قلت له مستنكراً: “عدنان، لا بد أنك تمزح! فعاداتك الغذائية بشعة، وكل طعامك عبارة عن مقليات. وإن لم يكن مقلياً، فلا أقل من البسكويت بالشوكولاتة”. لا أتذكر أنني رأيتك مرة تأكل خضراوات. كيف تتوقع أن يكون مستوى الكوليسترول لديك غير مرتفع بهذا الشكل؟”.

أجابني مندهشاً: “ولكنني تناولتُ طعاماً صحياً في اليوم السابق للفحص”.

يبدو أن فكرة النتائج الفورية مغرية للإنسان. والإعلانات كلها تقريباً مبنية على فكرة أنك إذا اشتريت هذا المُنتج (أو أياً كان)، فستتمتع على الفور بالحب والنجاح والقوة.

إنه إغراء الفوز باليانصيب. مَنْ منا لم يفكر في أمر كهذا ولو لمرة واحدة على الأقل، تخيّل كم المشاكل التي يمكننا حلها في لحظة واحدة؟ وهل يمكن لوم عدنان لأنه توقع أن تتغير التفاعلات الداخلية بجسمه نتيجة تناوله طعاماً صحياً ليوم واحد؟

بيد أن الشواهد العملية أثبتت استحالة تحقق النتائج الفورية في أغلب الأحيان. من المؤكَّد أن أحدهم سيفوز بجائزة اليانصيب، لكن احتمالية فوزك أنت بها شبه منعدمة، ما سيعني أن فرصتك من الناحية الإحصائية تساوي صفراً.

طافت هذه الذكريات بمخيلتي عند الرد على أحد المراسلين الذي سألني عن النصيحة التي أسديها لشخص يريد أن يطلب زيادة الراتب في وقت يشهد فيه معظم الأجور حالة من الثبات أو الانخفاض. فماذا كانت إجابتي؟ لا تطلبها.

لا يرجع السبب في ذلك إلى إيماني باستحالة زيادة راتب الموظف في الوقت الحالي، بل يرجع في الأساس إلى أنك إذا لم تكن قد أمضيت العام الماضي في إرساء الأُسس الداعمة لهذا الطلب، فلن يلقى نجاحاً يُذكَر على الأرجح. لا توجد صيغة موحَّدة، لا توجد كلمات أو وضعيات مثالية، من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق نجاح سحري في زيادة الراتب بعد يوم أو يومين من التحضير.

لكن ثمة صيغة لكسب المزيد من النقاط بمرور الوقت، وإذا بدأت الآن، فسوف تؤهلك للحصول على زيادة في الراتب خلال العام المقبل.

تستند هذه الصيغة إلى أساس منطقي بسيط ينصُّ على ما يلي: يمكننا الحصول على المزيد من الأموال عندما نُثبت أننا أضفنا المزيد من القيمة. ويمكننا إضافة المزيد من القيمة عندما نمضي معظم وقتنا في التركيز على العمل الذي يعتبره كبار القادة في المؤسسة ذا قيمة. يتمثّل هذا دائماً في كل عمل يسهم في زيادة الإيرادات أو الأرباح، سواءً على المدى القصير أو البعيد.

لكن ألا نفعل ذلك أصلاً بكل ما في وسعنا؟ أعتقد أن الظروف تعمل ضدنا؛ فنحن جميعاً مثقلون بالكثير من الأعباء، ونعمل على أشياء كثيرة جداً، ما بين الرد على سيل منهمر من الرسائل الإلكترونية غير المهمة، وإبداء آراء غير ضرورية، وإهدار الوقت في التعامل مع قضايا لا يمكننا التأثير في نتائجها، وأداء أعمال بيروقراطية غير مفيدة بالمرة. لا شك في أننا جميعاً صرنا مشغولين أكثر من أي وقت مضى، لكننا غالباً لا ننجز أهم الأشياء.

هناك دائماً أشياء أهم من أشياء أخرى، ويجب إعطاؤها الأولوية دائماً. تكمن المشكلة في أن معظمنا لا يعرفون هذه الأشياء بالقدر اللازم من الوضوح، لذا يحدث أحد أمرين: إما أن نبذل القدر نفسه من الطاقة والجهد في الأشياء كلها أو نُغفل أشياء مهمة تؤثر في مسيرتنا بقوة.

وفرصتنا الوحيدة للنجاة من هذا المأزق أن نحد من هذه الضوضاء إلى أقل قدر ممكن؛ إذ يؤدي اتخاذ خيارات أكثر انتقائية ومبنية على رؤى استراتيجية حول الجانب الذي نهبه وقتنا إلى إحداث الفرق الحقيقي بين ثبات الراتب وزيادته.

وإليك الصيغة التي توصلت إليها:

  1. خلال المحادثات التي يجري خوضها هذا العام لمناقشة التعويضات، اِقبل كل ما يُعرَض عليك دون تفاوض. وإذا وجدت الظرف مناسباً، فاعترف بأنه كان عاماً صعباً، وعبّر عن امتنانك وتقديرك لما يُقدَّم لك. أوضِح أنك لا تبالي في الوقت الحالي بزيادة الراتب وأن اهتمامك ينصبُّ على كيفية تحقيق قيمة هائلة تضيف إلى المؤسسة، هذا ما يجدر بك أن تتحدث عنه.
  2. فكّر كما لو كنت مساهماً في الشركة. اطرح الكثير من الأسئلة حول الاستراتيجية والقضايا التي تؤرِّق كبار القادة وتأثير قسمك على الإيرادات أو الأرباح والجوانب التي يهتم بها مديرك المباشر. تعاون مع مديرك لتحديد أهم شيئين أو 3 أشياء يمكنك العمل عليها وترى أنها ستسهم في تعزيز إيرادات الشركة أو أرباحها. وبمجرد الانتهاء من هذه المحادثة، ستعرف الجوانب التي يجب التركيز عليها في العمل وتستحق عليها زيادة الراتب.
  3. الآن ضع هذين الشيئين أو الثلاثة على رأس قائمة مهامك. تأكد أن أغلبية جهودك تسهم في تقدُّم المؤسسة في هذه المجالات. وأطلع مديرك على قائمة مهامك، مع التأكد من توافقكما على الجوانب المهمة وكيفية تأثيرها في المؤسسة. ابذل كل ما في وسعك لقياس تأثيرك. وإذا طالبك مديرك بفعل أشياء أخرى بخلاف أهم شيئين أو 3 أشياء، فحاول تأجيله وابحث معه الأمر في محادثة ثنائية بينكما. ستضطر بكل تأكيد إلى العمل على أشياء غير مهمة؛ لكن عليك أن تتخذ قراراً استراتيجياً بعدم بذل جهود ضخمة في هذه الأشياء. ابذل ما يكفي من الجهد لتدبر أمرها كيفما كان، فهي لا تشكّل لك أهمية حقيقية على أي حال.

بعد نحو 6 أشهر من هذا التركيز المكثّف على جوانب محددة، ستغدو جاهزاً لإجراء محادثة أخرى مع مديرك لتحديد التأثير الذي أحدثته وإثبات أنك أضفت قيمة هائلة في أهم الجوانب.

ستكون مستعداً خلال هذه المناقشة للتحدث عن زيادة حقيقية في الراتب. هذا هو التوقيت المناسب لأن معظم المؤسسات تبدأ التفكير في الميزانيات المخصَّصة للإدارات والترقيات قبلها بنحو 6 أشهر.

وإليك سر قوة هذه الصيغة: أنها لا تحتوي على أي خُدَع، بل تصبُّ في مصلحة الجميع. وإذا ركزت على أهم الأشياء، حتى لو استلزم ذلك أن ترفض تلبية رغبات مديرك عندما يطلب منك العمل على أشياء تافهة، فستزداد إنتاجيتك في النهاية وستزداد إنتاجية مديرك وستزداد إنتاجية المؤسسة ككل. وهكذا سيزداد رصيدك، وستصير وظيفتك أكثر أماناً وستزداد فرص حصولك على الترقيات.

سألتُ عدنان: “والآن بعد أن علمتَ أنك تعاني ارتفاع الكوليسترول، هل ستغيّر عاداتك الغذائية؟”.

أجابني عدنان بلهجته المعتادة: “لا، فأنا أتناول أقراصاً علاجية. سينخفض مستوى الكوليسترول لديّ خلال بضعة أيام ولا يزال بإمكاني تناول أي طعام أريده”.

لعلي أحب فعل الأشياء بالطريقة الصعبة، ولكن على حد علمي، لا توجد أقراص علاجية تتيح لك الحصول على زيادة في الراتب. على الرغم من ذلك، فحينما يشهد معظم مجالات العمل ثبات الأجور أو حتى انخفاضها، من الجيد أن تعرف على الأقل أن ثمة صيغة تتيح لك تغيير المعادلة.

*جرى تغيير الأسماء وبعض التفاصيل.