ملخص: شهدت المملكة العديد من المبادرات التي من شأنها تقديم خدمات صحية رقمية مبتكرة، وتأتي زراعة الخلايا الجذعية بوصفها أحد الخيارات العلاجية المتقدمة التي لاقت اعتماداً واسعاً في المملكة. تعمل السعودية على تعزيز البحث العلمي في مجال الخلايا الجذعية، حيث:
- أنشأت مراكز ووحدات بحثية متخصصة في هذا المجال، تضم مختبرات حديثة لأبحاث الخلايا الجذعية وخبرات علمية مجهزة بأحدث التقنيات.
- تقدم هذه المراكز فرصاً دراسية وتدريبية للباحثين وطلبة الدراسات العليا، بما يضمن إعداد كوادر طبية سعودية مؤهلة لتقديم خدمات بكفاءة عالية، وتعزيز البحث العلمي في مجال الخلايا الجذعية.
- تدعم المملكة الجامعات لتأسيس الوحدات البحثية المتميزة في هذا المجال، ومنها وحدة الخلايا الجذعية الجنينية في جامعة الملك عبد العزيز، ووحدة الخلايا الجذعية في جامعة الملك سعود.
تهدف رؤية المملكة 2030 إلى تمكين التحول الشامل في القطاع الصحي وإعادة هيكلته، وتوسيع نطاق خدمات الصحة الإلكترونية والحلول الرقمية. ويبرز الابتكار بوصفه أولوية في إحداث نقلة نوعية في تحسين جودة الخدمات الصحية وتوفير أحدث التقنيات الطبية. وبحسب تقديرات مؤسسة ماكنزي آند كومباني، يمكن لابتكارات الرعاية الصحية أن تحقق عائداً اقتصادياً يصل إلى 27 مليار دولار للنظام الصحي السعودي بحلول عام 2030.
وعليه، شهدت المملكة العديد من المبادرات التي من شأنها تقديم خدمات صحية رقمية مبتكرة، وتأتي زراعة الخلايا الجذعية بوصفها أحد الخيارات العلاجية المتقدمة التي لاقت اعتماداً واسعاً في المملكة.
إمكانات علاجية مبتكرة
الخلايا الجذعية هي الخلايا الأم المنتجة لجميع الخلايا البالغة في أنسجة جسم الإنسان، وتتميز بقدرتها على الانقسام والتجديد وتعويض الخلايا التالفة باستمرار، وبقدرتها الفريدة على التحول إلى أنواع مختلفة من الخلايا في الجسم، ما يجعلها تقدم حلولاً مبتكرة لإعادة ترميم الأنسجة التالفة.
وتساعد هذه الخلايا في علاج بعض الحالات المرضية المزمنة والمستعصية، مثل سرطان الدم (اللوكيميا)، وسرطان الغدد اللمفاوية، وفشل نخاع العظم، ونقص المناعة المركب الشديد، وفقر الدم المنجلي، وفقر دم حوض البحر الأبيض المتوسط (الثلاسيميا)، والورم النقوي المتعدد.
تعزيز البحث العلمي والتطوير التقني في المملكة
تعمل السعودية على تعزيز البحث العلمي في مجال الخلايا الجذعية، حيث أنشأت مراكز ووحدات بحثية متخصصة في هذا المجال، تضم مختبرات حديثة لأبحاث الخلايا الجذعية وخبرات علمية مجهزة بأحدث التقنيات.
وتقدم هذه المراكز فرصاً دراسية وتدريبية للباحثين وطلبة الدراسات العليا، بما يضمن إعداد كوادر طبية سعودية مؤهلة لتقديم خدمات بكفاءة عالية، وتعزيز البحث العلمي في مجال الخلايا الجذعية لتسريع تطوير هذه العلاجات وترجمة النتائج إلى تطبيقات سريرية لعلاج مجموعة واسعة من الأمراض المزمنة والمستعصية.
لذلك، تدعم المملكة الجامعات لتأسيس الوحدات البحثية المتميزة في هذا المجال، ومنها وحدة الخلايا الجذعية الجنينية في جامعة الملك عبد العزيز، ووحدة الخلايا الجذعية في جامعة الملك سعود، حيث تتعاون هذه الوحدات مع جهات محلية وعالمية مثل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ومدينة الملك فهد الطبية، وجامعة شيفيلد في المملكة المتحدة، وجامعة موناش في أستراليا.
رؤية المملكة 2030 وتوطين التقنيات الحيوية
تستهدف رؤية المملكة 2030 توطين نقل التقنية في القطاعات التي تتطلب إنفاقاً عالياً، ومنها القطاع الصحي. وتعاونت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية مع عدد من الجامعات والمراكز البحثية والمستشفيات لتنفيذ مجموعة من المشاريع التقنية المتخصصة، منها مشروع توطين تقنية الخلايا الجذعية وتطويرها، الذي يهدف إلى توطين أحدث تقنيات الخلايا الجذعية للاستفادة منها في العلاج بالمملكة، والتوصل إلى حلول مبتكرة وفعالة لعلاج العديد من الأمراض المزمنة والمستعصية، مثل مرض آلزهايمر.
وتتضمن المشاريع الأخرى التي عملت عليها مدينة الملك عبد العزيز، مشروع توليد خلايا جذعية معدلة يمكن تصويرها وتتبع مسارها، وتطوير الخلايا الجذعية المناعية واختبارها في نماذج حيوانية.
ويتخلل هذه المشاريع تدريب جيل واعد من العلماء تحت مبادرة إعداد القادة بإشراف مدينة الملك عبد العزيز ومستشفى برمنغهام ويمنز (Birmingham Women's Hospital). وتمكنت هذه المشاريع من تطوير منتج بنسبة 50% في مجال الخلايا الجذعية، وتدريب 50% من الأشخاص، واستكمال التعاون البحثي المشترك مع مستشفى برمنغهام ويمنز بالشراكة مع كلية هارفارد للطب بنسبة 50%.
السجل السعودي للمتبرعين بالخلايا الجذعية
منذ إطلاق أول سجل للمتبرعين بخلايا الدم الجذعية في السبعينيات في لندن، جرى إنشاء ما يقارب 64 سجلاً في 44 دولة حول العالم. عربياً، فإن السجل السعودي للمتبرعين بالخلايا الجذعية هو الأول من نوعه في المنطقة، وتأسس عام 2011 في مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية تحت إشراف الشؤون الصحية لوزارة الحرس الوطني في مدينة الرياض.
ويهدف السجل إلى تأسيس قاعدة بيانات للأشخاص الراغبين في التبرع بالخلايا الجذعية للمرضى الذين هم في أمسّ الحاجة إلى الزراعة مثل المصابين بأمراض مستعصية كسرطانات الدم والأمراض الوراثية، ويطمح السجل إلى مساعدة جميع المرضى داخل المملكة وخارجها، ورفع مستوى الوعي حول زرع الخلايا الجذعية وأهمية التبرع بها.
كما يهدف إلى تأسيس تعاون وطني مع مراكز الزرع ومراكز المتبرعين ومراكز التجميع، وتأسيس تعاون دولي مع السجلات ومراكز الزرع والرابطة الدولية لمتبرعي نخاع العظم (WMDA). فهناك حالياً نحو 41 مليون شخص في جميع أنحاء العالم مدرجين حالياً بوصفهم متبرعين محتملين بالنخاع. وتبرز السعودية بوصفها أول دولة عربية على سجل الرابطة، حيث سجلت أكثر من 98 ألف متبرع بالخلايا الجذعية.
وأسهم السجل السعودي للمتبرعين بالخلايا الجذعية في توفير 17 حالة تبرع لمرضى داخل المملكة وخارجها، ووصلت قاعدة بيانات السجل إلى أكثر من 55 ألف شخص. ويعمل السجل على رفع مستوى التوعية في المجتمع بأهمية التبرع بالخلايا الجذعية، من خلال الحملات التوعوية والمشاركة الفعالة في الفعاليات والمناسبات العامة.
مراكز زراعة الخلايا الجذعية في المملكة
منذ نجاح أول عملية لزراعة الخلايا الجذعية في السبعينيات، يجري سنوياً أكثر من 50 ألف عملية في بلاد مختلفة، بمعدل نمو يتراوح بين 10-15% سنوياً. والسعودية ضمن قائمة الدول المتقدمة عربياً وعالمياً في زراعة الخلايا الجذعية، ومن الدول الرائدة في منطقة الشرق الأوسط من حيث عدد زراعات الخلايا الجذعية والمراكز التي تُجري هذه العملية، فقد أنشأت السعودية مراكز متخصصة في زراعة الخلايا الجذعية وجهزتها بأحدث المعدات والتقنيات، ما يتيح للمرضى الحصول على أفضل رعاية صحية ممكنة.
ومن هذه المراكز، مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض. حيث تأسس مركز زراعة الخلايا الجذعية في مستشفى الملك فيصل التخصصي عام 1984، ويُجري سنوياً ما يزيد على 2,200 عملية زراعة، وأصبح ضمن أعلى 5 مراكز طبية عالمية في عدد عمليات زراعة الخلايا الجذعية سنوياً، بحسب المركز العالمي لأبحاث الدم وزراعة نخاع العظم بولاية مينيسوتا الأميركية.
ويلتزم المركز بأعلى معايير الجودة والسلامة في تقديم الخدمات الطبية، ما أهّله للحصول على الاعتماد من اللجنة الدولية المشتركة لاعتماد برامج زراعة الخلايا الجذعية (JACIE).
وهناك عدة مراكز أخرى حديثة تزرع الخلايا الجذعية، منها مستشفى مدينة الملك عبد العزيز الطبية بالشؤون الصحية للحرس الوطني. وفي عام 2010، انطلق برنامج زرع الخلايا الجذعية في الشؤون الصحية بوزارة الحرس الوطني في الرياض، وأجرى ما يزيد على ألف حالة زرع ناجحة. كما يُجري عمليات الزرع لمعظم الحالات التي تستجيب للعلاج باستخدام الخلايا الجذعية والتي تُوصي الهيئات الصحية الدولية بعلاجها وفق هذه التقنية، ابتداءً من أمراض الدم الخبيثة أو الوراثية، وحتى أمراض المناعة المُكتسبة أو الجينية مثل التصلب المتعدد.
وكذلك، هناك برامج زراعة الأعضاء في مستشفيات الخدمات الصحية التابعة لوزارة الدفاع، ومنها مركز زراعة نخاع العظم والخلايا الجذعية، الذي أجرى 293 عملية زراعة نخاع وخلايا جذعية. ويجري المركز عمليات زراعة النخاع والخلايا الجذعية النوعية لأمراض الدم وأورامه والغدد الليمفاوية.
تعكس جهود المملكة العربية السعودية في مجال زراعة الخلايا الجذعية التزامها بتحقيق رؤيتها الطموحة لعام 2030، التي تهدف إلى تحسين جودة الحياة وتطوير قطاع الصحة ليكون من بين الأفضل على مستوى العالم. ومن خلال توطين صناعة التقنيات الحيوية، ودمج أبحاث الخلايا الجذعية في استراتيجيات الصحة الوطنية، يمكن تحويل أنظمة الرعاية الصحية من خلال تقديم حلول طبية مبتكرة وفعالة لعلاج العديد من الأمراض، مع الاستمرار في الاستثمار في تعزيز البنية التحتية الصحية وتطوير الكوادر الطبية المحلية، ما يسهم في خفض تكاليف الرعاية الصحية، ودفع النمو الاقتصادي، وضمان تقديم أفضل الخدمات الصحية للمواطنين.