تركز معظم الأبحاث والدورات التدريبية في مجال المبيعات على اكتساب الزبائن، ولكن نظراً لأن بيئات العمل أصبحت ديناميكية وغير مترابطة، فهذا يستدعى من الشركات التجارية التي تتعامل مع الشركات فقط التركيز على استعادة الزبائن بعد خسارتهم.
حيث يشكل ذلك أهمية خاصة بالنسبة لشركات المعاملات التجارية مع الشركات وليس الأفراد B2B. يعيد الزبائن بصورة مستمرة تقييم علاقاتهم بالموردين ويجرون بعض التغييرات على هذه العلاقات وذلك نظراً للتوجهات الحالية التي تعمل على زيادة عدد وحجم الاندماجات، وتنوع خيارات الأسواق العالمية، وخشيتهم من الحروب التجارية المحتملة. وبالتالي يُعتبر فقدان هؤلاء الزبائن مكلفاً جداً. حتى وقت قريب يعود لعام 2014، على سبيل المثال، "حصلت شركة التصنيع المتوسطة المتداولة علناً على أكثر من 25% من إيراداتها من كبار المشترين، محققة ارتفاعاً يصل إلى 10% عن أوائل الثمانينيات".
وتتطلب عملية استعادة العميل نهجاً مختلفاً عن عملية الحصول على العملاء الجدد. فلسبب أو آخر، سيكون لدى زبائنك السابقين خبرة سابقة، ودراية، وتوقعات طويلة الأمد عن الأفراد الذين يعملون لديك والقدرات التي تمتاز بها. وبصورة عكسية أيضاً، فأنت تمتلك الأسس التي تمكنك من الحكم فيما إذا كان هذا العميل يستحق المتابعة أم لا.
من خلال دراستنا التي شملت 26 علاقة معطلة بين العملاء والموردين، وجدنا أن الشركات التي نجحت في استعادة العميل اتبعت نمطاً مماثلاً لما يلي: فقد عملوا على تحديد أسباب فك الارتباط الأولية، وطبقوا تحليل التكلفة والعائد المناسب، وأجروا محادثات صادقة مع العميل، واستوعبوا احتياجاتهم الخاصة.
لنوضح هذه العملية، سوف نقدم مثالين لشركتين عملنا على تمويههما: "بريكس تك" (Brex Tech) و"آر آي إل إف" (RILF). في عام 2009، خسرت شركة "بريكس تك" شركة "آر آي إل إف" كعميل، حيث كانت تزودها بالمكونات الإلكترونية لأجهزتها البصرية، لكن سرعان ما تمكنت "بريكس تك" من الفوز بها مرة أخرى في عام 2014. وإليك التفاصيل.
أسباب فك الارتباط. الخطوة الأولى في عملية إعادة اكتسابها هي تحديد السبب في انتهاء العلاقة. تتضمن بعض العلاقات بين المشتري والمورد على نقاط نهاية تعاقدية (على سبيل المثال، المشاريع المقرر لفترة محددة). أما العلاقات الأخرى قد تتلاشى ببساطة بسبب انعدام الاهتمام. كما تعتبر ضغوطات التسعير، تغيير مواصفات المنتج، أو تغيرات في الملكية أيضاً من عوامل فك الارتباط.
إذن لا بد لتحليلك أن يحدد الأفراد الذين ساهموا باتخاذ هذا القرار أو الأشياء التي أدت ذلك. ولا بد لتحليلك أيضاً أن يكون وصفياً بلا رحمة، وليس إلزامياً، مع التركيز على ما جرى من أحداث، وليس على ما كان ينبغي أن يحدث.
في حالة "بريكس تك"، فقد أعادت هيكلة الشركة، ورفعت أسعارها، وفصلت الموظفين الكبار. حيث أشار المدير التنفيذي في "آر آي إل إف" أنه "عندما رفعت بريكس تك أسعارها بحوالي 30%، أبلغناها بمخاوفنا لكنهم حافظوا على ارتفاع الأسعار". بدأ الأمر بقضية تسعير ثم تتطور إلى نزاعات وفقدان الثقة بين المسؤولين التنفيذيين من الشركتين، وهذا بدوره فاقم القضية وبرزت مشاكل أخرى، وفقدت "آر آي إل إف" الاهتمام في مواصلة العمل مع "بريكس تك".
تحليل التكاليف والفوائد. ليس جميع الزبائن سواء وليس كل العلاقات تستحق إعادة تأسيس. لذلك، لابد لك أن توازن بين تكاليف الفوز بالعملاء مرة أخرى وبين الفوائد المتوقعة من ذلك، قبل إعادة الاتصال بهم.
فعلت "بريكس تك" ذلك بعدة طرق. بعد أن جمع المعلومات من المعاملات السابقة مع "آر آي إل إف"، والتي تضمنت العائدات، وهوامش الأرباح، والاستثمارات، قال الرئيس التنفيذي لشركة "بريكس تك": "إن (ر آي إل إف) قد استحوذت على أكثر من 15% من دوران الموظفين، وتوقفت بعض معدات وأقسام المصنع الذي خصّصناه لتصنيع المنتجات التي تلبي احتياجات شركة (آر آي إل إف)".
بعد ذلك، درست "بريكس تك" بعناية المتطلبات الاقتصادية والتنظيمية على حد سواء للعمل على إعادة إرساء قواعد الثقة المتبادلة والجدارة. وعلى ما يبدو أن الأشياء سارت في الطريق الصحيح لشركة "بريكس تك". نظراً لأن تصنيع وتسليم المنتجات عالية الجودة في الوقت المحدد لم يشكل أبداً مشكلة في علاقتهم السابقة مع "آر آي إل إف"، فساد الاعتقاد لدى مديري "بريكس تك" بأنه كان لديهم حجة قوية لتقديمها لـ "آر آي إل إف". بعد أن تفككت الشراكة بينهما وكجزء من إعادة بنائها من جديد، عملت بريكس تك في نهاية المطاف على زيادة إنتاجية المصنع، الأمر الذي سمح لها أن تخفض أسعارها دون المساومة على جودة المنتج أو مواعيد تسليمه. وأشار رئيس الإنتاج في "بريكس تك" قائلاً: "علمنا أن (آر آي إل إف) كانت مهتمة بثلاثة معايير: موثوقية التسليم، والجودة، والسعر. إذا استطعنا التفوق ضمن هذه المعايير، لتمكنا من إعادة تأسيس العلاقة والعودة بها إلى ما كنا عليه".
أدركت "بريكس تك" أنها يمكن أن تقدم بعض التخفيضات في الأسعار لتناسب شركة "آر آي إل إف"، ومساعدات تقنية أفضل من موردها الحالي في فئات المنتجات ذات الصلة، ومرونة في حجم الطلب، وغيرها من المجالات حيث يمكن للعميل تحديد مدى الاستفادة من العلاقة التي أُعيد تفعيلها.
الحوار التفاعلي. على الرغم من أن الجدوى التجارية قد تبدو جيدة نظرياً، لكن الناس على أرض الواقع هم أصحاب القرار في نهاية المطاف.
عندما بدأت "بريكس تك" إعادة الاتصال مع "آر آي إل إف" في عام 2012، تبين أن هناك تباعداً واضحاً في وجهات النظر لدى الجهات الفاعلة الرئيسة في كلتا الشركتين. وهذا ما أدى إلى هدر المزيد من الوقت. حيث أشار أحد المسؤولين التنفيذين في "بريكس تك" إلى أن "المناقشات مع (آر آي إل إف) بدأت على المستوى التشغيلي، ثم تلا ذلك اجتماعات على مستوى الإدارة الوسطى للمضي قدماً في هذه العملية، وأخيراً - وبسبب الأهمية الاستراتيجية للمنتجات المطلوبة - جرت اجتماعات على مستوى الإدارة العليا". وعلى غرار ذلك، نوّه مدير المبيعات بأنه "مررنا خلال مرحلة معينة كنا نلتقي فيها مع العميل مرة واحدة أسبوعياً على الأقل. حيث كان يحضر هذه الاجتماعات ممثلون عن كل من الإدارة، والمهندسين والفنيين أيضاً من كلتا الشركتين".
تعد معرفة جميع آليات عمل الموظفين وعلى جميع المستويات - أي قواعد الاشتباك الضرورية - مسألة جوهرية لعملية إعادة الاستحواذ الناجحة. فعلى سبيل المثال، أجرت "بريكس تك" مناقشات مع الموظفين الذين شاركوا مع "آر آي إل إف" ومع الموظفين الذين لم يكونوا على دراية بتلك المسألة. على الرغم أن الإدارة العليا في كلتا الشركتين لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق، إلا أن موظفي الإنتاج في كلتا الشركتين تبادلوا علاقات إيجابية ودراية فريدة من نوعها حول المنتجات التي تطلبها "آر آي إل إف". ولعبت هذه الروح الإيجابية دوراً محورياً في إعادة العلاقات، وتؤكد النتيجة التي تتكرر في الأبحاث والممارسات الإدارية: الناس يتاجرون مع الناس.
استيعاب متطلبات محددة. عندما تكون أحد الموردين، فإن معايير انحياز الوضع الراهن تعمل في صالحك. ولكن عندما تسعى إلى إعادة الاستحواذ على أحد العملاء، يتطلب منك أن تقدم له صفقة أفضل من الصفقة التي يقدمها المورد الحالي لتغريه في أن يعيد حساباته من جديد.
أوضحت "آر آي إل إف" أن "بريكس تك" ستحتاج إلى تعديل عناصر عمليات الإنتاج، والروتين الإداري، وأنظمة تقنية المعلومات، وتقديم تصميمات خاصة للمنتجات مع خفض الأسعار. ولكن المعلومات التي تم جمعها أثناء عملية إعادة الارتباط سمحت أيضاً لـ "بريكس تك" بضبط أنشطتها وتحسينها في هذه المجالات.
والاتفاق الذي تم بعد ذلك كان نتيجة للجهود المبذولة. وسرعان ما ازدادت مبيعات "بريكس تك" وصافي ربحها جرّاء العلاقة التي أعيد تأسيسها مع "آر آي إل إف" إلى درجة أعلى مما كانت عليه في عام 2009. وقال الرئيس التنفيذي لشركة "بريكس تك" عن هذا "حقيقة أن شركة (آر آي إل إف) تشتري كميات أكبر مقارنة بالماضي تُدلّل على الفوائد المتبادلة". وعلاوة على ذلك، ساعدت إعادة الاستحواذ على إطلاق كلام إيجابي بين المشترين الآخرين في هذا السوق. مما جعل "بريكس تك" تكتسب زبونين جديدين وذلك بسبب أن شركة "آر آي إل إف" أوصت بهم لدى الشركات أخرى. أما بالنسبة لشركة "آر آي إل إف"، ففي غضون ذلك، زادت الطلبات الأكثر مرونة وتخصيصاً مع "بريكس تك" من قدرتها على البيع والخدمة في قطاعات جديدة.
فيما يخص التفاعلات الشخصية، نحن غالباً ما نخشى من أن الآخرين سوف يحكمون علينا بقسوة ودون رجعة إذا أخطأنا في متابعة الهدف. لكن الأبحاث تشير إلى أن تصحيح الخطأ الماضي يولِّد في كثير من الحالات انطباعاً أكثر إيجابية في المقام الأول (إذا لم يُكرر الخطأ) من عدم ارتكابه. وينطبق الشيء نفسه على مستوى العلاقات العامة.