لقد شهدت الاستثمارات الخاصة في قطاع الرعاية الصحية في الولايات المتحدة نمواً كبيراً على مدى العقد الماضي، وذلك بفضل دور الأسهم في أسعار مجال الصحة، والمستثمرين الذين حرصوا على دخول سوق كبير سريع النمو ويتمتع بمناعة ضد الكساد ويدر أرباحاً كبيرة تاريخياً. وتستثمر شركات الأسهم الخاصة وشركات رأس المال الاستثماري في كل شيء، بدءاً من شركات التقنيات الصحية الناشئة وصولاً إلى منشآت معالجة الإدمان والعيادات الطبية. في عام 2018، وصل عدد صفقات شركات الأسهم الخاصة وحدها إلى قرابة 800 صفقة، وبلغت قيمتها الإجمالية أكثر من 100 مليار دولار.
دور الأسهم في أسعار مجال الصحة
وفي حين يجلب رأس المال الخاص الابتكار إلى قطاع الرعاية الصحية من خلال نماذج تسليم وتقنيات وكفاءات تشغيلية جديدة، إلا أن هناك جانب آخر للمستثمرين الخاصين الذين يدخلون قطاع الرعاية الصحية. فنموذج العمل الشائع لديهم يثير القلق، وهو يتمثل بعمليات الشراء والنمو عبر الاستحواذ أو الاستحواذ التراكمي، وعمليات البيع بهدف الحصول على عائدات أعلى من المتوسط.
خذ ظاهرة الفواتير المفاجئة مثلاً، كالفواتير الطبية التي يتلقاها المريض على نحو غير متوقع لأنه تلقى العلاج على يد طبيب من خارج الشبكة في منشأة ضمن الشبكة. تحظى هذه الفواتير باهتمام كبير مؤخراً، وتحركها ولو جزئياً الشركات التي يدعمها المستثمرون والتي تبقى خارج الشبكة (لا تتعاقد مع شركات التأمين)، وبالتالي بإمكانها تغريم المرضى برسوم باهظة لقاء الخدمات التي يحتاجون إليها على نحو طارئ أو غير متوقع. تقوم شركات الأسهم الخاصة بشراء وتنمية الاختصاصات التي تولد حصة مفرطة من الفواتير المفاجئة، كأطباء غرفة الطوارئ ومختصي طب المستشفيات وأطباء التخدير وأطباء الأشعة.
ففي القطاعات الاقتصادية الأخرى، يمكن للمستهلك معرفة سعر الخدمة الجيدة ثم اختيار عدم شرائها إذا لم يقتنع أنها جديرة بهذه الكلفة، ولكن هذا غير ممكن في حالات الفواتير المفاجئة. إذ يكون المريض أغلب الأحيان غير مدرك لحاجته إلى خدمة بعينها مسبقاً، ولا يكون لديه خيارات كثيرة من الأطباء عندما يستعين بهذه الخدمة.
مارست عدة مجموعات ضغوطاً ضد التشريعات التي من شأنها أن تحد من هذه الممارسة، وذلك بهدف تخفيف حدة الدعم السياسي الحزبي الثنائي المتنامي لحماية المرضى من الفواتير المفاجئة. ومن ضمن هذه المجموعات اتحاد الأطباء والمرضى (Doctor Patient Unity) الذي أنفق أكثر من 28 مليون دولار على الإعلانات، وهو يتلقى تمويله بصورة أساسية من شركات كبيرة مدعومة بالأسهم الخاصة تملك عيادات طبية وغرف طوارئ مخصصة للموظفين في مختلف أنحاء الدولة. ويبدو أن عملها له تأثيره، فقد توقفت الجهود الرامية لتمرير تدابير الحماية في مجلس الشيوخ.
الاستثمار في العيادات الطبية
كانت العيادات الطبية استثماراً له شعبية لدى شركات الأسهم الخاصة على مدى أعوام. ووفقاً لتحليل نشرته شركة بلومبرغ لو (Bloomberg Law)، فقد تم إعلان وإغلاق 45 صفقة لعيادات طبية في الربع الأول من عام 2019، وحسب الوتيرة الحالية، ستتجاوز عدد الصفقات الرامية لشراء العيادات الطبية وعيادات طب الأسنان 250 صفقة هذا العام لتتجاوز إجمالي عدد صفقات عام 2018 بكثير. أجل، يمكن لهذه الاستثمارات توفير بديل للأطباء المستقلين والعيادات الصغيرة من خلال بيع أنفسهم للمستشفيات، ويمكنها مساعدتهم في التعامل مع النفقات العامة الإدارية التي تبعدهم عن العمل الذي تدربوا على أدائه، ألا وهو تقديم الرعاية. ولكن على الأقل في بعض الحالات، يبدو أن استراتيجية المستثمر تتمثل بزيادة الإيرادات عن طريق رفع الأسعار عندما يكون المرضى في أكثر حالاتهم ضعفاً.
ليست الفواتير المفاجئة للعيادات الطبية التي يدعمها المستثمرون هي المشكلة الوحيدة، فالتدقيق على غرف الطوارئ المستقلة التابعة لشركات الأسهم الخاصة يتزايد بسبب انتشارها وأسعارها المرتفعة. إذ تكون معظم الزيارات لغرف الطوارئ المستقلة لأسباب غير إسعافية، ويمكن أن تكون كلفة العلاج الذي تقدمه أكبر بنحو 22 ضعفاً من كلفة زيارة عيادة الطبيب.
ومهما كبرت الأرباح قصيرة الأجل للشركات التي يدعمها الاستثمار الخاص التي تضر المستهلكين، إلا أنه من غير المرجح أن يكون أداؤها المالي جيداً على المدى الطويل. وخلافاً لكثير من الأسواق الأخرى، يتمتع قطاع الرعاية الصحية بتنظيم شديد وحساسية كبيرة تجاه الواقع أو المظهر الذي يجعل من المرضى والضعفاء ضحايا، وسرعان ما يؤدي غضب المستهلكين إلى تدخل الحكومة.
سوف يستفيد المستثمرون أكثر من معالجة مجموعة المشاكل التي يعاني منها نظام الرعاية الصحية ومن إضافة قيمة حقيقية لنظامنا الصحي، أي تقديم خدمات عالية الجودة بأسعار معقولة والحد من الهدر. وستدرك الشركات، التي تحاول زيادة دور الأسهم في أسعار مجال الصحة، وزيادة أرباحها قصيرة الأجل إلى أقصى حد عن طريق رفع الأسعار من دون إضافة ميزات حقيقية على الرعاية الطبية، أن هذه الاستراتيجية ليست دائمة. إذ لن يسمح لها المشرعون والجهات التنظيمية بالاستمرار بهذه الممارسات فترة طويلة.