الحمل ليس مرضاً. لا بل هو ذروة التعبير عن التمتع بالصحة والعافية خلال فترة تكوين تنتهي بولادة طفل جديد يرى النور. ومع ذلك، تطورت الرعاية السابقة للولادة أو الرعاية أثناء الحمل في الولايات المتحدة إلى نظام معقد يتضمن 12 إلى 14 زيارة للطبيب على امتداد 40 أسبوعاً، غالباً ما يكون الهدف منها مجرد الاطمئنان على صحة الأم الحامل وجنينها.
تدفع الأمهات الحوامل اللواتي يواجهن أخطاراً متدنية ثمناً باهظاً مقابل المواعيد غير الضرورية قبل الولادة سواء بسبب اضطرارهن للتغيب عن العمل وما ينتج عنه من خسارة في الأجر أو ايام الإجازة الشخصية، وتكاليف رعاية الأطفال الآخرين، وما إلى ذلك. والحال مماثلة بالنسبة لمؤسسات الرعاية الصحية لجهة الاستخدام غير الضروري للموارد الطبية المكلفة، بما في ذلك أطباء التوليد والقابلات والممرضين ووقت العيادة.
لمعالجة هذه المشكلة، أطلقت في عام 2011 في مايو كلينك مجموعة يقودها قسم أمراض النساء والولادة مبادرة لتحويل الرعاية قبل الولادة من هذا النموذج الطبي إلى نموذج صحي مبتكر. يسمح النهج الذي قمنا بتطويره وأسميناه "بيت الولادة" (OB Nest)، للنساء اللواتي يواجهن مخاطر متدنية خلال الحمل بخفض عدد زياراتهن للعيادة من 12 أو 14 زيارة كما كان متبعاً، إلى 8 فقط.
جاءت النتائج الأولية مشجعة: حسّن النهج الجديد رضا الأم (والأسرة الممتدة في كثير من الأحيان) عن تجربة الرعاية السابقة للولادة وخفف الضغط عن أطباء التوليد حتى يتمكنوا من إيلاء مزيد من الاهتمام للحوامل اللواتي يواجهن مشكلات أكثر خطورة. في عام 2016 أضيف النهج كخيار رعاية معياري في مايو كلينك في روتشستر، مينيسوتا. وحصلنا مؤخراً على تمويل لتقييم استخدام "بيت الولادة" في بيئة مجتمعية ريفية يتوقع أن تكون مختلفة عن البيئة الأكاديمية التي أجريت فيها الدراسة الأصلية.
عندما أطلقت المبادرة في عام 2011، كان الغرض منها تمكين الأمهات الحوامل من المشاركة في توفير الرعاية واختيار العدد الأمثل للمواعيد المطلوبة لتلقي رعاية عالية الجودة، والحفاظ على معايير الرعاية التي توصي بها الجمعية الأميركية لأمراض النساء والولادة (American College of Obstetrics and Gynecology).
لتحقيق هذه الأهداف الطموحة، عقدنا شراكة مع مجموعة من 14 من الأمهات الحوامل وفرق رعاية أمراض النساء والتوليد التي تعتني بهن، من ممرضات وقابلات وأطباء توليد، ومركز مايو كلينك للابتكار (CFI Mayo Clinic Center for Innovation) . اشتركنا معاً في سلسلة من الأنشطة الهادفة إلى نزع الطابع الطبي عن الرعاية السابقة للولادة في حالة تدني المخاطر الصحية، وتمكين النساء من المشاركة بفعالية في إدارة العناية بصحتهن وتحديد العدد الأمثل لمواعيد زيارات الرعاية السابقة للولادة واستخدام التقنيات المبتكرة لأمثلة طريقة رصد ومتابعة الرعاية المقدمة.
أنشأنا واختبرنا 14 برنامجاً مختلفاً للرعاية السابقة للولادة ودعونا الأمهات الحوامل إلى المشاركة في هذه التجارب ليتاح لنا فهم تأثير الأنشطة المختلفة على تجربة رعاية المريضة. بعد الحصول على نتائج هذه التجارب، عمل قسم أمراض النساء والتوليد مع باحثين في العلوم الصحية من مركز روبرت وباتريشيا كيرن لتقديم علوم الرعاية الصحية في مايو كلينك لدراسة مدى صلاحية هذه الخيارات في حال تعميمها ومدى فعاليتها من حيث التكلفة. باستخدام أساليب علمية صارمة، حدد فريق البحث نموذج الرعاية البديلة قبل الولادة، والذي أطلقنا عليه اسم "بيت الولادة".
وفي ما يلي عناصر هذا النموذج:
نظام تتبع قائم على المعلومات والمعرفة. إلى بضع سنوات مضت، كان أعضاء قسم التوليد وأمراض النساء في مايو كلينك يتتبعون مرضاهم يدوياً ويقارنون بين الملاحظات حول من هن المعرضات لخطر صحي كبير وما هي الفحوصات المخبرية التي قد يحتجنها في المستقبل ومتى ستكون زيارة المريضة التالية. من تقييمنا للاحتياجات الأولية، أدركنا أن نجاح "بيت الولادة" يتطلب نظام تتبع مستنداً إلى المعلومات والمعرفة يمكن أن يجمع كل المعلومات الصحية اللازمة عن حالة المريضة الصحية قبل الولادة في موقع واحد يسهل الوصول إليه.
بمجرد تحديد البيانات اللازمة لتطوير الحل، عمل أخصائيو المعلومات وإدارة المعرفة مع مصممين من مركز مايو كلينك للابتكار ومقدمي الرعاية في قسم التوليد لتصميم طريقة سهلة الاستخدام لتتبع المريضات المعرضات لمستويات متدنية أو مرتفعة من الخطورة على حد سواء. عندها بات بالإمكان استرجاع المعلومات السريرية ذات الصلة تلقائياً من نظام السجلات الطبية الإلكترونية من قبل فريق رعاية قسم النساء والتوليد.
يأخذ حل تكنولوجيا المعلومات الذي طُور بناء على احتياجاتنا في الاعتبار الطريقة التي نقدم بها الرعاية للأمهات الحوامل. يجمع النظام الآلي كل ما نحتاج إلى معرفته فيما يتعلق بالتاريخ الصحي للمريضة بالإضافة إلى برنامج زيارات المتابعة والمعلومات ذات الصلة. تتيح لنا لوحة تحكم إلكترونية تتبع مريضاتنا وتنظيم مواعيدهن بسهولة وفقاً لاحتياجاتهن. ويمكننا الآن التعرف بسرعة على المريضات المعرضات لمخاطر عالية من المضاعفات أثناء الحمل ووضع خطط الرعاية اللازمة.
(ملاحظة: انطلاقاً من حل إدارة البيانات نفسه، قدمنا البيانات إلى فريق البحث لتقييم نتائج مشروع "بيت الولادة" مع ضمان الصرامة العلمية في تحول ممارستنا القائمة على الأدلة).
معدات المتابعة في المنزل. يستخدم "بيت الولادة" معدات تستخدمها المريضات في منازلهن لمراقبة معدل ضربات قلب الجنين وضغط دم الأم. تُدرب المريضات على كيفية استخدام هذه المعدات وتُنقل النتائج إلى فريق التمريض عن طريق الهاتف.
مجتمع عبر الإنترنت. أنشئ مجتمع التواصل الاجتماعي الذي تديره ممرضات "بيت الولادة" حصرياً للحوامل المشاركات في البرنامج وهو يتيح للأمهات تبادل تجاربهن وطرح الأسئلة والحصول على إجابات يمكن أن تفيد المجموعة كلها.
ممرضات متفانيات في "بيت الولادة". ساعدت الممرضات المسجلات في قسم التوليد في رعاية الحوامل وتوفير التوعية للمريضات خلال زيارتهن للعيادة. بالإضافة إلى ذلك، قدمن الدعم للمريضات عبر الهاتف ومن خلال المناقشات الخاضعة للإشراف على وسائل التواصل الاجتماعي.
توقعات المرضى. عند بدء تطبيق المبادرة، كنا نعلم أن الأمهات الحوامل المعرضات لمخاطر متدنية غالباً ما يتوقعن الحصول على 12 إلى 14 موعداً محددة سلفاً ويعتقدن أن اتساع المسافة بين المواعيد لا توفر لهن رعاية كافية. تضمن جزء من عملية الموافقة للمشاركة في الدراسة التأكد من فهم المريضات ما هي العناية التي سيحصلن عليها وفق النموذج البديل. كما حرصنا على طمأنتهن إلى أن بأمكانهن رؤية طبيبهن قبل الموعد المحدد إذا احتجن لذلك. وبدا أن الاستجابة الإيجابية للمتابعة في المنزل وتفاني الممرضات بددت المخاوف بشأن تقليل عدد زيارات طبيب التوليد وهو ما عبر عنه مستوى الرضا لاحقاً. ونحن نواصل هذه الممارسات اليوم.
لا تزال النساء يجرين جميع الفحوصات المخبرية الموصى بها والفحص بالموجات فوق الصوتية والتطعيمات والتثقيف مثلما هي الحال في مسار الرعاية التقليدي. ومع ذلك، وبفضل الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا المتوفرة، تعمل مبادرة "بيت الولادة" على جعل النساء يشاركن بفعالية في الاعتناء صحياً بأنفسهن والحفاظ على عافيتهن أثناء الحمل، مع تقليل التكاليف المتصلة بذلك والوقت الواجب تخصيصه له.