لقاء حواري مع ليندا هيل
توضح الأستاذة بكلية هارفارد للأعمال ليندا هيل في كتابها المشهور "التحول إلى مدير: إتقان بناء هوية جديدة" (Becoming a Manager: Mastery of a New Identity)، التكيف النفسي العميق الذي ينطوي عليه تحول الفرد من صاحب أداء فردي متميز إلى مدير كفء، وذلك على عكس أبحاث الإدارة التي تركز على المهام والمسؤوليات، وتشرح هيل في الحوار الآتي تحديات هذا التحول بالتفصيل.
ما الذي يجب على المدير فعله حتى يصبح مديراً كفئاً؟ وما الذي يميز فهمك لهذه العملية؟
عندما بدأت البحث في هذا الموضوع، اكتشفت أن أبحاثاً كثيرة تتناول المعارف التي يجب أن يمتلكها المدير، دون أن تركز بما يكفي على كيفية تعلم الأفراد الإدارة والقيادة فعلياً. لذلك صممتُ دراسة طولية نوعية تسمح للمدراء الجدد بمشاركة أفكارهم الشخصية حول تجاربهم في الإدارة، ولكن لم تكتفِ الدراسة برصد الصعوبات التي واجهوها، بل كانت ترمي إلى نقطة أهم وهي تحديد مشاعرهم تجاه هذه الصعوبات.
أن تصبح مديراً يعني أن تتقبل الفرق بين الأفكار الخاطئة عن الإدارة والواقع. انصب تركيز المدراء الذين تناولتهم دراستي في مستهل مشوارهم الإداري على السلطة الرسمية التي يتمتعون بها؛ أي الحقوق والامتيازات المرتبطة بالحصول على الترقية. لكنهم سرعان ما اكتشفوا واجباتهم والتزاماتهم الجديدة وأوجه الترابط والاعتماد المتبادل بينهم وبين زملائهم، وعرفوا أن السلطة الرسمية ليست إلا مصدراً محدوداً للنفوذ وأن مرؤوسيهم لن يستمعوا إليهم بالضرورة، وأن لأقران المدير وزملائه الذين ليس له سلطة رسمية عليهم، دوراً مهماً في نجاحه أو فشله. فبالإضافة إلى ممارسة السلطة الرسمية، تعتمد الإدارة بالقدر نفسه، إن لم يكن أكثر، على إدارة العلاقات بين فريقه والأطراف المعنية المختلفة.
لدى المدير الجديد مسؤوليتان، الأولى إدارة فريقه والثانية إدارة السياق الذي يعمل ضمنه الفريق، وهذا يعني إدارة حدود علاقات فريقه مع المجموعات الأخرى داخل المؤسسة وخارجها، والتدقيق فيما يحدث في البيئة التنافسية للتأكد من أن جدول الأعمال الذي حدده لفريقه مناسب.
غالباً ما يتبنى المدير الجديد منظوراً أضيق من اللازم، فيظن خطأ أن عليه فقط التركيز على فريقه في حد ذاته، لكن الحقيقية هي أنه إذا لم ينظر نظرة أشمل ويعمل على إدارة السياق الذي يعمل ضمنه أفراد الفريق فمن الممكن أن تتشكل لديهم توقعات غير واقعية أو غير ملائمة، كما أنهم لن يحصلوا على الموارد اللازمة لإنجاز العمل.
بالإضافة إلى اكتساب كفاءات إدارة الفرق، على المدير أيضاً تغيير نفسه، وعليه أن يتبنى سلوكيات وقيماً ووجهات نظر جديدة إذا أراد النجاح؛ هذا التغيير في الهوية المهنية هو الأصعب على المدير، وتؤثر المشاعر التي تنتابه بسبب تبنّي هذه السلوكيات ووجهات النظر الجديدة تأثيراً كبيراً في تطور هويته المهنية.
أنت تصفين هذه العملية بأنها تحول نفسي.
صحيح، وهي تتألف من جانبين، الجانب الأول هو تحول الفرد من تقديم أداء فردي والتمتع بالاستقلالية نسبياً إلى إنشاء شبكة علاقات ضمن المؤسسة، والثاني هو أنه يتحول من فرد تركيزه منصب على الجوانب الفنية، إلى مسؤول عن وضع جدول أعمال الفريق، إذ يجب على المدير الجديد أن يرى نفسه مسؤولاً عن تحديد جدول أعمال الفريق.
تتطلب القدرة على ابتكار جدول أعمال والتفكير بطريقة استراتيجية الكثير من التعلم، ويمثل تحديد الاتجاه لمجموعة ما عملية أعقد بكثير مما قد يظنه الأفراد، خاصة في المؤسسات المسطحة السريعة التغير.
حينما يرى الفرد نفسه مسؤولاً عن إنشاء شبكة علاقات وممارسة القيادة في آن معاً يجد في ذلك اختلافاً عن هويته السابقة، فهذه المسؤولية تختلف مثلاً عن مسؤولية المهندس الذي يعمل في مختبر أو الاستشاري الذي لم يصبح بعد شريكاً إدارياً في الشركة. أن تصبح مديراً يعني أن تتعامل مع المشكلات بأساليب أشمل تراعي المدى الطويل، ويمثل فهم المدير لدوره ومعرفة كيفية التدخل وإحداث تأثير، عملية تعلم مستمر.
هذا هو العنصر المفاهيمي للمهمة التحويلية، فما هو العنصر العاطفي؟
يشعر المدير الجديد في الأشهر الأولى، إن لم يكن في السنوات الأولى، بأنه مقيد وفاقد للسيطرة ويفتقر إلى الذكاء الكافي وأنه منهك، وقد تفقد الكفاءة الفنية التي يتمتع بها أهميتها، ومن ثم يرى أنه لم يعد خبيراً كما كان، كما يشعر بأنه خرج من منطقة الراحة فيما يخص مهارات التعامل مع الأفراد وقد يعاني الكثير من الضغوط المرتبطة بقيادة الآخرين.
يرجع بعض هذه الضغوط إلى حقيقة أن المؤسسات، مثل الأفراد، ليست مثالية، حتى إن أجرت إعادة هيكلة وراجعت سياساتها وممارساتها. المهمة الأساسية للمدراء هي تقبّل حقيقة أنه لا يمكن إنجاز كل شيء على أكمل وجه، وتقبل التنازلات التي يفرضها عدم توافر ما يكفي من الموارد أو الوقت، أو عيوب الهيكل التنظيمي أو برنامج الحوافز، ويشكّل التكيف مع هذا الجانب من الدور الإداري جزءاً رئيسياً من التحول.
هناك جانب آخر يرتبط بكيفية تحقيق الرضا من العمل؛ أي أن يستمتع الفرد بعمله حينما يتولى دوراً إدارياً أو قيادياً بعد أن كان دوره تنفيذياً. لا يشارك المدير مباشرة في تحقيق النتيجة، ومن ثم فإنه من النادر أن يحصل على الإشباع الفوري نفسه الذي يحصل عليه عندما ترتبط النتيجة بعمل فني يؤديه بمفرده. لذا، ليحقق الرضا نفسه عن مسؤولياته الجديدة، يجب أن يتعلم كيف يغير نظرته إلى النجاح، أن يتعلم الاستمتاع برؤية نجاح الآخرين وبمساعدتهم على تحقيقه.
هل تعتقدين أن الأفراد يمكنهم فعلاً تعلم كيفية تحقيق الرضا من طرق العمل الجديدة هذه؟
يمكنهم التعلم والاستكشاف أيضاً. وجدت في بحثي أن الأفراد واجهوا الكثير من المفاجآت عندما أصبحوا مدراء، بعضها كان مفرحاً والبعض الآخر لم يكن كذلك، إذ ثمة جوانب في دور المدير ظنوا أنها ستمنحهم الرضا لكنها لم تفعل، وعلى العكس من ذلك تبيّن لهم أن الجوانب التي ظنوا أنها مملة كانت مثيرة. أدرك بعض الأفراد بعد أن أصبحوا مدراء أنهم يستمتعون حقاً بتدريب الآخرين ورؤية نجاحهم، وأنهم في الواقع يستمتعون بذلك أكثر من حل المشكلات بأنفسهم. لا أعتقد أنه يمكن تسمية ذلك تعلماً، بل هو اكتشاف جوانب جديدة من الذات.
عندما يتطور أداء المدير في مسؤولياته الجديدة فإنه يحقق المزيد من النتائج التي يريدها، وهذا مُرضٍ تماماً، وعلى هذا النحو ثمة بالفعل عملية تعلم حيث تحدث بعض التغييرات فيما يُشعره بالرضا في تجارب العمل.
هناك نقطة رئيسية أخرى في كتابك وهي أن الأفراد يتعلمون كيف يصبحون مدراء أكفاء من خلال التجربة وليس من خلال التدريب.
لا أعتقد أنه بالإمكان تعليم أحد ممارسة القيادة، لكن يمكن مساعدة الأفراد على معرفة كيف يعلّمون أنفسهم ممارسة القيادة والإدارة، من خلال تزويدهم ببعض الأدوات التي سيحتاجون إليها للاستفادة من تجاربهم في أثناء العمل، على سبيل المثال، الأطر التي تمكنهم من التركيز على المشكلات الرئيسية في الموقف؛ فكثير من تجاربنا لا نتعلم منها شيئاً أو قد نتعلم منها درساً خاطئاً لأننا لم نفهمها.
كما يمكن مساعدة الأفراد على زيادة وعيهم بذواتهم، فلكي يكتشف المدراء الآثار المترتبة على أسلوبهم القيادي في موقف معين، فإنهم يحتاجون إلى ملاحظات ليس فقط حول الإجراءات التي اتخذوها، ولكن أيضاً حول الطريقة التي اتبعوها فيها، وكلما زودناهم بقدر أكبر من هذه الملاحظات ساعدناهم على اكتشاف العلاقة بين السبب والنتيجة، ومن ثم فإننا نساعدهم على الربط بين مقاصدهم والأثر الفعلي، فيتعلمون بذلك التفكير بطريقة استراتيجية في أنشطتهم اليومية، ويعدّلون سلوكياتهم لتحقيق النتيجة المرجوة. علاوة على ذلك، فهم يتعلمون التفكير بطريقة استراتيجية في حياتهم المهنية، فيختارون تجارب العمل التي من المرجح أن تحقق لهم النمو والتطور المرغوبين.
إلى جانب تطوير مهارات تأمل النفس لدى المدراء، يمكننا مساعدتهم على أن يتعلموا التصرف بأساليب تشجع الآخرين على تقديم ملاحظات لهم. إذا أظهر المدير استعداداً لسماع ما يقوله الآخرون فسيحصل على المعلومات التي يحتاج إليها لتصحيح أسلوبه في أثناء العمل، وعندما يتقبل الملاحظات نسبياً ولا يتخذ موقفاً دفاعياً، سيرغب الآخرون في توجيهه وتدريبه.
ومن المثير للاهتمام أن معظم ما قرأته عن هذا الموضوع يتمحور حول العثور على مرشد.
أرى أنه من الخطأ التفكير بالأمر بهذه الطريقة، إذ غالباً ما تكون لدى الأفراد أفكار غير واقعية مطلقاً حول ما يجب أن يقدمه لهم المرشد. والنماذج التي نستخدمها للإرشاد مثل نموذج إرشاد الوالدين للطفل أو نموذج إرشاد الأستاذ للطالب، غير مناسبة في السياق المهني، لأن الأقران هم مصدر التعلم الأهم للفرد.
تمثل السنة الأولى في الإدارة فترة مهمة للمدير، فما هي اللحظات الحرجة أو نقاط التحول التي يجب أن ينتبه لها خلالها؟
بدايةً يجب أن تكون لديه توقعات ملائمة لما سيحدث. نعلم جميعاً أن هناك بعض الأخطاء التي سيرتكبها المدير الجديد، لكن معظم الشركات لا تعرف كيف تقر بها، وكأنه من المفروض بالمدير الذي عيّنته حديثاً أن يقدم أداء ممتازاً تماماً مثل المدير المخضرم.
يمثل تفويض المهام على سبيل المثال عملية معقدة تعتمد على التقدير الشخصي. غالباً ما نقرأ أن المدراء الجدد يواجهون مشكلة في التفويض لأنهم مهووسون بالسيطرة، لكن هذا يمثل جانباً صغيراً من المشكلة، فالمدير الجديد يحاول إدارة مسألة تغيير هويته؛ أي التحول من التنفيذ إلى وضع جدول الأعمال، كما يحاول أن يتعلم كيفية تقييم جدارة الآخرين بالثقة، فالتفويض الفعال يعتمد على تقدير المدير الشخصي بشأن الأفراد الذين يمكنه الوثوق بهم. ثمة خطأ كبير آخر يرتكبه المدراء الجدد وهو الظن بأن إنشاء علاقة سليمة مع كل مرؤوس على حدة يكفي لبناء فريق ممتاز، فالعلاقة مع الجماعة تختلف جداً عن مجموع العلاقات الفردية.
يواجه المدير الجديد عدة تحديات تتمثل في التفويض ووضع جدول الأعمال وتحقيق التوازن بين إدارة الفريق وإدارة الأفراد، ويجب على الشركات أن تعترف بأن هذه التحديات متوقعة، عندها يمكنها النظر في نوع التدريب الملائم للمدير الجديد.
لا يحصل المدراء الجدد في معظم المؤسسات على ما يكفي من الملاحظات والتدريب وهذا مؤسف حقاً، لأن تقبّلهم للتعلم خلال هذه المرحلة الانتقالية يكون أكبر، وفي هذا الوقت تحديداً يمكن أن يحقق تدخل المشرف أثراً ذا قيمة.
ما الذي يجعل التدريب فعالاً؟
لا يعتمد التدريب على مهارات خاصة بقدر ما يعتمد على توفر المدربين، المدرب الفعال هو الذي يحقق التوازن بين منح الأفراد الحرية في اتخاذ القرارات من جهة ودعمهم وتوجيههم من الجهة الأخرى. إذا كنت رئيساً لمدير جديد، فمن المهم جداً ألا تعاقبه على الأخطاء التي يمكن توقعها إلى حد ما. لا يعني ذلك ألا تسائل المدير الجديد، بل يجب أن تسائله ولكن مع اتباع نهج تعاوني في معالجة الأخطاء، واستخلاص الدروس التي يمكن تعلمها حتى لا يتكرر الخطأ مرة أخرى. يستفسر المدرب الفعال أيضاً عن نوع الملاحظات التي يتلقاها المدير الجديد، فيتعرّف إلى طبيعتها وكيفية وصولها إليه، وتوضح هذه المعلومات للمدرب الجوانب التي لا يدركها المدير الجديد، إذ يغفل عن الإشارات المهمة ولا يطلب المساعدة التي يحتاج إليها.
هذه مسألة دقيقة للغاية، إذ تختلف مشاعر الأفراد حيال طلب المساعدة.
بالتأكيد، ويعرف البعض كيف يطلبون المساعدة بطريقة بنّاءة أكثر من غيرهم، ويرجع ذلك إلى ما قلته سابقاً حول أهمية تقبل التعلم. إذا كان الفرد من أصحاب الإنجازات المتميزة فقد يفضل حل المشكلات بنفسه ويستصعب الاعتراف بعدم قدرته على تنفيذ مهمة ما. تحدّث عدد من المدراء الجدد في دراستي عن إحجامهم عن طلب المساعدة لأن تولي الإدارة يعني التمتع بالخبرة، وإذا كان الفرد خبيراً فلمَ يطلب المساعدة؟
من هذا المنظور النفسي، يمكننا فهم سبب إحجام المدير الجديد الطموح عن طلب المساعدة. وينطبق المنظور نفسه على الناحية التنظيمية؛ فليس من المحبذ أن يشعر المرؤوسون بأن المدير الجديد الذي يدير وحدتهم فاقد للسيطرة ولا يعرف ما يفعله. أنا لا أشير إلى أن على المدير الجديد الإفصاح للجميع عن شعوره بفقدان السيطرة، ولكنه بحاجة إلى مساحة آمنة حيث يمكنه التحدث عن هذه المشاعر السلبية المرهقة. هناك مشكلات كبيرة تتعلق بالأمان لدى المدير الجديد خاصة فيما يخص طلب المساعدة، ففي كثير من الأحيان، يتردد المدير الجديد في طلب المساعدة من أحد موظفي الموارد البشرية تماماً كما يتردد في طلبها من رئيسه، إذ يتمتع موظفو الموارد البشرية بعلاقات قوية ضمن المؤسسة، لذلك يخشى المدير من أن الكشف لهم عن الصعوبات التي يواجهها أولاً بأول قد يضر بفرصه للترقي مستقبلاً.
ما الذي يمكن أن تتعلمه المؤسسات من المدراء الجدد؟
يشبه المدراء الجدد علماء الأنثروبولوجيا المبتدئين: إنهم يجمعون كل معلومة تبدو ذات صلة بمسؤولياتهم الجديدة، ونتيجة لذلك، يمكنهم تقديم منظور جديد للمسائل، وطرح الأسئلة التي تتناول جوهر الموضوع.
من الأمور التي قالها الأفراد في دراستي عن حضور تدريب المدراء الجدد، هو أنهم فهموا قيم الشركة أكثر من خلال استخلاص المعاني الضمنية لما جرى خلال التدريب. أصاب المدراء الذهول عندما أطلعتهم على رؤى المدراء الجدد حول قيم الشركات، إما لأن انطباعات المدراء الجدد كانت دقيقة، وإن كانت مزعجة، وإما لأن الإدارة العليا نقلت عن غير قصد رسائل خاطئة.
ولأن المدراء الجدد يبحثون، فإنهم حساسون جداً للرسائل المتضاربة التي تقدمها الشركة، ويمكن للشركات أن تستفيد من معرفة الطريقة التي يقرأ بها المدراء الجدد هذه الرسائل، الأمر الذي يخلق حلقة ملاحظات إيجابية: إذا فهمت المؤسسة لماذا يخطئ المدراء الجدد في تفسير رسائلها وقيمها، فيمكنها إجراء تغييرات بنّاءة.