يتجه صانعو السياسات الناجحة في العالم ابتداءً من حكومة سنغافورة، وانتهاءً بالحكومات الأوروبية إلى تبني نهج "احتضان الفشل"، وذلك لتشجيع ريادة الأعمال. وخلال إطلاق البيت الأبيض عام 2011 لمبادرة "ستارت أب أميركا"، دعا أحد المشاركين بهذه المبادرة بحماس لأن تتّبع الولايات المتحدة الأميركية سياسة احتضان الفشل، مبرراً ذلك بأن انعدام خوف الرواد الأميركيين، واستعدادهم للتعثر في مسعاهم كان سبباً في نجاحهم رغم كل الصعاب.
ومهما تكن هذه الأفكار نابعة عن نية حسنة، فإن محاولات الاحتفاء بالفشل إنما تشكّل نهجاً مضلِّلاً برأيي. فلا ينبغي الخلط هنا بين الخوف والجزَع. ولعل الاحتفاء بالفشل يهدف على ما يبدو إلى تخفيض سوية الجزَع.
يقال عن "فرويد" أنه عرّف "الجزَع" بأنه عندما تكون ردة فعلك على رؤية عصا بسيطة وكأنها أفعى خطيرة، في حين عرّف "الخوف" بأنه عندما تكون ردة فعلك على الأفعى الخطيرة وكأنها خطيرة، كما هي فعلاً. فالجزَع هو المبالغة في الخوف وهو يؤدي إلى الخلل، أما الخوف فقد يكون أمراً جيداً: إذ إنه يساعد على حمايتنا من أمور خطيرة كخوض المخاطرة مثلاً. وبحسب خبرتي، فإن رواد الأعمال يتمتعون بحسّ صحيّ بالخوف من مخاطر الفشل الحقيقية، لكنهم لا يسمحون لذلك الخوف أن يشلّ قدراتهم.
ثلاثة معايير لتعزيز سياسة احتضان الفشل عند رواد الأعمال
فيما يلي ثلاث أفكار تساعد صانعي السياسات على معايرة شدة الخوف من الفشل، بطريقة تشجع ريادة الأعمال، من دون الإيحاء بأن الفشل يستحق التفاخر به.
عليك تقبُّل فكرة أن الفشل جزء طبيعي من مزاولة الأعمال، حيث يعَدّ الفشل المبكر للشركات في أعمالها ومشاريعها في الدول التي تنشط فيها ريادة الأعمال كثيراً مثل تايوان وإيسلاندا أمراً شائعاً. ولعلّ المنحني المعروف بمنحني "J" الذي يبدأ بالانحدار أولاً ومن ثم يصعد بقوة، يعَدّ مبدأً أساسياً بالنسبة لأصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية، الأمر الذي يعني أن الفشل يأتي مبكراً؛ وأن النجاح إنما يحتاج لبعض الوقت. ولا شك في أن الإخفاقات المبكرة مهمة لأنها تشكل أرضية للتعرّف المنهجي على مكامن الفرص (ومكامن غيابها) وكيفية انتهازها، ولأن تلك الإخفاقات المبكرة إنما تساعد على تحرير الأشخاص، ورؤوس الأموال، والأفكار على نحو سريع وتوظيفهم في مشاريع واعدة لها فرص أكبر في النجاح. وللفشل السريع مفعول تنظيف المدخنة المسدودة، فالتخلص السريع من الفشل يفسح المجال أمام محاولات جديدة تنطوي على نجاح محتمل. ومع ذلك فإن الكثيرين من صانعي السياسات الذين يشجعون ريادة الأعمال بوصفها استراتيجية ناجحة للتنمية الاقتصادية، ينظرون إلى نسب الفشل المتدنية كإثبات على صحة ونجاح سياساتهم، ولا يترددون في السعي إلى تحقيق الكثير من النجاحات والإخفاقات، مع التأكيد طبعاً على وجوب غلبة النجاحات على الإخفاقات في العدد وفي التأثير أو في الاثنين معاً.
ومن المهم التخلّص من العقبات البنيوية بغية تخفيض الخطر الموضوعي لفشل أنشطة الأعمال. فقد يلجأ العديد من البلدان، بما فيها البلدان التي تتمتع باقتصادات متقدمة، إلى إحباط ريادة الأعمال عن غير قصد من خلال معاقبة الإفلاس: إذ تمنع تلك الدول رواد الأعمال الذين أخفقوا في مشاريعهم من ممارسة أنشطة الأعمال في المستقبل أو حتى من فتح حساب في البنك، وفي بعض الأحيان تعامل الإفلاس بوصفه جريمة. ولعل القوانين التي تزيد من تكلفة الفشل على رواد الأعمال تحرم الاقتصاد من المستثمرين الجدد تماماً كما تحرم المدخنة المسدودة من التزوّد بالأوكسجين. ومن جهة أخرى فإن قوانين العمل قد تشكل عقبة أخرى في مسار ريادة الأعمال. فقد أظهرت الأبحاث أن التخلص من تلك القوانين التي تصعّب على أرباب العمل تسريح الموظفين وتقديم الدعم عوضاً عن ذلك للموظفين المسرّحين، قد يجعل رواد الأعمال أكثر استعداداً لتوظيف المزيد من الموظفين في شركاتهم الناشئة، إذا كانوا يعلمون أن باستطاعتهم تقليص أعداد موظفيهم عند الضرورة.
أيضاً أنصح، بتحويل الفشل إلى وقود. وبخلاف ما هو شائع، فإن رواد الأعمال ليسوا مقامرين متهورين. صحيح أن خوض المخاطرة يعد جزءاً لا يتجزأ من ريادة الأعمال، لكن من المهم تدريب رواد الأعمال على ضمان أن يكون الفشل صغيراً وسريعاً ومنخفض التكلفة. فالإخفاقات منخفضة التكلفة لا تتصدّر العناوين الرئيسية للصحف، ولا تسبب الإحراج أو الخجل. وبوسع صانعي السياسات تقديم الدعم لتدريب رواد الأعمال على استراتيجيات ومهارات تخفيف آثار المخاطر.
إذا عملت بموجب هذه النصائح، فإنك لن تضطر إلى الاحتفاء عندما يفشل أحد رواد الأعمال. بل إن التعامل مع الفشل بوصفه وجهاً طبيعياً من أوجه مزاولة نشاط عمل جديد وتطوير وجهة النظر الصائبة لقيمته، من شأنه أن يساعد على معالجة الخوف المبالغ فيه من الفشل من دون المبالغة في الاحتفاء به.
اقرأ أيضاً: