دراسة امتدت لعشر سنوات تكشف: زملاؤك في العمل يحبّونك أكثر مما تعتقد

4 دقيقة
فجوة الإعجاب
shutterstock.com/manka_web
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: هل يدرك المرء حقيقة الانطباعات التي يتركها لدى الآخرين، أو أن مخاوفه تقوده إلى افتراض الأسوأ؟ بعد قرابة 10 أعوام من الأبحاث وعشرات الآلاف من الملاحظات، توصل كاتبو المقالة إلى الإجابة الآتية: يحط الإنسان من قدر إعجاب الآخرين به، وهذا التحيز له تداعيات مهمة على العمل الجماعي.

تؤثر المحادثات الأولية بدرجة كبيرة في كيفية تطور العلاقات بين الأفراد بمرور الوقت، وينشغل بال المرء بطبيعة الحال بالانطباعات التي يظن أن الآخرين كوّنوها عنه بمجرد إنهاء حديثه مع أحدهم للمرة الأولى، فيتساءل في حيرة: “هل أعجب بي أو كان يعاملني بلباقة فحسب؟”، “هل كان كلامي يبعث على المرح أو مفعماً بالإساءة؟”، “هل كان سكوته لإمعان التفكير، أو لأنه كان يشعر بالملل الشديد؟”.

أجرينا أبحاثاً في علم النفس، تساءلنا خلالها عما إذا كانت هذه المخاوف تساور المرء أكثر من اللازم. هل يدرك المرء حقيقة الانطباعات التي يتركها لدى الآخرين، أو أن مخاوفه تقوده إلى افتراض الأسوأ؟ بعد قرابة 10 أعوام من الأبحاث ومراقبة عشرات الآلاف من الحالات توصلنا إلى الإجابة الآتية: يحط الإنسان من قدر إعجاب الآخرين به، وهذا التحيز له تداعيات مهمة على العمل الجماعي.

“فجوة الإعجاب”

طلبنا من المشاركين الأميركيين والبريطانيين في دراساتنا التحدث إلى شخص لم يلتقوه من قبل، مثل شخص غريب قابلوه في المختبر أو زميل جديد في السكن أو زميل مستقبلي محتمل التقوه بإحدى فعاليات بناء العلاقات. بعد ذلك، سألنا كل مشارك عن مدى إعجابه بالطرف الآخر في المحادثة وإلى أي مدى يعتقد أن الطرف الآخر أعجب به. عرّفنا “الإعجاب” في بعض الحالات بأنه “الاهتمام بالتعرف أكثر إلى الطرف الآخر” أو “إمكانية تكوين صداقة معه”، وتعمدنا في حالات أخرى عدم تعريفه، وتركناه لتقدير المشاركين في الدراسة. أتاح لنا هذا المقارنة بين فكرة المشاركين في الدراسة عن إعجاب الآخرين بهم ودرجة إعجاب الآخرين بهم فعلياً.

وجدنا مراراً وتكراراً أن المشاركين في الدراسة أنهوا محادثاتهم بمشاعر سلبية حول الانطباعات التي تركوها لدى الطرف الآخر، فمنهم مَن قال مثلاً: “لا يساورني شكٌ في أنني أُعجبت به أكثر مما أُعجب هو بي”. وهذا يعني أن الإنسان يقلل عادة من قدر إعجاب الطرف الآخر في المحادثة به واستمتاعه بصحبته، وهو وهمٌ نطلق عليه “فجوة الإعجاب“.

قد تبدو فجوة الإعجاب، أو مبالغة الإنسان في التشاؤم حيال الانطباع الذي يتركه لدى الآخرين، شيئاً لا يحدث إلا في التفاعلات الأولية، لكن ثبت أن آثارها تتجاوز حدود الانطباع الأول. ومن المثير للدهشة أن فجوة الإعجاب يمكن أن تستمر وتنقل عدواها إلى مجموعة متنوعة من العلاقات، ومنها علاقات العمل، وتدوم فترة طويلة بعد انتهاء المحادثات الأولية. على سبيل المثال، وجدنا في إحدى دراساتنا أن أعضاء الفريق الواحد الذين عملوا معاً طوال 6 أشهر لا يزالون يعانون فجوة الإعجاب. وارتبط تضخُّم فجوة الإعجاب بعدم استعداد المرء لطلب المساعدة من زملائه وتقديم آراء تقييمية صريحة وصادقة لهم والعمل معهم في مشروع آخر.

أثبتت عقود من الأبحاث أن العلاقات القوية في العمل تقلل معدل دوران الموظفين وتعزز القدرة على الإبداع وتزيد الرضا الوظيفي، والأهم من ذلك أن هذه الفوائد لا تعتمد على رأي الآخرين بنا في الحقيقة فحسب، بل تعتمد بالقدر نفسه أيضاً على فكرتنا عن رأيهم بنا، وأثبت بحثنا أن الناس قد يبالغون في تكوين معتقداتهم السلبية ما قد يؤثر على قدرتهم على النجاح في العمل.

التركيز على سلبياتنا

لماذا لا يدرك الإنسان نظرة الآخرين الإيجابية إليه؟ نعتقد أن السبب الرئيسي في ذلك هو الأفكار المرتبطة بالنقد الذاتي.

طلبنا من كل مشارك في الدراسة، بعد انتهاء محادثته الأولية مع شخص آخر، أن يكتب أبرز أفكاره والأفكار التي يعتقد أن الطرف الآخر في المحادثة كوّنها عنه. وكما توقعنا، كانت أفكار المشاركين عن أنفسهم سلبية أكثر بكثير من أفكارهم عن الطرف الآخر في المحادثة. كان بال المشاركين منشغلاً بالأشياء التي يعتقدون أنهم أساؤوا فعلها خلال محادثاتهم، ما أدى إلى تشويش قدرتهم على رؤية إعجاب الطرف الآخر بهم فعلياً. وعلى الرغم من أن التركيز على الأفكار المرتبطة بالنقد الذاتي له فوائد، مثل فهم أخطائك والتعلم منها لتحسين أدائك في المستقبل، فإنه يؤدي أيضاً إلى الحط من قدر انطباعات الآخرين الإيجابية عنك.

واتضح أن هذه الأفكار المرتبطة بالنقد الذاتي لا تظهر فجأة بعد انتهاء المحادثات فحسب، بل يمكن أن تظهر حتى عندما نتوقع إجراء محادثة. وعلى وجه التحديد، أثبتت أبحاثنا أنه عندما يتوقع المرء أن يتحدث إلى شخص يختلف عنه في العِرق أو السن أو الخلفية الاجتماعية والثقافية، أو حتى يعمل بقسم مختلف داخل الشركة، تأخذ توقعاته طابعاً تشاؤمياً فتدفعه في كثير من الأحيان إلى تجنب هذا الحديث. وهذا يعني أن فجوة الإعجاب، التي تتأثر أيضاً بكل من بالانحياز الإرادي واللاإرادي، قد يكون لها تأثير مؤسف إذ تتحول إلى حاجز يعوق بناء شبكات علاقات أكثر تنوعاً وأماكن عمل تنعم بالشمول.

تغيير مركز انتباهك

ما الذي يمكنك فعله لمواءمة معتقداتك مع الواقع على نحو أفضل؟ لا توجد إجابة بسيطة، لكن عندما يتعلق الأمر بإجراء محادثات مع الآخرين، سواء كانت محادثات خفيفة أو ذات صفة رسمية، فالعنصر الوحيد الذي يمكنك البدء به هو تغيير مركز انتباهك.

حاول التركيز على الطرف الآخر في المحادثة وأظهر اهتماماً حقيقياً به، واطرح عليه المزيد من الأسئلة واستمع إلى إجاباته بإمعان. كلما زدت تركيزك على الطرف الآخر لا على نفسك، أصبحت محادثتك أفضل وقلّ اهتمامك بما لم تفعله على النحو المطلوب.

لكن ما أسهل الكلام وما أصعب التنفيذ، فمن الطبيعي أن ينجرف انتباه المرء إلى نفسه وإلى ما يمكنه إصلاحه. على سبيل المثال، أثبتت أبحاثنا أن الناس لا ينهون محادثاتهم في اللحظات المثالية، ويسردون قصصاً محشوة بالكثير من المعلومات الجديدة التي يصعب على الطرف الآخر استيعابها؛ لكن هذه الأخطاء الحِوارية لا ترقى في نهاية المطاف إلى مستوى التقييمات السلبية التي يخشاها الناس؛ إذ يكون الطرف الآخر غالباً أكثر اهتماماً بنفسه في أثناء المحادثة، ما يعني أنه لن يلاحظ على الأرجح الأخطاء التي تستمر بالتفكير فيها. أثبتت دراساتنا في واقع الأمر أن الطرف الآخر قلما يذكر الأخطاء التي يقول الناس إنهم ارتكبوها خلال محادثاتهم.

وإليك بعض الأمثلة من بحثنا:

المشاركة الأولى: “إنها تبدو رائعة فعلاً. لكم أثارت إعجابي بشخصيتها الودودة والاجتماعية وإنجازاتها الرائعة”.

اعتقدت المشاركة الثانية أن رأي المشاركة الأولى بها كان على النحو الآتي: “لعلي بدوت متحمسة أكثر من اللازم. أتمنى أن أكون قد تركت لديها انطباعاً بأنني لطيفة”.

مثال آخر:

المشاركة الأولى: “بدت لطيفة فعلاً. كانت هادئة، لكن الحديث معها كان ممتعاً”.

اعتقدت المشاركة الثانية أن رأي المشاركة الأولى بها كان على النحو الآتي: “لست منخرطة في مجتمعي، وأنا شخصية غير اجتماعية”.

من المنطقي أن ينظر الناس بشيء من الحذر إلى المصادر المحتملة للحَرَج أو التعرُّض لحكم الآخرين وظنونهم، لكن هذه المخاوف وهمية في الغالب، أو على الأقل مبالغٌ فيها. وإحدى أفضل الطرق الجيدة للتغلب عليها هي الخروج من منطقة راحتك وبدء محادثة مع شخص جديد. اتصل بالشخص الذي كنت تنوي التواصل معه، أو قل مرحباً للزميل الذي كنت تتجنبه، أو انضم إلى إحدى فعاليات بناء العلاقات وحاول توجيه انتباهك إلى الطرف الآخر في المحادثة بدلاً من التركيز على سلوكياتك الشخصية. وتذكّر أن الآخرين يحبونك على الأرجح أكثر مما تعتقد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .