هذا الصدد.
ما هي الخطوة التالية؟
في غضون بضعة أسابيع، كانت كومارا قد أحصت خسائرها: 98 موظفاً و26 من ضيوف المنتجعات كانوا قد قضوا نحبهم؛ في حين كان مئات غيرهم قد جُرِحُوا. كما كان الدمار قد طال 6 فنادق، و20 حانوتاً، و4 متاجر تسوق، وثلاثة بنوك، ومنشأتين في ميناءين.3 لكن الشركة كانت تملك ما يكفي من رأس المال، وكانت مطالباتها التأمينية تُعالج بسرعة.
كان الأخوان كومارا ووالدهما قد تقدموا بواجب العزاء إلى عائلة كل ضحية ومنحوها مساعدة مالية. وفي العقارات التابعة للشركة، كانت الأنقاض تُزال وكانت المباني تخضع للتصليح. أما خارج إطار شركات كومارا – وتحديداً في المجتمع الأوسع – فقد كانت الفوضى هي السائدة.
"يجب أن نفعل المزيد" قالت زارا بيريس مساعدة ساهان بإصرار. كانت قد عادت للتو من الساحل الشرقي، وكانت تدلي بتقريرها أمام الفريق التنفيذي. فهم ساهان درجة الإلحاح من نبرة صوتها. فقد رأى صوراً صادمة التقطتها لأشخاص يعيشون دون مأوى أو غذاء أو ظروف نظافة مناسبة.
ردّ راوان مورِدَاً بعض الحقائق: "تبرّعنا بمبلغ 100 مليون روبية إلى برنامج الإغاثة الحكومي، إضافة إلى 20 مليون روبية أخرى إلى الجهود التي تقودها الأمم المتحدة.4 بوسعنا التبرع بمبالغ إضافية إذا دعت الحاجة. ولكن ما هي الأشياء الأخرى التي تودّين منا أن نفعلها؟ ليس بوسعنا إعادة بناء الساحل بأكمله بأنفسنا".
كان بوسع ساهان أن يرى الدم يغلي في عروق زارا بسبب نبرة راوان. ولكن قبل أن ينبس أي منهما ببنت شفة، تدخل كيفين قائلاً: "أخشى أن المال وحده لن يكون كافياً. لقد تعاملت مع المسؤولين الحكوميين والوكالات الحكومية التي ستكون مسؤولة عن جهود إعادة الإعمار. هم بحاجة إلى خبرتنا في التخطيط والإنشاء والتعمير والعمليات اللوجستية. وقد نكون مضطرين حقاً إلى أن نعيد بناء المنازل والمدارس والطرقات نيابة عنهم والقائمة تطول.
هزّت زارا رأسها بقوة. أما راوان فقد بدا مرتاباً. لكن رافي وجرياً على عادته فقد ظل جامد الملامح.
"وماذا عن تشكيل ائتلاف من الشركات" اقترح ساهان، "بحيث لا يقع العبء كله على كاهلنا؟"
"نحن أكبر من الجميع، وسنجد أنفسنا مضطرين في النهاية إلى تحمّل معظم التكاليف" رد راوان معترضاً. "وتذكّروا أن المنظمات غير الحكومية التي تمتلك الخبرة الحقيقية في مجال الإغاثة من الكوارث والحكومة ستشرف على ذلك كله في جميع الأحوال".
"لكنهم يتحركون ببطء شديد"، قالت زارا، "ولا يساورني أي شك أنهم سيختلسون جزءاً من المال".5
"بوسعنا تسريع إنجاز الأمور، وضمان وصول المال إلى مستحقيه"، قال كيفين.
هز راوان رأسه معترضاً. "نحن نتدخل بسرعة، وننفق مئات الملايين وأكثر، ونتجاوز كل البيروقراطية بطريقة سحرية، ونتجنب دفع الرشى، ونصبح الأبطال في هذه القصة؟"
ابتسم كيفين بطريقته المعتادة كعم للجميع وقال: "شيء من هذا القبيل".
"أنا أؤيد بالكامل وقوفنا إلى جانب بلدنا وهو في أمسّ الحاجة إلينا، لكن فعلنا لما تقترحونه يعني وضع خطط النمو المرصودة لهذا العام على الرف. وأنا واثق أن الحكومة تعوّل على فرص العمل والضرائب التي ستنجم عن توسّعنا"، قال راوان ملتفتاً إلى والده متوقعاً منه الدعم الذي كان يحصل عليه دائماً.
ولكن عندما تكلم رافي، توجّه بالحديث إلى ابنه الأصغر. "ما رأيك يا ساهان بوصفك رئيس المؤسسة الخيرية؟"
"حسناً"، رد ساهان، "المؤسسة الخيرية فتية، وبالتالي فهي ليست في وضع يسمح لها بتولي هذا الجهد الضخم الذي يقترحه كيفين. لكن الشركة تمتلك ما يكفي من الموارد لإنجاز المطلوب. ونحن لدينا مصالح في هذه المجتمعات المحلية. ربما يجب أن نتدخل.6 دعوني أتعمّق في تفاصيل الأمر قليلاً".
هز كل من رافي، وكيفين، وزارا رؤوسهم موافقين. كما هز راوان هو الآخر رأسه موافقاً، لكن ساهان انتبه إلى أن أخيه دوّر عينيه بطريقة تدل على التشكيك. فبما أن راوان هو الابن البكر والمسؤول عن الملف المالي في الشركة وأرباحها وخسائرها، فقد كان معتاداً على الإدلاء بدلوه أكثر من ساهان فيما يخص القرارات في كومارا. فهل قادت هذه الكارثة إلى تغيير تلك الديناميكية؟7
اجتماع مع المسؤولين
"أهلاً، أهلاً". بهذه الكلمات رحّب تشامال لانزا، وزير التنمية في الحكومة بساهان وزارا داعياً إياهما للدخول إلى مكتبه. "شكراً جزيلاً لكما على حضوركما. دعوني أعرفكما على أليس فيلدز، التي تترأس جهود الإغاثة الأممية".
بعد أن جلس الجميع، تحدّث الوزير أولاً قائلاً: "نحن نقدّر ومن أعماق قلوبنا الدعم السخي الذي قدّمته كومارا أصلاً حتى الآن. ولسوء الحظ، كما تعلمون، فإن المساعدة الدولية كانت تتدفق نحو إندونيسيا أكثر من تدفقها نحو بلدنا.8 هم كانوا أكثر تضرراً بطبيعة الحال. لكننا في حاجة ماسّة أيضاً، حيث مازلنا نعاني في توفير الرعاية للمصابين والمأوى للمشردين، وتأمين إمدادات الغذاء والمياه".
"وهذه مجرّد جهود لإدارة الأزمة على المدى القصير"، قالت أليس.
"ما هي إذن خطتكم على المدى البعيد؟" سأل ساهان.
نريد إعطاء كل عائلة مبلغاً متواضعاً لبناء مسكن جديد، وسنقدم منحة مالية إلى كل بلدة لبناء مدرسة"، شرحت أليس.9
فردت عليها زارا بصوت مرتفع: "ولكن من سيعلّمهم كيف يعيدون البناء؟ وكيف سيحصلون على الإمدادات؟ ومن سيشرف على الإنشاء والتعمير؟"
"دعوني أطمئنكما"، أجابت أليس، "فعلنا الشيء ذاته في عشرات المجتمعات التي ألمّت بها الكوارث في أنحاء العالم".
"ولكن ألا تزال المنظمات غير الحكومية والحكومة غارقة في جهود الإغاثة الطارئة؟" قالت زارا وهي تشدد على كلماتها.
"نحن جاهزون للتعامل مع إعادة الإعمار أيضاً"، قال الوزير واثقاً. وقد سلّم إلى ساهان رزمة سميكة من الخرائط والأوراق التي تضمّ جداول مطبوعة. "التخطيط جارٍ على قدم وساق".
"إذن أنتم تبحثون عن مساهمات مالية إضافية، أليس كذلك؟" سأل ساهان.
"نعم، ونريد أي موارد تستطيعون أنتم والشركات الأخرى تقديمها. أهم شيء حالياً هو توفير الغذاء والماء؛ وقد يكون من المفيد تقديم الخشب ومستلزمات البناء الأخرى في وقت لاحق. كما أننا نتواصل مع المزيد من المنظمات غير الحكومية وغيرها من المتبرعين الأجانب. سيكون جهداً جماعياً بتوجيه من الوزارة".
جمع ساهان الأوراق ووعد بالاطلاع عليها.
لحظة وصول زارا وساهان إلى الباب أمسكت به من يده وقالت: "تعلم أن هناك محتجين حالياً في الشوارع بسبب الاستجابة غير الكفؤة للأزمة. فحتى مع مساعدة المنظمات غير الحكومية، لا أعتقد أن هؤلاء الموظفين البيروقراطيين لديهم المهارات، أو حتى بصراحة، الأخلاقيات اللازمة للتعامل مع هذا النوع من العمليات. أما نحن فنتمتع بها".
معضلة ساهان
بعد مرور بضعة أسابيع، كان ساهان في اتصال مع سوجيث فيرناندو، صديقه القديم والمسؤول الثاني في "أي آر تيليكوم" الشركة البارزة في تقديم خدمات الهاتف المحمول في البلد.
"وكيف هي أحوالكم من الناحية التجارية؟" سأل ساهان.
كانت شركة الاتصالات قد سارعت إلى استعادة عملياتها على الساحل.
"كل الأمور تسير على ما يُرام"، قال سوجيث. "وماذا عن عمليات الإصلاح لديكم؟"
"نحرز تقدماً جيداً في إصلاح ممتلكاتنا، ولكن يبدو أن عمليات إعادة بناء المجتمع المحلي متوقفة تماماً. فمنذ أسابيع وأنا أراجع الخطط الحكومية، وأتحدث إلى مختلف الوزراء، والمرأة المسؤولة عن تنسيق جهود المنظمات غير الحكومية، وأنتظر لأرى أي فعل. لكنهم مازالوا عالقين في مرحلة الاستجابة للأزمة، والناس عِيلَ صبرُها".10
"نعم، الاحتجاجات تملأ نشرات الأخبار. آمل أن تتمكن السلطات من تنظيم أمورها".
"هذا هو المطلوب بالتحديد"، قال ساهان. "أتساءل ما إذا كنا نحن في القطاع الخاص من يجب أن نقود هذه الجهود، أي ألا نكتفي بالتبرع بالمال، وإنما أن ندير برنامج إعادة الإعمار برمّته. هل تعتقد أن رئيسكم التنفيذي سيقبل بفكرة الانضمام إلى كومارا في هذا المسعى؟"
فرد عليه سوجيث قائلاً: "كما تعلم، نحن قدّمنا مساهمة نقدية كبيرة. وقد يكون لدينا مجال في موازنتنا لتقديم دعم إضافي. ولكن أن نشارك بطريقة أكثر ميدانية؟ لا أعتقد ذلك. هذا اختصاص الحكومة والمنظمات غير الحكومية. لا أعتقد أن أي شركات ستنضم إلى هذه الجهود أو يجب عليها ذلك أصلاً".
"ولكن..."
"انظر يا عزيزي. أعلم أنك قد أنشأت مؤسسة خيرية لتكريم إرث والدتك الراحلة وفعل الخير في العالم. وأعلم أن كومارا تمتلك قوة ضخمة وربما تستطيع تحمّل سداد ثمن أي شيء. لكن عملية إعادة الإعمار ستكون معقدة، ومحفوفة بجميع أنواع الأخطار. لا تحمّلوا أنفسكم ما لا طاقة لكم به".
شكر ساهان صديقه على تلك النصيحة لكنه ظل يشعر أنه ممزّق في داخله. في وقت لاحق تلك الليلة، كان يُفترَض به أن يجتمع مع والده على مائدة العشاء. كان يعلم أن رافي يتوقع منه تقديم توصية بخصوص الخطوات التالية التي يجب على المؤسسة وكومارا اتخاذها لمواصلة تقديم الدعم لجهود التعافي من التسونامي.
تمنّى ساهان لو كانت والدته على قيد الحياة ليشاورها في الأمر. "ماذا كنت ستفعلين يا أمي؟" قال وهو ينظر إلى السماء. "هل المال يكفي؟ أم أننا يجب أن نزيد من انخراطنا؟".
ملاحظات على دراسة الحالة
1- ما يقرب من 80% من الشركات في أنحاء العالم هي شركات مملوكة لعائلات أو خاضعة لسيطرة عائلات. وهي المصدر الأساسي لفرص العمل طويلة الأجل في معظم الدول.
2- ينصح الخبير في شؤون الكوارث جيمس هاغيرتي الشركات بالتحضير للكوارث من خلال تعيين فريق للاستجابة السريعة، وتوفير بعض التدريب على رسم السيناريوهات، ووضع دليل عمل لإدارة الأزمات يحدد بالتفصيل الإجراءات التي يجب اتخاذها في بادئ الأمر.
3- أودى تسونامي المحيط الهندي عام 2004 بحياة 230 ألف إنسان وتسبب بأضرار تزيد قيمتها على 10 مليارات دولار.
4- ما هي العوامل التي يجب على الشركة أن تأخذها بالحسبان عند التبرع بالمال دعماً لجهود الإغاثة من الكوارث؟ كيف يمكن أن تضاعف من أثر الأموال التي تقدّمها؟
5- وجدت منظمة الشفافية الدولية في استطلاع أجرته في آسيا عام 2020 في إطار "مقياس الفساد العالمي" أن 74% من الذين شاركوا في الاستطلاع اعتبروا الفساد الحكومي مشكلة كبيرة في بلدهم، فيما أعلن واحد من كل خمسة أشخاص استعملوا الخدمات العامة في الأشهر الاثني عشر الماضية أنه قد دفع رشوة.
6- هل تقع على عاتق كومارا مسؤولية فعل المزيد بما يتجاوز جهودها الرامية إلى إعادة تشغيل مؤسساتها وأنشطتها؟
7- المنافسة بين الأخوة ليست ظاهرة غير شائعة في الشركات العائلية.
8- قُدّرت المبالغ الإجمالية لأموال المساعدات المقدمة إلى المنطقة – من الحكومات والأفراد والشركات – بحوالي 13.5 مليار دولار.
9- هل تقديم المساعدات النقدية هو الشكل المناسب للمساعدة الإنسانية؟
10- ما هو الجدول الزمني الواقعي للانتقال من الإغاثة الطارئة إلى جهود إعادة الإعمار؟
رأي الخبراء
هل يجب على ساهان دعم الجهود الحكومية أم دفع كومارا إلى قيادة جهود إعادة الإعمار؟
نيرفانا تشودري (Nirvana Chaudhary): العضو المنتدب في مجموعة تشودري ونائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة تشودري الخيرية.
كومارا في موقع جيد يسمح لها بترؤس جهود إعادة الإعمار.
وأنا أنصح ساهان بالبدء بالاستفادة من البنية التحتية للمؤسسة وشبكاتها على الفور.
دراسة الحالة هذه تشبه إلى حد كبير السيناريو الذي واجهناه في مجموعة تشودري بعد زلزال عام 2015 الذي دمّر نيبال. فبما أننا واحدة من كبرى شركات البلد، ولدينا مؤسسة خيرية متفرغة لبناء مجتمع أفضل ويتمتع بصحة أحسن، فقد تدخّلنا لتقديم يد العون مباشرة.
أقام قسم الاتصالات الريفية لدينا أبراج اتصالات خلوية مؤقتة وأعلن عن خط مجاني للاتصالات الطارئة. وفتحت مجموعة الضيافة لدينا منشآتها لإيواء السياح العالقين والمواطنين الذين دُمّرت منازلهم، وإطعامهم. وحوّل فريق الشؤون اللوجستية لدينا المدارس إلى مخيمات إغاثة ونسّق عمليات نقل الإمدادات والمواد إلى المناطق المتضررة بشدة. وأبرمت الوحدة العقارية لدينا شراكة مع منظمات غير حكومية ذات خبرة مثل "سيدز" (Seeds) ومؤسسة بي دبليو سي الخيرية (PwC Charitable Foundation) لإطلاق عملية إعادة الإعمار مباشرة من خلال بناء ما يقرب من 3 آلاف مأوى مؤقت مسبق الصنع. وفي غضون عام، كنا قد بنينا 55 مدرسة، و22 صفاً دراسياً رقمياً، و20 محطة لمعالجة المياه، وأعدنا بناء قريتين بعد إدخال تحسينات عليهما. وفي مَعْرِض إنجاز هذه العملية، درّبنا حوالي 6500 شخص على مهارات متنوعة. وفي المقابل، كانت الاستجابة الحكومية – التي دعمناها مالياً أيضاً – بطيئة للغاية، على الرغم من مساعدة المنظمات غير الحكومية.
عندما ضربت الأزمة منطقتنا، طلبت الأمم المتحدة وغيرها من الوكالات المتعددة الأطراف مساعدتنا بصورة متكررة. ونحن غالباً ما نكون قادرين على أن ننجز في ساعات ما تحتاج الجهات الخارجية إلى أسابيع وأسابيع لكي تنجزه، ونحن سعداء بتقديم المساعدة. في معظم الدول – سواء في العالم النامي أو المتقدم – بوسع القطاع الخاص التحرك بقدر أكبر من السرعة والكفاءة والفاعلية مقارنة بالقطاع العام. وقد كان كيفين وزارا على حق في إدراك ذلك، ويجب على ساهان أن يعي ذلك أيضاً.
أتفهّم القلق الذي يساور راوان بخصوص دفع تكاليف عملية إعادة الإعمار بأكملها. لكن أنشطة كومارا التجارية تبدو قوية بما يكفي لتحمّل جزء كبير من الفاتورة، وبوسع ساهان طلب مساهمات من شركات ومؤسسات خيرية أخرى. في تشودري، نحن نشترط على كل قسم تجاري أن يسهم بجزء من أرباحه السنوية لدعم مؤسستنا الخيرية. وهذا يمكّننا من تقديم المساعدة لتلبية جميع أنواع الاحتياجات المحلية، وهذا مصدر فخر لجميع موظفينا.
بطبيعة الحال، لا يجب على ساهان تجاوز أصحاب المصلحة الآخرين. تعمل مؤسسة تشودري الخيرية عن كثب مع الحكومة الوطنية والحكومات المحلية في نيبال ومع مجموعة متنوعة من المنظمات التي لا تتوخى الربح. ورغم أنهم مُبتلون بالبيروقراطية أحياناً، إلا أن الكثير من الناس هنا يؤدون عملاً جيداً. ونحن نلتمس آراءهم عن المبادرات، ونشرف عليهم لنستفيد من نقاط قوة الجميع، وننسّق مع وكالات الأمم المتحدة لحشد الموارد بسرعة بعد الكوارث.
أؤمن أن كومارا مسؤولة عن رد الجميل إلى المجتمع الذي ساعدها في أن تصبح شركة ناجحة. لا يجب على ساهان أن ينتظر الحكومة لكي تتولى شؤون إعادة الإعمار بعد التسونامي. فشركته ومؤسسته الخيرية قادرتان على قيادة هذه الجهود، ويجب عليهما تولّي هذه المهمة.
مارغرت شولير (Margaret Schuler): نائبة الرئيس التنفيذية لشؤون البرامج الدولية في "وورلد فيجن" (World Vision).
تحتاج الكارثة المعقدة الواسعة النطاق إلى استجابة شاملة.
تحتاج الكارثة المعقدة الواسعة النطاق إلى استجابة شاملة. ويجب على القطاعين العام والخاص والمنظمات التي لا تتوخى الربح العمل معاً في جهد منسق لتوفير الإغاثة. والقضية ليست إما هذا أو ذاك؛ بل الوضع يتطلب مشاركة الجميع.
لذلك، ورغم أنني أحيّي اندفاع ساهان ورغبته في أن تتدخل كومارا وأن تقود جهود إعادة الإعمار على المستوى الوطني، إلا أنني أحثّه على مواصلة التعاون مع الحكومة والمنظمات غير الحكومية. والمسؤولون الحكوميون بحاجة إلى الانخراط وقيادة الاستجابة بحق لضمان النجاح والاستدامة. كما أن وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية تجلب معها خبرة مفيدة في مجال حشد المساعدات الأجنبية، وإدارة الاستجابة الواسعة النطاق للكارثة.
لكن ذلك لا يعني أن على كومارا تقديم شيك إضافي فحسب. فبما أن الشركة لديها خبرات وعلاقات وموارد محلية، فإن ساهان وزملائه يجب أن يكونوا حاضرين في اجتماعات التخطيط إلى جانب وزراء مثل تشامال ومنسقي برامج مثل أليس فيلدز. في الحقيقة، بوسع التنفيذيين في كومارا المشاركة في أعمال المجموعات الفنية المعنية بتحديد الجهود الرامية إلى معالجة قضايا المياه، والصحة والتغذية، والمأوى، والتعليم، والبنية التحتية، والإشراف على تنفيذ هذه الجهود، ولاسيما أن الأمم المتحدة تنسّق أعمالها.
قد يبدو الأمر وكأن الحكومة والمنظمات غير الحكومية لا تعمل بما يكفي من السرعة والكفاءة. لكنني أعتقد أنها ببساطة تأخذ وقتها الكافي للإصغاء مباشرة إلى المجتمعات المحلية المتأثرة من أجل تقويم احتياجاتها ومصالحها الحالية والمستقبلية وفهم هذه الاحتياجات والمصالح فهماً أفضل. وهذا أمر أساسي لتقديم استجابة فاعلة. فكارثة بهذا الحجم تحتاج إلى خطة ممتدة على مدار عدة سنوات لا تركز على جهود الإغاثة السريعة فحسب، وإنما أيضاً على الحلول البعيدة المدى لإعادة البناء بطريقة مستدامة.
ولا تقللوا من شأن قدرات المؤسسات غير الحكومية على التحرك بسرعة. ففي مؤسسة "وورلد فيجن"، على سبيل المثال، كانت لدينا خطة استجابة عالمية لكوفيد-19، مدعومة بمانحين من القطاعين الخاص والعام، جُهّزَت بعد أيام فقط من إعلان منظمة الصحة العالمية عن تحوّل الوباء إلى جائحة. كان تحرّكنا أسرع من تحرّك الكثير من الحكومات. فبما أن لدينا 40 ألف موظف في 70 دولة في أنحاء العالم، فقد اعتمدنا على خبرتنا في مكافحة إيبولا، وزيكا، وفيروس المناعة البشرية، والإيدز لنعمل مجدداً مع شركاء أثبتوا علوّ كعبهم – بمن في ذلك أكثر من 200 ألف شخص من موظفي الرعاية الصحية المجتمعية والقادة الدينيين – من أجل توفير تدريب على كيفية الحد من انتشار المرض وخدمات رعاية صحية أساسية إلى ملايين الناس الذين يعيشون أوضاعاً صعبة.
وحتى لو كانت شكوك زارا وساهان فيما يتعلق بالفساد الحكومي مبررة، إلا أن انخراط الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات غير الحكومية ذات السمعة الحسنة هي إشارة جيدة. وبما أن هذه المؤسسات خاضعة للمساءلة أمام مانحيها وداعميها وأمام الأشخاص الذين تخدمهم، فإنها تعرف كيف تجعل شركاءها يلتزمون بذات المعايير.
من الآن فصاعداً، يجب على جميع أصحاب المصلحة، بما فيهم كومارا، الاتفاق على خطة تتضمن مستهدفات إنجاز أساسية وآليات تتبّع لضمان إيفاء جميع الأطراف بالتزاماتهم خلال الفترات الزمنية التي وعدوا بالإنجاز ضمنها. وبما أن الشركة هي متبرّع كبير بالمال والمواد العينية وتوفّر الدعم، فإنها تستطيع اشتراط تقديم تقارير تتعلق بكيفية استعمال هذه الموارد، وفي نهاية المطاف، بمقدورها السعي للحصول على براهين وأدلة عن الآثار الإيجابية. هل تصل إسهامات كومارا إلى الناس وهل تساعدهم على العيش برخاء؟
سوف يسهم جهد كامل منسّق بين القطاعين العام والخاص يشمل هذا النوع من المساءلة في تحقيق أفضل النتائج للناس الذين يسعى ساهان وزملاؤه إلى مساعدتهم بكل ما أوتوا شغف.