في مايو/أيار 2009، أعلنت شركة جنرال إلكتريك عزمها إنفاق 3 مليارات دولار على مدى السنوات الست المقبلة لإنشاء ما لا يقل عن 100 ابتكار في مجال الرعاية الصحية، وذلك من شأنه أن يخفض التكاليف بشكل كبير ويزيد من فرص الوصول ويحسن الجودة. وكان هناك منتجان سلطت الشركة الضوء عليهما وقتها: جهاز تخطيط قلب كهربائي محمول بسعر ألف دولار وجهاز موجات فوق صوتية محمول قائم على الكمبيوتر بسعر لا يتجاوز 15 ألف دولار. ويعتبر الجهازان ثوريان، ليس فقط بسبب صغر حجمهما وانخفاض سعرهما، بل لأنهما مطوران في الأساس لاستهداف أسواق الاقتصادات الناشئة (يستهدف جهاز تخطيط القلب المناطق الريفية بالهند، في حين يستهدف جهاز الموجات فوق الصوتية المناطق الريفية في الصين). ويُباع الجهازان حالياً في الولايات المتحدة ليعطيا الريادة لاستخدامات جديدة.
ونسمي العملية المستخدمة لتطوير الجهازين ونشرهما على نطاق عالمي باسم "الابتكار العكسي" (reverse innovation)، لكونها تتم بشكل يعاكس نهج "العولمة المحلية" (glocalization) الذي استخدمه العديد من مصنعّي المنتجات الصناعية في الدول الغنية على مدى عقود. ففي نهج العولمة المحلية، تقوم الشركات المحلية بتطوير منتجات رائعة في مقرها الرئيس ثم تنشرها حول العالم مع تكييفها بحسب الأسواق المحلية. ويسمح هذا النهج للشركات متعددة الجنسيات بإجراء المقايضة المثلى بين عالمية النطاق، الذي يعتبر مهماً جداً جداً لتقليل التكاليف، والتكييف المحلي اللازم لزيادة حصتها في السوق إلى أقصى حد. ولقد حقق نهج العولمة المحلية نجاحاً معقولاً في عصر كانت فيه الدول الغنية تمثل غالبية الزبائن في السوق ولا فرص كامنة في البلدان الأخرى. لكن ولّت تلك الأيام بفضل التطور السريع في البلدان المكتظة بالسكان مثل الصين والهند وتباطؤ نمو الدول الغنية.
وتحتاج جنرال إلكتريك بشدة إلى ابتكارات على غرار جهازي تخطيط القلب الكهربائي والموجات فوق الصوتية منخفضا الكلفة هذين، ليس فقط لتوسعة أعمالها فيما يتجاوز قطاعات النخبة للوصول إلى مناطق كالصين والهند، وإنما أيضاً لاستباق قيام الشركات المحلية في تلك البلدان، أي العمالقة الناشئة، تصنيع منتجات مماثلة ثم استخدامها لزعزعة حصة جنرال إلكتريك في البلدان الغنية. بعبارة صريحة: إذا أرادت جنرال إلكتريك أن تبقى أعمالها وتزدهر خلال العقد المقبل، عليها أن تصبح بارعة في الابتكار العكسي كما هي بارعة في العولمة المحلية، إذ يعتبر النجاح في البلدان النامية شرطاً أساسياً لاستمرار الحيوية في البلدان المتقدمة.
وتتمثل المشكلة في الصراعات العميقة الكامنة بين نهجي العولمة المحلية والابتكار العكسي، إذ لا يمكن للشركة ببساطة استبدال النهج الأول بالثاني، على اعتبار أن نهج العولمة المحلية سيستمر في الهيمنة على الاستراتيجية في المستقبل المنظور. كما أن النموذجان يحتاجان إلى القيام بأكثر من مجرد التعايش المشترك، إذ إن عليهما التعاون معاً. إلا أن القول شيء، والتطبيق العملي شيء آخر، نظراً لأن البنى والممارسات ذات الطبيعة المركزية القائمة على المنتجات، التي هي من صميم نهج العولمة المحلية الذي حقق النجاح للشركات متعددة الجنسيات، تعترض فعلياً مسار الابتكار العكسي الذي يتطلب بدوره لا مركزية وتركيزاً على السوق المحلية.
ويجب أن يكون كل الأشخاص والموارد المكرّسة لجهود الابتكار العكسي مشتقة من السوق المحلية وتُدار انطلاقاً من تلك السوق. كما أن فرق النمو المحلية هذه بحاجة إلى تحمل مسؤولية الأرباح والخسارة؛ والقدرة على تحديد المنتجات الواجب تطويرها لأسواقها وكيفية صنعها وبيعها وخدمتها؛ وأيضاً حق الاستفادة من الموارد العالمية للشركة. وبمجرد أن تثبّت المنتجات أقدامها في الأسواق الناشئة، عليها أن تُنشر على مستوى عالمي، وهو ما قد يعني ريادتها لتطبيقات جديدة مختلفة بشكل جذري، وإنشاء عروض بأسعار منخفضة، وحتى استخدام الابتكارات لتفكيك منتجات ذات هامش ربح أعلى تُباع في الدول الغنية. وتتناقض هذه الأساليب كلها مع نموذج العولمة المحلية. ويهدف هذا المقال إلى مشاركة ما تعلمته جنرال إلكتريك في محاولتها التغلب على هذا الصراع.
لماذا الابتكار العكسي مهم للغاية؟
يهيمن حالياً نهج العولمة المحلية لكونه يُنجز ما يعد به، إذ زادت إيرادات جنرال إلكتريك خارج الولايات المتحدة من 4.8 مليار دولار، أو 19% من إجمالي إيراداتها، في عام 1980، إلى 97 مليار دولار، أو أكثر من النصف، في عام 2008.
وظهر هذا النموذج إلى الوجود عندما كانت الفرص المتاحة في الأسواق الناشئة محدودة للغاية؛ بمعنى آخر، عندما لم تكن اقتصاداتها قد أقلعت بعد، ولم يكن ثمة وجود لشرائح العملاء من الطبقتين المتوسطة أو المنخفضة. بالتالي، كان من المنطقي للشركات متعددة الجنسيات ببساطة تقديم تعديلات على منتجاتها المخصصة للبلدان المتقدمة. وفي البداية، كانت جنرال إلكتريك، شأنها شأن باقي الشركات متعددة الجنسيات، راضية عن معدلات النمو التي تمتعت بها أعمالها في البلدان النامية، والتي تراوحت بين 15% و20%، كنتيجة لاتباع نهج العولمة المحلية.
ثم جاء سبتمبر/أيلول 2001، وفيه تولى جيف إيملت، أحد مؤلفي هذا المقال، منصب الرئيس التنفيذي لشركة جنرال إلكتريك ليضع نصب عينيه هدفاً محدداً: تسريع النمو العضوي للشركة بدرجة كبيرة وتقليل اعتمادها على عمليات الاستحواذ. وتسبب هذا في قيام الناس بالتشكيك في العديد من الأمور التي كان يُنظر إليها سابقاً على أنها مسلّمات، على غرار استراتيجية العولمة المحلية التي جعلت اختراق الشركة للأسواق الناشئة مقتصراً فقط على مناطق محدودة فيها. وأظهر تحليل دقيق لمجال الرعاية الصحية وتوليد الطاقة وتوزيع الطاقة في جنرال إلكتريك أنها في حال استفادت بالكامل من الفرص التي يتجاهلها نهج العولمة المحلية في مجتمعات مكتظة بالسكان مثل الصين والهند، ستكون قادرة على النمو ما بين ضعفين إلى ثلاثة أضعاف هناك. ولكن بهدف القيام بذلك، يتعيّن عليها تطوير منتجات جديدة مبتكرة تلبي الاحتياجات والميزانيات المحددة الخاصة بالعملاء في تلك الأسواق. وأدى إدراك هذا إلى طرح المدراء التنفيذيين في شركة جنرال إلكتريك افتراضين أساسيين:
الافتراض الأول: هل ستتطور الاقتصادات الناشئة إلى حد كبير بنفس الطريقة التي تطورت بها الاقتصادات الغنية؟
تشير الوقائع إلى عدم اتباع البلدان النامية المسار نفسه، وقد تكون قادرة بالفعل على القفز إلى مصاف البلدان المتقدمة لاستعدادها الكبير لتبني ابتكارات مذهلة. فنظراً لأن دخل الفرد هناك قليل، ترحب البلدان النامية بأي حلول تقنية تقدم أداءً جيداً بتكلفة منخفضة؛ بمعنى آخر، نسبة 50% مما يقدمه المنتج الراقي بسعر 15% منه. كما تفتقر تلك البلدان إلى العديد من البنى التحتية المتقادمة في العالم المتقدم، والتي بُنيت عندما كانت الظروف مختلفة للغاية. كما أنها بحاجة إلى منتجات الاتصالات والطاقة والنقل التي تعالج التحديات والفرص الحالية، مثل أسعار النفط غير المتوقعة والتكنولوجيات اللاسلكية المنتشرة. وأخيراً، ونظراً لعدد سكانها الهائل، تعد مشكلات الاستدامة قضية ملحة بشكل خاص لبلدان مثل الصين والهند. ولهذا السبب، من المحتمل أن تعالج تلك البلدان العديد من القضايا البيئية قبل سنوات أو حتى عقود من قيام العالم المتقدم بذلك.
ولم يعد ما سبق كلاماً نظرياً، بل بات يحدث بالفعل، إذ أصبحت الأسواق الناشئة مراكزاً للابتكار في مجالات مثل أجهزة الرعاية الصحية منخفضة التكلفة وعزل الكربون والطاقة الشمسية وطاقة الرياح والوقود الحيوي وتوليد الطاقة الموزعة والبطاريات وتحلية المياه والتمويل بالغ الصغر والسيارات الكهربائية وحتى المنازل منخفضة التكلفة.
الافتراض الثاني: لا يمكن بيع المنتجات التي تلبي احتياجات البلدان النامية في البلدان المتقدمة لأنها ليست جيدة بما يكفي للمنافسة هناك.
الحقيقة هنا أنه يمكن لهذه المنتجات أن تُنشئ أسواقاً جديدة تماماً في العالم المتقدم، وذلك إما عبر الترويج لميزة الأسعار المنخفضة بشكل كبير أو ريادتها لتطبيقات جديدة مبنية عليها.
ولننظر إلى قطاع الرعاية الصحية لدى جنرال إلكتريك في الولايات المتحدة، ذي حصة الأسد من أرباح الشركة بسبب ما كانت الشركة تجنيه من أجهزة التصوير المقطعي المحوسب (CT) وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي (MR). ولكن بهدف النجاح في عصر الوصول الأوسع وتقليل النفقات التي كانت يتحدث عنها الرئيس أوباما، من المحتمل أن تحتاج الشركة إلى زيادة عدد المنتجات التي تقدمها بنسبة 50% وبأسعار أقل. ولا يعني هذا فقط إصدارات أرخص من منتجات التكنولوجيا الراقية مثل آلات التصوير، بل على الشركة أيضاً إنشاء المزيد من العروض على غرار المَهد ذي التدفئة الذي طورته الشركة لأجل الهند، والذي يتمتع بإمكانيات تسويقه ضمن المدن الداخلية الأميركية التي فيها وفيات الرضع المرتبطة بالبرد مرتفعة.
ودعونا لا ننسى أنه يمكن في الكثير من الأحيان تحسين التكنولوجيا لترضي حتى أكثر العملاء تطلّباً. ومن الأمثلة على ذلك جهاز الموجات فوق الصوتية المدمج الذي يمكنه الآن التعامل مع تطبيقات تصوير التي كانت تتطلب سابقاً جهازاً تقليدياً. (راجع فقرة "الابتكار العكسي في الممارسة"). ومثال آخر هو محرك الطائرة الذي استحوذت عليه جنرال إلكتريك عندما اشترت شركة فضاء تشيكية مقابل 20 مليون دولار. واستثمرت جنرال إلكتريك 25 مليون دولار إضافية لتطوير تقنية المحرك وتخطط الآن لاستخدامه لتحدي هيمنة "برات آند ويتني" (Pratt & Whitney) على سوق المحركات التوربينية الصغيرة في البلدان المتقدمة. ومن المحتمل أن تقدم جنرال إلكتريك المحرك بنصف سعر محرك برات آن ويتني.
استباق العمالقة الناشئة
قبل الركود الذي تسببت به الأزمة المالية للعالم، كان قادة جنرال إلكتريك يتطلعون إلى الأسواق الناشئة كأمر مساعدة في تحقيق أهداف النمو الطموحة، لكن باتوا الآن يعتمدون على هذه الأسواق أكثر لأنهم يعتقدون أن العالم المتقدم سيعاني من فترة نمو بطيء بعد فترة الركود تلك، حيث سينمو بمعدلات تتراوح بين 1% و3% سنوياً فحسب. وفي المقابل، يمكن أن يصل النمو السنوي في الأسواق الناشئة بسهولة إلى ضعفي أو ثلاثة أضعاف هذا المعدل.
وعندما جرى نقاش بين كبار مدراء جنرال إلكتريك حول السوق العالمية قبل عشر سنوات، كان الحديث يدور عن "الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وبقية العالم". أما الآن فالحديث أصبح عن "المناطق الغنية بالموارد"، مثل الشرق الأوسط والبرازيل وكندا وأستراليا وروسيا، و"المناطق الغنية بالبشر"، مثل الصين والهند. وباتت عبارة "بقية العالم" تعني الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.
ولنكن صريحين، تتبنى الشركة أيضاً الابتكار العكسي لأسباب دفاعية، إذ أنه إذا لم تحصل جنرال إلكتريك على ابتكارات في الدول النامية وتجعلها عالمية، سيقوم بذلك منافسين جدد من الدول النامية، أمثال "مندراي" (Mindray) و"سوزلون" (Suzlon) و"غولدويند" (Goldwind) و"هاير" (Haier).
وسيكون الصينيون لاعبين أشد وطأة على أسواق جنرال إلكتريك مقارنة بالهنود، إذ إن لدى الصين خطة حقيقية للتحول إلى قوة عالمية كبرى في مجال النقل وتوليد الطاقة. وتتنافس شركة "باور جنريشن" (Power Generation) التابعة لجنرال إلكتريك بالفعل مع شركات صينية في أفريقيا، والتي ستكون منطقة حيوية للغاية للشركة. وقد تتنافس تلك الشركات ذات يوم مع جنرال إلكتريك ضمن أسواق كانت يوماً ما معقل جنرال إلكتريك.
وتستعد جنرال إلكتريك لهذا الاحتمال، حيث تُكنّ الشركة الكثير من الاحترام للمنافسين التقليديين أمثال سيمنز وفيليبس ورولز رويس، لكنها تعرف كيف تتنافس معهم، وتعرف أنهم لن يدمروا شركة جنرال إلكتريك أبداً. لكن قد تتمكن الشركات العملاقة الناشئة من ذلك، من خلال تقديم منتجات جديدة بأسعار مميزة. بالتالي لم يعد الابتكار العكسي خياراً، بل بات وسيلة للبقاء.
الصراع بين نموذجين
صاغ نهج العولمة المحلية الاستراتيجية الدولية لمدة ثلاثة عقود، مستمداً مبادئه المهيمنة حالياً من أفكار مثل استراتيجية "تخطي الحدود الوطنية" التي قدمها كريستوفر بارتليت وسومانترا غوشال، ومقايضة "التكييف-التجميع" التي قدمها بانكاج غيماوات. وعلى اعتبار أن على أي مؤسسة اتباع استراتيجية ما، فليس من المفاجئ أن تقوم العولمة المحلية أيضاً بإعادة قولبة الطريقة التي يتم بها تنظيم الشركات متعددة الجنسيات وإدارتها.
وتعتبر جنرال إلكتريك مثالاً على ذلك. فعلى مدار السنوات الثلاثين الماضية، تطورت لتحقيق أقصى قدر من الفاعلية فيما يتعلق بنهج العولمة المحلية، إذ باتت السلطة ومسؤولية الربح والخسارة متركزة ضمن وحدات الأعمال العالمية الواقعة في دول العالم المتقدم، وكانت وظائف الأعمال الرئيسة، مثل البحث والتطوير والتصنيع والتسويق، متركزة في مقرها الرئيس. وكان التركيز بشكل أساسي على تقديم المنتجات إلى البلدان الغنية، مع القيام في الوقت ذاته بنقل بعض مراكز البحث والتطوير وعمليات التصنيع إلى الخارج للاستفادة من المواهب الخارجية وخفض التكاليف.
وبينما كان لهذا النهج مزايا هائلة، تسبب في جعل الابتكار العكسي مستحيلاً، إذ يمكننا رؤية مثال على ذلك من التجربة التي مر بها فينكاترامان راجا، رئيس أعمال جنرال إلكتريك هيلث كير في الهند.
لم يعد الابتكار العكسي خياراً، بل بات وسيلة للبقاء.
تبيع جنرال إلكتريك هيل ثكير منتجاً لتصوير الأشعة السينية يسمى "سي آرم" (C-arm)، يُستخدم في العمليات الجراحية الأساسية. وهو مُنتج عالي الجودة مرتفع السعر مصمم للمستشفيات في البلدان الغنية برهنت الأدلة على استحالة بيعه في الهند. لاحظ راجا المشكلة وقدم اقتراحاً بشأنها في عام 2005، إذ أراد تطوير وتصنيع وبيع منتج أكثر بساطة وسهولة في الاستخدام وأرخص في الهند. وكان اقتراحه منطقياً، لكن لم يوافق أحد عليه في أمر لم يكن مفاجئاً لأحد.
ولو كنت قائد عمليات شركة جنرال إلكتريك في بلد نام وقتها، كما كان الحال مع راجا، يجب عليك مواجهة التالي: تتضمن مسؤولياتك الرسمية كل من الإدارة العامة وتطوير المنتجات وبيع وتوزيع وخدمة منتجات جنرال إلكتريك العالمية محلياً، وتقديم نظرة ثاقبة حول احتياجات العملاء لمساعدة الشركة على تكييف عروضها. ويُتوقع منك تقديم إيرادات للشركة تشكّل 15% إلى 20% سنوياً من مجمل أرباحها والتأكد من أن التكاليف تزيد بمعدل بطيء لكي تبقى هوامش الربح مرتفعة. كما يقع على عاتقك أيضاً مسؤولية تنفيذ الخطط. ومع كل ما سبق، يغدو من المستحيل تقريباً مجرد العثور على الوقت المناسب لنشاط خارج ما ذُكر، مثل إنشاء اقتراح لمنتج مصمم خصيصاً للسوق المحلية.
وكان كل ما سبق أقل أهمية مقارنة بالتحديات التي يجب عليك خوضها فيما يتعلق باقتراحك والمتمثلة في محاولة الترويج له في الشركة. ويتطلب القيام بذلك الحصول على انتباه المدير العام في المقر الرئيس في الولايات المتحدة، الذي هو أعلى بمرتبتين إداريتين أو أكثر من مديرك المباشر وما يعرفه عن مركز طبي مشهور عالمياً في بوسطن يزيد بأضعاف عما قد يعرفه عن عيادة ريفية خارج بنغالور. وحتى إذا تمكنت من الحصول على موعد للقائه، سيكون لديك وقت محدود لعرض اقتراحك. (كانت الإيرادات القادمة من الهند وقتها تشكل 1% فقط من إجمالي إيرادات جنرال إلكتريك، الأمر الذي جعل نصيبها من الأهمية في ذهن المدراء ذوي المسؤولية العالمية بالقدر ذاته).
وإذا كنت مُقنعاً للغاية، فقد تتم دعوتك لعرض اقتراحك على الآخرين. لكن لدى زيارتك رئيس قسم التصنيع العالمي، عليك مواجهة الحجج القائلة أن خط الإنتاج العالمي البسيط والمنسق أكثر فاعلية من العروض المخصصة. ولدى زيارتك مدير قسم التسويق، عليك معالجة المخاوف التي تقول أن المنتج الأقل سعراً سيُضعف علامة جنرال إلكتريك التجارية ويسلب حصة من مبيعاتها الحالية. ولدى مقابلتك رئيس القسم المالي، عليك أن تتصارع مع مخاوفه التي تقول إن المنتجات مخفّضة الأسعار ستقلل بدورها من هوامش الربح الإجمالية. ولدى زيارتك رئيس قسم البحث والتطوير العالمي، عليك أن تشرح سبب وجوب تحويل طاقات علماء ومهندسي جنرال إلكتريك، بمن فيهم أولئك الموجودين في المراكز التكنولوجية في الأسواق الناشئة، بعيداً عن مشاريع موجهة إلى أكثر عملائها تطوراً والذين يدفعون مبالغ أعلى للشركة.
وحتى لو حصلت على دعم كل أولئك المدراء التنفيذيين ووضعت اقتراحك موضع التنفيذ، لا يزال يتعين عليك كل عام التنافس على رأس المال أمام المزيد من المشاريع مؤكدة الربحية ذات عوائد قصيرة الأجل. وفي الوقت نفسه، بالطبع، لا يزال عليك القلق بشأن تلبية متطلبات عملك الأساسي.
بالتالي، لم يكن مستغرباً ندرة الجهود الناجحة لتطوير منتجات جديدة جذرية للبلدان الفقيرة.
تحويل مركز الثقل
من الواضح مدى صعوبة مهمة تغيير الهياكل والممارسات والمواقف الراسخة منذ زمن طويل، حيث يتعين على كبار قادة الشركة لعب دور رئيس كما هو الحال في أي برنامج تغيير رئيس.
ويجب عليهم للقيام بذلك تقصي حجم الفرصة بشكل مباشر وكيف يمكن استغلالها وتشجيع الفرق التي تدير أعمال الشركة على فعل الشيء نفسه. وكرئيس تنفيذي لشركة جنرال إلكتريك، يذهب جيف إلى الصين والهند مرتين في السنة، حيث يقضي يومه عندما يكون في الصين مثلاً ضمن مركز أبحاث جنرال إلكتريك في شنغهاي، ثم يجتمع بشكل منفصل مع عشرات الأشخاص في عمليات الشركة التجارية المحلية ليستمع إليهم يتحدثون فقط عما يعملون عليه، وما هي نقاط التكلفة، ومن هم المنافسين، وما إلى ذلك. ويدرك خلال هذه الزيارات أن ثمة مجالاً كاملاً من التكنولوجيا يجب على الشركة تطبيقه بشكل أسرع.
كما سيتحدث جيف أيضاً أثناء وجوده في الصين مع قادة الحكومة، بمن فيهم رئيس مجلس الدولة ون جياباو، حيث سيخبره الأخير عن خططه لتطوير الاقتصاد الصيني وكيف يمكن جعل الرعاية الصحية في متناول جميع المواطنين. ويتطلب تقدير الفرص في الصين بدقة إجراء محادثة مثل هذه تماماً.
أما في الهند، فسيتناول جيف العشاء مع الرؤساء التنفيذيين للشركات الهندية، حيث سيستمع في إحداها إلى أناند ماهيندرا يتحدث عن شركته، ماهيندرا آند ماهيندرا (Mahindra & Mahindra)، وكيف تصعّب حياة شركة "جون ديري" (John Deere) عبر تقديمها جرّاراً بنصف السعر الذي تقدمه الأخيرة إنما لا يزال مربحاً بشكل كبير. وتشير هذه المناقشات إلى أنه يمكنك جني الكثير من المال في الهند إذا كان لديك نماذج أعمال مناسبة.
بالتالي، تتمثل مهمة الرئيس التنفيذي لأي جهة أعمال كبيرة في ربط جميع النقاط ببعضها ثم إطلاق شرارة العمل والقيام بمنح المبادرات مكانة وتمويل خاصين ومراقبتها شخصياً على أساس شهري أو فصلي. وربما الأهم في حالة الابتكار العكسي، دفع مؤسستك إلى الخروج بالشكل التنظيمي الجديد الذي سيتيح ازدهار ابتكار المنتجات ونماذج الأعمال في الأسواق الناشئة.
نموذج محلي
ولتطوير هذا الشكل التنظيمي الجديد، قامت شركة جنرال إلكتريك بما كانت تقوم به دائماً: التعلم من تجارب الشركات الأخرى، وأيضاً حاولت إيجاد مجموعة داخلية تمكنت بطريقة ما بدورها من التغلب على العقبات وتحقيق النجاح. فخلال مراجعة الاستراتيجية السنوية، اكتشف قادة الشركة فرصة ضمن وحدة الموجات فوق الصوتية في فرع جنرال إلكتريك هيلث كير.
وتمثل معدات التصوير الطبي المتطورة نواة أعمال شركة جنرال إلكتريك هيلث كير، إذ إنه وبحلول أواخر الثمانينيات، أصبح من الواضح أن لتكنولوجيا الموجات فوق الصوتية الجديدة مستقبلاً مشرقاً. وكانت أجهزة الموجات فوق الصوتية موجودة في العادة ضمن مراكز التصوير المتطورة في المستشفيات، كباقي أجهزة التصوير الأخرى. وعلى الرغم من أنها كانت توفر جودة أقل من ماسحات التصوير المقطعي أو التصوير بالرنين المغناطيسي، كانت تقدّم ذلك بتكلفة أقل بكثير. وتهدف الشركة الآن أن تكون الأولى في قطاع الموجات فوق الصوتية.
لا يزال أكثر من 90% من سكان الصين يعتمدون على مستشفيات ضعيفة التمويل أو منخفضة التكنولوجيا أو العيادات الأساسية في القرى الريفية.
قامت جنرال إلكتريك هيلث كير على مدار السنوات العشر التي تلت ذلك بتوسعة وجودها في السوق، حيث قامت ببناء منشأة للبحث والتطوير لتطوير منتجات الموجات فوق الصوتية الجديدة بالقرب من مقرها الرئيس في ميلووكي، وأجرت عمليات استحواذ ودخلت في مشاريع مشتركة في جميع أنحاء العالم. وقامت الشركة بالتنافس في جميع قطاعات السوق الرئيسة الثلاثة، التوليد وأمراض القلب والأشعة العامة، عبر إطلاق منتجات متميزة توظف أحدث التقنيات. وبحلول عام 2000، أنشأت جنرال إلكتريك هيلث كير مراكز راسخة في السوق في الدول الغنية حول العالم.
وفي المقابل، كانت النتائج في البلدان النامية مخيبة للآمال. فبحلول عام 2000، وبمساعدة شركة شريك مشترك في الصين، رأت شركة جنرال إلكتريك المشكلة: كان الأمر الأكثر أهمية للبلدان الغنية الأداء ثم الميزات؛ أما في الصين، فالأمر الأكثر أهمية هو السعر، يليه قابلية الحمل ثم سهولة الاستخدام.
وكانت الأولويات مختلفة لأن البنية التحتية للرعاية الصحية في الصين مختلفة عن تلك الموجودة في الدول الغنية، إذ كان أكثر من 90% من سكان الصين (وما يزالون) يعتمدون على مستشفيات ضعيفة التمويل أو منخفضة التكنولوجيا أو العيادات الأساسية في القرى الريفية. ولم يكن لهذه المرافق مراكز تصوير متطورة، وكان النقل إلى المستشفيات الحضرية صعباً، خاصةً على المرضى. وعلى اعتبار أنه لا يمكن للمرضى الذهاب إلى أجهزة الموجات فوق الصوتية؛ كان على آلات الموجات فوق الصوتية بالتالي الذهاب إلى المرضى.
ولم تكن أجهزة الموجات فوق الصوتية الحالية الموجودة لدى جنرال إلكتريك قادرة على تلبية ذلك، إذ كانت ضخمة ومعقدة وباهظة الثمن، فضلاً عن أن الشركة لم تكن قادرة على تخفيض ثمنها أو إزالة ميزات منها. بالتالي، كانت بحاجة إلى منتج ثوري.
وفي عام 2002، أطلقت الشركة أول جهاز موجات فوق صوتية مدمج يجمع بين جهاز كمبيوتر محمول عادي وبرمجيات متطورة. وبيع الجهاز بسعر منخفض بلغ 30 ألف دولار. وفي أواخر عام 2007، قدمت شركة جنرال إلكتريك نموذجاً بسعر 15 ألف دولار تقريباً، أي أقل بنسبة 15% من تكلفة أجهزة الموجات فوق الصوتية المتطورة التي تقدمها الشركة. صحيح أن أداء الجهاز لم يكن مرتفعاً، لكنه حقق نجاحاً في العيادات الريفية، حيث استخدمه الأطباء في أمور بسيطة، مثل اكتشاف الكبد المتضخم ومشاكل المعدة والمثانة. كما سهّل التصميم الذي يركز على البرمجيات إمكانية تعديل الجهاز، لتحسين واجهته مثلاً، بعد ملاحظة كيفية تعامل الأطباء معه. وتعد اليوم الآلة المحمولة تلك محرك نمو أعمال جنرال إلكتريك فيما يتعلق بالموجات فوق الصوتية في الصين.
أما الأمر الآخر الأكثر إثارة فهو أن الابتكار أحدث نمواً هائلاً في العالم المتقدم من خلال ريادته لموجة تطبيقات جديدة تستهدف الوضعية التي تكون فيها قابلية النقل حرجة أو تكون المساحة محدودة، كما هو الحال في مواقع الحوادث؛ حيث استُخدمت الأجهزة المدمجة لتشخيص مشاكل مثل الإراقة الشغافية (وجود سائل حول القلب)؛ وأيضاً ضمن غرف الطوارئ، حيث تُستخدم لتحديد حالات مثل الحمل خارج الرحم؛ وفي غرف العمليات، حيث تساعد أطباء التخدير في وضع الإبر والقسطرة.
وتحوّل جهاز الموجات فوق الصوتية المحمول بعد ست سنوات من إطلاقه إلى خط إنتاج عالمي لشركة جنرال إلكتريك بقيمة 278 مليون دولار، مع نمو يتراوح ما بين 50% إلى 60% سنوياً قبل حدوث الركود العالمي. وقد يأتي يوم يحمل فيه كل طبيب عام سماعة الطبيب وجهاز موجات فوق صوتية مدمجاً في مساعده الشخصي الرقمي.
وتدين المنتجات بتطورها الناجح إلى خلل تنظيمي في جنرال إلكتريك؛ بعبارة أخرى، إلى وجود وحدات أعمال متعددة تعمل كلها على موضوع الموجات فوق الصوتية. وعلى الرغم من اختلاف الأقسام الرئيسة الثلاثة الخاصة بالموجات فوق الصوتية اختلافاً كبيراً فيما بينها، كانت غريزة جنرال إلكتريك تتمثل في اتباع نموذج العولمة المحلية عندما قامت ببناء الأعمال؛ بمعنى آخر، إنشاء منظمة عالمية متكاملة واحدة. إلا أنه وفي عام 1995، رأى عمر إشراق، الوافد الجديد الذي تم التعاقد معه لقيادة ذاك القطاع، أن عمليات الربط ستتسبب في جعلها تعمل بشكل متشابه لا يخدم أحداً بشكل جيد. بالتالي قرر إدارة ذاك القسم كثلاث وحدات أعمال مستقلة لكل منها مسؤولية أرباح وخسائر خاصة بها، وتقدم جميعها التقارير إليه.
وعندما بدأت جهود الموجات فوق الصوتية المدمجة في الصين، رأى إشراق أنه سيكون لقطاع الأعمال الجديد القليل من القواسم المشتركة مع الوحدات الثلاث التي كانت تركز بدورها على المنتجات المتطورة. بالتالي، أنشأ وحدة مستقلة رابعة تقع في وشى بالصين. وأنشأ ما يدعى "فريق النمو المحلي" هناك، الذي اعتمد على خمسة مبادئ أساسية.
1- نقل السلطة إلى حيث يوجد النمو.
من دون استقلالية، ستصبح فرق النمو المحلي أدواتاً تابعة لنمط أعمال الشركة العالمي، ولن تكون قادرة على التركيز على مشاكل العملاء في الأسواق الناشئة. وعلى وجه التحديد، هي بحاجة إلى سلطة تطوير استراتيجياتها ومؤسساتها ومنتجاتها. وفهم إشراق هذا الأمر وأعطى هذه السلطة الواسعة لديانا تانغ وجي كيه كو، وهما قائدا جهود الموجات فوق الصوتية لجنرال إلكتريك في الصين. وكان كلاهما موظفين مخضرمين في جنرال إلكتريك ولديهما خبرة عميقة في مجال الموجات فوق الصوتية، والهندسة الطبية الحيوية والإدارة العامة، وسيرة مهنية طويلة في آسيا.
2- بناء عروض جديدة من الألف إلى الياء.
وبالنظر إلى الفجوات الهائلة بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة من حيث الدخل والبنية التحتية واحتياجات الاستدامة، كان على الابتكار العكسي أن يبدأ من الصفر، إذ لم يكن في الإمكان سد فجوة الاختلافات الواسعة هذه عن طريق تكييف المنتجات العالمية للسوق المحلية.
وتم تصنيع جهاز الموجات فوق الصوتية المدمج من الصفر، على الرغم من أنه استمد تصنيعه بشدة من جهود البحث والتطوير القائمة. ففي أواخر التسعينيات من القرن الماضي، بدأت جنرال إلكتريك في أحد مراكز تطوير المنتجات لديها بتجربة ثورية جديدة، وهي تجربة نقلت أبرز عمليات جهاز الموجات فوق الصوتية من الجهاز نفسه إلى برمجية حاسوبية. فبدلاً من صندوق كبير مليء بالأجهزة المخصصة، تخيّل العلماء والمهندسون المشاركون في المشروع جهاز كمبيوتر قياسي عالي الأداء وملحقات خاصة متصلة به مثل مسبار الموجات فوق الصوتية مع برمجيات متطورة مرافقة.
وأثار هذا المفهوم القليل من الإثارة في جنرال إلكتريك هيلث كير وقتها لكونه لم يكن قادراً وقتها على تحقيق ذات الأداء المتفوق الذي تقدمه المنتجات الرائدة. لكن رأى فيه إشراق قيمة إن تم استخدامه في البلدان النامية ليقوم بتشجيع الفريق في الصين على متابعة هذا المفهوم. وحقق جهات الموجات فوق الصوتية المدمج في الصين والقائم على جهاز كمبيوتر محمول نجاحاً ساحقاً هناك.
3- بناء فرق النمو المحلي من الألف إلى الياء، وكأنها شركات جديدة.
سيحدث الابتكار المنبثق من الصفر من تصميم تنظيمي منبثق من الصفر بدوره. وتطورت "برمجيات" جنرال إلكتريك التنظيمية؛ والتي هي ممارسات التوظيف وهياكل التقارير والعناوين وتوصيف الوظائف وقواعد علاقات العمل وموازنات القوة بين الوظائف، جميعها لدعم العولمة المحلية. بالتالي كان على فرق النمو المحلي إعادة كتابة تلك البرمجيات.
وقام تانغ وكو بإنشاء وحدة أعمال تدير سلسلة قيمة كاملة: من تطوير المنتجات، إلى توفير المصادر، مروراً بالتصنيع والتسويق والمبيعات والخدمة. ومن خلال التوظيف المحلي، تمكنا من العثور على معظم الخبرة التي يحتاجانها، مثل المهندسين ذوي المعرفة العميقة بالتصغير واستهلاك الطاقة المنخفض وفريق تسويق على دراية جيدة بالرعاية الصحية في الريف الصيني.
في خضم ركود عالمي حاد، ستنمو أعمال جنرال إلكتريك في الصين بنسبة 25% هذا العام، ويُعزى ذلك إلى حد كبير إلى فرق النمو المحلية.
كما أدرك فريق النمو المحلي أيضاً أن التجار هم السبيل الوحيد ذي الكفاءة من حيث التكلفة للوصول إلى الأسواق الريفية الشاسعة والمجزأة في الصين والمدن من المستوى الثالث بدلاً من فرق المبيعات المباشرة التي تستخدمها وحدات الموجات فوق الصوتية المتطورة. كما قام الفريق ببناء فرق داخل البلاد يمكنها تقديم خدمة أسرع وأقل تكلفة بدلاً من الاعتماد على الشركات العالمية لدعم العملاء وقطع الغيار التابعة لشركة جنرال إلكتريك هيلث كير.
4- تخصيص الأهداف والغايات والمقاييس.
وتكون مساعي الابتكار بطبيعتها غير مؤكدة، إنما من المهم للمرء أن يتعلم بسرعة من خلال اختبار الافتراضات بكفاءة بدلاً من تحقيق الأرقام. بالتالي، نادراً ما تكون المعايير والمقاييس ذات الصلة الخاصة بـفرق المبيعات المحلية، تلك التي تحاول معالجة أمور مجهولة حيوية، هي نفسها التي تستخدمها الشركات القائمة.
وعلم فريق النمو المحلي لوحدة الموجات فوق الصوتية أن الأطباء في الريف الصيني أقل معرفة بالموجات فوق الصوتية مقارنة بأطباء المدن. لكن لم يكن الفريق مدركاً تماماً لمدى خبرة الأطباء الريفيين بالتكنولوجيا أو الميزات التي تلبي احتياجاتهم. بالتالي، حاول التعرف على رد فعل الأطباء حيال الأجهزة والعقبات التي تحول دون اعتمادها. واكتشف الفريق أن سهولة الاستخدام، خاصةً في فحوصات الرعاية الصحية الأولية التي يقوم فيها الأطباء بفحص الحالات المحلية الشائعة، أمر أكثر أهمية مما كان متوقعاً. وفي استجابة لذلك، أكدت وحدة العمل الجديدة على التدريب، وقدمت أدلة عمل على الإنترنت، وصممت لوحات مفاتيح أبسط، وأنشأت إعدادات مسبقة مدمجة لبعض المهام، وتتبعت رضا العملاء لقياس النجاح.
وكان إشراق حريصاً على استخدام معايير مختلفة لتقييم أداء فريق النمو المحلي في الصين. فعلى سبيل المثال، ونظراً لأن عملية الموافقة الحكومية على إصدارات المنتجات الجديدة أقل تعقيداً في الصين، فقد حدد دورات تطوير منتج أقصر بكثير مقارنة بالدول الغنية. كما وافق على السماح لشركة تقدم خدمات محلية بالانحراف عن المعايير العالمية الخاصة بشركة جنرال إلكتريك هيلث كير. ونظراً لأن الرواتب منخفضة والخدمة أكثر طلباً في الصين، فإن وجود عدد أكبر من الموظفين مقارنة بعدد الأجهزة المثبتة أمر منطقي.
5- اجعل تقرير فريق النمو المحلي يصل إلى يد شخص رفيع المستوى في الشركة.
لا يمكن أن تنتعش فرق النمو المحلية من دون دعم قوي من الأعلى. وللهيئة التنفيذية المشرفة على فريق النمو المحلي ثلاثة أدوار أساسية: التوسط في النزاعات بين الفريق والأعمال العالمية، وربط الفريق بموارد مثل مراكز البحث والتطوير العالمية، والمساعدة في نقل الابتكارات التي يطورها الفريق إلى دول غنية. ويمكن فقط للمسؤول التنفيذي الأول في وحدة الأعمال العالمية، أو حتى قائدها، تحقيق ما سبق.
وكان فريق النمو المحلي في الصين يقدم تقاريره مباشرة إلى إشراق حتى عندما كان الفريق صغير الحجم. إذ إنه كان من المحتمل والوارد جداً أن يتم إعادة توجيه مهندسي فريق النمو المحلي إلى مشاريع أخرى لو لم يحمِ إشراق الفريق نظراً لامتلاك جنرال إلكتريك هيلث كير أجندة طموحة لتطوير منتجات للدول الغنية عندما تم إطلاق المشروع المضغوط. وقام إشراق بحماية الفريق وتوسعة موارده؛ فبحلول عام 2007، ارتفع عدد المهندسين من 13 إلى 70، وزاد إجمالي الموظفين من 132 إلى 339. وتأكد إشراق بنفسه أيضاً من اكتساب الفريق الخبرة التي يحتاجها من أجزاء أخرى من جنرال إلكتريك، عبر إيفاد ثلاثة من أفضل مهندسي التطوير في الشركة من إسرائيل واليابان وكوريا الجنوبية، والذين عملوا بدوام كامل في المشروع وحصلوا على دعم إضافي من مراكز جنرال إلكتريك للبحث والتطوير في جميع أنحاء العالم.
وقام إشراق بضم فريق النمو المحلي في الصين إلى مجلس الموجات فوق الصوتية التابع للشركة، وهو مجموعة من المدراء التنفيذيين وخبراء في السوق وتكنولوجيا الموجات فوق الصوتية ممن يجتمعون لمدة يومين ثلاث مرات في السنة لتشارك المعرفة والرؤى والاتفاق على المشاريع الكبرى الواجب متابعتها. وكان للمجلس دور فعال في نقل المعرفة والتكنولوجيا إلى الصين.
أخيراً، لعب إشراق دوراً مهماً في بناء سوق عالمي للأشعة فوق الصوتية المحمولة. وحدد تطبيقات جديدة محتملة في العالم المتقدم ونقل تلك الرؤية إلى الوحدات الثلاث التي تبيع المنتجات الراقية في العالم الغني لكي تقوم بالسعي وراء تلك الفرص بقوة.
ولدى جنرال إلكتريك الآن أكثر من عشرة فرق نمو محلية في الصين والهند. وفي خضم ركود عالمي حاد، ستنمو أعمال جنرال إلكتريك في الصين بنسبة 25% هذا العام، ويعود السبب في ذلك إلى حد كبير إلى فرق النمو المحلية. ولكن من السابق لأوانه إعلان النصر، فلم يكن التقدم سلساً. فبينما تقوم بعض القطاعات، وخصوصاً الرعاية الصحية وتوليد الطاقة وتوزيعها، بتحقيق نجاح كبير، هناك قطاعات لم تكن بهذه القدر من النجاح. وعلى الرغم من أن مراكز جنرال إلكتريك للبحث والتطوير في الصين والهند قد زادت من تركيزها على مشاكل البلدان النامية، إلا أن الغالبية العظمى من مواردها لا تزال مخصصة للمبادرات الخاصة بالبلدان المتقدمة. لذلك لا يزال هناك طريق طويل لقطعه.
ولا يزال من الضروري لكبار المسؤولين التنفيذيين في الشركة مراقبة وحماية الجهود المحلية والتأكد من حصولها على الموارد. ولا يزال من الضروري إجراء التجارب فيما يتعلق بنقل الأشخاص، والهياكل التنظيمية، والعمليات لمعرفة تلك الناجحة منها. وهناك تجربة أكبر على وشك الحدوث، إذ تقوم جنرال إلكتريك، لتسريع التقدم في الهند، بإنشاء قسم أرباح وخسائر منفصل يشمل جميع أعمال جنرال إلكتريك في ذلك البلد ويمنح الوحدة الجديدة قوة كبيرة للاستفادة من موارد جنرال إلكتريك العالمية للبحث والتطوير. وسيرأسه نائب رئيس أول يقدم تقاريره إلى نائب الرئيس. ويعتبر هذا أمراً صعباً في شركة اعتادت استخدام مصفوفة يأتي فيها المنتَج أولاً ثم البلد. ومع ذلك، ستحاول الشركة تجربتها ومعرفة ما إذا كان يمكنها إنشاء أسواق جديدة. ويجب أن تعلم جنرال إلكتريك كيفية العمل على محور مختلف.
وتعكس مقاومة إعطاء الهند استقلالية وتوليد أرباح وخسائر خاصة بها ما قد يكون أكبر تحد تواجهه جنرال إلكتريك: تغيير عقلية المدراء الذين قضوا حياتهم المهنية يحاولون التفوق في نهج العولمة المحلية؛ فحتى النماذج منحازة إلى الدول الغنية. ففي محادثة جرت مؤخراً مع جيف، لا يزال أحد هؤلاء المدراء - رئيس قطاع كبير يبلي بلاء حسناً في الهند والصين - مشغولاً بمشاكل لا علاقة له بها تحصل في الولايات المتحدة، حيث يقول له جيف، "لا أريد حتى الحديث معك عن خطط النمو في الولايات المتحدة. عليك بمضاعفة حجم عملك في الهند ثلاثة أضعاف خلال السنوات الثلاث المقبلة. وعليك ضخ المزيد من الموارد، والناس، والمنتجات هناك، لكي تكون في قلب ذاك السوق وليس على الهامش. ولنحاول الآن معرفة كيفية قيامنا بذلك". ويجب على باقي المدراء الكبار التفكير هكذا بدورهم.