كيف تزيد الشركات متوسطة الحجم مبيعاتها في العالم الافتراضي؟

7 دقائق

ملخص: تُظهر البيانات أن الحفاظ على العلاقات مع العملاء كان تحدياً كبيراً بالنسبة للشركات متوسطة الحجم في عام 2020، وعمليات البيع الشخصي هي على الأغلب عامل تمييز مهم بين هذه الشركات، التي لا تملك كثيراً من الموارد التي يمكن استثمارها في أدوات البيع الرقمية وتدريب الموظفين كما تفعل الشركات الكبيرة. لكنّ بعض الشركات متوسطة الحجم استطاعت التكيف مع أساليب البيع الافتراضي وزيادة المبيعات في العالم الافتراضي، ولم تكتف بالحفاظ على مبيعاتها في أثناء الجائحة. وكان ذلك عن طريق الاستفادة من الاتصالات عبر الإنترنت في إضفاء طابع إنساني على تعاملها مع العملاء، ما زاد كفاءة عمليات البيع وأخرجها عن حدودها الجغرافية التقليدية بقوة.

غالباً، يعتبر مندوبو المبيعات الذين يضيفون لمسة شخصية على عمليات البيع بمثابة عامل تمييز مهم بين الشركات متوسطة الحجم. إذ إن مندوبي المبيعات، الذين أمضوا وقتاً أطول في محاورة العملاء وبذلوا جهداً إضافياً لتخصيص العروض لهم، منحوا كثيراً من الشركات متوسطة الحجم ميزة ساهمت في تفوقها على الشركات المنافسة الأكبر حجماً التي تتبع نظاماً بيروقراطياً أكثر، والشركات الأصغر حجماً ذات الموارد الأقلّ.

لكن، أدت الجائحة إلى إعاقة فرق المبيعات في الشركات متوسطة الحجم، إذ منعت المندوبين من مقابلة العملاء بصورة شخصية. أجريت دراسة استقصائية في نهاية العام الماضي، وتوصلت إلى أن الحفاظ على العلاقات مع العملاء كان أهم التحديات التي واجهتها الشركات الأميركية متوسطة الحجم. كان هذا التحدي واحداً من 5 تحديات حددتها الدراسة، لكنه كان الوحيد الذي استمر بالتفاقم على مدى الأشهر التسعة الأولى من عام 2020.

ما الذي يمكن لقادة الشركات متوسطة الحجم فعله من أجل الحفاظ على الطابع الشخصي في تعامل فرق المبيعات مع العملاء؟ كيف يمكن لمندوبي المبيعات في هذه الشركات تفادي محاولة الاحتفاظ بالعملاء عن طريق تقديم تخفيضات على الأسعار، وهو الأسلوب الذي يحابي الشركات الكبيرة القادرة على الوصول إلى أسواق رأس المال والاستفادة من الاحتياطات النقدية للمؤسسات الكبيرة؟ كيف ستتمكن هذه الشركات من التنافس مع العمليات الأكثر تطوراً في الشركات الكبيرة القادرة على استثمار عشرات الملايين من الدولارات في تبني أدوات البيع الرقمية وتدريب الموظفين؟

من خلال أبحاثنا ومراقبة عمل عملائنا، رأينا أن فرق المبيعات في بعض الشركات متوسطة الحجم كانت قادرة على الاستمرار بالعمل في أثناء الجائحة. ويمكن تصنيف الاستراتيجيات التي تتبعها فرق المبيعات هذه بثلاث طرق، وهي: استخدام التواصل عبر الإنترنت لإضفاء طابع إنساني على التعامل مع العملاء؛ وتحقيق كفاءة أكبر في عمليات البيع؛ والخروج بقوة عن الحدود الجغرافية التقليدية. 

بناء روابط بشرية في عالم افتراضي

أُجبر مندوبو المبيعات على استخدام البريد الإلكتروني والقنوات الرقمية الأخرى للعمل، فلجؤوا غالباً إلى استخدام الرسائل الشكلية الموحدة. وذلك بسبب فكرة أنه إذا لم يكن بالإمكان التحدث إلى مع العملاء الحاليين أو المحتملين وجهاً لوجه، فمن الضروري صياغة رسائل جماعية عبر الإنترنت. لكن هذه الفكرة تغفل عن الطرق الكثيرة التي يمكن اتباعها لجعل العلاقات التي ننشئها مع العملاء بوساطة التكنولوجيا شخصية وقوية. وجدنا أن فرق المبيعات الأكثر فاعلية في الشركات متوسطة الحجم لا تستخدم التكنولوجيا كقناة لإرسال عروض المبيعات الموحدة الجماعية إلى أعداد كبيرة من العملاء، بل تعتبرها وسيلة قادرة على إضفاء طابع شخصي على التواصل معهم.

خذ مثلاً شركة الاستشارات الفنية "كيفن باري آرت أدفايزوري" (Kevin Barry Art Advisory - KBAA) ومقرها مدينة لوس أنجلوس، فقد اتبعت هذا الأسلوب من أجل تثبيت مبيعاتها، وتمكنت من الحصول على مشاريع جديدة على الرغم من التحديات الهائلة. تأسست هذه الشركة في عام 1995، ولديها حوالي 50 موظفاً منهم 7 مندوبين للمبيعات. تقدم الشركة استشارات فنية من أجل إنشاء تصميمات داخلية مذهلة للمكاتب ومراكز الرعاية الصحية ومرافق الرعاية الدائمة للمسنين، وفنادق راقية مثل "سانت ريجس" في مدينة تورونتو ومنتجع "بالمز" في مدينة لاس فيغاس. وفي قطاع السفر، تمثل خدمة شركة "كيفن باري" إحدى الخدمات الفاخرة في وقت يلجأ فيه الجميع إلى خفض الميزانية بدرجة هائلة، لكن عندما تراجعت الأعمال في قطاع السفر، تراجعت معها عائدات شركة "كيفن باري" في هذا القطاع أيضاً.

نوهت رئيسة الشركة، أليسون باري، إلى أن الجائحة دفعت الشركة إلى إعادة النظر في أساليبها، إذ قالت: "مع انتشار الفيروس والخوف والموت في كل مكان، أخذنا نتساءل عما يناسبنا من الناحية التسويقية". فتوصلت الشركة إلى استراتيجية بناء روابط إنسانية من خلال التعامل عبر الوسائط الافتراضية مع العملاء الحاليين والمحتملين. فألغت الخطابات الترويجية من مكالمات المبيعات، وركزت فيها على طرح أسئلة على العملاء حول مدى تأقلمهم مع الأزمة كأشخاص. كما دربت الشركة مندوبي المبيعات على الظهور بمظهر حسن في الاجتماعات عبر منصة "زووم"، وألزمتهم بتشغيل الكاميرا دائماً. وكي تثبت شركة "كيفن باري" براعتها وتقدمها فيما يخص النواحي الجمالية، أنشأ قسم الرسوم المصورة خلفيات تعرض أعمالاً فنية مبتكرة تظهر خلف المندوبين في اتصالاتهم مع العملاء عبر الفيديو.

كما قطعت الشركة شوطاً أبعد باستراتيجيتها عن طريق تكييف أساليبها التي كانت تتبعها في بناء العلاقات قبل الجائحة، وبدلاً من الالتقاء بالعملاء المحتملين لتناول وجبة أو فنجان قهوة، أرسل مندوبو المبيعات الأدوات التقليدية لتحضير المشروبات إلى العملاء ليفتحوها في أثناء الاجتماع عبر منصة "زووم". ومع استمرار الجائحة، بدأ مندوبو المبيعات بترتيب مواعيد لممارسة ألعاب جماعية مع عملائهم للمساعدة في نشر الألفة بينهم. قدّر كثير من العملاء هذه اللمسات، وقال لنا باري: "قال لي كثير من أصدقائي من العملاء إنهم لم يضحكوا بهذا الشكل منذ فترة طويلة، وإنهم كانوا بحاجة ماسة إلى هذا الضحك".

ومع استقرار الأعمال، اتخذت شركة "كيفن باري" قراراً جريئاً بزيادة استثمارها في المبيعات حتى وإن كانت العائدات منخفضة. فعينت مستشاراً خارجياً لمساعدتها في إدارة استراتيجية المبيعات والتحضير للنمو في فترة ما بعد الجائحة. كان التركيز الرئيسي في الاستراتيجية موجهاً إلى تشكيل فرق مبيعات أفضل كي يتمكن كل مندوب من زيادة الوقت الذي يمضيه في البيع وتقليل الوقت الذي يمضيه في إدارة المشاريع التي تم بيعها. فارتفع عدد المشاريع النشطة بالفعل بنسبة 11% على مدى 4 أشهر انتهت في يوم 31 يناير/كانون الثاني من عام 2021. تتوقع الشركة أنه عن طريق نهجها الافتراضي ذي الطابع الإنساني وإعادة هيكلة فرق المبيعات، ستتمكن من زيادة حجوزات المبيعات بنسبة تتراوح بين 20% و50% بحلول فصل الصيف.

قامت عدة شركات متوسطة الحجم أخرى بتكييف أساليبها المتبعة في المبيعات لتتلاءم مع القيود التي تفرضها الجائحة. خذ مثلاً شركة "سيسركو" (Syserco)، وهي شركة يقع مقرها في منطقة خليج سان فرانسيسكو وتضم 200 موظف، وتقوم بتصميم أنظمة إدارة الطاقة وتركيبها. مع بدء فرض قيود الحجر المنزلي، اضطر رئيس الشركة التنفيذي ديريك إيغرز لإيقاف عدة مشاريع لتطوير الحيز المكتبي ووضعها جانباً، وبدا من غير المحتمل أن تتمكن الشركة من تحقيق إيرادات سنوية تضاهي ما حققته قبل الجائحة، وهو مبلغ وصل إلى 80 مليون دولار. كان مندوبو المبيعات متحمسين لزيادة الأرباح وتنمية العلاقات مع العملاء، لكنهم شعروا بالإحباط بسبب عدم قدرتهم على مقابلة العملاء المحتملين شخصياً واستضافتهم. لذا، فكروا بطرق مبتكرة. فأعد أحدهم عصيراً تقليدياً لذيذاً وأوصله إلى باب منزل عميل كان معروفاً بحبه لهذا النوع من المشروبات، واتصل به ليخبره بشأن الهدية.

كما حوّلت الشركة تركيز فريق المبيعات عن المباني الإدارية وتوجيهه نحو قطاع التقنية الحيوية الذي استمر بالنمو على الرغم من الجائحة. ونتيجة لذلك، ارتفعت إيراداتها في الربع الأخير من العام الماضي بنسبة 21% عن مبيعات الربع الذي قبله. يعزو إيغرز النجاح الذي حققته شركته إلى تواصل فريق المبيعات مع العملاء على نحو شخصي، إلى جانب التوجه الجديد في تركيز فرق المبيعات.

تحقيق كفاءة أكبر في مسار المبيعات

تبنت الشركات متوسطة الحجم التي كان أداؤها جيداً في أثناء الجائحة أساليب البيع بوساطة التكنولوجيا من أجل الوصول إلى عدد أكبر من العملاء المحتملين بصورة أسرع وأكثر فاعلية وبتكلفة أقلّ.

خذ مثلاً "تحالف الرؤساء التنفيذيين" (Alliance of Chief Executives) الذي يقع مقره في منطقة خليج سان فرانسيسكو، فقد تمكن من تحسين فاعلية عملية التوظيف بدرجة كبيرة. يضم التحالف أكثر من 300 رئيس تنفيذي يقود كثير منهم شركات متوسطة الحجم، ويعقد اجتماعات يناقش الأعضاء فيها القضايا الاستراتيجية والحساسة فيما بينهم. شهد التحالف نمواً مطرداً في عدد الأعضاء والاجتماعات والعائدات منذ تأسيسه في عام 1996، وبدأ مؤخراً بتوسيع خدماته لتصل إلى الرؤساء التنفيذيين خارج حدود كاليفورنيا الشمالية.

يتألف فريق تطوير العضوية في التحالف من 15 موظفاً يحملون على عاتقهم مسؤوليات مزدوجة تتمثل في إقناع الرؤساء التنفيذيين بالانضمام إلى المؤسسة، وتحديد المرشحين المناسبين. قبل الجائحة، كانت العملية تستغرق ما بين شهرين و4 أشهر وكان معدل نجاحها يبلغ 24%، وكان المرشحون المهتمون بالتحالف شديدي الانشغال ولا يملكون وقتاً لحضور اجتماعات العضوية بصورة شخصية.

لكن القيود التي فرضت بسبب الجائحة أجبرت الاتحاد على تبسيط النهج الذي يتبعه. فأصبح أفراد الفريق اليوم يستفيدون بدرجة أكبر كثيراً من حساباتهم الشخصية على منصة "لينكد إن" من أجل التعرف على الأعضاء المحتملين والتواصل معهم شخصياً، وإذا بدا لهم أن أحد المرشحين مناسب للاتحاد، يقدمون له عرض الانضمام إليه. سمح هذا النهج للمندوبين باكتساب ثقة المدراء التنفيذيين وبناء علاقات معهم بصورة مسبقة بدلاً من أن بدء العلاقات معهم بعرض الانضمام إلى الاتحاد. كما كان عقد الاجتماعات عبر اتصال الفيديو مفيداً، إذ تمكن المندوبون من الحصول على مواعيد ضمن جداول عمل الرؤساء التنفيذيين عن طريق طلب إجراء مكالمات فيديو سريعة بدلاً من الاجتماع لمدة ساعة كاملة، إلى جانب أنهم وفروا كثيراً من الوقت الذي كان يخصص للسفر ويثقل جداولهم.

في عام 2020، أدى نهج المبيعات الجديد إلى زيادة عدد المحادثات الأولية مع الأعضاء المحتملين بنسبة تزيد عن 50% شهرياً، وخفض متوسط وقت إنهاء عملية البيع بنسبة 40%. ازداد عدد الأعضاء الجدد بنسبة 29%، وتم تحقيق معظم الأرباح بعد بدء العمل بإجراءات الإغلاق العام التي فرضت نتيجة للجائحة.

التخلص من المسافات الجغرافية على اعتبارها عائقاً للمبيعات

إلى جانب تحسين كفاءة المبيعات، أتاح قبول الشركات متوسطة الحجم لتقنيات الاتصال الرقمي التخلص من عوائق المسافات الجغرافية، ما فتح فرصاً جديدة للمبيعات. فبدأت شركات كثيرة بتوسيع عملياتها إلى مناطق كانت في السابق أبعد مما يمكن لمندوبي المبيعات الوصول إليها، ما قد يولد مكاسب غير متوقعة من المناطق التي لا تحصل على كفايتها من الخدمات. وبعد أن اقتصر نشاط تحالف الرؤساء التنفيذيين على منطقة كاليفورنيا الشمالية على مدى 24 عاماً، بدأ ببناء عضويات جديدة في ولاية أريزونا في وقت قياسي، ما ساهم في 8% من إجمالي نمو الإيرادات.

تقوم الشركات متوسطة الحجم أيضاً بإعادة النظر في طرق إعداد فرق المبيعات لديها. في السابق، كان تنظيم كثير من فرق المبيعات يتم وفقاً للمناطق الجغرافية من أجل تقليل وقت السفر وتكاليف التعامل الشخصي مع العملاء. أما الآن، بعد أن أصبحت الشركات تتواصل مع عملائها عبر التقنيات الافتراضية، أصبح بالإمكان اختيار المندوبين وفقاً لمدى ملاءمتهم للعملاء على صعيد الشخصية والمعارف والخبرات من أجل ضمان قدرتهم على العمل بفاعلية أكبر. وتم التخلص من تكاليف السفر وأصبح بإمكان مندوبي المبيعات إجراء عدد أكبر من الاتصالات.

قبل الجائحة، كان عمل فريق المبيعات مع خبراء المجال مكلفاً وصعباً، وكانت جداول عمل الخبراء المطلوبين بشدة مقيدة. بيد أنّ هذا الحال تغيّر الآن، إذ أصبح بإمكان الخبراء التواصل مع مزيد من العملاء المحتملين عبر اتصال الفيديو الذي أثبت فائدته الكبيرة لبعض الشركات، كالتي تقدم خدمات مهنية لا يتطلب إيصالها حضور المندوب شخصياً. وفي حالة تحالف الرؤساء التنفيذيين، أتاح اتصال الفيديو للرئيس التنفيذي بول ويتكاي المشاركة أكثر في تطوير الأعضاء الجدد، ما أدى إلى ارتفاع معدل الصفقات التي تم إنهاؤها بغض النظر عن الموقع الجغرافي. وحتى بعد الجائحة، سيكون من الحكمة أن تقوم الشركات بإعادة تقييم الحالات التي تستدعي عقد اجتماع شخصي والتي يكون فيها عقد الاجتماع عبر اتصال الفيديو أفضل.

يجب ألا تعود عمليات البيع إلى الأساليب التي كانت متبعة قبل الجائحة

مع انتشار التطعيم على نطاق واسع، من المتوقع أن يتعافى الاقتصاد أو أن يشهد طفرة جديدة. ولكن كي تتمكن الشركات متوسطة الحجم من الاستمرار في المستقبل المنظور، يجب على فرق المبيعات التكيف مع الظروف الحالية كي تتمكن من التغلب على العائق المتمثل بعدم القدرة على مقابلة العملاء بصورة شخصية. فالتغييرات التي نجمت عن الجائحة، كزيادة الاعتماد على تقنيات الاتصال عبر الفيديو، لن تختفي، والشركات الذكية هي التي ستسعى لاستثمارها والانتفاع منها زيادة المبيعات في العالم الافتراضي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي