يمتلك البشر نظاماً بيولوجياً دقيقاً يتحكم في مستويات طاقتهم على مدار اليوم يُشار إليه عادة باسم الساعة البيولوجية، وذلك لأنه منتظم للغاية. وإذا عانيت يوماً تعب تغيّر التوقيت الزمني بسبب السفر، فستدرك حينها مدى انتظام ساعتك البيولوجية. لكن هذه التقلبات الطبيعية في مستوى اليقظة أو النعاس، التي تُعد جزءاً من الطبيعة البيولوجية للإنسان، تترك أثراً بالغاً فيك وفي موظفيك.
يتوقع المدراء أن يقدّم موظفوهم أفضل أداء طوال يوم العمل، لكن هذا التوقّع غير واقعي. وقد يرغب الموظفون في تقديم أفضل أداء طوال الوقت بالفعل، لكن ساعاتهم البيولوجية لن تتماشى دائماً مع هذه الرغبة. في المتوسط، يحتاج الموظفون إلى بضع ساعات للوصول إلى ذروة مستويات اليقظة والطاقة بعد بدء ساعات العمل، لكن هذه الذروة لا تدوم طويلاً، إذ تبدأ هذه المستويات الانخفاض بعد وجبة الغداء، وتصل أدنى مستوياتها عند الساعة الثالثة بعد الظهر تقريباً. ويعزو البشر هذا الانخفاض في مستويات الطاقة إلى وجبة الغداء عادة، لكنه في الواقع جزء طبيعي من العملية البيولوجية في أجسامنا. وبعد الانخفاض الذي يحدث عند الساعة الـ 3 مساءً، يبدأ مستوى اليقظة الارتفاع مرة أخرى حتى يصل إلى ذروته الثانية عند الساعة الـ 6 مساءً. ثم يبدأ الانخفاض تدريجياً لبقية المساء وحتى ساعات الصباح الأولى، ليصل إلى أدنى مستوى له عند الساعة الـ 3:30 صباحاً تقريباً. ثم يبدأ الارتفاع لبقية الصباح حتى يبلغ ذروته الأولى عند فترة بعد الظهر تقريباً في اليوم التالي. تسلّط مجموعة كبيرة من البحوث الضوء على هذا النمط، على الرغم من وجود بعض التفاوتات الفردية التي سأناقشها لاحقاً.
وبالتالي، يجب على المدراء الذين يرغبون في تحسين أداء موظفيهم أن يضعوا في اعتبارهم نمط ساعاتهم البيولوجية عند تحديد المهام والمواعيد النهائية ووضع التوقعات، وهو ما يتطلب تبنّي نهج واقعي حول كيفية تنظيم الطاقة، وتقدير حقيقة أن الموظف نفسه سيكون أكثر فعالية في بعض الأوقات من اليوم مقارنة بأوقات أخرى. وبالمثل، يجب على الموظفين أن يضعوا في اعتبارهم نمط ساعاتهم البيولوجية عند تخطيط أنشطتهم خلال اليوم؛ أي يجب إجراء المهام المُهمة عندما يكون الموظف في ذروة يقظته (عند وقت الظهيرة تقريباً وعند الساعة الـ 6 مساءً)؛ في حين يجب تحديد مواعيد المهام غير المهمة خلال الفترات التي يكون مستوى اليقظة فيها منخفضاً (في الصباح الباكر جداً، وعند الساعة الـ 3 بعد الظهر تقريباً، وفي وقت متأخر من الليل).
قد تكون القيلولة وسيلة فعالة أيضاً لتنظيم الطاقة، فهي توفر فترة قصيرة من الاستراحة التي تزيد مستوى اليقظة. وثمة العديد من الأدلة التي تدعم العلاقة بين القيلولة وتحسّن الموظف في أداء المهام بالفعل. ومع ذلك، قد يجد الموظفون المتعبون والذين لا يحصلون على عدد ساعات نوم كافية صعوبة في النوم في فترات القيلولة إذا عارضوا نمط ساعاتهم البيولوجية. لحسن الحظ، يمكن تحقيق توافق في هذا الصدد؛ أي يمكن تحديد موعد القيلولة عندما يكون مستوى اليقظة في أدنى مستوى له في الساعة البيولوجية. لذلك، يجب على المدراء والموظفين الأذكياء تحديد مواعيد القيلولة عند الساعة الـ 3 مساءً؛ أي عند العمل على المهام غير المُهمة، بحيث يكونون أكثر يقظة لاحقاً خلال الذروات الطبيعية لساعاتهم البيولوجية.
لكن من المؤسف أننا نخطئ أحياناً في فهم هذه الأمور وتنظيمها؛ إذ يقضي الموظفون صباحهم عادة في كتابة الرسائل الإلكترونية والرد عليها، وقد يستمر ذلك حتى وقت الغداء. وبعد انتهاء فترة الغداء، يكونون قد استنفدوا معظم فترة اليقظة، ثم يبدؤون إنجاز المهام المهمة التي تتطلب تفكيراً عميقاً في الوقت الذي يبدأ به مستوى اليقظة ومستوى الطاقة الانخفاض عند الساعة الـ 3 مساءً. وقد يضع المدراء موظفيهم عادة في مواقف تجبرهم على الانتهاء من مهمة معيّنة في نهاية يوم العمل، ما يضطرهم إلى إنجاز هذه المهمة طوال الفترة التي تكون فيها مستويات اليقظة منخفضة؛ أي عند الساعة الـ 3 بعد الظهر. ومع اقترابهم من الذروة الثانية لمستوى اليقظة، ينتهي يوم العمل النموذجي. وقد يأخذ المدمنون على العمل استراحة لتناول العشاء، ما يقلل من الوقت المتاح لديهم للعمل خلال ذروة اليقظة، ثم يواصلون العمل طوال المساء والليل مع انخفاض المستوى العقلي لكل من يقظتهم وأدائهم طوال مدة العمل. وفي أسوأ السيناريوهات، قد يعمل الموظف لوقت متأخر حتى منتصف الليل، ويواصل العمل حتى عندما يكون مستوى يقظته في أدنى حالاته، وتكون عيناه متعبتين ويحاول جاهداً البقاء مستيقظاً في أثناء العمل على مهمة بالغة الأهمية عند الساعة الـ 3:30 صباحاً. جميع الأمثلة التي سبق ذكرها تعكس اختلافات شائعة بين الاستراتيجية المُثلى وما يمارسه الموظفون فعلياً في حياتهم اليومية.
وكما أشرت أعلاه، ثمة اختلافات فردية في أنماط الساعات البيولوجية. النمط النموذجي في الساعة البيولوجية شائع للغاية، وهو يعكس النمط العام الذي يتبعه الجميع. ومع ذلك، هناك بعض الأشخاص ينحرف نمط ساعاتهم البيولوجية في اتجاه معين. فالأشخاص الذين يحبون الاستيقاظ باكراً، تحصل ذروة يقظتهم في وقت مبكر من اليوم، أما الأشخاص الذين يحبون السهر، فتحصل ذروة يقظتهم في وقت متأخر من الليل. ويمر الأشخاص بتحولات عدة في أنماط ساعاتهم البيولوجية خلال حياتهم بالفعل؛ فيستيقظون باكراً في مرحلة الطفولة، ثم يفضّلون السهر ليلاً في مرحلة المراهقة، ليعاودوا الاستيقاظ باكراً في مرحلة الكهولة. لكن بخلاف هذا النمط، يمكن للأشخاص من أي عمر اختيار الاستيقاظ باكراً أو السهر ليلاً.
تطرح هذه الفروقات في أنماط الساعة البيولوجية (المشار إليها باسم الأنماط الفردية) بعض التحديات والفوائد. ويتمثّل التحدي الرئيسي في مواءمة أنماط النشاط اليومي مع الساعة البيولوجية للموظف. فتعارض نمط الساعة البيولوجية لموظف ما مع جدول مواعيده يمثّل تحدياً يصعب التعامل معه؛ إذ إنه سيعاني انخفاضاً في مستوى كل من اليقظة والطاقة، ويجد صعوبة في البقاء مستيقظاً، حتى لو كان يهتم بالمهمة الموكلة إليه بالفعل. تشير بعض بحوثي الخاصة إلى أن التضارب في أنماط الساعة البيولوجية يزيد من انتشار السلوك غير الأخلاقي، وذلك لنقص الطاقة اللازمة لمقاومة الإغراءات، وهو وضع سيئ بالنسبة للموظف الذي يعمل بمفرده. أما في سياق الفِرق، فمن الصعب العثور على وقت مثالي يتوافق مع أنماط ساعات أعضاء الفريق البيولوجية لتحقيق أقصى فعالية. لكن قد يوفر هذا التنوع فرصاً إضافية أيضاً. بالنسبة للمؤسسات أو المهام التي تتطلب العمل على مدار الساعة، يمكن للمدراء تنسيق جداول عمل الموظفين بما يتناسب مع أوقات ذروة يقظتهم الطبيعية؛ بمعنى تبادل العمل بين الموظفين بحيث يعمل كل شخص في الوقت الذي يصل فيه مستوى يقظته إلى ذروته؛ وذلك يتطلب معرفة الأنماط الفردية لكل موظف واستخدام تلك المعلومات عند وضع جداول المواعيد.
توفر أوقات العمل المرنة فرصة للموظفين لمطابقة جداول مواعيدهم مع أنماط ساعاتهم البيولوجية الفردية. ومع ذلك، يضيّع المدراء فرصة استرداد القيمة من خلال فرض عقوبات على الموظفين الذين يعملون وفق جداول مواعيد تتناسب مع نمط نشاطهم الليلي. وبحسب نتائج بحثي، يفترض المشرفون أن الموظفين الذين يبدؤون العمل وينهونه في وقت متأخر يكون أداؤهم أقل، حتى إذا ماثل سلوكهم وأداؤهم تماماً سلوك شخص يعمل وفق جدول مواعيد يبدأ باكراً. وبالتالي، يجب على المدراء أن يتجاوزوا تحيزاتهم الشخصية إذا كانوا يرغبون في تحسين جداول المواعيد من أجل مواءمة الأنشطة المُهمة مع مستويات الطاقة الطبيعية للموظفين. وسيحظى المدراء الذين يراعون ذلك بموظفين مفعمين بالحيوية والنشاط بدلاً من موظفين يشعرون بالنعاس ويواجهون صعوبة في البقاء مستيقظين. فأعمالك المهمة تستحق موظفين يعملون وهم في قمة تركيزهم.