رقمنة البنوك وآثارها السلبية على رائدات الأعمال

4 دقائق

مع رقمنة البنوك، وجد الكثيرون أنّ إغلاق فروعها المحلية يمكن أن يساعد في الحفاظ على عائد مرتفع من جرّاء تحول مختلف باهظ الثمن. فعلى سبيل المثال، أغلقت البنوك الأوروبية أكثر من تسعة آلاف فرع في عام 2016، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة 4.6% في عام واحد. ووفقاً لتقديراتنا، وباستخدام بيانات من جمعية المصرفيين السويديين، تم إغلاق ربع إجمالي فروع البنوك في السويد خلال السنوات الخمسة الماضية. وفي الولايات المتحدة، انخفض إجمالي عدد الفروع المصرفية بنسبة 8.2% منذ عام 2013، وتقلص بأكثر من 1,700 فرع في عام 2017 وحده. يحدث هذا التحول السريع أيضاً في البنوك الآسيوية، حيث تتم رقمنة الخدمات، وإضفاء المركزية على الوظائف المصرفية، وإغلاق فروع البنوك المحلية.

رقمنة البنوك

وعلى الرغم من أن البنوك تعتبر هذه التكنولوجيا الرقمية واحدة من الطرق الرئيسة لزيادة قدراتها التنافسية، فقد تؤدي إلى زعزعة العلاقة بين البنوك وعملائها المغامرين. ففي السويد، على سبيل المثال، انخفضت نسبة القروض المصرفية المعتمدة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 15% على مدى السنوات العشر الماضية، وأُبلغ ما يقارب 60% من جميع المشاريع التي تحتاج إلى تمويل خارجي عن وجود صعوبات في الوصول إلى التمويل المطلوب من أجل استثماراتهم.

لا يزال العديد من آثار هذا التحول الرقمي السريع على ريادة الأعمال غير واضح، ولكن بحثنا يخلص إلى أن هذا التحول المستمر يُخلّف سلبيات واضحة على رواد الأعمال عموماً  وعلى النساء بوجه خاص وقد تبيّن أنّ رائدات الأعمال من النساء صاحبات المشاريع اللواتي يسعين إلى تمويل مشاريعهن باستخدام التمويل البنكي ترغمهن الضرورة بشكل متزايد على إيجاد حلول في مكان آخر. وبالمقارنة مع الرجال، فإن هؤلاء النساء صاحبات المشاريع  يُدفَعن إلى أنواع يائسة ومتطرفة من التمويل.

كان تمويل البنوك لرواد الأعمال - في الماضي -عادة ما يهيمن يغلب عليه الإقراض القائم على العلاقات، حيث كانت الاجتماعات الشخصية بين  رجل الأعمال ومانح القرض تقع في صميم التقييم. أتاحت هذه الاجتماعات تبادل المعلومات الهامة حول نموذج العمل، والأصول غير الملموسة، والآفاق المستقبلية، وغيرها من الموضوعات. ونادراً ما كان يتم توثيق هذه المعلومات بشكل رسمي أو التعبير عنها خطياً ولكنها سمحت بتقييم رغبة صاحب المشروع واستعداده لتسديد القرض؛ وذلك بالنظر إلى سلوكياتهم الحالية والسابقة (على سبيل المثال: كيف كانوا يديرون أعمالاً سابقة أو كيف حددوا أهدافهم وحققوها)، وخبراتهم وعوامل استحقاقهم وطموحاتهم، وهي كلها معلومات تعتبر بشكل عام مؤشِّرات قوية على الأداء المستقبلي للمشروع. وكان الوصول إلى هذا النوع من المعلومات يمكّن البنوك من إقراض المشاريع  الناشئة والصّغيرةالتي تفتقر عموماً إلى تاريخ طويل من السجلات المالية. وتتطلب ممارسة الإقراض القائم على العلاقات بشكل عام أن تكون البنوك والمشروعات قريبة من بعضهم البعض.

ومع ذلك، أدت عملية الرقمنة - في السنوات الأخيرة - إلى لجوء غالبية البنوك إلى نموذج آخر لاتخاذ القرارات الخاصة بالتمويل، وهو نموذج  يستند إلى المعاملات. وبدلاً من الاجتماع مع رواد الأعمال كما كان يحدث في السابق، استند هذا النموذج الجديد إلى حد كبير على معلومات التقارير المالية، وسجلات الائتمان (الجدارة الائتمانية)، وجودة ونوعيّة الأصول التي يمكن الحصول عليها  كضمانات رهنية للقرض. وفي وقت مبكر من عملية البحث التي قُمنا بها، ظننا أن النوع الجندري قد يهمّ عندما يتعلق الأمر بمن تمت الموافقة على قرضه ومن تم رفضه، وذلك استناداً إلى هذا النوع من التقارير، إذ تُظهر الدراسات أن فرص النساء في الوصول إلى رأس المال – مثلاً: أقلّ من فرص الرجال، وحتى عندما تتم الموافقة على التمويل الذي تقدمن به، فإنّهن يواجهن شروط ائتمان أكثر صرامة مقارنة بالرجال. وقد ارتبط أصل هذه  التحيزات بالقوالب النمطية الجنسانية، حيث يُنظر إلى رجال الأعمال على أنهم أكثر طموحاً، ولديهم قدرات أكبر على تنظيم المشاريع من النساء. ويتم تنشيط هذه الصور النمطية تلقائياً عند تحديد نوع الشخص المتقدم للقرض، حتى على الورق، لتتمكن من التأثير بشكل كبير على التصورات والانطباعات حول ما إذا كان رجل الأعمال ممكناً تمويله. ويمكن لهذه الصور النمطية أن تؤثر أيضاً في قرارات الموافقة أو الرفض المتعلقة بمنح القروض لرواد الأعمال من النساء والرجال.

أطلقنا - في عام 2017 مشروعاً بحثياً لمعرفة المزيد حول تأثير التغييرات الجارية على نموذج الإقراض لدى البنوك. واستهدفنا في البحث عينة عشوائية من أصحاب الأعمال السويديين ( من الرجال والنساء) الذين تقدموا بطلبات للحصول على تمويل بنكي. وتواصلنا مع 605 أشخاص، بلغ معدل استجابتهم 24. وقمنا في  صلب الدراسة بتحليل مدى اضطرار أصحاب الأعمال للانخراط في مجموعة من 20 نشاطاً اقتصادياً مختلفاً من الأنشطة غير الرسمية لمعالجة. تشمل هذه الأنشطة عدم دفع الضرائب أو الفواتير في وقتها المحدد، ومخالفة الاتفاقات الائتمانية، واستخدام عمال غير مسجلين، والدخول في صفقات غير موثقة في مجال الخدمات. قُمنا بدمج هذه البيانات مع بيانات بنكية ثانوية بديلة ومُكمّلة من أجل التحكم في التأثيرات المربكة لحجم ونوع وعمر المشاريع، واحتياجاتها من رأس المال، والمستوى التعليمي لصاحب العمل والموظفين.

تُظهر نتائجنا أن النساء يواجهن صعوبة متزايدة في الحصول على التمويل البنكي، وتحديداً أن ريادة الأعمال النسائية تعاني بشدة من عمليات التحول الأخيرة لدى المصارف. باختصار، بدا أنّ رائدات الأعمال أكثر حاجة من الرجال إلى الانخراط في أنشطة اقتصادية غير رسمية.

لماذا بدا الأمر كذلك؟ 

يوفر النوع الاجتماعي"هوية خلفية ضمنية" للمصرفي عند تقييمه لرجل أعمال. وهذه الهوية يمكن أن تتسبب في اتخاذ قرارات تمويل منحازة، ولكن إذا التقى المصرفي مع صاحب المشروع، فقد تتغير تلك الهوية. وبالتالي، فإنّ عدم وجود تفاعلات بين البنوك وأصحاب المشاريع، يسمح للصور النمطية الأولية بتأطير انطباعات المصرفيين عن أصحاب المشاريع، والتي قد يتم تضخيمها عندما لا تحدث تفاعلات اجتماعية فعلية يمكنها أن تغير هذه الصور النمطية.

هناك حجة مفادها أن مركزية قرارات التمويل يمكن أن تُحسّن الظروف بالنسبة لصاحبات الأعمال، وأنّ البعد الإنساني وخوارزميات الحاسوب يمكنها حلّ المشكلات مع التدخل البشري، ولكنّ النتائج التي توصلنا إليها تدعو إلى التشكيك في ذلك، حيث إن رائدات الأعمال، في دراستنا، غالباً ما تمّ وضعهن خارج نطاق الاقتصاد الرسمي لتمويل مشاريعهن.

ولبدء معالجة هذه المسألة، قد تحتاج البنوك إلى إعادة النظر في التغيير السريع الذي حدث مؤخراً في نماذج اتخاذ القرار، وذلك من أجل السعي إلى تكافؤ الفرص عند تمويل ريادة الأعمال. ومن جانبهن، يتعين على النساء الرياديات أن يكُنّ انتقائيات عند اختيار البنك الذي يتقدمن إليه،  والنظر بعناية في نموذج القرار الذي يعتمده البنك، وبناء علاقات مع المصرفيين في محاولة للتغلب على القوالب النمطية وتحيزات النوع المؤثرة في الوصول إلى التمويل.

ومن الواضح أننا بحاجة إلى معرفة المزيد عن الفرص التجارية الضائعة، وكذلك أن نعرف كيف ولماذا تحدث هذه الخسارة، عندما تعتمد البنوك نماذج إقراض مبنية على الصفقات في سبيل رقمنة البنوك.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي