ما الرسائل التي يخبرك بها احتراقك الوظيفي؟

6 دقيقة
محفزات الاحتراق الوظيفي
جاستن بامفري/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: أثبتت البحوث أن سبب الاحتراق الوظيفي يعود أساساً إلى عوامل نفسية خطيرة تحدث في مكان العمل، مثل عدم توافّر الموارد أو الوقت اللازمين لإدارة عبء العمل، أو العمل في بيئة لا توفر إمكانية التحكم أو الاستقلال الكافيين، أو غيرها من محفزات الاحتراق الوظيفي. في الواقع، كل حالة من حالات الاحتراق الوظيفي فريدة، ولا تتشابه مع حالات أخرى، ويتطلب التعافي منها تحديد الظروف الفريدة في مكان العمل التي تُسهم في شعور الموظف بالتوتر، وذلك من خلال استخدام مهارات الوعي الذاتي لفهم تجربة الاحتراق الوظيفي واكتشاف الإشارات الداخلية التي تعزز ذلك الشعور. وإليكم بعض الرسائل المهمة وغير الشائعة التي قد يكشفها الاحتراق الوظيفي، وكيفية التعامل معها.

أصبحت عبارة “المشكلة لا تتعلق بك، بل بعملك!” العبارة الافتتاحية لمحادثات التدريب المهني مع العملاء أو المشاركين في الورش الذين يعانون أعراض الاحتراق الوظيفي المتمثلة في انخفاض مستوى الطاقة، وقلة التحفيز، وتراجع أداء العمل، إضافة إلى شعور غير مبرر بالذنب أو الخجل لافتراضهم أن إحساسهم بالاحتراق الوظيفي والتوتر في العمل ناجم عن خطأ شخصي.

ومع ذلك، أثبتت البحوث أن سبب الاحتراق الوظيفي يعود أساساً إلى عوامل نفسية خطيرة تحدث في مكان العمل. (فهو ليس مجرد مشكلة فردية؛ بل هو قضية مؤسسية). وعلى وجه التحديد، يحدث الاحتراق الوظيفي عند وجود تعارض مستمر بين احتياجات الموظف لدعم رفاهته وأدائه الأمثل، وبين ما تقدمه المؤسسة بالفعل، مثل عدم توافّر الموارد أو الوقت اللازمين لإدارة عبء العمل، أو العمل في بيئة لا توفر إمكانية التحكم أو الاستقلال الكافيين، أو غيرها من محفزات الاحتراق الوظيفي.

تعاملت بصفتي باحثة ومدربة تنفيذية مع المئات من الأشخاص العاملين في مختلف القطاعات والذين اختبروا هذه المتلازمة الموهنة للعزيمة في مكان العمل، كان بعضهم قادراً على تحديد العوامل التي تُسهم في شعورهم المستمر بالتوتر في مكان العمل، والدفاع عن أنفسهم أمام قادة المؤسسة لمعالجة تلك المشكلات، وأخذ الوقت اللازم للتعافي واستعادة توازنهم؛ وغاب عن بعضهم الآخر العلامات التي تشير إلى أنهم يتجهون نحو “منطقة الخطر” لأن تجاربهم الشخصية لا تتناسب مع الصورة التقليدية لمعنى الاحتراق الوظيفي في نظرهم، أو لأنهم يستجيبون للتوتر في مكان العمل بأساليب قديمة نجحت في الماضي لكنها لا تتلاءم مع الوضع الحالي. في الواقع، كل حالة من حالات الاحتراق الوظيفي فريدة، ولا تتشابه مع حالات أخرى، ويتطلب التعافي منها تحديد الظروف الفريدة في مكان العمل التي تُسهم في الشعور بالتوتر.

وذلك من خلال استخدام مهارات الوعي الذاتي لفهم تجربة الاحتراق الوظيفي واكتشاف الإشارات الداخلية التي تعزز ذلك الشعور. وإليكم بعض الرسائل المهمة وغير الشائعة التي قد يكشفها الاحتراق الوظيفي، وكيفية التعامل معها.

عدم توافق المهارات مع المنصب

على الرغم من أن متطلبات العمل التي تتجاوز قدرتك على التعامل معها هي سبب معروف للاحتراق الوظيفي، قد يكون التوتر في العمل ناتجاً فعلياً عن حاجتك إلى تحقيق أقصى استفادة من قدراتك، أو من شعورك بأنك لا تبذل جهودك في المكان الصحيح. وإذا كنت تشعر بالاستياء المستمر، أو اللامبالاة، أو الافتقار إلى التوجيه أو التحدي، أو الانفصال الذهني عن العمل، فذلك يُشير إلى أن منصبك الحالي لا يتوافق مع مهاراتك وأنك جاهز للانتقال إلى المرحلة التالية في مسارك المهني.

قد يعني ذلك غالباً السعي للحصول على ترقية، لكنه قد يعني أيضاً أن الوقت حان لاستكشاف مهنة جديدة تماماً. كانت تجربتي الخاصة مع الاحتراق الوظيفي الموهن للعزيمة إنذاراً قوياً دفعني إلى التخلي عن مساري المهني المُرهق في مجال الاستشارات والسعي نحو تحقيق حلمي بالحصول على درجة الدكتوراة والدخول في مجال البحث والتدريس.

مارس التأمل الذاتي: ما المهنة التي ستجعلك تشعر بالتحفيز والارتباط والنشاط؟ حدد المنصب الذي يُسهم في دعم نموك وتعزيز فعاليتك، واتخذ الخطوة الأولى في سعيك نحو شغله.

عدم توافق المنصب مع التوقعات

إحدى المشكلات الدائمة التي تواجه عملائي هي التناقض الذي يشعرون به بين التوقعات قبل التوظيف والواقع الذي يعيشونه فعلياً في مكان العمل. يُعرف هذا التناقض في علم النفس الوظيفي بخرق العقد النفسي مع المؤسسة؛ وهو يتجلى في إحساس الموظف بالشك والانفصال الذهني عن العمل، وتدني الأداء؛ وإذا استمرت هذه الظروف، فقد يشعر الموظف باليأس والاحتراق الوظيفي.

حدد المجالات التي يحدث فيها عدم تناغم بين توقعاتك وتجربتك، فتلك هي الخطوة الرئيسية لرأب تلك الفجوة الخطيرة. هل تتحمّل أعباء عمل كثيرة؟ هل تتولى مسؤوليات يومية تفوق قدرتك على العمل؟ هل ثقافة عملك مناسبة؟ هل التعويضات التي تتلقاها كافية؟ ثم حدد سبب تلك الفجوة. هل حصل سوء فهم؟ هل تحمّلت مسؤوليات إضافية بعد استقالة أحد زملائك في العمل؟ هل تخضع المؤسسة لعملية إعادة هيكلة أو تغيير في القيادة؟ هل أنت ضحية تجربة تمديد النطاق الشهيرة؟

تحدث مع قادة مؤسستك لتوضيح طبيعة منصبك المهني والمسؤوليات المتوقعة منك، وتعاون معهم لتحديد مجموعة من الأهداف والغايات المنشودة التي تركز على احتياجاتك. وحافظ على قنوات الاتصال، فالحوار المستمر مع القادة يضمن تحقيق التفاهم المستمر حول توقعات العمل.

الضغط لزيادة الأداء

من البيئات المواتية لحدوث الاحتراق الوظيفي تلك التي تمجّد الإفراط في العمل، وتكافئ العمل الإضافي، وتتوقع من موظفيها أن يكونوا في حالة تأهب دائم، وتشجع على التضحيات الشخصية من أجل العمل. لكن هذا النهج التقليدي الذي يشجع على العمل الشاق غير مستدام، ولا يحقق الفعالية المرجوة حتى؛ وأظهرت نتائج البحوث أن العمل الإضافي يؤدي إلى انخفاض في الإنتاجية، وزيادة في معدلات التغيب ودوران الموظفين، وتراجع في الصحة، والشعور بالاحتراق الوظيفي. وتُظهر نتائج دراسة حديثة تضاعف خطر الشعور بالاحتراق الوظيفي بمعدل مرتين عندما يعمل الموظف 60 ساعة أو أكثر في الأسبوع، وتضاعفه بمعدل 3 مرات عندما يعمل 74 ساعة أو أكثر، وتضاعفه بمعدل 4 مرات عندما يعمل 84 ساعة أو أكثر، بالمقارنة مع أسبوع عمل يبلغ 40 ساعة.

وعندما تحدث هذه الظروف، يجب على الموظف أن يعيد ترتيب أولوياته بحيث تكون رفاهته الشخصية في المرتبة الأولى. تواصل مع الآخرين وحافظ على حدود واضحة بخصوص الأوقات التي تكون متاحاً فيها، وقاوم إغراء العمل بعد انتهاء الدوام. وتفحّص مهامك وحدد المجالات التي يمكن تطبيق حلول عليها: ما المهام التي يمكنك تفويضها، والمهام التي يمكنك خفض أهميتها والمهام التي يمكنك إلغاؤها؟

ابحث عن وسائل تتيح لك الحصول على فترات منتظمة من الراحة وتجديد النشاط، وتضمن لك الانفصال التام عن العمل، وتواصل بدلاً من ذلك مع العائلة والأصدقاء أو مارس أنشطة شخصية. خصص وقتاً كافياً للاسترخاء وإعادة تجديد الطاقة لخفض مستوى التوتر الناجم عن العمل ومنعه من التحول إلى حالة مزمنة تقودك إلى الاحتراق الوظيفي.

ثقافة العمل غير المتناسبة مع القيم

يسبب عدم توافق الثقافة مع قيم الموظف الشخصية إحساساً بالتوتر وصراعاً داخلياً يشكل تهديداً لهويته. وعندما يحدث عدم توافق في القيم يصعب على الموظف تحديد الغاية من عمله. قد يُطلب منه مثلاً التصرف بطرق تنتهك القواعد الأخلاقية أحياناً؛ وقد يكون الاختلاف في القيم مدمراً في حالات أخرى أقل وضوحاً، ما يزيد من خطر شعوره بالاحتراق الوظيفي.

اكتشفت إحدى عميلاتي التي تشغل منصباً من مستويات القيادة العليا أنها تسير على درب الاحتراق الوظيفي بعد أن غيّر الرئيس التنفيذي الجديد استراتيجية الشركة الطويلة المدى من النمو العضوي إلى عمليات الاستحواذ التي صاحبتها إجراءات تسريح جماعي للعاملين. لم تواجه هذه المسؤولة التنفيذية أي تغييرات في عبء عملها، لكنها اختلفت اختلافاً جوهرياً مع الموقف الصارم للرئيس التنفيذي تجاه تسريح العاملين، ما أدى إلى شعورها بالإحباط وفقدان المعنويات والانفصال عن العمل. وتواصلت في النهاية مع وكالة توظيف للعثور على وظيفة جديدة.

ومن المهم في الواقع عدم تجاهل الاختلاف في القيم. إذا كنت ترغب في البقاء في وظيفتك وكان التوصل إلى حل مقبول للقضايا التي تؤثر على رفاهتك ممكناً، فتحدث مع القيادة مسبّقاً. لكن إذا لم يكن التوصل إلى حل ممكناً، أو كان عدم التوافق في القيم ناتجاً عن بيئة عمل تسمح بالسلوك غير الأخلاقي أو تتجاهله، مثل السرقة والغش والكذب والخداع والاستبعاد أو الظلم، فأفضل حل هو إعداد استراتيجية إنهاء الخدمة وترك العمل.

مكان العمل السام

أظهرت نتائج دراسة أجراها معهد ماكنزي للصحة أن أكبر عامل يؤثر سلباً على الموظفين هو وجود بيئة عمل سامة. كان الموظفون الذين يعانون مستويات عالية من السلوك السام في العمل أكثر عرضة لتجربة أعراض الاحتراق الوظيفي بمعدل 8 مرات، لا سيما الإعياء وانخفاض القدرة على تنظيم العمليات العاطفية والمعرفية، ونقص المشاركة؛ وكان الموظفون الذين يعانون الاحتراق الوظيفي بالفعل أكثر عرضة بمعدل 6 مرات للاستقالة في غضون 3 إلى 6 أشهر. وكشفت بيانات حديثة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) أنه إذا كانت ثقافة الشركة سامة، فإن فرص استنزاف الموظفين أكبر 10 مرات من تأثير التعويض المالي عليهم.

“السلوك السام” هو مصطلح عام يُشير إلى السلوكيات التي تتسبب في شعور الموظف بالاستصغار أو عدم الاحترام أو الخوف أو عدم الأمان أو التقويض. يتجلى هذا السلوك في مكان العمل في شكل تحرش، أو معاملة غير عادلة، أو منافسة شديدة، أو تلاعب، أو ثرثرة، أو تلاعب نفسي، أو سلوك غير أخلاقي، أو إدارة تعسّفية.

من المهم ألا تتأثر بالسلوك السام مباشرة لكيلا تعاني تأثيراته الضارة. وتشير البحوث بالفعل إلى أن مراقبة السلوك السام يؤدي إلى ضرر نفسي وانخفاض في المعنويات. ويشعر الموظفون الذين يعملون في بيئات سامة بالإرهاق وفقدان الثقة بالنفس والإنهاك غالباً، ما يقودهم إلى الانفصال الذهني عن العمل بصفته وسيلة للحماية الذاتية.

إذا كنت تشعر بالاحتراق الوظيفي بسبب العمل في بيئة عمل سامة، فلا تضع وقتك في محاولة تغيير الثقافة السائدة، أو العيش على أمل تحسّن سلوك الزملاء السام، أو الاعتماد على استراتيجيات الرعاية الذاتية للتكيّف مع الوظيفة، بل اتخذ إجراءات فورية لتحمي نفسك وتقلّل تعرضك لزملاء العمل السامين. ولعلّ أفضل شكل للعناية بالذات هو وضع استراتيجية إنهاء الخدمة وترك العمل، لا سيما عند وجود تعارض غير قابل للحل بين الثقافة والقيم.

باختصار، لست مضطراً إلى أن تكون ضحية لتجربة الاحتراق الوظيفي، بل استفد من تجاربك الشخصية ومشاعرك التي تُعد مصدراً موثوقاً من البيانات للكشف عن العوامل التي تُسهم في شعورك بالتوتر في مكان العمل، ذلك التوتر الذي يقودك بدوره إلى الاحتراق الوظيفي. ثم استخدم الوعي الذاتي لتوجيه انتباهك إلى تلك المعلومات واتخاذ إجراءات استناداً إليها لتستعيد بعض السيطرة التي فقدتها في مسارك المهني وتعزز رفاهتك وشغفك في العمل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .