ملخص: تشكل القصص التي نرويها لأنفسنا هوياتنا وطموحاتنا وخبراتنا وتحدد معالم ما يمكننا تحقيقه. إذا كنت تسعى إلى التميز وتجريب الأشياء الجديدة وتحقيق تقدم مهني أو تحسين أدائك اليومي فعليك بزعزعة ما تقوله لنفسك، فلم لا تعيد النظر في القصص التي تقولها لنفسك؟ فقد تتوصل بذلك إلى أنك تعيق نفسك بنفسك بطرق بسيطة أو معقدة. وإذا كان الحال كذلك فبإمكانك صياغة قصة أفضل تساعدك على تحقيق توافق بين حياتك وطموحاتك. كي تفعل ذلك يجب عليك التعرف على القصص التي تقولها لنفسك وإنشاء رؤية واضحة لمستقبلك والتركيز على ما تستطيع التحكم به والإيمان بقدراتك.
تشكل القصص التي نرويها لأنفسنا هوياتنا وطموحاتنا وخبراتنا وتحدد معالم ما يمكننا تحقيقه، لكنها قد تترك آثاراً سلبية علينا أيضاً.
إذا كان تأثير القوى الخارجية مثل آراء الآخرين أو الضغوط الاجتماعية على روايتك مبالغ فيه، فهذه يمكن أن تقيدك وتحدّ مما يمكنك فعله. وبدلاً من أن تتخذ الخطوة التالية من الممكن أن تقول لنفسك إن الظروف ليست في صالحك أو إنك لا تتمتع بالذكاء الكافي. وبدلاً من السعي إلى الحصول على ترقية قد تفكر في أنك لست مؤهلاً. وبدلاً من إجراء تغيير على مسارك المهني قد تقول لنفسك إنك تقدمت بالعمر وأن هذا ليس ممكناً. إذا لم تنتبه إلى هذه القصص وتتحقق منها فستبدو لك حقيقية وصادقة وثابتة.
لكننا جميعاً قادرون على زعزعة هذه القصص السلبية وصياغة قصص أفضل، بل ونحمل مسؤولية ذلك ويعتمد نجاحنا على مدى تحقيق ذلك.
عملت مؤخراً بالتشارك مع شركة "مايكروسوفت" في تنظيم سلسلة حلقات عن قيادة التغيير تحمل اسم "فهم أسرار القادة المزعزعين" (Decoding Disruptors). إذ فكرنا في التزام شركة "مايكروسوفت" العميق بالتنوع والشمول الاجتماعي وعقلية النمو، وكان الهدف هو استكشاف العوامل النفسية لدى النساء اللاتي قمن بزعزعة قصص شركاتهنّ أو قطاعاتهنّ. وتضم قائمة النساء اللاتي تحدثت إليهن:
- رومان تشاودري مديرة الإدارة الدولية للذكاء الاصطناعي المسؤول في شركة "أكسنتشر" (Accenture).
- سيندي إيكرت، المؤسِسة والرئيسة التنفيذية في شركة "بينك سيلنغ" (Pink Ceiling).
- ميريل فار، الرئيسة التنفيذية في شركة "كينيدي رايس ميل" (Kennedy Rice Mill).
- تيريسا غاو، مؤسِسة مشاركة لشركة "أيه كرو كابيتال" (Acrew Capital).
- كاشمير نيكول، المؤسِسة والرئيسة التنفيذية في شركة "بيوتي بيكري" (Beauty Bakerie).
- بوزوما سانت جون الرئيسة التنفيذية للتسويق في شركة "إنديفور" (Endeavor).
- شيفاني سيرويا المؤسِسة والرئيسة التنفيذية في شركة "تالا" (Tala).
- ميغان سميث مؤسِسة شركة "شيفت7" (shift7).
كما هو الحال مع الرياضيين المحترفين والأبطال الأولمبيين الذين عملت معهم، كانت كلّ واحدة من هذه النساء اللاتي يأتين من خلفيات متنوعة ويعملن في مجموعة مذهلة من القطاعات قادرة على تنظيم حياتها النفسية كي تزدهر في حياتها المهنية، إلى جانب قدرتها على الانفصال عن الضجيج المحيط بها وتحمّل مسؤولية خياراتها وأفكارها وأفعالها، والأهم هو قدرة كلّ واحدة منهنّ على استجماع إحساسها بذاتها من داخلها. ويمكن أن تنطبق الدروس التي نستقيها منهنّ علينا جميعاً.
كيفية إعادة صياغة قصصك
إذا كنت تسعى إلى التميز وتجريب الأشياء الجديدة وتحقيق تقدم مهني أو تحسين أدائك اليومي، فلم لا تعيد النظر في القصص التي تقولها لنفسك؟ فقد تتوصل بذلك إلى أنك تعيق نفسك بنفسك بطرق بسيطة أو معقدة. وإذا كان الحال كذلك فبإمكانك صياغة قصة أفضل تساعدك على تحقيق توافق بين حياتك وطموحاتك.
الخطوة الأولى: احرص على استيعاب جميع القصص التي تؤثر في حياتك
الهدف هو أن تتوقف عن التطبيق اللا واعي للنص الذي فُرض عليك وتبدأ بصياغة قصتك الخاصة.
خذ كاشمير نيكول على سبيل المثال، وهي الرئيسة التنفيذية لشركة مستحضرات التجميل "بيوتي بيكري" التي تبلغ قيمتها عدة ملايين من الدولارات. عندما كانت في السادسة عشر من عمرها، كانت وحيدة تعيش مع ابنتها على قسائم الطعام وتطمح لإدارة شركتها الخاصة، وكانت تدرك أن رواية عائلتها التي تقوم على النجاة في الحياة والاكتفاء بتدبير أمورها لن توفر الحياة الكريمة التي تريدها لابنتها. وكان النقاش الذي أجرته مع رائدتي أعمال هو نقطة التحول في تفكيرها. قالت لي كاشمير: "كانتا امرأتين مثلي تحاولان فعل أمر مهم. في بلادي، تعيش كلّ النساء تقريباً الحياة نفسها، يذهبن إلى المدرسة، يتزوجن ويعشن مع أزواجهن وينجبن وينفصلن... أما ما كنت أحاول فعله فقد كان مختلفاً ومثيراً للاهتمام بدرجة كبيرة".
ثمة ممارسات كثيرة يمكنها مساعدتك على إدراك القصص التي تقيدك، ومنها اليقظة الذهنية وكتابة اليوميات وإجراء المحادثات المعمقة. ما أن تحدد هذه القصص، دوّنها وتحقق من التي تفيدك منها والتي لم تعد تفيدك.
ضع رؤية واضحة للقصة التي ترغب في أن تعيشها
حدد وجهتك قبل أن تبدأ. الرؤية هي توجيه نفسك نحو المستقبل، وعلى عكس الهدف فهي لا تملك خط نهاية واضح، بل هي كبيرة وجريئة ومتحررة وتشكل هدفاً مثالياً وليست مجرد إنجاز يشطب من القائمة بمجرد الانتهاء منه.
كانت رؤية شيفاني سيرويا، مؤسِسة تطبيق القروض على الهواتف الذكية "تالا"، تتمثل في إتاحة فرص مالية للفئات السكانية التي تعاني من التهميش تاريخياً ولا تستطيع الحصول على خدمات الائتمان التقليدية. تستخدم شركة "تالا" عن طريق تطبيقها الذكي بيانات نشاطات الهواتف الذكية لطالبي القروض من أجل قياس مستوى أهليتهم الائتمانية ومن ثم تقدم لهم قروضاً صغيرة. عملت رؤية "تالا" على زعزعة واقع عالمنا المالي الحالي مع تقديم فرصة الازدهار لأصحاب المشاريع الصغيرة في دول كينيا والمكسيك والفلبين والهند.
عندما تعمل على تشكيل رؤيتك احرص على أن تكون هادفة وذات معنى. لا يكفي أن تقول "سأنشئ شركة للتمويل متناهي الصغر"، فهذا هدف حقيقي لكنه ليس كبيراً وجريئاً بما يكفي ليشكل رؤية. بل ستكون الرؤية الأفضل شيئاً مثل: "أريد أن أثبت أن الفئات السكانية التي تهمشها المؤسسات المالية التقليدية بالكامل تتمتع بالجدارة الائتمانية بالفعل". ستكون رؤيتك حافزاً لك في الأوقات التي تعاني فيها من الصعوبات وستساعدك في التغلب على شكك بنفسك وتمنع الآخرين من إبعادك عن طريقك.
بعد أن تنتهي من صياغة رؤيتك، اطرح على نفسك 3 أسئلة:
هل تتمتع رؤيتي بالأهمية؟
هل هي أكبر مني؟
هل هي مستقبلية؟
إذا أجبت عن هذه الأسئلة الثلاثة بنعم، فقد وضعت أساساً قوياً لزعزعة روايتك.
ركز فقط على ما يقع ضمن نطاق سيطرتك
إذا كنت تسعى إلى تغيير الوضع الراهن أو إلى تحقيق مجد فستواجه تحديات وعقبات بلا شك. عندئذ، ركز فقط على أفكارك وأفعالك وسلوكك وجهودك، فهي الأمور الوحيدة التي يمكنك التحكم بها، ولا تفكر في القوى التي تقع خارج نطاق سيطرتك.
تيريسا غاو هي مستثمرة رأس المال المغامر (الجريء) ومؤسسة شركة "أيه كرو كابيتال"، وعندما وصلت إلى وادي السيليكون كانت في أغلب الأوقات المرأة الوحيدة في الغرفة. ومن غير المفاجئ أنها عانت من التحيز، لكن قدرتها على التركيز على العناصر التي يمكنها التحكم بها، مثل الاستعداد والعمل الجاد، كانت عنصراً حاسماً في نجاحها. تقول: "قد تحتاج إلى بذل جهد مضاعف في العمل ومضاعفة استعدادك مقارنة بمن يجلس إلى جوارك لأنك مختلف. فقد تكون نشأتك مختلفة أو يبدو شكلك مختلفاً عما اعتاد الناس رؤيته في السياق الذي أنت فيه، سواء كان في عالم الدراسة أو عالم الأعمال... لطالما اعتبرت ذلك فرصة لا عبئاً".
من السهل أن تركز على العوامل الخارجية التي قد تعيقنا، وهذا ما نفعله جميعاً. لكن فيكتور فرانكل انتبه للدرس الأساسي الذي يجب على الجميع تذكره، وهو: "القوى الخارجة عن نطاق سيطرتك قادرة على حرمانك من كلّ ما تملكه باستثناء شيء واحد، وهو حرية اختيار طريقة استجابتك للموقف".
عندما تعيد صياغة روايتك يجب أن تؤمن بقدراتك العاطفية والذهنية والجسدية
لا تكتف بأن تقول لنفسك إن عليك الوثوق بنفسك، فذلك لن يجدي نفعاً. بل يجب عليك أن تتبع سلوكاً هادفاً وتقدمياً ومجازٍفاً.
هذا لا يعني أن عليك تسلق قمة جبل إيفرست كي تبني ثقتك في نفسك. بوزوما سانت جون هي رئيسة التسويق اللامعة في وكالة المواهب "إنديفور" في هوليوود (بعد أن عملت في شركات "أوبر" و"آبل" و"بيتس" و"بيبسيكو")، وهي تقدم نصيحة عظيمة: "ابدأ بخطوات صغيرة، ليس عليك القفز عن السطح منذ البداية، بل اقفز عن درجة السلم الأولى مهما كانت". ستدفعك النجاحات الصغيرة قدماً، وفي نهاية المطاف عندما تبني مخزوناً من الخبرات في ذاكرتك ستتمكن من القول بكل ثقة: "أستطيع القيام بأعمال صعبة". تصف شيفاني سيرويا من شركة تالا ذلك بقولها: "يكفي أن يكون لديك إيمان ضئيل، متمثل في ثقتك بنفسك ومعرفة أنك ستصل إلى هدفك. هذا قبول نوعاً ما، بل هو اعتراف بأنك وصلت إلى ما وصلت إليه بجهدك، وليس بمحض الصدفة".
استمع ولكن انتق ما تستمع إليه
في حين أن عليك العمل انطلاقاً من بوصلتك الداخلية، لا تحجب نفسك تماماً عن انتقادات الآخرين أو آرائهم، فأصحاب الأداء الرفيع على مستوى العالم يملكون فهماً واضحاً لا يتوصل إليه أحد بمفرده. جميع النساء تحدين الخرافة التي روّج لها الإعلام والتي تقول إن النجاح في ريادة الأعمال هو ناتج عمل شخص واحد، وهو المؤسس المبدع الذي يخرج من مرآب منزله ليغير العالم.
أسست المبتكرة في مجال الرعاية الصحية سيندي إيكرت شركات بقيمة ملياري دولار. على الرغم من صراعها مع إدارة الغذاء والدواء، فإنها لم تتوقف يوماً عن الاستماع إلى ملاحظات الآخرين. تقول: "بالتأكيد سمعت انتقادات، وعقدت اجتماعات مع المنتقدين بقدر الاجتماعات التي عقدتها مع المؤيدين لأنه من المهمّ أن أستمع إلى آراء كلا الطرفين وأفكر فيها وأن أتمكن من التوصل إلى طريقة للتقدم".
قبل كل شيء، تذكر أن الأمور التي تقولها لنفسك مهمة جداً. لا تقيّد نفسك، تحقق من روايتك وتحكم بها. احرص على زعزعة ما لم يعد مجدياً، ثم شكل قصتك كي تتوافق مع رؤيتك للحياة التي تود أن تعيشها.