دولة أصحاب المواهب العرب في تركيا

3 دقيقة
دولة أصحاب المواهب العرب
shutterstock.com/Evannovostro

جرّب أن تُعلن عن وظيفة للعمل عن بعد، سيتقدم إليك مرشحون من مختلف الدول العربية، كما سيتقدم إليك مرشحون من مختلف الدول العربية لكنهم مقيمون في تركيا. وجرب أن تبحث في موقع "مستقل" أو "بعيد"، وهي أشهر المواقع العربية للعمل المستقل، فستظهر لك مواهب من الدول العربية مقيمة في تركيا بأعداد لا يمكنك تخيلها. ستجدهم حرفياً من مختلف الدول العربية من شرقها إلى غربها؛ عراقيين وسوريين ولبنانيين وفلسطينيين وأردنيين ومصريين ويمنيين وليبيين وجزائريين ومن تونس والمغرب. إنه تجمع لأصحاب المهارات والمواهب يمكن أن أطلق عليه مجازاً "دولة أصحاب المواهب العرب في تركيا". وهم يعملون اليوم عن بُعد في معظم الشركات العربية.

ودولة الموهوبين العرب التي أقصدها في تركيا، لا تشمل بالطبع العرب والأجانب الذين انتقلوا إلى تركيا من بلدانهم المأزومة، والذين يمكن تصنيف بعضهم بأنهم ليسوا من "أصحاب المهارات" بل من "أصحاب السوابق"، فهذا صحيح أيضاً. وما تسمعونه وتقرؤونه عن حوادث السرقة في تركيا هي حقائق واقعية يقوم بها أبناء الدولة الموازية من "أصحاب السوابق".

ومع تعايش دولة الموهوبين العرب وغير العرب في أجواء من عدم الأمان في الشوارع، جراء هذه الحوادث التي لا تجد من يردعها. وبين عدم الأمان والاستقرار القانوني في هذا البلد المتقلب في مزاجه وقراراته الخاصة بالإقامة والسكن، تبقى الميزة التنافسية التي مازالت تستقطب وتستبقي هؤلاء الهاربين من بلدان تعاني أزمات اقتصادية أو سياسية، هي أنها بلد منفتح تسهل زيارته من جميع الجنسيات، وهو مناسب لعيش أصحاب الدخل المحدود جنباً إلى جنب مع أصحاب الدخل المرتفع، علاوة على أنها بلد متنوع اقتصادياً تنسى معه أزمات توفر السلع والكهرباء والإنترنت وأزمة السكن التي قد تعانيها في بلدك، برغم تدهور قيمة العملة التركية في السنوات الأخيرة. لكن هذه الميزة التنافسية تتعرض للتهديد كل يوم بسبب انخفاض معدلات الأمان سواء في الشارع أو باستقرار القوانين، والأهم من هذا أو ذاك انخفاض معدلات الأمان عن مستقبلك في هذا البلد. واليوم يمكنك أن تتحدث مع أي صديق عربي مقيم في تركيا من أصحاب المواهب، لتجد أن هاجسه الأول، هو "ماذا سيحصل بعد انتخابات تركيا عام 2023؟".

قدر مسؤول تركي عدد العرب في تركيا بأنه نحو 10 ملايين شخص. لقد باتوا يشكلون مجتمعاً بحاجة للتنظيم، لدرجة أنهم أعلنوا عن تأسيس اتحاد عام للجاليات العربية في تركيا. ويندرج ضمن العشرة ملايين عربي في تركيا، نحو 3.7 ملايين من اللاجئين السوريين بحسب المسؤولين الأتراك، وقد حصل نحو مائتي ألف منهم على الجنسية التركية، وفقاً لمعايير اعتمدتها الحكومة التركية في تجنيس أصحاب المواهب وأصحاب الأموال. ويمكن أن تضيف إلى عدد اللاجئين السوريين ما تبقى من العشرة ملايين عربي، والذين هم خليط من شبه لاجئين هاربين من أزمات سياسية كالعراق واليمن، إلى هاربين من أزمات اقتصادية في دول عربية أخرى، إلى باحثين عن الرفاهية وهم من العرب الذين اشتروا عقارات وحصل كثيرون منهم على الجنسية التركية جراء برنامج الاستثمار العقاري مقابل الجنسية. لكن ما الذي يجمع بين هؤلاء جميعاً؟ الجواب؛ هو أنهم لا يشعرون بالأمان والاستقرار بسبب قرارات الإدارة التركية. بدءاً من اللاجئين السوريين الذين اختبروا هذا المزاج المتقلب والبراغماتية المفرطة؛ فجأة أوقفت الحكومة التركية مجانية التعليم للاجئين وطلبت منهم الدفع مقابل التعليم، وفجأة قالت بأنها ستعيد الناس "طواعية" إلى شمال سورية، ولكنها باتت تلتقطهم من الشوارع لتقذفهم خارج الحدود باتجاه شمال سورية عنوة.  دعك من اللاجئين، وتأمل قوانين الإقامة وقوانين الاستثمار مقابل الجنسية، ستجد أنها متقلبة لدرجة أن المعنيين بها من العرب يضعون أيديهم على قلوبهم في كل مرة يتغير فيها مسؤول أمني أو والٍ لمنطقة، أو تحصل انتخابات محلية أو رئاسية.

تبدو دولة أصحاب المواهب العرب في تركيا ثمرة يانعة بحاجة لمن يقطفها، حيث يناقش هؤلاء الموهوبون مصيرهم كل يوم فعلاً، فمنهم من يستمر في المحاولة نحو الهجرة الشرعية أو غير الشرعية إلى أوروبا أو كندا وأستراليا ونيوزيلاندا وبريطانيا، والتي باتت معظمها تمتلك برامج لهجرة أصحاب المواهب. كما بدأت البرامج التي أطلقتها دولة الإمارات العربية المتحدة في جذب المواهب تفعل فعلها عبر مزايا الإقامة الذهبية وإقامة العمل الحر وغيرها. فلا يكاد يمر أسبوع إلا ونسمع عن مبدع عربي أو مؤسس لشركة ناشئة مقيم في تركيا ينتقل أو يفكر بالانتقال من تركيا إلى الإمارات، وكان آخرهم السوري محمود شحود الفائز بجائزة المليون دولار في مسابقة أفضل مبرمج عربي، فقد قرر التبرع للأيتام السوريين بنصف مبلغ الجائزة، وفي النصف الثاني قرر تأسيس شركته البرمجية في دبي والانتقال إليها من تركيا.

وحين يقف أصحاب المهارات العرب في تركيا بين خيارات الهجرة إلى دول أجنبية، وبين استقطابهم من دولة عربية، فإن موازين المنطقة واللغة والمساهمة في العمل ضمن بيئتهم العربية، هي ميزات جاذبة يمكن استغلالها من أصحاب القرارات الجريئة في الدول العربية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي