لا يخفى على أحد أن معظم البنية التحتية في الولايات المتحدة الأميركية في حاجة ماسة إلى الإصلاح أو التحديث وأن العديد من المدن تكافح من أجل تلبية احتياجات البنية التحتية وتوفير مساكن بأسعار معقولة. ولا يختلف اثنان على أن أي استثمار في البنية التحتية يجب أن يحقق فائدة أعلى من كل دولار يُستثمر، عبر زيادة إنتاجية قطاع البناء.
لم يتجاوز متوسط معدل نمو إنتاجية العمل على المستوى العالمي في قطاع البناء 1% سنوياً على مدار العقدين الماضيين، وظل ثابتاً في معظم الاقتصاديات المتقدمة. أما في الولايات المتحدة، فإنّ إنتاجية العمالة في قطاع البناء هي اليوم أقل مما كانت عليه في العام 1968. وبخلاف ذلك، ازدادت الإنتاجية في العديد من القطاعات الأميركية بما في ذلك الزراعة والصناعة التحويلية عشرة إلى خمسة عشر ضعفاً منذ خمسينيات القرن الماضي.
خلص بحثنا في مركز ماكنزي العالمي للأبحاث إلى أن صناعة البناء والتشييد قادرة على تحسين الإنتاجية بنسبة 50% إلى 60% من خلال تبني أفضل الممارسات والابتكارات في سبعة مجالات: التشريعات المنظمة والعلاقات التعاقدية وعمليات التصميم والهندسة وإدارة المشتريات وسلسلة التوريد والتنفيذ في الموقع والتكنولوجيا الرقمية والمواد الجديدة والأتمتة أو التشغيل الآلي المتقدم وتنمية القوى العاملة.
لا يمكن لجهة واحدة فاعلة في القطاع أن تحل بمفردها التحدي الذي تطرحه الإنتاجية. وسيكون على أصحاب المشاريع في القطاع الخاص، والجهات المشرفة على تنفيذ مشاريع القطاع العام على المستوى الفيدرالي والولايات والمستوى المحلي، وقطاع الهندسة والبناء أن يعملوا على دفع عجلة التغيير لإخراج القطاع من المأزق الذي يعاني منه في الوقت الراهن. يجب أن يكون المالكون والجهات الممولة المستفيدين الرئيسيين من الانتقال إلى نموذج يحقق إنتاجية أعلى، لكنهم يميلون إلى تجنب المخاطر؛ إنهم بحاجة إلى روّاد أعمال منتجين يمكنهم الوثوق بهم ويوفرون لهم القدرة على الاختيار والجودة العالية والأسعار المنخفضة للمشاريع الكبيرة، قبل أن يتمكنوا من تغيير ممارسات الشراء وبناء القدرات في إطار نموذج جديد. سيخسر العديد من رواد الأعمال من إيراداتهم وهامش ربحهم جراء الانتقال إلى المنافسة القائمة على الإنتاجية إذا لم تواكبهم في ذلك الجهات الممولة والفاعلون في القطاع الأوسع. ولن يكون التحول إلى المنافسة القائمة على الإنتاجية جذاباً بمعزل عن تمكين رواد الأعمال من توسيع النطاق (والقدرة على التكرار) اللازمين لتحقيق كفاءات التكلفة من مكاسب الإنتاجية التي تفوق خسائر الإيرادات جراء نقاط السعر الأكثر انخفاضاً وانخفاض مطالبات العملاء، وتوفر الاسترداد على الاستثمارات المدفوعة مقدماً والمستمرة في التكنولوجيا أو بناء المهارات.
ينقسم سوق الإنشاءات الأميركي إلى نصفين يتميز كل منهما عن الآخر: الأطراف الفاعلة الكبيرة التي تعمل على مشروعات مدنية وصناعية كبرى، ورواد الأعمال الأصغر حجماً المتخصصون في تنفيذ مشاريع محددة. الشركات التي يقل دخلها السنوي عن مليون دولار تحقق نصف إنتاجية الشركات ذات الإيرادات التي تتجاوز 10 ملايين دولار. ومع ذلك، ليس النصف الكبير الذي يحقق إنتاجية أعلى ويعمل على نطاق واسع في القطاع محصناً إزاء انخفاض إنتاجية النصف الآخر. إذ تتعاقد الشركات الكبيرة بشكل روتيني مع رواد أعمال متخصصين أصغر حجماً، وبالتالي تنخفض إنتاجيتها في المجال المدني والصناعي وتشييد المباني، بما في ذلك المتعاقدون من الباطن، بنسبة 12% و26% و28% على التوالي. لذلك، يجب أن ينطبق أي إجراء لزيادة إنتاجية القطاع على سلسلة التوريد بأكملها وعلى القسمين اللذين يؤلفان السوق.
يؤثر التشرذم أيضاً على القوى العاملة، ولاسيما بناء المهارات والتدريب على الأدوات أو الأساليب الجديدة التي يمكن أن تسرع الإنتاجية. ونظراً لحجم الطلب، لا يمكن للشركات العثور على ما يكفي من العمال المهرة، مثل النجارين والسباكين والكهربائيين.
كما أن شركات الإنشاءات لا تستثمر سوى القليل في التكنولوجيا والأتمتة والأدوات الرقمية التي يمكن أن تتيح لها تحقيق مكاسب إنتاجية كبيرة. في الولايات المتحدة، يحل قطاع البناء في المرتبة الثانية قبل الأخيرة من حيث استخدام التكنولوجيا الرقمية، قبل الزراعة، وفق مؤشر الرقمنة لدى مركز ماكنزي العالمي للأبحاث. يجد المؤشر أوجه قصور معينة في قدرة القطاع على استخدام الأدوات الرقمية لتسهيل تفاعل المعنيين وفي معدل نمو الأدوات الرقمية المتاحة للقوى العاملة في الخطوط الأمامية.
لدى التكنولوجيا القدرة على تغيير هذا الوضع من خلال خلق مزيد من الشفافية والمنافسة بين رواد الأعمال الصغار. لقد ظهر عدد قليل من الأسواق عبر الإنترنت في السنوات الأخيرة للأفراد الذين يتطلعون إلى استئجار رواد أعمال محليين، لكننا لم نر بعد سوقاً رقمياً لديه القدرة على إحداث اختراق ويمكن استخدامه من قبل جهات التمويل وكبار رواد الأعمال.
على نطاق أوسع، كان لاستخدام التقنيات الرقمية في البناء فوائد كبيرة واضحة بالنسبة للإنتاجية. في مشروع بناء نفق شارك فيه حوالي 600 بائع، لجأ رائد الأعمال إلى حل المنصة الواحدة لتقديم العطاءات والمناقصة وإدارة العقود. لقد وفر هذا على الفريق أكثر من 20 ساعة عمل في الأسبوع، وقلل الوقت المخصص لكتابة التقارير بنسبة 75% وسرع عمليات إرسال المستندات بنسبة 90%. في حالة أخرى، وفر مشروع للسكة الحديد بقيمة 5 مليارات دولار أكثر من 110 ملايين دولار وعزز الإنتاجية باستخدام تدفقات العمل الآلية للمراجعات والموافقات.
لقد كان للروبوتيات تأثير كبير بالفعل على إنتاجية الصناعات التحويلية ويمكنها أن تفعل الشيء نفسه في مجال البناء. عناصر البناء القابلة للتكرار إلى حد كبير، مثل رص الطوب ورصف الخرسانة، بدأت بالفعل في استخدامها. وحققت الشركات في أستراليا والولايات المتحدة زيادة في إنتاجية البناء بنسبة تزيد عن 100% من خلال استخدام روبوتات في رص حجارة البناء.
قد تتغير ديناميّات القطاع من خلال الانتقال إلى نظام الإنتاج الضخم الذي يتم فيه تصنيع الوحدات والألواح المصبوبة مسبقاً وتيسير وتبسيط العمل في الموقع نفسه، بالنسبة لبعض أعمال البناء ذات الهيكليات القابلة للتكرار، مثل الإسكان الميسور التكلفة. ستنتفي مع مثل هذا النهج غالبية إخفاقات السوق التي تقيد إنتاجية الصناعة. وتشير الأدلة على وفورات التكلفة والوقت التي حققتها الشركات التي تستخدم نظام الإنتاج إلى أن الإنتاجية قد تزيد من خمس إلى 10 مرات.
الفرصة كبيرة. لو نجحت الإنتاجية العالمية في مجال البناء في اللحاق بالاقتصاد الكلي على مدار العشرين عاماً الماضية لارتفعت القيمة المضافة للقطاع بمقدار 1,6 تريليون دولار؛ وثلث هذه الفرصة في الولايات المتحدة وحدها. ليس هناك من سبب يدعو للانتظار. هناك الآن فرصة واضحة لتحسين كيفية تخطيط وتسليم البنية التحتية في أميركا.