يعتمد كل من جودة الحياة ومتوسط عمر الأفراد على عوامل مختلفة مثل الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والفرص الاقتصادية والمساواة الاجتماعية. وقد أحرزت المملكة تقدماً كبيراً في تحسين هذه العوامل، ما أدى إلى زيادة متوسط عمر المواطنين وتحسين نوعية حياتهم.
قدمت المملكة العربية السعودية خلال العقود القليلة الماضية العديد من المبادرات والاستثمارات في الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية وبرامج الرعاية الاجتماعية، ما ساعدها على رفع معدلات متوسط عمر الفرد من 62 عاماً في ستينيات القرن العشرين إلى أكثر من 75 عاماً خلال السنوات الأخيرة، وتستهدف رفع هذا المعدل إلى 80 سنة بحلول عام 2030.
تطور خدمات الرعاية الصحية
فيما يخص الصحة، شكّلت المملكة العربية السعودية 60% من نفقات الرعاية الصحية لدول مجلس التعاون الخليجي في الفترة بين 2016 و2020، وتصدرت المنطقة من خلال 504 مستشفيات تبلغ قدرتها الاستيعابية أكثر من 78 ألف سرير في عام 2020، وهو ما يمثل 65.5% من إجمالي السعة في دول مجلس التعاون الخليجي.
واستثمرت المملكة بكثافة في تطوير نظام الرعاية الصحية ليصبح في متناول الجميع. وتهدف المملكة من خلال برنامج تحول القطاع الصحي الخاص برؤية 2030 إلى إعادة هيكلة القطاع باعتباره قطاعاً شاملاً وفعالاً ومتكاملاً يلبي احتياجات الأفراد والمجتمع السعودي على حدٍ سواء وزيادة الوصول إلى الخدمات الصحية في جميع التجمعات السكنية من ضمنها الواقعة على أطراف المدن بمعدل 88% وشمول 100% من السكان في السجل الطبي الموحد بحلول عام 2030.
ودعمت المملكة البنية التحتية للرعاية الصحية، من خلال استثمارات بلغت أكثر من 65 مليار دولار أميركي في عام 2021، بهدف زيادة مشاركة القطاع الخاص في قطاع الرعاية الصحية من 40% إلى 65% بحلول عام 2030 وخصخصة 290 مستشفى و2,300 مركز صحي أولي. كما طورت المملكة منصة افتراضية موحدة تضم أكثر من 120 مستشفى وعيادة للحصول على معلومات وشهادات ولوائح الرعاية الصحية ذات الصلة بهدف تحسين تجربة المستثمرين في القطاع الصحي.
ومن المبادرات التي نفذتها المملكة في الأعوام الأخيرة، إطلاق 14 تجمعاً صحياً عام 2021 لخدمة أكثر من 29 مليون مستفيد وإنشاء 10 مستشفيات جديدة بلغت طاقتها الاستيعابية أكثر من 1,500 سرير. وفي عام 2022، أطلقت المملكة المستشفى الافتراضي الأول من نوعه في العالم الذي يربط أكثر من 130 مستشفى ويقدِّم أكثر من 34 خدمة تخصصية.
من جهة أخرى، زاد عدد المتخصصين في الرعاية الصحية بالمملكة، إذ بلغ معدل الأطباء 2,7 طبيب لكل 1,000 شخص في عام 2020، بينما بلغ عدد الممرضين 5,8 ممرضين لكل 1,000 شخص في عام 2019 بزيادة قدرها 17,98% من 2016-2019. ومع استمرار النمو السكاني في المملكة بمعدل 2,52%، يجب توفير 150 ألف ممرض بحلول عام 2030، أي تخريج 10 آلاف ممرض سنوياً وتوظيفهم.
وحققت المملكة تقدماً كبيراً في خفض معدل وفيات الرضع بنسبة 64,5% لتصل إلى 6 وفيات لكل ألف مولود في عام 2021، إضافة إلى خفض خطر وفيات الأمهات إلى 16 لكل 100,000 ولادة في عام 2020، ما أعطى دفعة قوية لجودة الخدمات الصحية المقدَّمة في البلاد وشموليتها، فمن بين 250 مستشفى، صُنف 29 مستشفى سعودي ضمن قائمة أفضل المستشفيات في العالم لعام 2022.
ستنعكس هذه الجهود إيجاباً لتشمل خدمات الرعاية الصحية لأكبر عدد ممكن من السكان، إذ من المتوقع وصول معدل التغطية الشاملة إلى 63% بحلول عام 2030.
في السنوات الأخيرة؛ زاد اهتمام الأنظمة الصحية بالنظام الصحي الإلكتروني لأنه يمكّنها من جمع البيانات اللازمة لقياس المعطيات ومتابعة الأداء والنتائج بشكل منهجي ومستمر. ولم تكن المملكة بعيدة عن هذا التوجه، إذ تم تقديم 1.4 مليون خدمة افتراضية من خلال الربط بين المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية عبر تطبيق "وصفتي"، وتجاوز عدد الوصفات الطبية الإلكترونية في التطبيق 22,9 مليون وصفة من خلال 3,082 صيدلية. وحجز 108 ملايين موعد عبر تطبيق "موعد" الذي استفاد منه أكثر من 26 مليون مستفيد.
وفي إطار الحفاظ على حياة السكان وضمان سلامتهم، بذلت المملكة جهوداً كبيرة في بناء الطرق وتطويرها وصيانتها، ودعمت ذلك بالأنظمة المرورية والرصد الآلي للمخالفات، ما أدى إلى خفض معـدل الإصابات الناتجة عن الحوادث المرورية لكل مائة ألف نسمة بنسبة 29,2% ما بين عامي 2015 و2021. وتراجع معدل الوفيات الناتجة عن الحوادث المرورية بنسبة 55% خلال السنوات الخمس الماضية. وأسهم تطبيق "المستجيب" الذي أطلقته هيئة الهلال الأحمر السعودي عام 2021 في تقليص مدة الوصول للحوادث إلى أقل من 8 دقائق وتقديم الرعاية الصحية المطلوبة في الوقت المناسب.
يعد التعليم من العوامل الأخرى التي تسهم في نوعية الحياة ومتوسط العمر في المملكة. لذا ركزت على زيادة الوصول إلى التعليم الجيد لجميع مواطنيها وسكانها خلال السنوات الماضية، فقد بلغ معدل الحاصلين على التعليم الأساسي 88% في عام 2019. ما أدى إلى زيادة عدد السكان المتعلمين وفرص العمل المتاحة لهم، ليصل عدد العاملين إلى أكثر من 15 مليون عامل في عام 2022، ما أسهم في تحسين جودة الحياة ومتوسط العمر المتوقع فيها.
في إطار رؤية 2030، أطلقت المملكة برنامجاً متخصصاً بجودة الحياة، يعمل على "تهيئة البيئة اللازمة لتعزيز مشاركة المواطن والمقيم والزائر في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية والسياحية والأنماط الأخرى الملائمة التي تسهم في تعزيز جودة الحياة، وتوليد الوظائف، وتنويع النشاط الاقتصادي، وتعزيز مكانة المدن السعودية في ترتيب أفضل المدن العالمية"، وأسهمت مبادرات البرنامج في رفع معدل السعادة في المملكة، لتشغل المرتبة الثالثة عربياً في تقرير السعادة العالمي لعام 2022. كما حققت المملكة المرتبة 31 عالمياً بين 137 دولة بحسب متوسط معدل السعادة في السنوات الثلاث من 2020 حتى 2022.
عامل آخر يسهم في جودة الحياة في المملكة العربية السعودية وهو ارتفاع مستوى المعيشة. فالمملكة تتمتع باقتصاد قوي قادر على تمكين المواطنين وفتح باب فرص العمل أمامهم، ما أدى إلى تحسين الدخل وارتفاع مستويات المعيشة، إذ زادت نسبة ملكية السعوديين للمنازل من 47% قبل إطلاق الرؤية إلى أكثر من 60% في عام 2022، بحسب التقرير السنوي للرؤية.
إضافة إلى ذلك، فقد قامت المملكة باستثمارات كبيرة في تطوير البنية التحتية لديها، بما في ذلك بناء المدن الجديدة والطرق السريعة وأنظمة النقل العام، ما سهّل من التنقل في جميع أنحاء البلاد والوصول إلى الخدمات الأساسية والاستمتاع بالأنشطة الترفيهية فيها. فقد نظّمت المملكة أكثر من 3,800 فعالية ترفيهية وبحضور أكثر من 80 مليون شخص من أنحاء العالم ما أسهم في تحقيق مستهدف رؤية 2030 بتوفير 613 مكاناً ترفيهياً. وسيؤدي تطوير مدن جديدة، مثل مدينتَي نيوم والقدية، إلى تعزيز جودة الحياة لمواطنيها وخلق فرص اقتصادية جديدة.
كما تسعى المملكة لتوفير بيئة سكنية لائقة عبر إضفاء الطابع الإنساني على المدن وزيادة المساحات الخضراء، إذ أنشأت 9 مسارات مهيأة للمشي في عدد من مدن المملكة خلال عام 2021 تبلغ أطوالها 8,726 متراً ومساحات خضراء تقدر بـ 820,000 متراً مربعاً ستسهم جميعها في تحقيق مستهدف 2030 برفع نسبة ممارسة الأشخاص للأنشطة البدنية والرياضية أسبوعياً إلى 40%.
نتج عن هذه الجهود انضمام 6 مواقع سعودية قائمة إلى منظمة اليونسكو للتراث العالمي. وفي مؤشر قابلية العيش العالمي (Global Liveability Index) لعام 2023، الصادر عن وحدة الذكاء الاقتصادية التابعة لمجموعة الإيكونوميست (EIU) في تصنيفها لـ 140 مدينة بناءً على تقييم عوامل الاستقرار، الثقافة والبيئة، التعليم، الرعاية الصحية، البنية التحتية؛ تقدمت مدينة الرياض ثلاث مراتب لتشغل المرتبة 103 وحققت مدينة جدة تقدماً بأربع مراتب وأصبحت في المرتبة 107 مقارنةً بعام 2022. وتسعى المملكة إلى إدراج ثلاث مدن سعودية ضمن أفضل 100 مدينة في العالم في مؤشر قابلية العيش بحلول عام 2030، من خلال تحسين جودة حياة المواطنين والمقيمين والزائرين والسياح، عبر توفير خيارات جديدة تعزز مشاركتهم في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية. وقد استقبلت المملكة أكثر من 67 مليون سائح في عام 2021، وأطلقت تأشيرة جديدة تتيح للمقيمين في دول الخليج الدخول إلى المملكة بيسر وسهولة ما زاد من عدد الزوار للمملكة إلى نحو 56 ألف زائر خلال شهر واحد، ويأتي ذلك تماشياً مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 بتوفير 1,6 مليون موظف في قطاع السياحة.
وتعد المساواة الاجتماعية من العوامل المهمة أيضاً لرفع جودة الحياة ومتوسط العمر في المملكة. فقد أحرزت المملكة تقدماً كبيراً في تعزيز المساواة بين الجنسين وتنفيذ عدد من السياسات التي ضمنت حصول المرأة على فرص متساوية في العمل والتعليم. ما مكّنها من تحقيق 80 نقطة من أصل 100 نقطة في مجموع مؤشرات تقرير البنك الدولي "المرأة وأنشطة الأعمال والقانون" لعام 2022، بزيادة 10 نقاط عن عام 2020، ما أثر إيجاباً على جودة الحياة في المملكة.
كما كان لبرامج الرعاية الاجتماعية دور مهم في تحسين نوعية الحياة في المملكة. فقد نفّذت الحكومة برامج مختلفة تهدف إلى دعم الأسر، وتقديم خدمات الرعاية الصحية لكبار السن وذوي الهمم والأيتام، ودعم المحتاجين، منها برنامج الإسكان التنموي "جود الإسكان" الذي أسهم في تحفيز المعروض العقاري للأسر المحتاجة، وتوفير 8,400 وحدة سكنية لهم، وبلغت قيمة الإسهامات العينية والنقدية 259,9 مليون ريال في عام 2021.
ومن جهود المملكة في زيادة متوسط العمر المتوقع، تبنّي العديد من النُهج الصحية التي تعمل على تكثيف الجهود لمواجهة تحديات القطاع، ومن أبرزها نهج الصحة في كل السياسات الذي يعد منهجاً مهماً وفعالاً لتعزيز صحة السكان والمساواة ضمن النظام الصحي ولديه القدرة على تشكيل مجموعة من الأطراف الحكومية المعنية لتعزيز الصحة العامة والمساواة ضمن النظام الصحي في مواجهة التحديات المتزايدة على المدى الطويل مثل الأمراض غير المُعدية، ومقاومة المضادات الحيوية، وتغير المناخ. إذ لا يمكن للقطاع الصحي تحمّل كل هذه التحديات بمفرده، بل يحتاج إلى قطاعات أخرى فاعلة، مثل التعليم والغذاء والتخطيط الحضري.
كما تتبنى المملكة نهج الصحة الواحدة، وهو نهج متكامل وموحّد يرمي إلى تحقيق التوازن بين صحة الإنسان والحيوان والنظم الإيكولوجية وتحسينها على النحو الأمثل بصورة مستدامة. كما يعطي أولوية للاستجابة لمخاطر الصحة العامة، ومن أهمها مقاومة المضادات الحيوية (AMR) وفيروسات الإنفلونزا الحيوانية.
خطت المملكة خطوات كبيرة في زيادة متوسط العمر وتحسين النتائج الصحية العامة لمواطنيها. وأسهم ارتفاع مستوى المعيشة والنمو الاقتصادي في تحسين نوعية الحياة، ومع مواصلة الجهد الحكومي في المملكة لتطوير التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية، ستستمر نوعية حياة مواطنيها في التحسن.