هل تُسبب رفرفة الفراشة في البرازيل حدوثَ إعصار في تكساس؟

3 دقيقة
shutterstock.com/LedyX

قبل حوالي 45 عاماً، طرح أستاذ الأرصاد الجوية في معهد ماساتشوستس للتقنية إدوارد لورنز سؤالاً: "هل تُسبب رفرفة أجنحة الفراشة في البرازيل حدوث إعصار في تكساس؟". كان الغرض من سؤاله الاستفزازي، كما قال، هو توضيح فكرة أن بعض الأنظمة الديناميكية المعقدة تُظهر سلوكيات غير متوقعة، مثل الاختلافات الصغيرة في الظروف الأولية والتي يمكن أن يكون لها تأثيرات عميقة ومتباينة على نطاق واسع في نتائج النظام.

قبل أن يهجم علينا وحش كورونا بأشهر قليلة، كنت في مهمة قصيرة في كلية إنسياد الفرنسية في مدينة فونتبلو الصغيرة الهادئة. هناك، التقيت صاحب الدُّعابة، كما يحب أن يعرّف نفسه، البروفيسور ناثِن فَر الذي قابل إيلون ماسك وجيف بيزوس وغيرهما، وألف عدداً من الكتب المميزة في مجال الابتكار مثل "طريقة المبتكر" (The Innovator’s Method) و"رأس مال الابتكار" (Innovation Capital) وغيرهما.

أخبرني فَر قصة قصيرة تأمّلتُها طويلاً. قال: "كنت في مهمة استشارية لشركة كندية كبيرة، وعندما وصلت إلى مقر الشركة أخبرني بعض المدراء هناك أن الرئيس التنفيذي معارض لموضوع التحوّل الرقمي (Digital Transformation)، وهو الموضوع الذي ذهبت لأقدّم الاستشارة حوله. سألتهم عن السبب فلم يعطوني سبباً واضحاً. دعَوني لتناول الغداء مع الرئيس التنفيذي ومجموعة المدراء الكبار في الشركة، وقد جلست بجانب الرئيس التنفيذي، دردشنا قليلاً ثم اقترب مني وقال: "ما هو التحوّل الرقمي بالضبط؟" فأجبته بتعريف بسيط، فأسرّ لي بصوت منخفض إن الجميع يتحدّث عن التحوّل الرقمي لكن أحدهم لم يستثمر بضع دقائق، بل ربما ثوانٍ، من وقته لتوضيح المقصود بالتحوّل الرقمي. بعدها، بدأنا النقاشات مع الفريق حول التحوّل الرقمي، وكيف يمكن للشركة أن تتبناه، والأثر الذي يمكن إحداثه. لاحظ الفريق أن الرئيس التنفيذي كان متفاعلاً ولم يُبدِ المعارضة التي تعودوا عليها، كانوا يتساءلون عن السبب، وكان السبب بالنسبة لي واضحاً."

التقيتُ مرة أحد المسؤولين في إحدى الشركات، وكنّا نناقش رحلة التحوّل نحو الابتكار، لكنني لاحظت شيئاً غريباً، وهو أنه كلما ذكرنا التفكير التصميمي (Design Thinking) كأداة من أدوات الابتكار ومنهجياته تغيّر وجهه. لا يريده ولا يريد حتى سماع ذكره. استغربت منه كثيراً، الغريب في ذلك المسؤول أنه لم يكن معارضاً عادياً، بل كان شرساً حتى أمام محاولات توضيح المبدأ والمفهوم. بعد أشهر، اقتنع أخيراً، بل صار من أكبر الداعمين. وكان سبب عداوته ومعارضته أنه يجهل ما هو التفكير التصميمي، إذ كان يظن أنه أداة إدارة الأفكار (بنك الأفكار)، وظلّ يظن ذلك لأشهر طويلة.

تعرّفت مرة إلى شخص ذي مستوى رفيع في إحدى الشركات، تحدثنا كثيراً عن صناعة الابتكار، كيف يبدأ، وكيف ينمو ويزدهر، وكيف يمكن أن يموت. كان هذا الشخص المسؤول معادياً لموضوع الاهتمام بثقافة الابتكار، وكان يعتبر أن كل ما يتم عمله في هذا الجانب هو مضيعة للوقت والمال. كان يريد أثراً سريعاً مباشراً، وأي شيء ليس له أثرٌ مباشرٌ ملموسٌ محسوسٌ فهو ضرب من اللهو واللعب بالنسبة له. أعرف هذا النوع من الناس جيداً، يعرّفون أنفسهم عادة على أنهم "عمليون" ويركّزون على النتائج، كما يزعمون. بعد حوالي سنتين صار ذلك المسؤول مؤمناً بأهمية ثقافة الابتكار. نعم! سنتان عزيزي القارئ.

بعد سلسلة من التجارب التي خضتها واستمعت لها، صرت في بداية المحاضرات التي ألقيها عن الابتكار عموماً أو التفكير التصميمي على وجه الخصوص، أحاول أن أعرّف المبادئ والمفاهيم الأساسية، حتى وإن كانت تبدو للبعض بديهية، لكنني أكاد أجزم أن عموم الناس لا يعرفونها جيداً، كتعريف الابتكار مثلاً، أو الفرق بين الإبداع والابتكار والاختراع على سبيل المثال.

كلما كان الإنسان منفتحاً على التعلّم ومعرفة المزيد، صار متقبِّلاً لجهله وأكثر معرفة بمواطن ضعفه. وما يحدث أحياناً أنه بسبب خبرة الأشخاص ووصولهم إلى مناصب عليا؛ يصبحون أقل فضولاً وأبعد عن التساؤل وأكثر ركوناً لمعرفتهم وأقل تحدياً لافتراضاتهم، الأمر الذي يجعلهم يعادون ما يجهلون. وقد أشرت في مقالي السابق عن تعلُّم مهارة المليون دولار إلى مسألة طرح الأسئلة وأهميتها.

نعم، قد لا تتسبب رفرفة أجنحة الفراشة في البرازيل أو الرياض بحدوث إعصار في تكساس أو مدريد، لكن أموراً بسيطة نغفل عنها قد تتسبب في إعصار من القلق والحيرة والتفكير؛ بسبب ردة فعل غير متوقعة وغير مبررة لمواضيع منطقية وقيّمة.

فالذي أوصي به نفسي أولاً ثم أوصي به القراء الكرام هو أن يحرصوا على تبيان المبادئ الأساسية للموضوعات التي يطرحونها لأول مرة، وأن يتذكّروا أن الناس قد يسألون عن الأمور الصعبة، لكنهم ربما يخجلون من السؤال عن الأمور الأساسية البسيطة السهلة؛ فيجهلونها، وقد يعادون ما يجهلون.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي